يخطّط المعسكر الاستعماري الغربي بزعامة الولايات الأمريكية المتحدة للحسم في الحروب التي تورّط فيها والمآزق الديبلوماسية التي علِق فيها، ليعود للاهتمام بالجبهة الصينية وما تمثله من تحديات جادة على الزعامة العالمية والمصالح الاقتصادية والتحديات الجيوستراتيجية، لا سيما ما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، والحرب ضد حركة حماس ومحور المقاومة.



ستبدأ الحرب بمراجعة الاستراتيجية الاقتصادية ضد روسيا، وبشكل أساسي على جبهة المعطيات الطاقوية. فمن الحسابات الخاطئة التي وقعت فيها الولايات الأمريكية المتحدة محاولة حرمان روسيا من مداخيل البترول والغاز بالحصار والضغط على الدول لمقاطعة البضائع والموارد الطبيعية الروسية. غير أنه في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار الطاقة الأحفورية وجدت روسيا زبائن كبارا لم يبالوا بالإدارة الأمريكية فكانت نتيجة المخطط الأمريكي عكسية إذ امتلأت خزائن روسيا بأموال الطاقة غالية السعر، وارتفعت قيمة العملة الروسية، بسبب ارتفاع المداخيل وبسبب اشتراط الروس بيع بترولهم  بالروبل في أوج الأزمة لخصومها الأوروبيين، علاوة عن المقدرات الاقتصادية الجبارة الأخرى، فانتعش الاقتصاد الروسي، بشكل مخالف للمتوقع أثناء الحرب.

ستكون المراجعة، وقد بدأت، بخفض أسعار البترول والغاز، حتى تنقص المداخيل الروسية إذ لن يضطر زبناؤها الكبار اشتراء بترولها بسعر عال. وأدوات خفض ورفع الأسعار الطاقوية لعبة دولية تتقنها أمريكا، وهي تملك، مع حلفائها، مخزونا استراتيجيا كبيرا يمكن استعماله لذلك، ضمن أدوات أخرى.

لقد أحدث طوفان الأقصى تحولات دولية كبرى أثرت كثيرا على المكانة الدولية للولايات الأمريكية المتحدة وعلى سمعتها، وعلى أوضاعها المحلية. وإذ لم يستطع البيت الأبيض التحكم في تعنت المجرم نتنياهو، رغم المشاركة الكاملة في الجريمة، فهو مضطر لمسايرته في استراتجية الحسم العنيف في غزة ومع محور المقاومة. ربما تكون الولايات الأمريكية غير راغبة في توسيع الحرب مع إيران إلا إذا اضطرت لذلك، ولكنها بكل تأكيد ستمضي لدعم حليفها الصهيوني في الحرب الطاحنة المتوقعة مع حزب الله.من الدول التي ستتأثر بخفض أسعار البترول والغاز الجزائر، حيث أنه مقدر في الدراسات الطاقوية المتخصصة أن البترول سينخفض إلى حدود60 دولار للبراميل في 2025، والجزائر تحتاج إلى ضعف هذا السعر لتحفظ توازناتها الاقتصادية الكبرى، ومع ارتفاع الاستهلاك المحلي وضعف الاحتياطي ستدخل الجزائر في أزمة مستجدة تشعل الجبهة الاجتماعية، لاسيما وأن الرئيس تبون لم يحقق نجاحا اقتصاديا يقوم على نمو عدد ونوع المؤسسات الاقتصادية في الصناعة والفلاحة والخدمات المنتجة للبضائع والسلع والتي توفر فرص الشغل  بما يحل مشكل البطالة ويخلق الثروة ويحل مشكلة الندرة والتضخم ويرفع مستوى المعيشة. لقد بقي الخطاب والإجراءات الشعبوية هي سيدة الموقف، وساعد على تفشي ذلك الانهيار الكلي للتدافع السياسي والاجتماعي  في البلاد.

