الحركات الإسلامية تمثل عائقا للاستراتيجية الأمريكية الصهيونية في المنطقة
تاريخ النشر: 23rd, September 2024 GMT
يخطّط المعسكر الاستعماري الغربي بزعامة الولايات الأمريكية المتحدة للحسم في الحروب التي تورّط فيها والمآزق الديبلوماسية التي علِق فيها، ليعود للاهتمام بالجبهة الصينية وما تمثله من تحديات جادة على الزعامة العالمية والمصالح الاقتصادية والتحديات الجيوستراتيجية، لا سيما ما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، والحرب ضد حركة حماس ومحور المقاومة.
ستبدأ الحرب بمراجعة الاستراتيجية الاقتصادية ضد روسيا، وبشكل أساسي على جبهة المعطيات الطاقوية. فمن الحسابات الخاطئة التي وقعت فيها الولايات الأمريكية المتحدة محاولة حرمان روسيا من مداخيل البترول والغاز بالحصار والضغط على الدول لمقاطعة البضائع والموارد الطبيعية الروسية. غير أنه في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار الطاقة الأحفورية وجدت روسيا زبائن كبارا لم يبالوا بالإدارة الأمريكية فكانت نتيجة المخطط الأمريكي عكسية إذ امتلأت خزائن روسيا بأموال الطاقة غالية السعر، وارتفعت قيمة العملة الروسية، بسبب ارتفاع المداخيل وبسبب اشتراط الروس بيع بترولهم بالروبل في أوج الأزمة لخصومها الأوروبيين، علاوة عن المقدرات الاقتصادية الجبارة الأخرى، فانتعش الاقتصاد الروسي، بشكل مخالف للمتوقع أثناء الحرب.
ستكون المراجعة، وقد بدأت، بخفض أسعار البترول والغاز، حتى تنقص المداخيل الروسية إذ لن يضطر زبناؤها الكبار اشتراء بترولها بسعر عال. وأدوات خفض ورفع الأسعار الطاقوية لعبة دولية تتقنها أمريكا، وهي تملك، مع حلفائها، مخزونا استراتيجيا كبيرا يمكن استعماله لذلك، ضمن أدوات أخرى.
لقد أحدث طوفان الأقصى تحولات دولية كبرى أثرت كثيرا على المكانة الدولية للولايات الأمريكية المتحدة وعلى سمعتها، وعلى أوضاعها المحلية. وإذ لم يستطع البيت الأبيض التحكم في تعنت المجرم نتنياهو، رغم المشاركة الكاملة في الجريمة، فهو مضطر لمسايرته في استراتجية الحسم العنيف في غزة ومع محور المقاومة. ربما تكون الولايات الأمريكية غير راغبة في توسيع الحرب مع إيران إلا إذا اضطرت لذلك، ولكنها بكل تأكيد ستمضي لدعم حليفها الصهيوني في الحرب الطاحنة المتوقعة مع حزب الله.من الدول التي ستتأثر بخفض أسعار البترول والغاز الجزائر، حيث أنه مقدر في الدراسات الطاقوية المتخصصة أن البترول سينخفض إلى حدود60 دولار للبراميل في 2025، والجزائر تحتاج إلى ضعف هذا السعر لتحفظ توازناتها الاقتصادية الكبرى، ومع ارتفاع الاستهلاك المحلي وضعف الاحتياطي ستدخل الجزائر في أزمة مستجدة تشعل الجبهة الاجتماعية، لاسيما وأن الرئيس تبون لم يحقق نجاحا اقتصاديا يقوم على نمو عدد ونوع المؤسسات الاقتصادية في الصناعة والفلاحة والخدمات المنتجة للبضائع والسلع والتي توفر فرص الشغل بما يحل مشكل البطالة ويخلق الثروة ويحل مشكلة الندرة والتضخم ويرفع مستوى المعيشة. لقد بقي الخطاب والإجراءات الشعبوية هي سيدة الموقف، وساعد على تفشي ذلك الانهيار الكلي للتدافع السياسي والاجتماعي في البلاد.
