تعد الهوية الوطنية مكون رئيسي في سمات وشكل الدولة تميزها عن غيرها من الدول، فالهوية الوطنية في كل أمة هي الخصائص والسمات التي تتميز بها، وتترجم روح الانتماء لدى أبنائها، ولها أهميتها في رفع شأن الأمم وتقدمها وازدهارها، وبدونها تفقد الأمم كل معاني وجودها واستقرارها، بل يستوي وجودها من عدمه، لذلك تحرص الدولة المصرية على مدار تاريخها على حماية الهوية الوطنية المصرية الفريدة من أي محاولات لطمسها أو تشويهها، خاصة خلال العشرة سنوات الأخيرة التي زادت فيها المخاطر والتحديات التي تواجه الهوية المصرية.

فالهوية المصرية فريدة من نوعها لما تضمه من تاريخ وحضارة عظيمة وتراث حي ومقومات ومعالم فريدة، وهو ما أوجد الحاجة إلى العمل على تعزيز هذه الهوية، والحكومة المصرية تدرك أهمية ذلك وتطرقت إليه في برنامجها، وذلك من خلال إنشاء إطار تنظيمي للوزارات والجهات المعنية بقضية الهوية الوطنية وترسيخها، حيث أكدت أن أهمية الهوية الوطنية للمجتمع تكمن فى غرس القيم الإيجابية وروح الانتماء والولاء للوطن داخل أفراده، في كونه عنصرًا جوهريا لتحقيق التماسك بين فئات المجتمع المتنوعة والمختلفة.

وانطلاقًا من أن الهوية الوطنية مرتبطة بالثقافة لأنها تُصنع من خلال المعطيات الثقافية المختلفة، فإن المادة 48 من الدستور المصري، نصت على التزام الدولة بإتاحة الثقافة لمختلف فئات الشعب دون تمييز بسبب القدرة المالية أو الموقع الجغرافي، كما تنص المادة 67 على حرية الإبداع الفني والأدبي، مع التزام الدولة بالعمل على النهوض بالفنون والآداب ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم.

ولم تغفل استراتيجية مصر 2030 عن وضع رؤية خاصة بحالة الثقافة والهوية الوطنية، حيث نصت على أنه بحلول عام 2030 يكون هناك منظومة قيم ثقافية إيجابية في المجتمع المصري، تحترم التنوع والاختلاف وتمكين المواطن المصري من الوصول إلى وسائل اكتساب المعرفة، وفتح الآفاق أمامه للتفاعل مع معطيات عالمه المعاصر، وإدراك تاريخه وتراثه الحضاري المصري، وإكسابه القدرة على الاختيار الحر وتأمين حقه في ممارسة وإنتاج الثقافة، على أن تكون العناصر الإيجابية في الثقافة مصدر قوة لتحقيق التنمية، وقيمة مضافة للاقتصاد القومي، وأساسًا لقوة مصر الناعمة إقليميًا وعالميًا.

ولطالما نادينا بضرورة وجود استراتيجية للحفاظ على الهوية الوطنية في ظل التحديات والمخاطر التي تواجهها الدولة المصرية، وكانت استجابة الحكومة لهذه المناشدات خطوة إيجابية، حيث تستهدف الحكومة في برنامجها الجديد وضع وتنفيذ استراتيجية للحفاظ على الهوية وتشكيل الوعي وفق خطط تنمية ثقافية عادلة، ومواصلة وزارة الثقافة خطتها لتفعيل وتنفيذ التوصيات الصادرة عن لجنة الثقافة والهوية الوطنية بالحوار الوطني.

فهناك أهمية وضرورة للبحث في أصول الهوية المصرية وإبراز تراكماتها الحضارية، والتصدي للأفكار المتطرفة ومحاولات سرقة الهوية وتزييف التراث، والعمل على الوعي الجمعي ووضع برامج للتوعية، وترسيخ القيم الإنسانية وتفعيل قيم المواطنة، والارتقاء بالذوق العام المصري وتأصيل الحس الجمالي، ودور وسائل التواصل الاجتماعي في التأثير على الوعي والتنمية، ودور مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني في بناء الشخصية والهوية الوطنية، ورصد الحرف التراثية المصرية، بالإضافة إلى الدين الوسطي والروح المصرية والسمات المصرية والعادات والتقاليد المصرية الراسخة، والعلاقة الوثيقة بين الدولة والمواطن، وسبل الحفاظ عليها.