ثمة مؤشرات كثيرة تبين بأن النظام السياسي الجزائري على علم بما ينتظره من أزمات في عام 2025، بتلقاء نفسه، أو بتنبيه من الولايات الأمريكية التي صارت لها الجزائر حليفا موثوقا به، بعد خيبة البريكس والتوتر الخفي في العلاقة مع روسيا، إذ عادة ما تخبر الولايات الأمريكية حلفاءها، القريبين والبعيدين، بالآثار السلبية لسياساتها وتحاول المساعدة على ذلك.

والملف الآخر الذي تسعى الولايات الأمريكية المتحدة لحسمه الملف الفلسطيني ومحور المقاومة. لقد أحدث طوفان الأقصى تحولات دولية كبرى أثرت كثيرا على المكانة الدولية للولايات الأمريكية المتحدة وعلى سمعتها، وعلى أوضاعها المحلية. وإذ لم يستطع البيت الأبيض التحكم في تعنت المجرم  نتنياهو، رغم المشاركة الكاملة في الجريمة، فهو مضطر لمسايرته في استراتجية الحسم العنيف في غزة ومع محور المقاومة. ربما تكون الولايات الأمريكية غير راغبة في توسيع الحرب مع إيران إلا إذا اضطرت لذلك، ولكنها بكل تأكيد ستمضي لدعم حليفها الصهيوني في الحرب الطاحنة المتوقعة مع حزب الله.

ومن الاستراتيجيات التي ستنتهجها الولايات الأمريكية دعما للكيان تحييد الدول العربية السنية وتوريط بعضها في الحرب ضد حزب الله، وبالتالي ضد "حماس".

لا توجد مشكلة لديها في تحقيق ذلك مع الأنظمة العربية الرسمية، ولكن الجبهة المحرجة لها ولحليفها الإسرائيلي هي الجبهة الشعبية. غير أن الجبهة الشعبية يمكن تحييدها إذا تم تحييد القوى الإسلامية الفاعلة فيها، لكي لا تكون هذه الحركات عائقا للاستراتيجية الأمريكية الصهيونية ولكي لا تستفيد من التحولات فتنبعث من جديد.

وحين نلقي النظر إلى الحركات الإسلامية السنية في الدول العربية، نجدها تعيش أوضاعا مزرية وضعفا شديدا في أغلبها، في تونس وليبيا ومصر واليمن والعراق وسوريا، ولا وجود لها تقريبا في دول الخليج، سوى الكويت، وتعرف تراجعا كبيرا في المغرب وقلة تأثير سياسي في موريتانيا، ولم تبق إلا ثلاث حركات إسلامية لها فاعلية وانتشار وقدرة على التعبئة والتمرد على سقوف الأنظمة إن شاءت وهي الحركات الإسلامية الموجودة في الجزائر والأردن والكويت.

أما الكويت فقد تم التحكم في الشأن السياسي فيه بحل البرلمان وتجميد مواد أساسية في الدستور، تتعلق بالحياة السياسية، لمدة أربع سنوات وتم إدماج الحركة الإسلامية في المسار، وأما الأردن فإن الحركة الإسلامية ستعيش امتحانا عسيرا بنجاحها التاريخيّ في الانتخابات التشريعية الأخيرة، الذي ربما لم يكن ليسمح به الملك ومن يشير عليه محليا واقليميا ودوليا، إلا من أجل الاستعداد لحرب سيطلب من الأردن أثناءها مواجهة المدد الذي يأتي لحزب الله، وربما لإيران، من العراق وسوريا وكذا غلق المجال الجوي للهجومات الجوية من إيران وحلفائها، ولا توجد من وسيلة لمنع الحركة الإسلامية الأردنية من أن يكون لها دور شعبي ضد  الكيان أثناء الحرب سوى أن تورط في الحكومة على إثر نجاحها في الانتخابات التشريعية لتحييدها ثم لكسر مصداقيتها نهائيا.

أما عن الجزائر، وشأن الحركة الإسلامية فيها، فإن الخطة المتعلقة بآفاق 2025، محليا واقليميا ودوليا،  أعدت في وقت مبكر بتخطيط محكم، وقد أظهر أحد وكلاء فرنسا ضلوع هذا البلد في بعض جوانب المخطط في وقت مبكر، على نحو سنشرحه لاحقا، حين تنتهي حساسية تناول موضوع الانتخابات الرئاسية، ويمكننا من جهة أخرى، من باب التحليل، أن ندخل ضمن المخطط قرار تقديم الانتخابات الرئاسية.