ثمة مؤشرات كثيرة تبين بأن النظام السياسي الجزائري على علم بما ينتظره من أزمات في عام 2025، بتلقاء نفسه، أو بتنبيه من الولايات الأمريكية التي صارت لها الجزائر حليفا موثوقا به، بعد خيبة البريكس والتوتر الخفي في العلاقة مع روسيا، إذ عادة ما تخبر الولايات الأمريكية حلفاءها، القريبين والبعيدين، بالآثار السلبية لسياساتها وتحاول المساعدة على ذلك.
والملف الآخر الذي تسعى الولايات الأمريكية المتحدة لحسمه الملف الفلسطيني ومحور المقاومة. لقد أحدث طوفان الأقصى تحولات دولية كبرى أثرت كثيرا على المكانة الدولية للولايات الأمريكية المتحدة وعلى سمعتها، وعلى أوضاعها المحلية. وإذ لم يستطع البيت الأبيض التحكم في تعنت المجرم نتنياهو، رغم المشاركة الكاملة في الجريمة، فهو مضطر لمسايرته في استراتجية الحسم العنيف في غزة ومع محور المقاومة. ربما تكون الولايات الأمريكية غير راغبة في توسيع الحرب مع إيران إلا إذا اضطرت لذلك، ولكنها بكل تأكيد ستمضي لدعم حليفها الصهيوني في الحرب الطاحنة المتوقعة مع حزب الله.
ومن الاستراتيجيات التي ستنتهجها الولايات الأمريكية دعما للكيان تحييد الدول العربية السنية وتوريط بعضها في الحرب ضد حزب الله، وبالتالي ضد "حماس".
لا توجد مشكلة لديها في تحقيق ذلك مع الأنظمة العربية الرسمية، ولكن الجبهة المحرجة لها ولحليفها الإسرائيلي هي الجبهة الشعبية. غير أن الجبهة الشعبية يمكن تحييدها إذا تم تحييد القوى الإسلامية الفاعلة فيها، لكي لا تكون هذه الحركات عائقا للاستراتيجية الأمريكية الصهيونية ولكي لا تستفيد من التحولات فتنبعث من جديد.
وحين نلقي النظر إلى الحركات الإسلامية السنية في الدول العربية، نجدها تعيش أوضاعا مزرية وضعفا شديدا في أغلبها، في تونس وليبيا ومصر واليمن والعراق وسوريا، ولا وجود لها تقريبا في دول الخليج، سوى الكويت، وتعرف تراجعا كبيرا في المغرب وقلة تأثير سياسي في موريتانيا، ولم تبق إلا ثلاث حركات إسلامية لها فاعلية وانتشار وقدرة على التعبئة والتمرد على سقوف الأنظمة إن شاءت وهي الحركات الإسلامية الموجودة في الجزائر والأردن والكويت.
أما الكويت فقد تم التحكم في الشأن السياسي فيه بحل البرلمان وتجميد مواد أساسية في الدستور، تتعلق بالحياة السياسية، لمدة أربع سنوات وتم إدماج الحركة الإسلامية في المسار، وأما الأردن فإن الحركة الإسلامية ستعيش امتحانا عسيرا بنجاحها التاريخيّ في الانتخابات التشريعية الأخيرة، الذي ربما لم يكن ليسمح به الملك ومن يشير عليه محليا واقليميا ودوليا، إلا من أجل الاستعداد لحرب سيطلب من الأردن أثناءها مواجهة المدد الذي يأتي لحزب الله، وربما لإيران، من العراق وسوريا وكذا غلق المجال الجوي للهجومات الجوية من إيران وحلفائها، ولا توجد من وسيلة لمنع الحركة الإسلامية الأردنية من أن يكون لها دور شعبي ضد الكيان أثناء الحرب سوى أن تورط في الحكومة على إثر نجاحها في الانتخابات التشريعية لتحييدها ثم لكسر مصداقيتها نهائيا.
