«حوار مع صديقي المُلحد».. هل نجح مصطفى محمود في مناقشة؟
تاريخ النشر: 23rd, September 2024 GMT
في بداية السبعينات من القرن الماضي صدم الدكتور مصطفى محمود الوسط الأدبي بكتابه «حوار مع صديقي المُلحد»، عرض فيه معالجه أدبية لأول حديث مع الفئات التي تنكر وجود الله عز وجل، إذ فتح حوارا مع شخصية مجهولة الهوية تمثل هذه المجموعة، في الوقت الذي ترسخ في العقل الشرقي فكرة «الملحد دا كافر حرام تقعد معاه أو تناقشه»، ومع انتشار هذا الفكر البعيد عن الفطرة السليمة في مجتمعنا، والذي يدعمه الغرب بقوة، أطلقت «الوطن» حملة الهوية الدينية المصرية.
تعمد الدكتور مصطفى محمود أن يخاطب شخصًا مجهول الاسم لكنه عّرف صفاته جيدًا، ليكون هذا المُلحد المجهول ممثلا لفئة كاملا تشترك في صفات معينة، يحبون الجدل ويعشقون الكلام، يعتقدون بحد وصفه: «أننا نحن المؤمنون سذج نقتات بالأوهام ونضحك على أنفسنا بالجنة والحور العين وتفوتنا لذات الدنيا ومفاتنها».
واستطرد الدكتور مصطفى محمود حديثه عن صديقه الملحد، أنه تخرج في إحدى جامعات فرنسا وحصل على دكتوراه وعاش مع الهيبيز وأصبح ينكر كل شي، ذلك لأن الكثير من الملحدين إن لم تكن الفئة كاملة حاصلين على شهادات عُليا ودرسوا في أعرق الجامعات، عاصروا أيضًا الفئات الشبابية مثل «الهيبيز» وهي موضة انتشرت فى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، كانت تعبر عن أسلوب حياة العديد من الشباب الغربى.
وكان نص الحوار في الكتاب كالتالي:
يقول الصديق مجهول الاسم ساخرا :«أنتم تقولون: أن الله موجود، وعمدة براهينكم هو قانون السببية الذي ينص على أن لكل صنعة صانعا ولكل خلق خالقا ولكل وجود موجدا.. النسيج يدل على النساج والرسم على الرسام والنقش على النقاش والكون بهذا المنطق أبلغ دليل على الإله القدير الذي خلقه».
وعاد ساخرا مرة أخرى وقال: «صدقنا وآمنا بهذا الخالق.. ألا يحق لنا بنفس المنطق أن نسأل ومن خلق الخالق.. من خلق الله الذي تحدثوننا عنه ألا تقودنا نفس استدلالاتكم إلى هذا.. وتبعا لنفس قانون السببية.. ما رأيكم في هذا؟»
وهنا أجاب الدكتور مصطفى محمود على لسان حال ملايين المسلمين المثقفين من يملكون وعيا دينيا يجعلهم في ثبات أمام ثقافة المُلحد الذي يحاول دائما أن يغلب خصمه بالحديث:«نقول لك سؤالك فاسد.. ولا مطب ولا حاجة فأنت تسلم بأن الله خالق ثم تقول من خلقه؟! فتجعل منه خالقا ومخلوقا في نفس الجملة وهذا تناقض».
وأضاف الدكتور مصطفى محمود: «والوجه الآخر لفساد السؤال أنك تتصور خضوع الخالق لقوانين مخلوقاته.. فالسببية قانوننا نحن أبناء الزمان والمكان، والله الذي خلق الزمان والمكان هو بالضرورة فوق الزمان والمكان ولا يصح لنا أن نتصوره مقيدا بالزمان والمكان ولا بقوانين الزمان والمكان، الله هو الذي خلق قانون السببية فلا يجوز أن نتصوره خاضعا للقانون الذي خلقه».
مناقشة الدكتور مصطفى محمود مع المُلحدقرابة الـ5 صفحات يحاول فيها الدكتور مصطفى محمود إقناع صديقه بأن ما يعتقده عن الله عز وجل خاطئا، فهو خالق الكون الذي تنزه عن قوانين البشر فلا يحتاج إلى سبب لوجوده، لكنه بيده الزمان والمكان وسر الخلق منذ قديم الأزل، نعبده طاعة وحبا موضحا: «أرسطو استطرد في تسلسل الأسباب قائلا إن الكرسي من الخشب والخشب من الشجرة والشجرة من البذرة والبذرة من الزارع.. واضطر إلى القول بأن هذا الاستطراد المتسلسل في الزمن اللا نهائي لا بد وأن ينتهي بنا في البدء الأول إلى سبب في غير حاجة إلى سبب أول.. أو محرك أول في غير حاجة إلى من يحركه.. خالق في سبب غير حاجة إلى خالق وهو نفس ما نقوله عن الله».
