وقع العراق خلال العقود القليلة الماضية في مأزق التوترات الإيرانية – السعودية، وبالتالي، باتت بغداد أكبر المستفيدين- والتى كانت فاعلًا رئيسيًا في تسهيله- من اتفاق استئناف العلاقات الذى تم توقيعه بوساطة صينية في ١٠ مارس ٢٠٢٣ في بكين بين الرياض وطهران. ويوضح ذلك، إنه بعد عقد من الاستقطاب الشديد، يركز اللاعبون الإقليميون الرئيسيون الآن على الازدهار الاقتصادي أكثر من التنافس الجيوسياسي، الأمر الذي يمكن أن يجلب فوائد مباشرة ومطلوبة للعراق.

وتأسيسًا على ما سبق، بدأ رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني في العمل على تعزيز العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي، وهو الأمر الذي كانت ترفضه إيران سابقًا، ولكن أصبح ممكن في الوقت الحالي. ويجب على الدول الأوروبية أن تدعم بنشاط هذه التطورات، بعد سنوات من محاولة تحقيق الاستقرار في العراق بعد التدخل الأمريكي في العراق عام ٢٠٠٣.

أولًا – تزايد فرص عودة العراق إلى محيطه العربي 

لطالما أبدت دول الخليج العربي عدائها للعراق لسنوات، واعتبرت السياسيين الشيعة في العراق، بمن فيهم رؤساء الوزراء، وكلاء لإيران، مما أدى إلى إحباط السياسيين العراقيين؛ حيث كانت تنظر العديد من الدول العربية - بما في ذلك أعضاء مجلس التعاون الخليجي - إلى سياستها الخارجية تجاه العراق على أنها امتداد لسياستها الخارجية تجاه إيران. فعندما تولى السوداني السلطة لأول مرة في أكتوبر ٢٠٢٢، اعتبرته عواصم دول مجلس التعاون الخليجي متحالفًا بقوة مع رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، وبالتالي إيران.

وفي هذا السياق، يمكن القول أن مستوى السيطرة الإيرانية على الهياكل السياسية العراقية معقد للغاية، ويختلف حسب المؤسسة والقضية والموقع الجغرافي. 

ومع ذلك، فقد تعلم العراقيون أن هذا الارتباط المفترض بإيران يؤثر على السياسة الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي تجاه بغداد. وبالتالي، أدرك السياسيون العراقيون منذ فترة طويلة أن علاقات البلاد مع العالم العربي لن تتحسن إلا إذا خفف جيرانها التوترات مع إيران. وربما هذا سبب وجيه دفع العراق لاغتنام فرصة القيام بالوساطة بين الرياض وطهران، وهو الأمر الذى تم تتويجه بوساطة صينية نتج عنها توقيع اتفاق في الربع الأول من العام الحالي، وهو الأمر الذى من شأنه أن يساهم في تسريع عودة العراق لمزيد من الانخراط في علاقات مع أكبر عدد ممكن من الدول العربية. 

ثانيًا- الحد من النفوذ الإيراني على العراق 

رغم محاولة رؤساء وزراء العراق بعد عام ٢٠٠٣ في كثير من الأحيان تعزيز علاقاتهم مع دول مجلس التعاون الخليجي - سعيًا منهم للاستفادة من الثروة الاقتصادية للمنطقة للمساعدة في استقرار الاقتصاد العراقي المتدهور بالفعل- كما أيد بعض المحللين فكرة أن دول مجلس التعاون الخليجي يجب أن تعزز علاقاتها مع بغداد على وجه التحديد لخفض الدور الإيراني هناك، لكن العراق لم يحقق سوى انفراجة محدودة في هذا الصدد في عهد رئيس الوزراء حيدر العبادي؛ حيث أعاد إقامة العلاقات الدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية في عام ٢٠١٥، وكذلك انتهى العراق في عام ٢٠٢٢ من دفع التعويضات عن غزوه للكويت في عام ١٩٩٠. 

وبالنظر إلى علاقات إيران المتطورة مع بغداد، قد يكون من المفاجئ أن يضغط السوداني من أجل علاقات أوثق مع دول الخليج، رغم إنه رئيس وزراء ائتلاف كبير من الأحزاب القوية التي تتمتع جميعها بعلاقات جيدة مع إيران، لكن تنويع علاقات العراق مع الدول العربية يمكن أن يعزز موقعه الأوسع من خلال تأمين المزيد من المزايا الاقتصادية للعراق.