هذا إلى جانب الحديث عن الهوية الوطنية المصرية ومظاهرها والتحديات التي تواجهها وسبل الحفاظ عليها من التمزق في زمن العولمة وعصر السماوات المفتوحة والفضاء الإلكتروني والذكاء الاصطناعي، وما يجب علينا القيام به لبحث سبل مواجهة التحديات الخارجية والداخلية التي تؤثر على الهوية الوطنية، علاوة على وضع آليات فاعلة وسياسات وتشريعات ثقافية للحفاظ على الهوية الوطنية والتدفق الحضاري المصري.

والدولة المصرية تدرك أهمية ترسيخ الهوية الوطنية، فتستهدف مواصلة العمل على تطوير المناهج الدراسية لتشمل مزيدًا من التاريخ المصري والثقافة الوطنية، وتدشين حملات توعية دينية وثقافية للشباب والمراهقين من خلال مراكز الشباب والأندية الاجتماعية، تشمل جميع محافظات الجمهورية والمناطق النائية، وتنظيم مسابقات ثقافية وأدبية وفعاليات مجتمعية للشباب لتعزيز الاهتمام بالتراث الثقافي والوطني، ودعم المبادرات الشبابية والمجتمعية التي تروج للسلام والتعاون بين مختلف فئات المجتمع، وإطلاق مبادرة الإعلام الآمن للطفل، لدعم الهوية الوطنية للأطفال في مصر، وإنشاء قناة مصرية للأطفال؛ لنشر الفكر الذي يتناسب مع قيم المجتمع الدينية والتراثية، ومع التقدير للجهود المبذولة في هذا الملف، أتمنى سرعة تنفيذ هذه المستهدفات لأهميتها الملحة.

كما أن الحوار الوطني الذي أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتشارك فيه جميع القوى السياسية والوطنية وفئات المجتمع كافة؛ تضمن المحور الاجتماعي فيه تشكيل لجنة الثقافة والهوية الوطنية إدراكا من القائمين عليه لأهمية هذه القضية، وخرجت هذه اللجنة بالعديد من التوصيات التي تهدف إلى تعزيز الهوية الوطنية وترسيخها، شملت إنشاء إطار تنظيمي مركزي تحت إشراف رئيس مجلس الوزراء، يجمع الوزارات والجهات المعنية بقضية الهوية الوطنية، ووضع استراتيجية شاملة للحفاظ على الهوية، وصياغة وثيقة للحفاظ على الهوية الوطنية.

تستند إلى حوارات مجتمعية، لتحديد القيم الأساسية التي لا يمكن التنازل عنها، فضلاً عن اقتراح استعادة روح الهوية القديمة في الطابع المعماري للمدن الجديدة، من خلال إشراك طلاب كليات الفنون الجميلة في تصميم المنشآت العامة، وكذلك إنشاء قناة متخصصة للأطفال، تسهم في تعزيز الهوية المصرية، بالإضافة إلى تيسير إجراءات التصوير السينمائي العالمي في المواقع المصرية لدعم التراث والثقافة، بالإضافة إلى عودة مهرجان القراءة للجميع، وتفعيل الأنشطة الثقافية في المدارس والجامعات خلال الصيف.

لذلك تتيقن الدولة المصرية إلى أهمية هذه التوصيات وتدرك ضرورة تفعيلها، ومن هذا المنطلق أرى ضرورة وضع استراتيجية وطنية للحفاظ على الهوية الوطنية وترسيخها، ورفع وتعزيز الوعي بقيمة التراث المصري الحضاري والطبيعي بنوعيه المادي واللامادي لتعزيز الهوية المصرية الوطنية وتقوية الانتماء ومحاربة الفكر المتطرف وتعظيم كل ما تقدمه مؤسسات الدولة من تنمية وتطوير وخدمات في كل المجالات في إطار الخطة الوطنية للتنمية الشاملة والمستدامة، كما يجب إحياء الحرف التراثية المعبرة عن الهوية المصرية المتأصلة في جذور التاريخ والعاكسة للتنوع الثقافي للحضارة المصرية، وتنظيم العديد من المبادرات وورش العمل لغرس ثقافة حب التراث وحمايته وآليات الحفاظ عليه كمدخل للحفاظ على الهوية.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الهوية الوطنية الهوية للحفاظ على الهویة الوطنیة والهویة الوطنیة الدولة المصریة الهویة المصریة من خلال

إقرأ أيضاً:

احتفالات عيد الاتحاد الـ53.. الهوية الوطنية بين التراث الإماراتي والمستقبل المستدام

احتفلت دولة الإمارات بعيد الاتحاد الـ 53 في عرض رسمي أقيم لأول مرة في مدينة العين "دار الزين"، الحدث الذي جسّد قصة الاتحاد من جذوره العميقة وصولًا إلى تطلعاته المستقبلية، وجمع بين الإبداع الفني والابتكار التقني ليبرز جمال الهوية الوطنية وروح الانتماء، وبحلة إبداعية تعكس التراث الإماراتي العريق ورؤية مستدامة للمستقبل.

