لماذا حسم معاوية المعركة لصالحه؟.. قراءة في موازين القوة بين علي ومعاوية (6)
تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT
سادساً: معاوية يستقطب الدهاة ويستعملهم ويقربهم وعلي لا يسمع لهم ويبعدهم
تعادل فريق معاوية وعلي في عدد دهاة الشخصيات؛ فقد كان معاوية من أدهى دهاة العرب، أضيف إليه داهية آخر هو عمرو بن العاص، وسيرا كل محطات المواجهات بينهم وبين علي بحكمة وحنكة سياسية، ومكر وخديعة، ولم يتركا وسيلة من وسائل المكر والاستقطاب والتهديد والوعيد واللين والجذب والخديعة إلا واستخدماها، ونجحا بذلك أيما نجاح، وتغلبا على دولة علي، وفي النهاية آلت إليهما الدولة وكسبا المعركة والرهان.
في صف علي كان قيس بن عبادة، وهو داهية العرب الثالث، الذي قال: "لولا الإسلام لمكرت مكراً لا تطيقه العرب"، ومعه ابن عباس والأشتر النخعي، وهذان الأخيران يعدلان عمرو بن العاص لولا أن علياً يغلبهم على آرائهم ولم يستمع إلى أحد منهم، وعلى الحياد المغيرة بن شعبة الذي ينصح علياً مرة ويغشه مرة.
وقيس بن سعد هو والي علي بن أبي طالب –رضي الله عنهما- على مصر، ولا يحب المكر والخديعة مع علمه أن لا حرب إلا بمكر وقادر على أشد أنواع المكر، بينما كان كثيراً ما يقول: "والله لئن قُدِّر لمعاوية أن يغلبنا، فلن يغلبنا بذكائه، بل بورعنا وتقوانا"!
اقرأ أيضاً لماذا حسم معاوية المعركة لصالحه؟.. قراءة في موازين القوة بين علي ومعاوية (5) لماذا حسم معاوية المعركة لصالحه؟.. قراءة في موازين القوة بين علي ومعاوية (4) لماذا حسم معاوية المعركة لصالحه؟.. قراءة في موازين القوة بين علي ومعاوية (3) لماذا حسم معاوية المعركة لصالحه؟ .. قراءة في موازين القوة بين علي ومعاوية (2) لماذا لا تردوا على كلام الغفوري؟ الحسين بن علي في ذكرى مقتله رقم 1384: لماذا انهزم وليس هناك ابن بنت نبي غيره ؟! عن حكاية علي بن أبي طالب والسبية الهمدانية الإسلام رسالة عالمية وليست خرافة ضيقة الأفق الرسول صلى الله عليه وسلم يرتب مراتب الصحابة في حياته علي بن أبي طالب يُكَذِّب الشيعة وافتراءات الولاية الجبواني: هكذا سيكون نظام الحكم في اليمن هل علي خليفة من السماء؟فقد كان يوم صفين مع علي بن أبي طالب، وهو يخطط بدهائه لهزيمة معاوية بالمكر والخديعة، فكان يجلس مع نفسه فيرسم الخدعة التي يُمكن أن يودي بمعاوية وبمن معه في يومٍ أو بعض يوم، بَيْدَ أنَّه يتفحَّص خدعته هذه التي تفتق عنها ذكاؤه فيجدها من المكر السيِّئ الخطر، ثم يذكر قول الله - سبحانه: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه}( فاطر: (43)، وقد قال وهو في معركة صفين: "لولا أن المكر فجور، لمكرت مكراً يضطرب منه أهل الشام بينهم".
من يقرأ عن شخصية علي -رضي الله عنه- بتمعن يجد شخصية حادة وصدامية وصارمة، لا يلين عند التحدي، وهذا يعتبر ضعفاً سياسياً، ولكن من ناحية عسكرية فقد كان رجلاً صلباً جلداً تنفيذياً أيضاً، ولكنه ليس قيادياً يتألف الناس من حوله، فشخصيته كانت منفرة، ولا يسمع نصحاً من أحد إلا قليلاً، وكان يكتفي برأيه ويميل غالباً إلى التحدي والإشارة باستعمال القوة، ولقد دار بينه وبين ابن عباس، وكذا المغيرة بن شعبة، حديث طويل في هذا الشأن وخاصة في أمور الحرب والمكر والسياسة والخديعة.