وبالتالي، يمكن للعراق أن يستفيد من التهدئة الإقليمية من خلال عدم استخدامه كساحة معركة للحرب بالوكالة بين دول المنطقة. 

وبناء على ذلك، حضر السوداني قمة جامعة الدول العربية في المملكة العربية السعودية عام ٢٠٢٣، وهي مهمة عادة ما يضطلع بها الرئيس العراقي. كما تعهد السوداني باستضافة جامعة الدول العربية في بغداد عام ٢٠٢٥، مما أرسل إشارة واضحة بالالتزام تجاه العالم العربي الأوسع.

ثالثًا- إبداء المزيد من المرونة تجاه الأزمات الدولية 

يمكن للتهدئة الإقليمية بين المملكة العربية السعودية وإيران أن تجعل العراق أكثر مرونة في مواجهة الأزمات الكبرى مثل الإرهاب والحركات الانفصالية والاحتجاجات واسعة النطاق. وهو الأمر الذى من الممكن أن يتحقق من خلال المزيد من الانفتاح العراقي على دول العالم، ولاسيما دول مجلس التعاون الخليجي التى يمكنها أن تساهم في ذلك بشكل كبير، بعد أن كانت تقاوم انخراطها في المزيد من العلاقات مع العراق بسبب الهيمنة الإيرانية على الحكومات المتعاقبة في بغداد. 

فلقد أدى انتقال السلطة من جيل إلى جيل في المملكة العربية السعودية إلى استبدال القادة للمعتقدات الطائفية بأفكار وأولويات سياسية جديدة، فمع نمو عدد سكان المملكة العربية السعودية؛ بدأ القادة في الاهتمام بالرفاهية الاقتصادية لمواطنيهم؛ حيث يرغب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في التركيز على الإصلاح الداخلي، وهو الأمر الذي يقف عدم الاستقرار الإقليمي في دول مثل العراق واليمن كحجر عثرة أمامه. ويتوازى ذلك مع التحول في السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية نحو تنويع علاقاتها الدولية والحد من اعتمادها على الولايات المتحدة الأمريكية. 

رابعًا – جذب المزيد من الاستثمارات الخليجية 

ربما تؤدى التهدئة الإقليمية وبذل العراق المزيد من الجهود للعودة إلى محيطه العربي لتشجيع الدول الخليجية على تكثيف استثماراتها في العراق، بما يؤدى للحد من الاعتماد على إيران وتركيا؛ حيث وصلت التجارة بين تركيا والعراق حاليًا إلى مستوى غير مسبوق قدره ٢٠ مليار دولار، ورغم العقوبات الأمريكية يعتبر العراق ثاني أكبر شريك تجاري لإيران، حيث استورد ٨.٩ مليار دولار من إيران في عام ٢٠٢٢، وبالتالي، من المتوقع أن يستفيد العراق من تنويع شركائه التجاريين، وخاصة في قطاع الطاقة.

وظهرت البوادر الأولى لذلك، عندما خصصت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مؤخرًا ٦ مليارات دولار للاستثمار في العراق، ومن المرجح أن تنمو مثل هذه الاستثمارات، سواء في تجارة التجزئة أو الطاقة، مع تطور علاقات دول مجلس التعاون الخليجي مع السياسيين العراقيين. وبالنسبة للحكومة العراقية، يمكن أن يساعد ذلك في تلبية الاحتياجات الاقتصادية العاجلة - والمزعزعة للاستقرار في كثير من الأحيان - مثل توفير فرص عمل كافية وخدمات حكومية للمواطنين من الشباب.

