ماذا يعني غلق مكتب الجزيرة برام الله؟ قانونيون دوليون يجيبون
تاريخ النشر: 23rd, September 2024 GMT
باريس- أثار اقتحام القوات الإسرائيلية -أمس الأحد- مكتب قناة الجزيرة في رام الله وإغلاقه لمدة 45 يوما بقرار عسكري، قدمه جنود مسلحون وملثمون في ورقة باهتة للصحفيين بالمكتب ونُفذ على عجل في منطقة تقع "نظريا" خارج سلطة الاحتلال، عدة تساؤلات ومخاوف من دوافعه.
ومع استمرار تنديد المنظمات الدولية المدافعة عن حرية الصحافة واستنكار خبراء القانون التجاوزات التي ترتكبها إسرائيل، يتزامن هذا القرار مع موجة تحريض سياسي غير مسبوق ضد شبكة الجزيرة داخل حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمينية، وهجمات عنيفة يشنها الاحتلال على الضفة الغربية المحتلة، وحملة إبادة على أهالي غزة تقترب من عامها الأول.
إعدام الصوت والصورة
وفي مشهد يشبه العرض العسكري وحال فلسطين بشكل مصغر، يخرج الصحفيون من مكتبهم ليبقى المحتلون في الداخل يتجولون كالأشباح ويعبثون ويصادرون ممتلكات الشبكة، حتى إن صورة الصحفية الراحلة شيرين أبو عاقلة أزعجتهم، فلم يجدوا وسيلة لردع نظراتها التي تلاحقهم في المكان إلا بتمزيقها.
من جانبها، ترى رئيسة الاتحاد الدولي للصحفيين دومينيك برادالي أن "المحتل يحاول بكل وسيلة ممكنة القضاء على جميع الشهود والصحفيين الذي يمكن أن يشهدوا على جرائم الجنود والمستوطنين". وأضافت -للجزيرة نت- أن إسرائيل لا تحترم حرية العمل الصحفي في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها وفي قطاع غزة أيضا، وأنه من حسن الحظ استمر الصحفيون الفلسطينيون في غزة في تزويد العالم بالمعلومات والصور الجادة والصادقة لكشف حقيقة الأوضاع هناك.
وعن مدى خطورة الاستيلاء على أرشيف المكتب ومعداته، وصفت برادالي ذلك بأنه "عمل من أعمال الحرب"، مشيرة إلى أن طرد الصحفيين وسرقة جميع بياناتهم الموجودة في أجهزة الكمبيوتر وغيرها يمثل أمرا خطيرا للغاية على جميع اتصالاتهم لأنهم لم يعودوا قادرين على حماية مصادرهم.
في السياق ذاته، أكد نائب الأمين العام للاتحاد الدولي للصحفيين تيم داوسون ضرورة بقاء الملفات التي يعمل عليها الصحفيون في سرية تامة لأنهم ملتزمون بحماية هويات مصادرهم. وبالتالي، فإن قيام حكومة معادية بالبحث في أجهزة الكمبيوتر أمر غير مقبول على الإطلاق، وهو جزء صغير من سلسلة طويلة من الجرائم المروعة التي ارتكبتها الحكومة الإسرائيلية ضد وسائل الإعلام الحر، على حد تعبيره.
وفي حديث للجزيرة نت، يتوقع داوسون تعرض الصحفيين الإسرائيليين للمصير ذاته، لأن "الطغاة لا يميلون إلى ممارسة الاستبداد بمجرد أن يفلتوا من العقاب، بل يستمرون في ممارسة مزيد منه". وتابع "لقد شهدنا هجمات على صحف إسرائيلية مثل هآرتس التي وُصفت بأنها عدوة للدولة، مما يعني أن الحكومة لا تسامح وجهات النظر التي تخرج عن سرب آرائها وتعطي لنفسها الحق في إسكات الناس عندما ينتقدونها".