لقد أشرت لِما كان يحاك في مقال سابق نُشر في نيسان / أبريل من هذه السنة، ومن محاور المخطط المعد تنظيم انتخابات رئاسية هادئة وآمنة، وإدماج أهم حزبين بقي لهما مكانة وقدرة على التأثير وهما حركة مجتمع السلم وجبهة القوى الاشتراكية ليساهما في رسم المشهد المعد مسبقا من حيث عُلم أم لم يُعلم، وقد كانت الانتخابات آمنة فعلا، دون أي رهان، ولكنها لم تكن هادئة، ليس بفعل شدة التنافس في الحملة الانتخابية، فذلك لم يحدث، ولكن بصخب صراع الأجنحة وما حدث من فضائح في إعلان النتائج.

أما جبهة القوى الاشتراكية فإنه يلزم الحوار معها مباشرة وبشكل مفتوح، وبمطالب محددة، على نحو ما وقع قبيل الانتخابات التشريعية 2012، وفق ما كشفه أمين عام سابق للجبهة شهد على ذلك بنفسه، وما رأيناه من تغيير للنتائج من قبل المجلس الدستوري لصالحها ولصالح حزب آخر.

لم تبق إلا ثلاث حركات إسلامية لها فاعلية وانتشار وقدرة على التعبئة والتمرد على سقوف الأنظمة إن شاءت وهي الحركات الإسلامية الموجودة في الجزائر والأردن والكويت.وأما حركة مجتمع السلم فلا يُتصور أن يتورط قادتها الحاليون في المساومات المباشرة، ولكن يمكن بسهولة إدماجها في المخطط بالاستدراج. وقد بين لي أحد المطّلعين، كيف تعتمد الأجهزة على دراسة الشخصيات القيادية، واستعمال الأسلوب الأنسب لكل مسؤول. والوسيلة المستعملة معنا وفق ما ذكر لي آخر، من الشخصيات المؤثرة ذات العلاقات الفاعلة هي "يجيبوك بالقدر!"، فلا يحتاج النظام السياسي لاستدراج المسؤولين في حمس أن يتم تهديدهم أو شراؤهم، يكفي ابتلاعهم بالمدح والإطراء والإغداق عليهم بالثناء الذي تحتاجه نفسياتهم، كالقول لهم بأنهم "وطنيون، ومعتدلون، ورجال دولة، وتلاميذ الشيخ محفوظ، ويتنازلون من أجل الوطن!…". وقد رأيت كيف يستعمل هذا الأسلوب بنفسي طيلة ممارستي المسؤولية بمختلف أنواعها، واستعملت معها ـ ما استطعت وبصدق ـ الاستراتيجية المعاكسة، وهي تجاوز الثناء مع الشكر عليه ومحاولة رفع السقف السياسي والفكري في الحوار في اتجاه المواضيع التي تنفع البلد بثقة تامة في النفس بحمد الله وعونه.

لا توجد هذه الظاهرة الاستيعابية بالمدح عند الحركة الإسلامية في الجزائر فقط، للأسف الشديد، بل صارت ظاهرة عامة عند أغلب الحركات الإسلامية التي "تعتبر" نفسها وسطية، ويمكن أن يضاف إلى المدح منح شيء من الامتيازات المعنوية والمادية التي تحافظ على المكاسب التنظيمية والوجاهة الاجتماعية تحت سقوف الأنظمة، المغايرة في العمق وفي المحصلة لسقوف مصلحة الأوطان.

إن الحاجة الملحة لجبهة القوى الاشتراكية التي ساعدت على نجاح المخطط هي العودة لمؤسسات الدولة بغرض حماية نفسها من القبضة الأمنية التي باتت مطبقة وتامة في منطقة القبائل وإنقاذ أعضائها من شبهة الانتماء لمنظمة "الماك" الانفصالية، وهي الحالة الخطيرة المشابهة التي وجدت فيها حركة مجتمع نفسها في سنوات المأساة الوطنية، فكانت المعالجة بنفس الاستراتيجية. وما من سبب رئيسي لإعادة تشكيل المجالس المنتخبة مبكرا الذي يُتحدث عنه كثيرا إلا لتعود إليها جبهة القوى الاشتراكية. علاوة على السبب المشترك وهو كسب حليف، مباشر أو موضوعي، يتم إدماجه في مؤسسات الدولة وبالمن عليه بإجراءات الرعاية السياسية والانتخابية والأمنية.