قال ابن عباس لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهما: "معاوية وأصحابه أهل دنيا فمتى ما ثبتهم فما يبالون بمن ولي هذا الأمر، ومتى تعزلهم يقولون: قتل صاحبنا فيؤلبون عليك فتنتقض عليك الشام وأهل العراق، مع أني لا آمن طلحة والزبير أن يكرا عليك، وأنا أشير عليك أن تثبت معاوية، فإن بايع لك فعليّ أن أقلعه من منزله"، قال علي: "والله لا أعطيه إلا السيف، ثم تمثل:
وما ميتةٌ أن مُتها غير عاجزٍ بعارٍ إذا ما غالتِ النفسَ غَولُها
فقلت يا أمير المؤمنين: "أنت رجل شجاع لست صاحب رأي في الحرب، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الحرب خدعة"؟، فقال: "بلى". فقلت: "أما والله لئن أطعتني لأصدرنهم بعد ورد، ولأتركنهم ينظرون في دبر الأمور لا يعرفون ما كان وجهها في غير نقصان عليك ولا إثم عليك"، فقال: "يابن عباس: لست من هِنّاتك ولا من هِنّات معاوية بشيء"!( الكامل: لابن الأثير- ج3/صـ87 – دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان – ط1 – 1407هـ - 1987م، وكذلك عند الطبري: صـ795، 796).
وهذا الكلام، وتحقق كل مشورات ابن عباس، يدل على أنه كان داهية ولكنه مضيع وغير مفَعّل.
بينما نجد على الطرف الآخر معاوية -رضي الله عنه- استشارياً لأصحابه، ولا يأنف أن يأخذ النصح من أحد ولو كان طفلاً صغيراً، وكان كثيراً ما يرجع إلى عمرو بن العاص وغيره ويقول له: ما ترى أنت في كذا وكذا؟ مع أن معاوية رجل داهية في التفكير والتدبير، وكان يقول: "لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت"، وقيل: وكيف؟، قال: "كنت إذا مدوها خليتها، وإذا خلوها مددتها"، وكان يقول: "لا أحمل السيف على من لا سيف معه، وإن لم تكن إلا كلمة يشتفي بها مشتفٍ جعلتها تحت قدمي ودبر أذني.."، فهذا القول يبين حلمه وطول باعه في السياسة، وهدوء أعصابه إذا جابهته المعضلات، إذا نزلت بساحته الكوارث والمشكلات، وكان كلما طالبه أهل العراق بعزل عامل فعزله، فقيل له في ذلك، فقال: "لأن أعزل عاملاً لهم خير من أشهر عليهم مائة سيف ثم لا أدري لي أم علي"( قرة العيون: من هامش تعليق للمؤرخ محمد بن علي الأكوع، صـ86).
لقد كانت أهم خدع معاوية وعمرو بن العاص لعلي في قضية التحكيم، وكثير من الروايات تقول: إن علياً كان متقدماً في صفين وكاد يخلص إلى معاوية وأهل الشام ثابتون معه ثبات الجبال، ولكن صفهم قد تضعضع وضعف، فما كان من عمرو بن العاص إلا أن طالب بالتحكيم، واستطاع أن ينقذ الجيش من الهزيمة، والأقرب إلى الصواب مع كل مامضى من التحليلات هو أن قضية التحكيم جاءت لتنقذ الطرفين من فناء كبير لاستبسال الطرفين في الميدان، ولما رأى بعض العقلاء أن المسلمين سيفنون في هذه المعركة خرج بعضهم، ومنهم الأشعث بن قيس الكندي، منادياً بحقن الدماء والسعي في الصلح، وهنا كانت مشورة التحكيم التي رفضها ابن عباس والأشتر وحتى علي نفسه لأنهم اشتموا رائحة الخديعة من عمرو بن العاص، ونزل علي عند التحكيم مكرهاً بفعل تخاذل صفه وخاصة ما يسمون العُباد أو القراء الذين صاروا خوارج فيما بعد حتى لا يتفرق الجيش ويتشتت الشمل، ورغم كل ذلك فقد حصل المحذور، وخرجوا عليه، وصار بين نارين من القتال؛ قتال معاوية وقتال الخوارج، وهذا الأمر أضعفه كثيراً.
أُثر عن معاوية في صباه أن الحارث بن عبد كلال وفد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلم وحسن إسلامه، فأمر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- معاوية بن أبي سفيان أن ينطلق به فينزله في بيت عبد الله بن رواحة الأنصاري، وكان أيماً لا زوجة له، قال: فانطلقت بالرجل وإذا برجل فيه نبه النعمة وذكاء المملكة وخيلاء القدرة فعمد إلى ناقته فركبها في المدينة، قال له معاوية: إن قريشاً تعيب من الركوب في المدينة والمدن. فقال: العيب لذي العيب. قال معاوية: فسرت بين يديه وهو راكب وأنا راجل في يوم صايف شديد الحر، فلما استوجعت من الرمضاء قلت له: يا شيخ هل لك في إردافي معك؟ قال: لست من أرداف الملوك أمثالي. قال معاوية: قلت له فأعرني نعليك أقي بهما رجلي من حر الرمضاء. قال له: إنهما لا يحملان مثلك ولا يقلان شكلك، ولكن سر في ظل فرسي من حر الرمضاء فكفى لك بذلك شرفاً عند قومك. قال معاوية: فعلمت أن فيه عُجْب الملك وعجرفة الجاهلية، فسرت بين يديه ثم بلغت به حيث أمرني رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-. ثم إن الحارث بن عبد كلال أدرك معاوية خليفة فقدم عليه فقربه معاوية وأدناه من مجلسه وخلع عليه وأجرى إليه، فقال عمرو بن العاص: أتذكر ما كان منه يا معاوية من شطط القول عليك يوم إسلامه. فقال معاوية: إنا لا نحقد على الضيوف ولا نتبلد عند الجتوف. فسكت عمرو حتى دخل الحارث إلى مجلس معاوية فقرعه عمرو، فغضب الحارث وعزم على الإنصراف من مجلس معاوية وردّ عطيته، فمشى إليه معاوية في جميع بني أمية معتذراً فرضي وأمسك.(كتاب الفاصل بين الحق بين الباطل من مفاخر أبناء قحطان واليمن- للملك المؤيد داوود بن يوسف الرسولي، تحقيق محمد عبدالرحيم جازم ومنير عربش).
