دولة كندا جغرافياً تجاور أكبر دولة رأسمالية في العالم الأ أن الكنديين ما زالوا يستمتعون بأنتصارات حركتهم العمالية والنقابية في عدة مجالات: نظام صحي مجاني وتعليم مجاني فيما قبل المرحلة الجامعية ونظام ضرائبي يتماشي مع العدالة الأجتماعية وحالياً بدأت بعض المدن في تطبيق نظام المواصلات المجانية طوال أيام الاسبوع لكبار السن أي فما فوق الخمسة وستين وبعضها جعل المواصلات مجانية لكبار السن ليوم واحد في الأسبوع .
علي الرغم من أهمية (الانترنت) والعم (قوقول) في حياة الكنديين بصورة عامة وطلبة الجامعات والمدارس بصورة خاصة الأ أن هنالك بعض القوانين التي تحد من أستعمال التلفون أثناء اليوم الدراسي بالنسبة للطلاب فيما قبل المرحلة الجامعية . بعض الدراسات العلمية توصلت الي أن جهاز التلفون الذي يكون بالقرب من الطالب يتسبب في تشتيت الأنتباه وعدم التركيز مع المعلم إضافة الي أن الطالب مع وجود الأنترنت قد ينجذب الي صفحات غير مرغوب فيها . عليه مُنع إستعمال التلفون في المدارس أثناء اليوم الدراسي وترك كيفية تطبيق القرار للمحافظات المختلفة . مثلاً بعضها منع أستعمال التلفون أثناء الفصل الدراسي لكل المراحل بدأً من الروضة الي الفصل الثاني عشر وفي البعض الآخر كمحافظة أنتاريو يتوجب علي التلاميذ من مرحلة الروضة الي الفصل السادس أن يضعوا التلفون في الصامت ويتم تسليمة الي أدارة المدرسة عند الدخول ومن الفصل السابع الي الثاني عشر يمنع أستعمال التلفون أثناء الحصص وهذا القرار بدأ تطبيقه من بداية العام الدراسي الحالي . أوضحت نتائج الأستفتاء علي هذا القرار أن 70 بالمئة من الأباء مع المنع أثناء الحصص الدراسية .
من الملاحظ أن جائحة الكرونا التي بدأت تعاود الظهور مرة أخري ، أفرزت بعض السلوكيات الغريبة علي البشرية والمجتمع الكندي خاصة . أصبح الناس أكثر حوطة تخوفاً من إنتقال العدوي وشملت هذه الأحتياطات غسل الأيادي بأنتظام وتعقيم كل الأجسام الثابته والصلبه ، تفادي الأختلاط والأبتعاد بمسافات عن البعض قد تصل الي متر بين الشخص والآخر ، لبس الأقنعة والكمامات حتي أصبح من الصعوبة التعرف علي الشخص الذي يقف أمامك . هذه الجائحة اللعينة بعد أن قتلت الملايين خلفت آثارها السلبية علي الحياة الأجتماعية ، فرضت حظر علي طريقة السلام والتحية بين البشر، أختفي بدون مقدمات العناق والمحنة في اللقاء وتبادل القبلات بين الأحبة وصار حصراً علي غرف النوم والأفلام السينمائية . مجتمع الرأسمالية الأستهلاكي أنتهز هذه الفرصة وأنجب ظاهرة أجتماعية جديدة . أصبح في حكم العادة أن تري كل فرد يحمل معه وعاءً بلاستيكياً مملؤاً بالماء أشبه (بالزمزمية) لا يشاركه فيها شخص آخر في الشرب كنوع من الاجراءات الصحية وتفادياً لنقل العدوي . هذه الزمزميات ذات أحجام مختلفة إضافة الي أنها بخلاف عدم نقل العدوي تفرض علي الشخص شرب كمية محددة من الماء تقدر بأثنين لتر في اليوم ومعها خط بياني يوضح كمية الأستهلاك في الساعة المحددة . شعوب وصلت مرحلة من الحرص علي الصحة حددت فيه مقدار الماء الذي يحتاجه الأنسان علي مدار الساعة . أزرفت الدمع علي النازحين في بلدي الذين توفوا ولم يجدوا قطرة ماء ترؤي ظمأهم وكذلك العالقين في أقصي الشمال حيث وصلت درجة الحرارة الي خمسين أو أولئك الذين علي الحدود السودانية التشادية الذين ساروا حفاةً عراةً عشرات الكيلومترات بدون قطرة ماءٍ في بلد تجري فيه ثلاثة أنهار وبه أطول نهر في العالم . دنيا لا يحكمها من يحكمها (الفيتوري) .