أما حركة مجتمع السلم، فإن الأولية القصوى بخصوصها بالنسبة للنظام السياسي هو تقليص أو إنهاء أثرها الشعبي الذي كان في اتجاه متصاعدبين 2013 ـ 2023 (والذي كان هو الضامن بعد الله  لوصولها للحكم في الوقت المناسب لو استمر)، ووضعها تحت الرعاية بأشكال متعددة وإدماجها لاحقا في الحكومة ضمن سياق مخادع يتلاءم  مع ثقافتها وبعض نصوص وثائقها، ولا هدف من ذلك سوى منعها من الاستفادة من التطورات الاقتصادية والاجتماعية المقبلة، ولكي تُعدمُ فرصُها للانتقال إلى الحكم يوما ما  لتطبق برنامجها وتطور بلدها،  أو لتمنع من الشراكة الفعلية في الحكم أبديا، وربما لكي يُتخلص منها كليا أثناء الأزمة المقبلة أو بعدها. وكل ذلك يندرج  ضمن مخطط دولي لتصفية ما بقي من الحركات الإسلاميةذات التجذر الشعبي، على نحو ما ذكرناه سابقا، لا سيما وأن كل القوى الإسلامية، بخصوص الجزائر، صارت تتنافس على رضا الحاكم والتقرب منه، ولم يبق خارج القبضة الرسمية سوى أفراد معزولين في مختلف الولايات ليس لهم قدرة على التأثير  في الوقت الحالي.

لا داعي للرجوع إلى الحديث عن الانتخابات الرئاسية لكي لا يُغيِّب الجدالُ العقيمُ الفكرةَ، رغم ما في تحليل العملية الانتخابية برمتها من دلائل على كل ما نقوله. نكتفي بالقول بأن النظام السياسي سيخلق مسارا مركبا لإشراك الجميع في السيناريو المعد مسبقا، يسميه الحوار الوطني، وقد يتم استعارة بعض أفكار ومفردات ومشاريع تنسيقية الانتقال الديمقراطي واجتماع مازفران الجماعية، ووثيقة التوافق الوطني لحركة مجتمع السلم، بل قد يتم الذهاب إلى تنظيم ندوة وطنية، أو ما يشبهها، والمُخرج سيكون قرار انتخابات تشريعية ومحلية مسبقة، و تشكيل حكومة وطنية سياسية، لتسيير الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وليس لحل الأزمة السياسية، التي عقّدتها أكثر من أي وقت مضى الانتخابات الرئاسية الأخيرة،   دون أي شرط لنجاح فعلي للانتقال الديمقراطي الذي لا ضامن له، بعد الله، سوى ميزان القوة بين المجتمع والدولة، وبين السلطة والمعارضة مثلما هي نماذج تجارب الانتقال الديمقراطي الناجحة في العالم.

هذا المكر الذي يخطط له المتحكمون في الأوضاع، لأسباب سلطوية وللتحكم في الرقاب، وليس لمصلحة الشعوب، ولكن مكر الله أعظم من مكرهم، ((والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)) صدق الله العظيم.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير الشرق الأوسط امريكا رأي اسلاميون سياسات أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الانتخابات الرئاسیة الولایات الأمریکیة الحرکات الإسلامیة الأمریکیة المتحدة الحرکة الإسلامیة حرکة مجتمع السلم حزب الله

إقرأ أيضاً:

الثورة الفلسطينية الكبرى.. يوم قام القسام ضد الإنجليز والمنظمات الصهيونية

ثورة بدأت عام 1936م وامتدت حتى 1939م. اندلعت في منتصف أبريل/نيسان بعدما هاجم أتباع الشيخ عز الدين القسّام قافلة شاحنات بين مدينتي نابلس وطولكرم، وقتلوا سائقين يهوديين، فردت منظمة الإرغون الصهيونية في اليوم التالي بقتل عاملَين فلسطينيين قرب قرية بيتح تكفا.