واستند الدكتور مصطفى محمود إلى حديث الشيخ «ابن عربي» عن الله ورده على سؤال من خلق الخالق الذي كانت إجابته فيه كالتالي:«هو سؤال لا يرد إلا على عقل فاسد.. فالله هو الذي يبرهن على الوجود ولا يصح أن نتخذ من الوجود برهانا على الله.. تماما كما نقول أن النور يبرهن على النهار.. ونعكس الآية لو قلنا إن النهار يبرهن على النور» .
وعلى لسان «ابن عربي» فالله هو الدليل الذي لا يحتاج إلى دليل لأن الله هو الحق الواضح وهو الحجة على كل شيء، الله ظاهر في النظام والدقة والجمال والأحكام.. في ورقة الشجر.. في ريشة الطاووس في جناح الفراش.. في عطر الورد.. في صدح البلبل.. في ترابط النجوم والكواكب في هذا القصيد السيمفوني الذي اسمه الكون.
القرآن خير دليل على وجود اللهوقال في حواره مع المُلحد:«القرآن يغنينا عن هذه المجادلات بكلمات قليلة وبليغة فيقول بضوح قاطع ودون تفلسف: وقل هو الله احمد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد».
وهنا يسأل «صاحبنا» ساخرا: «لماذا تقولون أن الله واحد.. لماذا لا يكون الآلهة متعددين يتوزعون بينهم الاختصاصات».
وكانت الإجابة عليه منطقيا، الخالق واحد لأن الكون كله مبني من خامة واحدة وبخطة واحدة.. فمن الأيدروجين تألفت العناصر الإثنان والتسعون التي في جدول مندليف بنفس الطريقة: بالادماج ، وإطلاق الطاقة الذرية التي تتأجج بها النجوم وتشتعل الشموس في فضاء الكون .
كما أن الحياة كلها بنيت من مركبات الكربون «جميع صنوف الحياة تتفحم بالاحتراق»، وعلى مقتضى خطة تشريحية واحدة تشريح الضفدع، الأرنب والحمامة والتمساح والزرافة والحوت يكشف عن خطة تشريحية واحدة نفس الشرايين والأوردة وغرفات القلب ونفس العظام، كل عظمة لها نظريتها.
وكانت حجة الدكتور مصطفى محمود في الإجابة على سؤال المُلحد «لماذا لا تتعدد الآلهة» بالغة، إذ استند إلى سنوات قضاها في التشريح ووصف بشكل دقيق كيف أن كل الكائنات الحية تتشابه في التشريح الداخلي تملك نفس العظام مع تحور طفيف يناسب شكلها الخارجي، الوحدة التشريحية في جميع الكائنات الحية هي الخلية، هي في النباتات، والحيوانات والإنسان نفس المواصفات، تتنفس وتتكاثر وتموت بنفس الطريقة، فأي غرابة بعد هذا أن نقول الخالق واحد، ولماذا يتعدد الكامل وهل به نقص ليحتاج لمن يكمله، إنما يتعدد الناقصون، ولو تعددت الآلهة لاختلفوا وذهب كل إله بما خلق وفسدت الأرض.
لكن مئات الأدلة وساعات المناقشة الطويلة لم تقنع المُلحد وتعيده إلى طريق الله، فكتب الدكتور مصطفى محمود في نهاية الكتاب:«وحينها كنت أعود وحدي تلك الليلة بعد حوارنا الطويل كنت أعلم أني قد نكأت في نفسه جرحا.. وحفرت تحت فلسفته المتهاوية حفرة سوف تتسع على الأيام ولن يستطيع منطقه المتهافت أن يردمها».
وأضاف: «قلت في نفسي وأنا أدعو له.. لعل هذا الرعب ينجيه.. فمن سد على نفسه كل منافذ الحق بعناده لا يبقي له إلا الرعب منفذا.. وكنت أعلم أني لا أملك هدايته.. ألم يقل الله لنبيه (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) ولكني كنت أتمنى له الهداية وأدعو له بها فليس أسوأ من الكفر ذنبا ولا مصيرا».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: حملة الوطن تعزيز الهوية الوطنية والدينية والاجتماعية الدکتور مصطفى محمود الزمان والمکان الذی خلق الله هو أن الله الم لحد من خلق
إقرأ أيضاً:
التحية للدكتور الصادق الرزيقي القوي الذي وقف وقفة مشرفة
حضرت حلقتين من برنامج بودكاست بالسوداني مع الدكتور الصحفي الصادق الرزيقي وشايف نزلو حلقة ثالثة
د.الصادق عهدي بيهو قديم منذ أن كنت في الأساس،وذلك انو الوالد رحمة الله عليه كان محبا للاطلاع والقراءة فكان في اليوم يقرأ قرابة الست سبع صحف
أنا لمن وعيت كده كانت صحيفة الانتباهة هي التوب و لا صحيفة تعلوا عليها