وباعتقاده، ستستخدم إسرائيل التكنولوجيا التي تمتلكها أو تقنيات الذكاء الاصطناعي لنسخ وتحميل وتحليل كل الملفات التي أخذتها من مكتب الجزيرة لفحصها بسرعة أكبر، "وهو احتمال مرعب يقوض المبادئ الأساسية للصحافة الحرة"، وفق المتحدث.
ترهيب غياب للقانونمن جانبه، يزعم الجيش الإسرائيلي أن أمر الإغلاق جاء بسبب "استخدام المكاتب للتحريض على الإرهاب وتعريض بث القناة للأمن والنظام العام في المنطقة وإسرائيل بأكملها للخطر".
وتعليقا على ذلك، يؤكد المحامي الفرنسي جيل دوفير أن القوة العسكرية المحتلة لا تمتلك الحق في إغلاق المكتب ولو لمدة 15 دقيقة ولا إدارة شؤون رام الله، وفقا لرأي محكمة العدل الدولية لعام 2014 الذي ينص بوضوح على "أن أي احتلال هو غير قانوني ويجب إنهاؤه على الفور".
ويعتبر دوفير -في حديث للجزيرة نت- أن مفهوم الإرهاب في القانون الدولي ذو محتوى ضعيف للغاية ولا وجود له في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وكتابات العدل الدولية، لذا فإن اتهاماتهم تقتصر على "النجاح السياسي المجنون لهذا المصطلح لأن قيمته -قانونيا- هامشية وهشة".
وغير مستبعد تجديد مدة الـ45 يوما التي فرضها الاحتلال، أوضح "ليس لدى القوة العسكرية أي حدود أو احترام للقوانين، وبعد أن تجاوزوا كل الأسس القانونية التي لا تسمح لهم بإغلاق مكتب الجزيرة، يمكنهم الذهاب إلى أبعد من ذلك واتهام مدير المكتب بالتحريض على الجريمة وما إلى ذلك".
ويرى داوسون أن ما فعله جنود الاحتلال يشكل "محاولة دنيئة لترهيب صحفيي الجزيرة"، وأن تمزيق صور الراحلة شيرين أبو عاقلة "عمل حقير" يأتي ضمن الهجمات التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية ضد حرية الإعلام، بما في ذلك منع الصحفيين الأجانب من دخول غزة، واستهداف الصحفيين الفلسطينيين لقتلهم، ومضايقة وسائل الإعلام المحلية عندما تجرأت على انتقاد حكومتها.
من جانبها، لفتت برادالي إلى الصعوبة التي يواجهها الاتحاد الدولي للصحفيين لحماية الصحفيين، لأنه "عندما لا يطبق المحتل أي قانون دولي وتفشل السلطات الدولية في إسماع صوتها واحترامها، فمن الصعب علينا أن نفعل أكثر مما تستطيع هذه السلطات القيام به".
اغتيال الديمقراطية وأوسلو
وعلى الرغم من سعي إسرائيل المستميت لإظهار نفسها بمثابة الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وامتلاكها النظام القانوني الأكثر كفاءة، تأتي تصرفاتها لتثبت العكس وأن نظامها بعيد كل البعد عن الديمقراطية وأن سياستها الحكومية حصرت سيادة القانون في الظل وأصبحت مجرد ذكرى تحتضر.
وهو ما يتوافق مع تصريحات المتخصص في القانون الجنائي الدولي توبي كيدمان للجزيرة نت عندما قال إن "إسرائيل تمارس سياسة الفصل العنصري ولديها هدف واضح يتمثل في نزع الصفة الإنسانية عن الشعب الفلسطيني، واقتحام قواتها العسكرية لمكتب الجزيرة وإغلاقه يشكل دليلا واضحا على استبداديتها الصارخة".