.... يتبع
المصدر: المشهد اليمني
كلمات دلالية: عمرو بن العاص صلى الله علیه رضی الله ما کان
إقرأ أيضاً:
مظاهر عناية العلماءِ ببيان أسماءِ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم
قالت دار الإفتاء المصرية إن العلماءِ اعتنوا بأسماءِ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك عن طريق أنَّهم خَصُّوا في كتبهم أبوابًا لأسمائه صلى الله عليه وآله وسلم، بل وأفردوا العديد من الـمُصَنَّفات في جمع أسمائه صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن هؤلاء العلماء: ابن دحية، والقرطبي، والرصَّاع، والسخاوي، والسيوطي، وابن فارس، ويوسف النبهاني.
ومن هذه المصنفات: "الرياض الأنيقة في شرح أسماء خير الخليقة" للحافظ السيوطي، و"المستوفى في أسماء المصطفى" لابن دحية، و"أرجوزة في أسماء النبي صلى الله عليه وآله وسلم" لأبي عبد الله القرطبي، و"شرح أسماء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم" للرصَّاع.
وقد تواردت النصوص من المذاهب الفقهيَّة في خصوصِ الاهتمام بأسماءِ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وأعدادها:
قال العلامة ابن الوزير الملطي الحنفي في "غاية السول" (1/ 39، ط. عالم الكتب): [قَالَ بعض الْعلمَاء: للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وآله وَسلم ألفُ اسْمٍ، وَمِنْهَا: "طه"، وَ"يٓسٓ"] اهـ.
وقد خصَّ كثير من العلماء في كتبهم أبوابًا وفصولًا لـمَنْ تسمّى باسم ياسين على اسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ ومن ذلك:
- بَوَّبَ الإمام محيي الدين الحنفي في "الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية"، فقال: باب مَن اسْمُهُ ياسين ويحيى.
- وبَوَّبَ الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"؛ فقال: باب: ذكر مَن اسْمُهُ ياسين.
- وبَوَّبَ العلامة الحكري الحنفي في "إكمال تهذيب الكمال"؛ فقال: باب: مَن اسْمُهُ ياسين.
- وجاءَ في "تاريخ ابن يُونُس المصري": فصل في ذكر مَن اسمه ياسين.
- وفي "تاريخ دمشق" لابن عساكر: فصل: ذكر مَن اسمه ياسين.
- وفي "تهذيب التهذيب": فصل: مَن اسمه ياسين.
وَتَعُجُّ كتب التراجم والتاريخ والأنساب بالكثير من العلماء المحدثين والفقهاء والرواة تَسَمّوا بِاسم "ياسين"، أو كان من أسماء أبائهم على اسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ ومن هؤلاء:
- العلامة المحدث عاصم بْن ياسين بْن عَبْد الأحد بْن اللَّيْث القَتْباني الْمَصْرِيّ [ت: 273هـ].
- الحافظ أحمد بن محمد بن ياسين الهروي الحدادي؛ ذكره ابن مردويه في "تاريخ أصبهان" [ت: 334هـ].
- المحدث ياسين بن محمد بن عبد الرحيم الأنصاري، من أهل بجانة [ت: 320هـ]؛ ذكره ابن يونس في "تاريخه".
- المحدث أبو الحسن جابر بن ياسين بن الحسن ابن محموية المحموي الحنائي [ت: 464هـ]؛ ذكره العلامة الطهطاوي في "تذكرة الحفاظ".
- الفقيه الصوفي ياسين بن سهل بن محمد أبو روح الصوفي [ت: 491هـ].
- والعلامة المحدث ياسين بن محمد بن محمد بن ياسين [ت: 396هـ]؛ ذكرهما الحافظ الذهبي في "تاريخه".
- القاضي ابن ياسين الباهلي [ت: 378هـ]؛ ذكره السمعاني في "الأنساب".