حرب الجنرالين والجيشين وليس تنافساً إقليمياً: قراءة معمقة في جذور الحرب الأهلية السودانية الرابعة
تاريخ النشر: 23rd, September 2024 GMT
د. عبد المنعم مختار
استاذ جامعي متخصص في السياسات الصحية القائمة على الأدلة العلمية
الافتراض بأن الحرب الأهلية السودانية الرابعة، التي اندلعت في أبريل 2023، هي نتيجة لمؤامرة إقليمية مفروضة على السودان، يتجاهل جوهر النزاع الحقيقي. صحيح أن هناك عوامل خارجية مؤثرة، لكن هذا التحليل يبسط الأمور بشكل مُخل.
هذا الصراع ليس مجرد انعكاس للأيديولوجيات المتصارعة، سواء بين الإسلاميين والعلمانيين، أو نتيجة لتنافس قوى إقليمية مثل مصر والإمارات. بل إن هذه العوامل الخارجية ما هي إلا ستائر أضيفت لاحقاً لتغطية توترات أعمق، تتجسد في التنافس العسكري بين قوتين متناحرتين تسعيان للسيطرة على السلطة في قلب السودان: الجيش السوداني التقليدي بقيادة البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).
عند النظر إلى تاريخ السودان، نرى كيف ساهمت الصراعات الداخلية بين القوى المدنية السياسية والدينية في إحداث انقلابات عسكرية. التنافس بين الحزبين الكبيرين (الأمة والاتحادي) وبين زعيميهما الصوفيين (المهدي والميرغني) أدى إلى الإطاحة بثلاث حكومات مدنية. ففي انقلاب 1958، منع حزب الأمة عودة الاتحاديين إلى الحكم، واعتبر الجيش نفسه البديل الأمثل. وفي 1969، ساهمت الخلافات بين الأحزاب حول مواقفها من الحزب الشيوعي وجمال عبد الناصر في تمهيد الطريق لانقلاب جعفر نميري. أما في 1989، فقد أدى الصراع بين الحكومة والأحزاب الكبرى حول الحرب في الجنوب إلى انقلاب آخر بقيادة الإسلاميين بزعامة عمر البشير.
اللافت أن هذه الانقلابات حدثت نتيجة للصراعات على السلطة بين قوى مدنية لا تملك جيوشاً، ومع ذلك كانت قادرة على زعزعة استقرار النظام السياسي. فما بالك الآن بصراع بين جيشين مسلحين وممولين بشكل كبير؟ التوترات بين البرهان وحميدتي تجاوزت مسألة النفوذ المعتادة؛ فقد تطورت إلى صراع وجودي بين مؤسستين عسكريتين تسعى كل واحدة منهما للهيمنة الكاملة. وقوع الحرب بينهما كان حتمياً بالنظر إلى طبيعة هذا التنافس.
سواء ظل الإسلاميون في الجيش أو تم إقصاؤهم، وسواء دعمت مصر الجيش السوداني أو دعمت الإمارات قوات الدعم السريع أو حتى لم تدعم أي من الطرفين، فإن هذه الحرب كانت ستحدث. المحرك الأساسي للصراع لم يكن التدخل الخارجي بقدر ما كان التنافس المؤسسي العميق بين الجيشين والتوتر الشخصي المتزايد بين البرهان وحميدتي. تصاعدت التوترات مع تطور قوات الدعم السريع إلى قوة عسكرية ضخمة، تشكلت بدايةً للمساعدة ثم استمرت لتنافس الجيش النظامي. البرهان سعى إلى احتواء هذا التهديد وحماية نفوذه داخل الجيش، دون تقديم أي تنازلات سياسية لحميدتي، مما جعل الصدام بينهما حتمياً.
علينا أن ندرك أن القيادة المزدوجة، سواء كانت مدنية أو عسكرية، تظل وصفة أكيدة للصراع والانقسام. الصراعات الإيديولوجية التي تروج لها الأطراف الداخلية والخارجية ليست سوى غطاء لصراع أعمق. في الجوهر، هذا النزاع سوداني بامتياز، ينبع من التنافس على السلطة والسيطرة بين قوتين عسكريتين، يقودهما جنرالان يسعيان للهيمنة المطلقة.
الحرب السودانية الرابعة إذن ليست مجرد حلقة أخرى في سلسلة من الصراعات الإقليمية، بل هي نتاج تراكمات تاريخية داخلية تمتد لعقود من التنافس والصراع بين القوى السياسية والعسكرية في السودان.
إذن، التدخل الخارجي لاحق وليس سابقاً، وضروري لكنه ليس كافياً في الحرب الأهلية السودانية الرابعة الجارية.
Consequently, external intervention is subsequent, not prior, and necessary, but not sufficient in the current fourth Sudanese civil war.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
هل يكسب البرهان الحرب بسبب عقوبات بايدن المحتملة على حميدتي ؟؟
هل يكسب البرهان الحرب بسبب عقوبات بايدن المحتملة على حميدتي ؟؟
طبعاً لا
هي زي صواريخ كروز الأمريكية التي سمح لأوكرانيا بإستخدامها ضد روسيا ..
هذه العقوبات أقل شئ فعل سوف تصنعه انها سوف تجعل الرئيس القادم دونالد ترامب ينتهج حل الأزمة بشكل مغاير لسلفه ...
ترامب يرى أن كل قرارات بايدن خاطئة وطائشة
و يجب أن نضع في الإعتبار أن تجربة الجولاني في سوريا غيّرت الكثير من المفاهيم بخصوص حل الأزمات السياسية وبخصوص تصنيف القادة ووضعهم تحت قائمة العقوبات ...
وويجب أن نضع في الإعتبار أن اي عقوبات على حميدتي يقابلها ثمن يجب أن يدفعه البرهان عاجلاً أو آجلاً ..
والثمن هو :-
إما خسارته لروسيا
أو تسهيلات يقدمها لأمريكا ترفع من ثمن تكلفة الحرب
أو إجباره على وقف الحرب ووقف تحالفاته مع روسيا وإيران والسعي لتاسيس حكم مدني كامل ...
لكن يظل السؤال مطروحاً هل سوف تؤثر هذه العقوبات الأمريكية على الDM في الميدان ؟؟
لا طبعاً ...
فالحرب في أفريقيا لها سبلها وتشعباتها وتعتمد على العنصري البشري
وممكن الآن الDM شغال بنسبة 25% من طاقاته الإنتاجية حتى لا يخسر مكانته الدولية ...
لكنه لو صدرت عقوبات فسوف تجعله يتحرر من القيود الدبلوماسية لأنه ليس لديه ما يخسره
هذه العقوبات - وإن كان المصدر في تسريب خبرها هو ضعيف وهو صحيفة بولتيكو - ولكنها لو حدثت سوف تعقد الأزمة السودانية وتجعل العنف هو الخيار الوحيد للحل...
وحتى هذه اللحظة الDm لا يمثل تهديداً للأمن القومي الأمريكي وغير مرتبط بالإسلاميين والتي سبق أن وضعت الولايات المتحدة زعيمهم علي كرتي على قائمة العقوبات
غير كدا ..
العقوبات تحتاج لتوافق بين رعاة المفاوضات وبالذات الأوربيين والذين يقسمون العقوبات بالتساوي بين الجيش والDM وللمنظمات الإقليمية مثل الإتحاد الافريقي والايغاد
بشرى أحمد علي