وفي التقدير: يمكن القول إن العراق سيحتاج للحصول على هذه الفرص إلى الاستمرار في موازنة علاقاته مع جيرانه بعناية، مستغلًا ظروف التهدئة الإقليمية بين طهران والرياض. وفي هذا الإطار، يمكن القول إن وجود الجماعات شبه العسكرية المتحالفة مع إيران، والتي غالبًا ما تنحاز لإيران بشكل كبير، فضلًا عن الانخراط في التصعيد الإقليمي الأوسع المرتبط بالتوترات الأمريكية والإسرائيلية مع إيران، تعد بمثابة مخاطر ملحوظة لاستمرار العراق في هذا المسار.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: العراق الهدنة المملکة العربیة السعودیة دول مجلس التعاون الخلیجی الدول العربیة المزید من فی العراق مع إیران یمکن أن فی هذا فی عام

إقرأ أيضاً:

فريق “ Team Falcons” السعودي يتوج بـالدوري الخليجي للرياضات الإلكترونية”

الرياض – محمد الجليحي

أسدل الستار على منافسات النهائيات للنسخة الأولى من الدوري الخليجي للرياضات الإلكترونية، التي أقيمت في مقر الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية بالرياض.
وتوّج تركي الفوزان، الأمين العام للاتحاد الخليجي للرياضات الإلكترونية، والرئيس التنفيذي للاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية، الفريق السعودي Team Falcons بعد تحقيقه للقب بطولة Rocket League، كما توّج لاعب المنتخب البحريني سيد هاشم أحمد، بعد فوزه بلقب بطولة Tekken8.
‎وشهدت البطولة مشاركة ما يقارب 40 لاعبًا من جميع دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تنافسوا على مدار يومين في بطولة (Rocket League للفرق، وبطولة Tekken8 للأفراد). وضمت البطولة الأولى 8 فرق من المملكة العربية السعودية، والبحرين، والكويت، وعمان، وقطر، ونجح الفريق السعودي Team Falcons في انتزاع اللقب بعد فوزه في المباراة النهائية على الفريق الكويتي Xenon Esports بنتيجة 4-1. وشارك 9 لاعبين من المملكة العربية السعودية، والبحرين، والإمارات العربية المتحدة، والكويت، وعمان في البطولة الثانية، ونجح سيد هاشم في التغلب على اللاعب الإماراتي سلطان راشد في المواجهة النهائية.
وقال تركي الفوزان:” سعداء بأن نشهد نجاح النسخة الأولى من الدوري الخليجي للرياضات الإلكترونية هنا في المملكة العربية السعودية. كانت البطولة على مستوى من الأهمية تحولت معه إلى احتفاء بالمواهب، والتفاني في سبيل تمهيد دروب مستقبل الرياضات الإلكترونية. وقدمت البطولة كل ما يمكن في سبيل التأكيد للعالم عن مدى أهمية منطقتنا وأهمية المواهب الشابة التي تحتضنها، وأنا على يقين بأن هذا النجاح البارز، قد فتح الأفاق أمام العديد من الإنجازات المهمة في المستقبل.
جدير بالذكر أن الاتحاد الخليجي للرياضات الإلكترونية؛ قد تأسس في عام 2023، برئاسة الأمير فيصل بن بندر بن سلطان – رئيس مجلس إدارة الاتحاد الخليجي والسعودي للرياضات الإلكترونية، وبعضوية رؤساء وممثلي اتحادات الرياضات الإلكترونية في دول الخليج العربي، ويهدف الاتحاد إلى دعم المواهب الخليجية ورعايتهم وتطويرهم من خلال بطولات سنوية يتم استضافتها في جميع دول المنطقة.

مقالات مشابهة

  • “مجموعة أباريل” تعيد افتتاح متجر بفرلي هيلس بولو كلوب في النخيل مول بالرياض
  • فريق “ Team Falcons” السعودي يتوج بـالدوري الخليجي للرياضات الإلكترونية”
  • الإصلاحي والمتشدد.. من يستفيد من الجولة الثانية ويحسم انتخابات إيران؟
  • "التعاون الخليجي" يدين قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتوسيع عمليات الاستيطان بالضفة الغربية
  • التعاون الخليجي يدين قرار سلطات الاحتلال بتوسيع عمليات الاستيطان بالضفة الغربية
  • البديوي يؤكد متانة وقوة الاقتصاد الخليجي وقدرته على مواجهة التحديات
  • البديوي يؤكد متانة وقوة الاقتصاد الخليجي وقدرته على مواجهة التحديات الاقتصادية
  • أمين عام التعاون الخليجي: اقتصاد الدول الخليجية قوي وقادر على مواجهة التحديات
  • البديوي يؤكد قوة الاقتصاد الخليجي وقدرته على مواجهة التحديات
  • البديوي يقدّم رسالة دعوة لوزير خارجية البرازيل لحضور الاجتماع الوزاري الخليجي – البرازيلي