أما عن الجزائر، وشأن الحركة الإسلامية فيها، فإن الخطة المتعلقة بآفاق 2025، محليا واقليميا ودوليا، أعدت في وقت مبكر بتخطيط محكم، وقد أظهر أحد وكلاء فرنسا ضلوع هذا البلد في بعض جوانب المخطط في وقت مبكر، على نحو سنشرحه لاحقا، حين تنتهي حساسية تناول موضوع الانتخابات الرئاسية، ويمكننا من جهة أخرى، من باب التحليل، أن ندخل ضمن المخطط قرار تقديم الانتخابات الرئاسية.
لقد أشرت لِما كان يحاك في مقال سابق نُشر في نيسان / أبريل من هذه السنة، ومن محاور المخطط المعد تنظيم انتخابات رئاسية هادئة وآمنة، وإدماج أهم حزبين بقي لهما مكانة وقدرة على التأثير وهما حركة مجتمع السلم وجبهة القوى الاشتراكية ليساهما في رسم المشهد المعد مسبقا من حيث عُلم أم لم يُعلم، وقد كانت الانتخابات آمنة فعلا، دون أي رهان، ولكنها لم تكن هادئة، ليس بفعل شدة التنافس في الحملة الانتخابية، فذلك لم يحدث، ولكن بصخب صراع الأجنحة وما حدث من فضائح في إعلان النتائج.
أما جبهة القوى الاشتراكية فإنه يلزم الحوار معها مباشرة وبشكل مفتوح، وبمطالب محددة، على نحو ما وقع قبيل الانتخابات التشريعية 2012، وفق ما كشفه أمين عام سابق للجبهة شهد على ذلك بنفسه، وما رأيناه من تغيير للنتائج من قبل المجلس الدستوري لصالحها ولصالح حزب آخر.
لم تبق إلا ثلاث حركات إسلامية لها فاعلية وانتشار وقدرة على التعبئة والتمرد على سقوف الأنظمة إن شاءت وهي الحركات الإسلامية الموجودة في الجزائر والأردن والكويت.وأما حركة مجتمع السلم فلا يُتصور أن يتورط قادتها الحاليون في المساومات المباشرة، ولكن يمكن بسهولة إدماجها في المخطط بالاستدراج. وقد بين لي أحد المطّلعين، كيف تعتمد الأجهزة على دراسة الشخصيات القيادية، واستعمال الأسلوب الأنسب لكل مسؤول. والوسيلة المستعملة معنا وفق ما ذكر لي آخر، من الشخصيات المؤثرة ذات العلاقات الفاعلة هي "يجيبوك بالقدر!"، فلا يحتاج النظام السياسي لاستدراج المسؤولين في حمس أن يتم تهديدهم أو شراؤهم، يكفي ابتلاعهم بالمدح والإطراء والإغداق عليهم بالثناء الذي تحتاجه نفسياتهم، كالقول لهم بأنهم "وطنيون، ومعتدلون، ورجال دولة، وتلاميذ الشيخ محفوظ، ويتنازلون من أجل الوطن!…". وقد رأيت كيف يستعمل هذا الأسلوب بنفسي طيلة ممارستي المسؤولية بمختلف أنواعها، واستعملت معها ـ ما استطعت وبصدق ـ الاستراتيجية المعاكسة، وهي تجاوز الثناء مع الشكر عليه ومحاولة رفع السقف السياسي والفكري في الحوار في اتجاه المواضيع التي تنفع البلد بثقة تامة في النفس بحمد الله وعونه.
لا توجد هذه الظاهرة الاستيعابية بالمدح عند الحركة الإسلامية في الجزائر فقط، للأسف الشديد، بل صارت ظاهرة عامة عند أغلب الحركات الإسلامية التي "تعتبر" نفسها وسطية، ويمكن أن يضاف إلى المدح منح شيء من الامتيازات المعنوية والمادية التي تحافظ على المكاسب التنظيمية والوجاهة الاجتماعية تحت سقوف الأنظمة، المغايرة في العمق وفي المحصلة لسقوف مصلحة الأوطان.