وفي هذا العام، تميز الاحتفال الرسمي بمحوره الرئيسي حول مسيرة الاتحاد وارتباطها بالطبيعة والاستدامة، مستمداً الإلهام من موقع الحفل المميز في منتزه جبل حفيت أحد مواقع التراث العالمي المدرج على قائمة اليونسكو.
وقدّم العرض من خلال السرد البصري الذي بدأ بعصور التاريخ الأولى ومرّ بمسيرة القادة المؤسسين، قصة مُلهمة توثق تاريخ الاتحاد وتبرز قيمه التي تحملها الأجيال، ومن استخدام الطائرات بدون طيار إلى توظيف الموسيقى المستوحاة من التراث، نجح العرض في تقديم تجربة متكاملة تمزج بين الفخر الوطني والابتكار الفني. فريق متميز وبقيادة فريق متميز وبإشراف شخصيات وطنية بارزة، حمل حفل الرسمي لـ عيد الاتحاد هذا العام رسالة رئيسية وهي "التمسك بجذورنا الثقافية هو الطريق نحو بناء مستقبل مستدام ومشرق لدولة الإمارات".
وقال عبدالله بطي القبيسي المدير التنفيذي لقطاع التوعية والمعرفة التراثية بالإنابة في هيئة أبوظبي للتراث، إن الهيئة شاركت في عدة مجالات رئيسية، شملت تنظيم المحتوى الشعري والقصائد، والتي شارك في تنظيمها تسعة شعراء من الدولة، وتم اختيار أنسب القصائد عبر لجان المحتوى لضمان قوة القصيدة إلى جانب أن الهيئة نظمت مشاركة الإبل في الحفل، وتنسيق الأزياء الإماراتية التراثية، وتنظيم الفنون الشعبية، مثل فن الحربية الذي قُدم في ختام الحفل.
وحول ما يميز الشعر والقصائد لهذا العام، أوضح أن ما يميزها هو الكوكبة المتميزة من الشعراء والملحنين الذين شاركوا في إعدادها وتميزوا بقصائدهم بالتعاون مع الملحن الكبير محمد الأحمد، وأبدعوا في تقديمها جامعين بين الجزالة والجمالية العالية، كما تميزت أغاني الحفل لهذا العام بقصائد من التراث الإماراتي مثل قصائد الماجدي بن ظاهر، وقصيدة للشيخ خليفة بن زايد الأول، وقصيدتين للشاعرة عوشة السويدي، مما أضفى طابعًا تراثيًا أصيلًا على الحفل. تحدٍ كبير من جانبه، أوضح بطي المهيري، مدير عمليات احتفالات عيد الاتحاد الـ53، أن تنظيم حدث بهذا الحجم يمثل تحديًا كبيرًا نظرًا لمساحة وموقع الاحتفال الذي أقيم في متنزه جبل حفيت، وهو موقع مدرج ضمن قائمة اليونسكو، مما فرض الالتزام بمجموعة من القوانين التي تراعي كل نواحي الاستدامة، مشيراً إلى أنه منذ اختيار الموقع تم الاتفاق مع الجهات المعنية في أبوظبي لضمان الحفاظ على المحمية وإعادة الموقع إلى حالته الأصلية بعد انتهاء الحدث.
وأضاف أن المساحة المخصصة للعرض هذا العام تعتبر الأكبر في تاريخ احتفالات عيد الاتحاد، أما من ناحية الإعداد، فقد شارك ما يقارب 10 آلاف شخص من 81 جنسية في الإنتاج والبناء والتجهيزات والعروض.
من ناحيته، قال محمد الأحمد، مؤلف وملحن موسيقي في احتفال عيد الاتحاد الـ53، إن الموسيقى في الاحتفالات الوطنية تتميز بطابعها الخاص لكونها ألحانا تحاكي المشاهد وتعبر عن حالة المشهد ورسائله، والمشهد عبارة عن قصة متكاملة تدمج بين القصائد والمشاهد البصرية والموسيقى، حيث يتم تأليف الموسيقى بأسلوب فريد وخاص يجمع بين العناصر الشرقية والغربية بنكهة إماراتية مميزة.