وتلت ذلك اضطرابات دامية في تل أبيب ويافا فانطلقت بذلك "الثورة الفلسطينية الكبرى"، التي استمرت 3 أعوام، وتعاضد فيها الأعيان والنخب مع الفلاحين والبسطاء من أهل الريف.

الظروف التاريخية للثورة الفلسطينية الكبرى

مهدت عدة أحداث وتطورات الطريق لهذه الثورة، فقد كانت فترة الثلاثينيات من القرن الـ20 في فلسطين -كما في غيرها من البلدان- فترة اضطراب اقتصادي شديد، وفيها أصاب الفلسطينيين في الريف ضرر كبير نتيجة عمليات نزع ملكيتهم وتراكم الديون عليهم، جرّاء سياسات سلطات الانتداب البريطاني المشجعة لجهود المنظمات الصهيونية لشراء الأراضي بالإكراه.

وملأت الهجرة من الريف إلى الحضر حيفا ويافا بالفلسطينيين الفقراء الباحثين عن عمل، فبرزت أشكال جديدة من التنظيمات السياسية التي ركّزت على الشباب والفئات الاجتماعية الشعبية بدل الأشكال القديمة القائمة على النخب، كما أدى تزايد العداء لليهود في أوروبا إلى زيادة هجرتهم إلى فلسطين.

ونتجت عن تلك التطورات والأحداث اضطرابات دورية، ابتداء بثورة البراق سنة 1929، ثم اندلاع المظاهرات في العديد من مدن فلسطين ضد الانتداب البريطاني عام 1933.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 1935، تم اكتشاف كمية من الأسلحة شُحنت لحساب منظمة الهاغاناه في ميناء يافا، مما أجّج المخاوف الفلسطينية، خاصة وأن الهجرة اليهودية بلغت ذروتها، ففي الفترة من 1933 إلى 1936 وصل أكثر من 164 ألف مهاجر يهودي إلى فلسطين، وبين 1931 و1936 زاد عدد السكان اليهود أكثر من الضعف من 175 ألفا إلى 370 ألفا، وانتقلت نسبتهم من 17% إلى 27% من مجموع السكان.

إعلان

وفي عام 1930، أسس الشيخ عز الدين القسام منظمة "الكف الأسود"، المناهضة للصهيونية وللسياسات الاستعمارية البريطانية، وجنّد الفلاحين والعمال وأقام لهم دورات تدريبية عسكرية.

وبحلول عام 1935 كان قد جند المئات، وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه اشتبك اثنان من رجاله بالأسلحة النارية مع دورية للشرطة البريطانية وقتلوا شرطيا.

وفي أعقاب هذه الحادثة طاردت الشرطة القسّام، وحاصرته في كهف بالقرب من قرية يعبد ومعه 10 من أنصاره، فرفض الاستسلام، وبعد قتال من الصباح حتى العصر استشهد الشيخ برصاصة في جبينه، واستشهد معه 3 من رفاقه، وأصيب اثنان منهم وأسر الباقون.

وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني 1935، خرج الآلاف في جنازة كبيرة لتشييع عز الدين القسام ورفاقه الثلاثة، وأطلقت الدعوات لمتابعة نهجهم والسير على منوالهم، وبقيت تتوالى حتى اندلعت الثورة الفلسطينية الكبرى في أبريل/نيسان 1936.

ويعد عبد القادر الحسيني أول من بدأ قيادة الثورة الفلسطينية الكبرى سنة 1936 بحشده رجال المقاومة في كل الأراضي لمواجهة الاحتلال، وقد استشهد في الثامن من أبريل/نيسان 1948 وهو يخوض معركة تحرير قرية القسطل الإستراتيجية المشرفة على طريق القدس يافا.