إن الحاجة الملحة لجبهة القوى الاشتراكية التي ساعدت على نجاح المخطط هي العودة لمؤسسات الدولة بغرض حماية نفسها من القبضة الأمنية التي باتت مطبقة وتامة في منطقة القبائل وإنقاذ أعضائها من شبهة الانتماء لمنظمة "الماك" الانفصالية، وهي الحالة الخطيرة المشابهة التي وجدت فيها حركة مجتمع نفسها في سنوات المأساة الوطنية، فكانت المعالجة بنفس الاستراتيجية. وما من سبب رئيسي لإعادة تشكيل المجالس المنتخبة مبكرا الذي يُتحدث عنه كثيرا إلا لتعود إليها جبهة القوى الاشتراكية. علاوة على السبب المشترك وهو كسب حليف، مباشر أو موضوعي، يتم إدماجه في مؤسسات الدولة وبالمن عليه بإجراءات الرعاية السياسية والانتخابية والأمنية.
أما حركة مجتمع السلم، فإن الأولية القصوى بخصوصها بالنسبة للنظام السياسي هو تقليص أو إنهاء أثرها الشعبي الذي كان في اتجاه متصاعدبين 2013 ـ 2023 (والذي كان هو الضامن بعد الله لوصولها للحكم في الوقت المناسب لو استمر)، ووضعها تحت الرعاية بأشكال متعددة وإدماجها لاحقا في الحكومة ضمن سياق مخادع يتلاءم مع ثقافتها وبعض نصوص وثائقها، ولا هدف من ذلك سوى منعها من الاستفادة من التطورات الاقتصادية والاجتماعية المقبلة، ولكي تُعدمُ فرصُها للانتقال إلى الحكم يوما ما لتطبق برنامجها وتطور بلدها، أو لتمنع من الشراكة الفعلية في الحكم أبديا، وربما لكي يُتخلص منها كليا أثناء الأزمة المقبلة أو بعدها. وكل ذلك يندرج ضمن مخطط دولي لتصفية ما بقي من الحركات الإسلاميةذات التجذر الشعبي، على نحو ما ذكرناه سابقا، لا سيما وأن كل القوى الإسلامية، بخصوص الجزائر، صارت تتنافس على رضا الحاكم والتقرب منه، ولم يبق خارج القبضة الرسمية سوى أفراد معزولين في مختلف الولايات ليس لهم قدرة على التأثير في الوقت الحالي.
لا داعي للرجوع إلى الحديث عن الانتخابات الرئاسية لكي لا يُغيِّب الجدالُ العقيمُ الفكرةَ، رغم ما في تحليل العملية الانتخابية برمتها من دلائل على كل ما نقوله. نكتفي بالقول بأن النظام السياسي سيخلق مسارا مركبا لإشراك الجميع في السيناريو المعد مسبقا، يسميه الحوار الوطني، وقد يتم استعارة بعض أفكار ومفردات ومشاريع تنسيقية الانتقال الديمقراطي واجتماع مازفران الجماعية، ووثيقة التوافق الوطني لحركة مجتمع السلم، بل قد يتم الذهاب إلى تنظيم ندوة وطنية، أو ما يشبهها، والمُخرج سيكون قرار انتخابات تشريعية ومحلية مسبقة، و تشكيل حكومة وطنية سياسية، لتسيير الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وليس لحل الأزمة السياسية، التي عقّدتها أكثر من أي وقت مضى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، دون أي شرط لنجاح فعلي للانتقال الديمقراطي الذي لا ضامن له، بعد الله، سوى ميزان القوة بين المجتمع والدولة، وبين السلطة والمعارضة مثلما هي نماذج تجارب الانتقال الديمقراطي الناجحة في العالم.