الصادق في الحلقة الأولى تكلم عن نشأته وتنقله بين نيالا والجنينة و الضعين فهو رزيقي وتكلم عن مراحل تعليمه بتلك المناطق وتكلم كلام يغيب عن الكثيرين فيما يخص مشاكل دارفور و أن السبب الرئيس فيها هم فيه الآن بعض مثقفيها الذين تأثروا بجون قرنق وغيره
و إلا دارفور كانت حاضنة لشتات كبير من القبائل العربية و الإفريقية و من شمال السودان وشرقه وكانت سوقا تجاريا كبيرا والناس يعيشون في وئام وسلام ومصاهرة، ومن منتصف السبعينات تقريبا بدأت الاضطرابات شيئا فشيئا،مهم جدا لو زول مهتم بشأن دارفور يراجع الحلقة الأولى
وتكلم عن الانتهاكات و الضغوطات التي تمارس على كل أبناء تلك المناطق الآن في حالة أن واحدا منهم أنكر جرائم الميليشيا وذكر أن كثيرا من معارفه و أهله تعرضوا للأذى بسبب موقفه القوي في دعم الجيش
وهنا أنا داير أنبه لمسألة انو في كثير من الأهالي الهم من حواضن الميليشيا هم كارهون لفعالها لكن ما بقدرو يصرحو و لا يتكلموا وحكمهم حكم المضطر ،بتذكر لمن تحررت مدني تواصل معي أحد الفضلاء المشهورين باعتباره وهو من تلك المناطق وفرحان فرح شديد لكن قالي ما بقدر أنشر و لا أكتب و لا أظهر شيئا من ذلك ،دي نقطة مهمة جدا لازم الناس تفهمها وما تعمم في حكمها
أثناء كلامه عن المراحل التعليمية وقدراتهم الوقت داك كطلاب و حبهم للاطلاع وده كان حال غالب طلاب الفترات تلك جمعيات ثقافية وأدبية و سياسية
وتجي تقارن حسي تتأسف أسف شديد لما آلت إليه الأمور و آل إليه التعليم
ياخي لوقت قريب كانت في ثقافة الصحف و الاطلاع وتلقى الناس الصباح متلمين حول بتاع الجرائد الكلام ده قل و تأثر بانتشار الميديا و جات قحت كمان وانتهت منه فعليا بمحاربتها لصحفيين كبار و بذلك توقفت العديد من الصحف إلى أن اختفت ظاهرة الصحف تماما
أنا بقول الكلام ده لانو الوالد الله يرحمو كان لازم كل يوم أمشي اجيب ليهو جرائد وكان كلما يوم التحصل عليها ببقى صعب و بتعب جدا عشان ألقاها لحدي ما اختفت تماما
فللأسف الآن بقت مصادر الثقافة شبه مختفية ومعدومة ماف إلا مشاهير الميديا ديل البغلب عليهم السفه و الطيش و الجهل والعوارة
ما تقدر تقارن واحد بربع أي صحفي في بدايات الألفينات خلي ما قبلها
ياخي زمان ثقافة قراية العواميد و النقاشات
حسين خوجلي و مصطفى أبو العزائم و د.محمد الجزولي فك الله أسره والصادق الرزيقي و اسحاق فضل الله و أحمد البلال و الشمارات بتاعت جريدة الدار
و المهاترات الرياضية بين مزمل أبو القاسم و بتاع قوون داك عبدالماجد منو نسيت اسمو
كان في ثقافة القراية والاطلاع
ياخ جريدة الانتباهة دي لمن مرقت كانت صيحة وضجة كبيرة جدا في المجتمع السوداني ومنبر السلام العادل وكتابات الطيب مصطفى رحمه الله تعالى القوية وقتها و التي كانت فيها جرأة كبيرة
و د.الصادق الرزيقي المذيع الطاهر حسن التوم سألوا قاليهوا كيف أنت تمشي من جريدة ألوان و تمشي لجريدة جديدة و معروفة بدعوتها للانفصال وكان يقال أنها عنصرية
و الوقت داك جريدة ألوان كانت التوب وجات اكتسحتها الانتباهة (هوي ما تقولو كبير الوقت داك عمري ١٢ سنة تقريبا)
فدكتور الصادق الرزيقي قال ما كانت جريدة عنصرية أكتر منها كانت صحيفة لمجابهة الاستفزاز والابتزاز الذي كان تمارسه الحركة الشعبية مسنودة في ذلك بالضغط الخارجي
وانو الناس ما عندها مشكلة في السلام و رفع التهميش لكن برضو ما يكون رفع التهميش عن طائفة و إيقاعه في طوائف أخرى
والآن أنا شايف الموضوع ده برضو في من بعض السياسين النفعيين وبتكلموا بأسماء أقاليم بعينها
يتم الابتزاز المدعوم بأيدي خارجية لتحقيق سلام غير عادل ولتحقيق مكاسب شخصية و ده طبيعي جدا حيعمل ليك حركة مناهضة من الأطراف الأخرى وحيقوليك نحن زاتنا مهمشين و سيزداد خطاب العنصرية
يا حليل الصحف والجرائد و ربنا يعلمنا
والتحية للدكتور الصادق الرزيقي القوي والذي وقف وقفة مشرفة
مصطفى ميرغني