المسكن ليس هو بالشيئ الثابت في كندا ، يتغير بتغير الحوجة والتي هي بالضرورة تتأثر بعوامل عدة منها تغيير مكان العمل ، أو عدد الأشخاص الذين يقطنون هذا المنزل أو ذاك في حالة النقصان أو الزيادة ، الكّبر الذي يحتاج لسكن بمواصفات محددة تخلوا من السلالم والطوابق العالية ، الترحال بسبب الدراسة ، أنفصال الأسر وهلمجرا . تغيير السكن عادةً ما تتبعه فوائد مالية . وفي حالة أتفاق المُلاك (الزوج والزوجة) علي تغيير السكن ينتظرون السانحة التي يجنون منها الربح في أتخاذ هذا القرار . بهذه المعايير قد تكون أسرتي من أقدم الأسر في الشارع الذي يقع فيه منزلنا، لم نتحرك منه قيد أنملة . في الجهة المقابلة لمنزلنا يسكن مهندس معاشي من أصل هندي . زوجته من أسكتلندا وعلي ما أعتقد تلقي تعليمه بأنجلترا ولهم أبن واحد (جون) عمره يقارب الخمسين عاماً غير متزوج ويسكن مع والديه علي غير العاده بدعوي كبر سنهم وأحتياجهم لمساعدته . نتبادل مع هذه العائلة هدايا الكريسماس وفي بعض الأحيان أطباق من الطعام كحال الجيران في كل الدنيا . (جون) لم أراه يزاول عملاً حتي قبل جائحة الكرونا التي مارس فيها جزء كبير من الكنديين أعمالهم من منازلهم . بعض المرات أتبادل معه الحديث ولاحظت أنه ينطق بعض الكلمات باللغة السواحلية فأثار فضولي وسألته عن أين تلقي المعرفة بهذه الكلمات . أتضح أنه عمل في كل شرق أفريقيا وحتي زار جنوب السودان . وعلي الحال طفح السؤال الثاني ما هي طبيعة العمل الذي تولاه في هذه البيئة النائية ؟
(جون) عمل في فيلق عسكري مع الجيش الفرنسي وحارب في صفوفه كمرتزق في عدة دول أوربية و أفريقية وعلي ما أعتقد نسبة لأعتلال صحته لم يتمكن من الذهاب لاوكراينا حيث ذهب زملاؤه برواتب يسيل لها اللعاب . وفي فصل الربيع والصيف حيث النوافذ مفتوحة أصبحنا نستنشق داخل المنزل من وقت لآخر رائحة لم تكن غريبة علي بحكم سكني الأمدرماني . الأسبوع المنصرم قابلة (جون) أمام جراج منزله وفي يده سيجارة (حمرا ) . وكما هو الحال في سوداننا ناولني لها لكي أشاركه الكيف . أندهشت وتابعة الأندهاشة بالرفض رغم أصراره ، وواصل هو في الحديث حيث ذكر أنه يتحصل عليها بناءً علي أرشادات طبية كعقار لحالته الصحية وهذا العقار (البنقو) يدخل ضمن تأمينه الصحي الذي تدفع تكاليفه وزارة الدفاع الكندية . واصل ( جون ) الحديث وقال أن كندا هي القطر الوحيد علي وجه المعمورة الذي سمح بأستعمال هذا العقار حيث أصبح يباع في المحلات التجارية علي عينك يا تاجر . حاولت أن أجادله في معرفتي المحدودة بالدول التي تسمح به فذكرت دولة هولندا . فاجأني بأن معلوماتي غير صحيحة أذ توجد في هولندا بعض التحفظات علي الأستعمال والشراء والأماكن المسموح بها وفي حالة عدم قناعتي بهذا الرد وجهني أن الجأ الي العم قوقول وكما عبر هو (قوقل إت).