كما أكد كيدمان أنه "من الواضح أن شبكة الجزيرة صوت مستقل ومهم يوثق الجرائم في الوقت الحقيقي، وهو الصوت الذي تسعى الحكومة الإسرائيلية بشدة إلى إخفائه عن العالم الخارجي"، معتبرا أن "الحقيقة القاسية هي أننا نشهد انهيار النظام الدولي القائم على سيادة القانون -وكأنه أمر عادي- ولا بد أن يشعرنا صمتنا الجماعي بالخجل".
وحسب المحامي جيل دوفير، تختفي اتفاقيات أوسلو تماما، لأنها كانت مبنية على فكرة الابتعاد عن القانون الدولي وإنشاء معاهدة ثنائية القومية، وهي طريقة كانت تهدف أساسا إلى إبعاد الشعب الفلسطيني عن القانون الدولي، ومن ثم حرمانه من كل سبل اللجوء الممكنة إليه.
وتابع "في الوقت الذي تحرز فيه القضية الفلسطينية تقدما، تنتهك إسرائيل سيادة الأراضي الفلسطينية والقانون الدولي، لأن الفلسطينيين تركوا اتفاقيات أوسلو جانبا وعادوا إلى محكمتي العدل والجنائية الدوليتين".
بدوره، وصف تيم داوسون اقتحام المكتب ودخول قوات الاحتلال إلى المنطقة (أ) بـ"الانتهاك الصارخ لأوسلو"، مشيرا إلى أن "تحرك الجنود ببدلهم العسكرية وبحوزتهم بنادق هجومية وكأنهم مقبلون على معركة وتحطيمهم الأبواب ومصادرة المعدات وطرد الصحفيين من مكاتبهم، يثبت إعدام حرية الإعلام حيث تُغتال الديمقراطية في غيابها".
وبينما قُتلت أوسلو وبقيت حرية الصحافة حبرا على ورق، أثبتت الأحداث الحالية أن للمنطقة حاكما عسكريا إسرائيليا يتسلح بما يسميها "صلاحيات" يقرر بموجبها ما يشاء، لتبقى علامات استفهام كثيرة معلقة حول نية الاحتلال الحقيقية في الضفة، ولعل من أهمها: ما الذي يريد فعله هناك بعيدا عن كاميرات الجزيرة؟
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات القانون الدولی مکتب الجزیرة للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
إسرائيل: قادرون على العمل بشكل نوعي وتغيير الوضع بالكامل في مخيم جنين
أكد رئيس الأركان الإسرائيلي، أنهم:"مستعدون لسلسلة من العمليات في مخيم جنين ستغير الوضع بالكامل ولن نسمح بإلحاق الأذى بقواتنا"، وفقا لما ذكرته فضائية “القاهرة الإخبارية” في نبأ عاجل.
جيش الاحتلال: اكتشاف مستودعات أسلحة تابعة لحزب الله جنوب لبنان نادي الأسير الفلسطيني: قوات الاحتلال تنفذ عمليات إعدام ميداني بالضفة
وتابع رئيس الأركان: “قادرون على العمل بشكل نوعي وتغيير الوضع بالكامل في مخيم جنين”.
وفي إطار آخر، قال الجيش الإسرائيلي في بيان، مساء اليوم الخميس، إنه اكتشف مستودعات أسلحة عديدة وبنى تحت الأرض تابعة لحزب الله خلال أعمال "اللواء 7" في جنوب لبنان.
وبحسب روسيا اليوم، أوضح جيش الاحتلال، أن قوات "اللواء 7" بقيادة فرقة "الجليل 91" تواصل نشاطاها الدفاعي في جنوب لبنان بهدف حماية أمن إسرائيل وسكانها خاصة سكان وبلدات الجليل.
وذكر، أنه خلال عمليات التمشيط في جنوب لبنان، عثرت القوات على كميات كبيرة من الأسلحة شملت صواريخ كورنيت وقنابل وبنادق كلاشينكوف، مشيرا إلى مصادرة الأسلحة أو تدميرها.
ووفق البيان، عثرت القوات الإسرائيلية على عدة مسارات أنفاق تحت الأرض استخدمت كمواقع مكوث ومخازن أسلحة لحزب الله.
