د. عبد المنعم مختار

استاذ جامعي متخصص في السياسات الصحية القائمة على الأدلة العلمية

الافتراض بأن الحرب الأهلية السودانية الرابعة، التي اندلعت في أبريل 2023، هي نتيجة لمؤامرة إقليمية مفروضة على السودان، يتجاهل جوهر النزاع الحقيقي. صحيح أن هناك عوامل خارجية مؤثرة، لكن هذا التحليل يبسط الأمور بشكل مُخل.

فالصراع الذي نشهده اليوم هو في الأساس تنافس داخلي شرس بين قوتين عسكريتين وجنرالين، تعود جذوره إلى تأسيس قوات الدعم السريع وصعود الفريق عبد الفتاح البرهان إلى منصب القائد العام للقوات المسلحة.

هذا الصراع ليس مجرد انعكاس للأيديولوجيات المتصارعة، سواء بين الإسلاميين والعلمانيين، أو نتيجة لتنافس قوى إقليمية مثل مصر والإمارات. بل إن هذه العوامل الخارجية ما هي إلا ستائر أضيفت لاحقاً لتغطية توترات أعمق، تتجسد في التنافس العسكري بين قوتين متناحرتين تسعيان للسيطرة على السلطة في قلب السودان: الجيش السوداني التقليدي بقيادة البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).

عند النظر إلى تاريخ السودان، نرى كيف ساهمت الصراعات الداخلية بين القوى المدنية السياسية والدينية في إحداث انقلابات عسكرية. التنافس بين الحزبين الكبيرين (الأمة والاتحادي) وبين زعيميهما الصوفيين (المهدي والميرغني) أدى إلى الإطاحة بثلاث حكومات مدنية. ففي انقلاب 1958، منع حزب الأمة عودة الاتحاديين إلى الحكم، واعتبر الجيش نفسه البديل الأمثل. وفي 1969، ساهمت الخلافات بين الأحزاب حول مواقفها من الحزب الشيوعي وجمال عبد الناصر في تمهيد الطريق لانقلاب جعفر نميري. أما في 1989، فقد أدى الصراع بين الحكومة والأحزاب الكبرى حول الحرب في الجنوب إلى انقلاب آخر بقيادة الإسلاميين بزعامة عمر البشير.

اللافت أن هذه الانقلابات حدثت نتيجة للصراعات على السلطة بين قوى مدنية لا تملك جيوشاً، ومع ذلك كانت قادرة على زعزعة استقرار النظام السياسي. فما بالك الآن بصراع بين جيشين مسلحين وممولين بشكل كبير؟ التوترات بين البرهان وحميدتي تجاوزت مسألة النفوذ المعتادة؛ فقد تطورت إلى صراع وجودي بين مؤسستين عسكريتين تسعى كل واحدة منهما للهيمنة الكاملة. وقوع الحرب بينهما كان حتمياً بالنظر إلى طبيعة هذا التنافس.

سواء ظل الإسلاميون في الجيش أو تم إقصاؤهم، وسواء دعمت مصر الجيش السوداني أو دعمت الإمارات قوات الدعم السريع أو حتى لم تدعم أي من الطرفين، فإن هذه الحرب كانت ستحدث. المحرك الأساسي للصراع لم يكن التدخل الخارجي بقدر ما كان التنافس المؤسسي العميق بين الجيشين والتوتر الشخصي المتزايد بين البرهان وحميدتي. تصاعدت التوترات مع تطور قوات الدعم السريع إلى قوة عسكرية ضخمة، تشكلت بدايةً للمساعدة ثم استمرت لتنافس الجيش النظامي. البرهان سعى إلى احتواء هذا التهديد وحماية نفوذه داخل الجيش، دون تقديم أي تنازلات سياسية لحميدتي، مما جعل الصدام بينهما حتمياً.

علينا أن ندرك أن القيادة المزدوجة، سواء كانت مدنية أو عسكرية، تظل وصفة أكيدة للصراع والانقسام. الصراعات الإيديولوجية التي تروج لها الأطراف الداخلية والخارجية ليست سوى غطاء لصراع أعمق. في الجوهر، هذا النزاع سوداني بامتياز، ينبع من التنافس على السلطة والسيطرة بين قوتين عسكريتين، يقودهما جنرالان يسعيان للهيمنة المطلقة.

الحرب السودانية الرابعة إذن ليست مجرد حلقة أخرى في سلسلة من الصراعات الإقليمية، بل هي نتاج تراكمات تاريخية داخلية تمتد لعقود من التنافس والصراع بين القوى السياسية والعسكرية في السودان.

إذن، التدخل الخارجي لاحق وليس سابقاً، وضروري لكنه ليس كافياً في الحرب الأهلية السودانية الرابعة الجارية.

Consequently, external intervention is subsequent, not prior, and necessary, but not sufficient in the current fourth Sudanese civil war.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

متحرك عسكري يبلغ البرهان إستعداده للقتال بجانب الجيش

متابعات – تاق برس – التقى رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد عام الجيش السوداني الفريق أول الركن عبدالفتاح البرهان ، وفد الهيئة العليا لإسناد متحرك عثمان دانفوديو برئاسة العمدة صالح أمير كويري.

وتطرق اللقاء إلى مجمل الأوضاع الأمنية والتحديات التي تواجه البلاد وجهود تحقيق السلام والأمن والاستقرار.

وأمتدح فضل السيد عيسى شعيب رئيس الهيئة في تصريح صحفي، الانتصارات التي حققتها القوات المسلحة والقوات المساندة لها، وهي تخوض معركة الكرامة والعزة لدحر ما أسماها المليشيا الإرهابية المتمردة- قوات الدعم السريع.

وقال رئيس الهيئة وفق بيان من مجلس السيادة،  “عندما أدركنا إن البلاد تواجه المخاطر والتحديات تنادينا كأبناء الفولاني للوقوف خلف القوات المسلحة لصون وحدة السودان واستقراره وسلامة أراضيه وأمنه”.

وأكد حرصهم على التصدي لمليشيا آل دقلو والقضاء عليها وتحرير كل شبر دنسه العملاء والمرتزقة وفق بيان مجلس السيادة.

مقالات مشابهة

  • الحكومة السودانية: الدعم السريع أحرقت 270 قرية في شمال دارفور
  • الجيش السوداني يعلن مقتل 47 مدنيا في قصف للدعم السريع استهدف الفاشر‎
  • البرهان يلتقي الوفد البرلماني الموريتاني
  • تركيا تعرض على البرهان مشروعات لانقاذ السودان بعد الحرب
  • “كمين المندرابة”.. الجيش السوداني يلقي القبض على قائد بقوات الدعم السريع وضباطه وجميع قواته
  • د. فرانسيس دينق سياسي مُنحاز وليس مُراقب أو مُحلّل!
  • البرهان يبحث مع مسؤول أممي إمكانية إيصال المساعدات إلى الفاشر
  • مساعد البرهان يعلن عن موقف حاسم تجاه التفاوض مع الدعم السريع
  • الانتشار الفوري| إعلان عاجل للداخلية السودانية يخص ميليشيات الدعم السريع
  • متحرك عسكري يبلغ البرهان إستعداده للقتال بجانب الجيش