هذا المكر الذي يخطط له المتحكمون في الأوضاع، لأسباب سلطوية وللتحكم في الرقاب، وليس لمصلحة الشعوب، ولكن مكر الله أعظم من مكرهم، ((والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)) صدق الله العظيم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير الشرق الأوسط امريكا رأي اسلاميون سياسات أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الانتخابات الرئاسیة الولایات الأمریکیة الحرکات الإسلامیة الأمریکیة المتحدة الحرکة الإسلامیة حرکة مجتمع السلم حزب الله
إقرأ أيضاً:
تعرّف على المنظمة التي تلاحق مجرمي الحرب الإسرائيليين بجميع أنحاء العالم
نشر موقع "موندويس" الأمريكي، تقريرًا، سلّط فيه الضوء على مؤسسة "هند رجب" التي تأسّست عقب استشهاد الطفلة هند رجب في غزة، بقصف للاحتلال الإسرائيلي، مبرزا أنها تسعى لمحاكمة الجنود الإسرائيليين المتّهمين بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين، مستندة إلى أدلة تشمل منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأوضح التقرير الذي ترجمته "عربي21"، أنّ: "الطريقة التي قُتلت بها الطفلة هند رجب مروعة؛ حيث وُجدت بالمقاعد الخلفية من سيارة محطمة، على بعد أمتار من دبابة ميركافا إسرائيلية"، مضيفا: "وُجدت عمتها وعمها مقتولين في المقعدين الأماميين، وأربعة من أبناء عمومتها ينزفون بجانبها".
وتابع: "كانت تتوسل لموظفة فلسطينية على الطرف الآخر من خط هاتف خلوي، وتبكي خوفا، ثم في لمح البصر، تمزقت لأشلاء بوابل طلقات الرشاشات الإسرائيلية"، مردفا: "استشهدت هند رجب قبل سنة، وكانت في السادسة من عمرها، والآن تسعى المؤسسة التي تحمل اسمها إلى تحقيق العدالة".
"ليس فقط من أجل هند، ولكن من أجل عدد لا يحصى من الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل في انتهاك للقانون الدولي" بحسب التقرير نفسه.
ملاحقة الجنود كأفراد
أضاف الموقع أن المؤسسة لا تلاحق دولة الاحتلال الإسرائيلي، بل تتبع نهجًا مختلفًا بملاحقة الجنود الإسرائيليين كأفراد. وحدّدت المؤسسة التي تتخذ من بروكسل مقرًا لها، في ملف قدمته إلى المحكمة الجنائية الدولية، في لاهاي، في 8 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، هويّة ألف جندي إسرائيلي تعتقد أنه يجب على المحكمة مقاضاتهم.
وأبرز التقرير: "استنادًا إلى 8000 دليل، بما في ذلك منشورات الجنود أنفسهم على مواقع التواصل الاجتماعي من غزة المدمرة"، مشيرا إلى أنه: "من الممارسات التي تباهى بها المجنّدون والضباط الإسرائيليون على فيسبوك وإنستغرام وسناب شات وتيك توك وتلغرام وغيرها: القصف العشوائي".
"القتل المتعمد للمدنيين، بمن فيهم العاملون بالمجال الطبي والصحفيون والمدنيون الذين يلوحون بالرايات البيضاء؛ والتدمير الوحشي للمنازل والمستشفيات والمدارس والأسواق والمساجد؛ والتجويع القسري والنهب" أبرز التقرير ما كان يتباهى به المجنّدون والضباط الإسرائيليون.
وأوضح محامي المؤسسة هارون رضا، أنّ: "مؤسسة هند رجب تراقب جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة منذ كانون الأول/ ديسمبر 2023، بمساعدة شبكة من النشطاء والمحامين حول العالم"، مضيفا أنّ: "المؤسسة لديها شبكة كبيرة جدًا من المحققين في الداخل والخارج".
وتركز المؤسسة، وفق المحامي نفسه، على حسابات مواقع التواصل الاجتماعي للجنود الذين خدموا في غزة منذ بدء الحرب، قبل خمسة عشر شهرًا، ويقول هارون إنّ: "جميع هؤلاء الجنود لديهم حسابات على التواصل الاجتماعي، وكان العديد منهم يضعون صورًا جماعية ويُظهرون أماكنهم وممارساتهم خلال الحرب".
إلى ذلك، تقوم المؤسسة بتوثيق التواريخ والأوقات والمواقع في غزة، ثم تقارنها مع منشورات أخرى للجنود، سواء مقاطع الفيديو أو الصور.
توثيق الجرائم
ذكر الموقع أن القادة العسكريين الإسرائيليين أمروا الجنود بالتوقف عن التباهي بجرائمهم خوفًا من تعرضهم للاعتقال أو الملاحقة القضائية أثناء سفرهم إلى الخارج.