وأشار إلى أن الأوركسترا المشاركة في حفل هذا العام هي "الأوركسترا الفيلهارمونية الملكية" وعدد أفرادها 66، إضافة إلى مشاركة 33 عازفاً من الإمارات، مضيفاً أن عرض هذا العام جمع بين التراث والابتكار لتقديم عرض موسيقي فريد يعكس الهوية الإماراتية ويفخر بموروثها الثقافي. سرد تاريخي بدوره، قال عبد الرحمن راشد النعيمي مدير قسم مواقع التراث العالمي في دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، إن الدائرة شاركت في إعداد مراجع السرد التاريخي والفني للحفل، وذلك من خلال تقديم معلومات وأبحاث عن الآثار في مدينة العين، التي تشمل فترات متعددة وكان دور الدائرة يتمثل في توفير محتوى علمي غني يدعم فكرة الاحتفال، حيث ركز العرض على أبرز الآثار في مدينة العين بحكم اختيارها كموقع للاحتفال، لافتاً إلى أن الحديث يدور حول مدافن جبل حفيت التي تعود إلى العصر البرونزي المبكر قبل أكثر من 5000 عام وهي شاهدة على تاريخ طويل ومميز.
من جانبها، قالت رندة عمر بن حيدر من شركة بني وآل للثقافة، إن عيد الاتحاد لهذا العام، يمثل تجربة استثنائية، خاصة أننا نعمل مع فريق عيد الاتحاد للسنة الرابعة، في صياغة سردية الحفل التي تعبر عن روح الاتحاد .
وأشارت إلى أنه تم التركيز بشكل كبير على النخلة التي تعد رمزاً يربط بين مختلف مجتمعات وبيئات الإمارات، بدءًا من استخدامها في بناء البيوت والحصول على الطعام وصولاً إلى الصناعات التقليدية، وتم استعراض مشاهد تُظهر مختلف أفراد المجتمع وهم يستخدمون النخل في حياتهم اليومية وصناعاتهم. مشاعر إيجابية بدورها، أكدت ريم محمد المنصوري من شركة بني وآل للثقافة، أن العمل الجماعي والتحضيرات الدقيقة التي حدثت خلف الستار هي العامل الأساسي الذي ساهم في نجاح الحفل لهذا العام، وما يميز التجربة هو حماس الجميع، خاصةً أن الحفل الرسمي يُقام في مدينة العين حيث كان الجو مليئًا بالمشاعر الإيجابية.
من جهتها، قالت فاطمة سلطان النعيمي مدير مشروع عيد الاتحاد الـ53، إن دورها الأساسي في الحدث تمثل في ضمان أن تكون جميع هذه العناصر مرتبطة بثقافة دولة الإمارات وقصة العرض واستراتيجيته بشكل عام والتي تركز على يوم توقيع عهد الاتحاد وتوحيد دولة الإمارات عام 1971 .
من جانبها، قالت عائشة عبد الله النعيمي مدير الاتصال في لجنة تنظيم عيد الاتحاد الـ53، إن عيد الاتحاد يحمل معاني غنية ومميزة تعكس روح هذه المناسبة الوطنية الفريدة، مشيرة إلى من خلال هذا المصطلح نسرد قصة اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، تلك القصة الفريدة والمليئة بالقيم التي قامت عليها دولتنا.

مقالات مشابهة

  • احتفالات عيد الاتحاد الـ53.. الهوية الوطنية بين التراث الإماراتي والمستقبل المستدام
  • مواطنون: ترسيخ قيم الولاء والانتماء والتضحية للحفاظ على المكتسبات
  • محافظ المنوفية يناقش مقترحات تطوير الهوية البصرية للحفاظ على التراث
  • النائب حازم الجندي: مؤتمر القاهرة لدعم غزة رسالة عالمية للحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني
  • محافظ المنوفية يناقش مقترحات تطوير "الهوية البصرية" للحفاظ على التراث والارتقاء به
  • نائبة: إنشاء مجلس أعلى للتراث يحافظ على الهوية المصرية
  • سعيد بن طحنون: ترسيخ مسيرتنا وتحقيق المنجزات الوطنية
  • برلمانية: الدولة بكافة أجهزتها تسعى للحفاظ على كرامة المواطن المصري
  • برلمانية: الدولة بكل أجهزتها تسعى للحفاظ على كرامة المواطن المصري
  • «ربع قرن» ترسخ حب الوطن وتعزز الهوية الوطنية للأطفال