وأكد الجيش الإسرائيلي أنه يواصل نشاطاته وفق التفاهمات بين إسرائيل ولبنان مع الالتزام بشروط وقف إطلاق النار حيث ينتشر في منطقة جنوب لبنان ويعمل ضد أي تهديد يستهدف إسرائيل والإسرائيليين.
أفاد الجيش في بيان ثان بأنه دمر عشرات مستودعات الأسلحة في جنوب لبنان وخاصة في منطقة عيتا الشعب.
وقال في البيان إن "قوات اللواء 300 عملت في قرية عيتا الشعب الواقعة جنوب لبنان والتي استخدمها حزب الله للتسلح والاستعداد لتنفيذ العديد من العمليات الإرهابية حيث أطلقت من داخلها مئات القذائف الصاروخية والصواريخ المضادة للدروع نحو إسرائيل".
وأوضح أنه خلال عمليات التفتيش في المنطقة تم العثور على العديد من الوسائل القتالية منها منصات إطلاق وصناديق ذخيرة وصواريخ ومنصات إطلاق وعبوات ناسفة وقاذفات RPG وبنادق كلاشنيكوف ومئات القذائف الصاروخية والهاون وقنابل يدوية وصواريخ كورنيت وأسلحة قناصة.
وحسب المصدر ذاته، تم العثور على جميع هذه الوسائل داخل مبان تستخدم للسكن وفي ساحات المباني، وداخل رياض للأطفال، وأقبية المنازل.
وتعاني مدينة جنين في الضفة الغربية من أوضاع معيشية وأمنية صعبة نتيجة الاحتلال الإسرائيلي المستمر، ما يؤثر بشكل كبير على حياة الفلسطينيين هناك. منذ بداية الانتفاضات الفلسطينية، ومن ثم عمليات الاحتلال العسكري المتكررة، أصبحت جنين تمثل نقطة مواجهة ساخنة بين القوات الإسرائيلية والمجموعات الفلسطينية.
يشهد سكان المدينة عمليات دهم ليلية ومداهمات للمنازل، واعتقالات تعسفية، إضافة إلى الحواجز العسكرية التي تعيق حركة الفلسطينيين وتزيد من معاناتهم اليومية. تمثل المدينة نقطة انطلاق للاحتجاجات والمواجهات ضد الاحتلال، مما جعلها محط اهتمام سياسي وأمني مستمر. كما أن الوضع الاقتصادي في جنين يعاني بشكل كبير من الحصار الإسرائيلي المفروض على الضفة الغربية، ما يسبب نقصًا في المواد الأساسية ويؤثر سلبًا على فرص العمل وفرص التعليم. في الوقت نفسه، تُواجه المدينة ضغطًا كبيرًا على مستوى الخدمات الصحية والتعليمية بسبب نقص الموارد.
على الرغم من الظروف الصعبة التي يواجهها الفلسطينيون في جنين، إلا أن المدينة تشهد مقاومة شعبية مستمرة ضد الاحتلال. يقاوم الشباب الفلسطيني في جنين الاحتلال من خلال تنظيم مظاهرات واعتصامات، بالإضافة إلى قيام بعض المجموعات المسلحة بتنفيذ عمليات ضد القوات الإسرائيلية.
كما أن المجتمع المحلي في جنين يحاول التكيف مع الأوضاع من خلال بناء شبكات دعم اجتماعي، مثل الجمعيات الخيرية التي تقدم المساعدات الغذائية والطبية للمحتاجين. كما أن هناك دعمًا كبيرًا من قبل الفلسطينيين في الشتات والجاليات العربية للمساهمة في التخفيف من معاناة سكان جنين.
ورغم كل الصعوبات، يظل سكان المدينة متمسكين بحقهم في مقاومة الاحتلال وحق تقرير المصير. هذا الصمود يعكس عمق الإرادة الفلسطينية في مواجهة الظروف القاسية والتمسك بالأمل في المستقبل.