وقال هارون رضا إنّ: "قيادة الجيش لم تطلب من جنودها رسميًا التوقف عن ارتكاب جرائم الحرب، لكنهم طلبوا منهم التوقف عن نشر تلك الممارسات على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا يعني أن القادة يعرفون ما يفعله الجنود ولا يشعرون بالخجل من ذلك، لكنهم لا يريدون أن يتورط الجنود في أي ملاحقات قضائية".
وأضاف رضا أنه: "من المثير للاهتمام أنهم بدأوا يحذفون كل المنشورات، لكنهم لا يعلمون أن الإنترنت له ذاكرة طويلة وأنه كان هناك ما يكفي من الوقت لتوثيق الجرائم"، مؤكدا أن "المؤسسة لديها قاعدة بيانات ضخمة من المعلومات التي تم التحقق منها أكثر من مرة، وتلك البيانات تشكل أدلة لرفع قضايا ضد الجنود المتورطين".
واسترسل: "من بين ألف جندي وردت أسماؤهم في ملف مؤسسة هند رجب للمحكمة الجنائية الدولية، مجموعة من الضباط والقادة، بما في ذلك ثلاثة وثلاثون جنديًا يحملون الجنسية الإسرائيلية وجنسية أخرى، ومنهم أكثر من عشرة جنود من فرنسا والولايات المتحدة، وأربعة من كندا، وثلاثة من المملكة المتحدة، واثنان من هولندا".
إثر ذلك، أرسلت المؤسسة، قائمة بأسماء الجنود الإسرائيليين إلى عشر دول مختلفة يعتبرها الجنود الإسرائيليون وطنهم الأم، أو يتّجهون إليها بعد انتهاء خدمتهم العسكرية، وهي دول تمارس الولاية القضائية العالمية على أخطر الجرائم الدولية.
وأوضح رضا أنّ: "المؤسسة تقوم بالتحقق من المناطق التي يسافر إليها الجنود المتورطون، ومن نمط الرحلات الجوية الأكثر شيوعًا، ثم رفع قضايا بحقهم"؛ موضحا أنه: "تم تقديم شكاوى في النمسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا والسويد وتايلاند والإكوادور".
واعتبر رضا أنه: "رغم فشل العديد من محاولات الاعتقال بعد أن تم إبلاغ الجنود بأنهم ملاحقون ونجحوا في الفرار، فإن نجاح عملية الاعتقال مسألة وقت فحسب".
وتستهدف المؤسسة أيضًا المتواطئين والمحرضين على جرائم حرب الاحتلال الإسرائيلي على كامل قطاع غزة، ومن بين هؤلاء جمهور فريق "مكابي تل أبيب" لكرة القدم، الذين قاموا بأعمال شغب بأمستردام في الخريف الماضي، وحاخام ينتمي للواء جفعاتي الإسرائيلي، تفاخر بتدمير أحياء كاملة في غزة، وأيّد قصف المدنيين الفلسطينيين.
شعور زائف بالأمان
أضاف رضا بأن "الجنود الإسرائيليين أصبحوا مثل مجرمي الحرب النازيين الذين هربوا إلى باراغواي أو كندا أو أوروبا وكان لديهم شعور زائف بالأمان"، مؤكدا أن "المؤسسة تتعقبهم وتستطيع مقاضاتهم في حال الذهاب إلى أي دولة ذات اختصاص قضائي عالمي أو أي دولة توافق على ملاحقتهم قضائيًا".
ويعتقد هارون أن "المسؤول عن قتل هند رجب سيمثل أمام العدالة، لأن جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم عندما تكون هناك ولاية قضائية عالمية، وهذا يعني أنه حتى لو تم اكتشاف المسؤولين عن الجريمة بعد عشرين سنة، سوف تتمكن المؤسسة من ملاحقتهم".
إلى ذلك، خلص التقرير بأنّ: "القائمون على المؤسسة بأنهم لن يرتاحوا حتى ينالوا من جميع مرتكبي جرائم الحرب في غزة، بمن فيهم المسؤولون عن مقتل هند رجب".