قبل فترة تم لقاء أسري علي مائدة طعام بمنزلنا جمع أفراد الأسرة أضافة الي أصدقاء أبناءنا من الجنسين . وعادةً الكنديين لا يفضلون النقاش في السياسة علي المائدة حتي لا يفسدوا مذاق الطعام . هنالك محرمات لا يدور حولها النقاش : السياسة ، الدين ، وتربية الأطفال . أمام هذا التابو لا يجوز أدارة حوار حول المائدة قد يتسبب في خلاف يفقد الروابط الأجتماعية . هذا الوضع فرض علي أن أسترق السمع وأتابع بأهتمام ما يدور بينهم من أحاديث ، خاصة وأن الشباب لا يفضلون في هذا الجزء من العالم مخالطة كبار السن لاختلاف الأهتمامات . كان أول المواضيع التي طرقوها وأستحوذت علي نصيب أكبر من الوقت هو العقارات وقروضها البنكية وسعر الفائدة و البورصة والربح والربج المركب الذي لم أستوعبه الأ حينما وصلت الي كندا وصارت لي بطاقة بنكية وخلاف ذلك من الأمور المالية التي لا تدخل ضمن أهتماماتي . هذا الجيل الذي عاش وتربي في أحضان النظام الرأسمالي يفهم هذه المصطلاحات بأدق تفاصيلها ، الموضوع الثاني الذي تمت مناقشته هو نوع الأطعمة وأي منها يُفضل وبأي طريقة يتم تحضيرها وفي أي المطاعم يمكن تناول هذا الطبق أو ذاك . علي الرغم من أني أمدرماني الأ أن عدم معرفتي بأسماء هذه الأطعمة وحتي أطباق مطعم ماكدولنز التي يتحدثون ويتجادلون حولها ، الزمني الصمت كي لا أعطي أنطباعاً بجهلي وثانياً لكي لا ينطبق علي القول بالعامية بأني (بطينة) . المجاعة التي أجتاحت القطر من جراء الحرب اللعينة ففاقت مجاعة سنة سته والتي أفادت بأن بعض السودانيين وجدوهم أثناء هذه الحرب في عاصمة البلاد فارقوا الحياة وفي أفواههم أكياس من البلاستيك فرضت علي الكثيرين منا عدم تذوق طعم الطعام . علي الحال لعنت نفسي وتحسرت علي هؤلاء الشباب ذوي الأهتمامات التي ليس لها شبيه في مصطلاحاتي حتي عندما كنت في سنهم . الموضع الثالث الذي تداولوه ماهي الأماكن التي سيقضون بها أجازاتهم والي أي الأقطار ينون السفر . هذه هي محصلة جلستنا ولا حديث عن غزة أو حرب السودان . أزدادت قناعتي بالحكمة السودانية ( الجمرة بتحرق الواطيها )
حامد بشري
22 سبتمبر 2024
hamedbushra6@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
احتفاء السينما بعيد الحب.. أفلام خالدة ترسم ملامح الرومانسية على الشاشة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
مع حلول عيد الحب كل عام، تتحول السينما إلى نافذة مشرعة على المشاعر، حيث تصدح قاعات العرض بقصص الحب الخالدة التي تعكس معاني العشق، الشغف، والتضحيات، فهذا الاحتفاء لا يقتصر على مجرد عرض أفلام رومانسية، بل يتجاوز ذلك إلى تقديم أعمال تُعيد إحياء الكلاسيكيات وتقديم زوايا جديدة للحب في قالب سينمائي متجدد.
السينما وطقوس الاحتفال بعيد الحبتعد السينما واحدة من أكثر الفنون تعبيرًا عن الحب، حيث تقدم أفلامًا تنوعت بين الرومانسية الحالمة، الدراما العاطفية، والكوميديا الرومانسية، مما يجعلها خيارًا مثاليًا للاحتفال بهذه المناسبة خلال هذه الفترة، حيث تتسابق دور العرض والمنصات الرقمية لعرض مجموعة من الأفلام التي تتناول الحب من زوايا مختلفة، سواء من خلال إعادة عرض الأفلام الكلاسيكية أو تقديم أفلام جديدة تجسد روح العصر.
أفلام خالدة في ذاكرة الحب السينمائيقدمت السينما العالمية والعربية عبر العقود أفلامًا باتت رمزًا للحب والرومانسية، منها: «Gone with the Wind» عام 193، قصة الحب التي جمعت بين «ريت بتلر» و«سكارليت أوهارا»، في ملحمة تاريخية تعد واحدة من أعظم الروايات الرومانسية على الشاشة، وفيلم «Titanic» عام 1997، الذي جسد الحب في أبهى صوره بين «جاك» و«روز»، وسط كارثة غرق السفينة الشهيرة، و«The Notebook» عام 2004، وهو عمل سينمائي أيقوني عن الحب الذي يتحدى الزمن والذاكرة.
وأيضا فيلم «إمبراطورية ميم» للمخرج حسين كمال، الذي عرض عام 1972، ويعد من أبرز الأفلام العربية التي جسدت الحب الناضج من خلال قصة فاتن حمامة وأحمد مظهر، فالعمل من تأليف إحسان عبدالقدوس، إعداد سينمائي نجيب محفوظ، سيناريو محمد مصطفى سامي وكوثر هيكل، وكذلك «حب وكبرياء» للمخرج حسن الإمام، والذي عرض عام 1972، وهو الفيلم الذي جمع بين محمود ياسين ونجلاء فتحي في قصة حب مؤثرة، وشاركهما البطولة الفنانين: حسين فهمي، سمير صبري، عماد حمدي، مديحة كامل، مديحة سالم، وآخرون، والعمل من تأليف يوسف عيسى ومحمد مصطفى سامي، وفيلم «حسن ونعيمة» للمخرج هنري بركات في العام 1959، والذي جمع بين محرم فؤاد وسعاد حسني في قصة حب الملهمة، فالعمل من تأليف عبدالرحمن الخميسي وهنري بركات.
التطور السينمائي في تناول قصص الحبلم تعد قصص الحب في السينما مجرد حكايات تقليدية عن الفارس الذي ينقذ محبوبته، بل باتت تعكس التحديات العصرية، مثل الحب في زمن التكنولوجيا، العلاقات العابرة للقارات، والتباينات الثقافية، فتقدم الأفلام الحديثة طرحًا أكثر عمقًا للعلاقات العاطفية، حيث تتناول التوترات النفسية، الصراعات الأسرية، والحب الذي يقاوم الزمن والمسافات.
السينما كوسيلة تعبير عن المشاعروفي زمن أصبحت فيه المشاعر سريعة التقلب بفعل إيقاع الحياة المتسارع، تبقى السينما واحدة من الوسائل القادرة على استعادة سحر الحب ورونقه من خلال الموسيقى التصويرية، والحوارات العميقة، والمشاهد المليئة بالعاطفة، حيث توفر الأفلام ملاذًا للهاربين من روتين الحياة لتغمرهم بلحظات من الشغف والحنين.
عيد الحب والسينما علاقة لا تنتهيلذا يبقى عيد الحب مناسبة مثالية لإعادة اكتشاف سحر السينما، سواء من خلال مشاهدة فيلم كلاسيكي يعيد الذكريات، أو فيلم جديد يقدم منظورًا مختلفًا للحب، فكما أن الحب لا يموت، تظل السينما قادرة على تجسيده بكل تفاصيله، لتظل الشاشة الكبيرة هي الراوي الأصدق للمشاعر الإنسانية.