مراحل الثورة الفلسطينية الكبرى

مرت الثورة الفلسطينية الكبرى بـ3 مراحل:

المرحلة الأولى

بدأت من ربيع عام 1936 وحتى يوليو/تموز 1937، وهي مرحلة اشتعال الثورة بعد تأجج التوترات في فلسطين وتراكمها منذ خريف 1935.

ففي منتصف أبريل/نيسان 1936، هاجم أتباع القسّام قافلة من الشاحنات بين نابلس وطولكرم وقتلوا سائقين يهوديين، فردت منظمة الإرغون في اليوم التالي بقتل عاملَين فلسطينيين بالقرب من بيتح تكفا، ثم تلت ذلك اضطرابات دامية في تل أبيب ويافا.

وفي 19 أبريل/نيسان، شُكّلت في نابلس لجنة وطنية اتُّفق فيها على إعلان الإضراب، كما شُكلت لجان وطنية في مدن أخرى دعت بدورها إلى الإضراب.

إعلان

وفي 25 أبريل/نيسان، تم تشكيل اللجنة العربية العليا من رؤساء الأحزاب الخمسة، و5 آخرين من رجالات البلاد. وكان أعضاء اللجنة هم: الحاج أمين الحسيني وراغب النشاشيبي وأحمد حلمي عبد الباقي والدكتور حسن الخالدي ويعقوب فراج وعوني عبد الهادي وعبد اللطيف صلاح وألفرد روك وجمال الحسيني ويعقوب الغصين، وانتخب أمين الحسيني رئيسا لتنسيق ودعم إضراب وطني عام انطلق في الثامن من مايو/أيار وشلّ النشاط التجاري والاقتصادي في فلسطين 6 أشهر.

وفي تلك الأثناء كان الفلسطينيون في أنحاء الريف كافة يشكّلون مجموعات مسلحة لمهاجمة أهداف للسلطات البريطانية والحركات الصهيونية المسلحة، وكان عملهم في البداية عفويا ومتقطّعا، ثم انتظم بعد ذلك بشكل متزايد، وانضم إليه متطوعون عرب من خارج فلسطين، وإن بأعداد قليلة.

واستخدم البريطانيون أساليب وتكتيكات مختلفة لوقف الإضرابات وقمع العصيان المسلّح في المناطق الريفية، وزادوا أعداد رجال الشرطة البريطانيين واليهود، وتعرّضت المنازل للتفتيش والمداهمات الليلية، وأهلها للضرب والسجن والتعذيب والترحيل.

ووصل القمع البريطاني إلى حد هدم أحياء واسعة في مدينة يافا القديمة، وتزامنت تلك العمليات العسكرية والتدابير القمعية مع إرسال الحكومة البريطانية لجنة برئاسة اللورد بيل للتحقيق في الأسباب الجذرية للتمرد.

وفي 11 أكتوبر/تشرين الأول 1936، وتحت وطأة ضغوط السياسات القمعية البريطانية، وضغوط بعض الملوك والأمراء العرب من خلال وعود وتطمينات، وكذا العواقب الاقتصادية للإضراب على السكان الفلسطينيين، أوقفت اللجنة العربية العليا الإضراب ووافقت على التعاون مع لجنة بيل.

بدأت لجنة بيل عملها، وانخفضت التوترات مؤقتا، وبعد إعلان نتائج تحقيقها، الذي صدر في يوليو/تموز 1937، أوصت اللجنة بتقسيم فلسطين إلى دولتين، واحدة لليهود وأخرى للعرب، فثار الشعب الفلسطيني مجددا وأطلق تمردا مسلّحا أكثر شدة من سابقه، وبدأت المرحلة الثانية من الثورة الفلسطينية.

إعلان

المرحلة الثانية

وامتدت من يوليو/تموز 1937 إلى خريف 1938، وحققت فيها الثورة مكاسب كبيرة، إذ سيطرت على مساحات شاسعة من الأراضي الجبلية، بما في ذلك البلدة القديمة في القدس لفترة من الزمن، فأحلوا فيها مؤسسات وطنية محل تلك التي كانت تابعة للانتداب البريطاني، مثل المحاكم وخدمة البريد وغيرها.

وكان حادث اغتيال لويس يلاند أندروز -حاكم لواء الجليل- على يد جماعة القسام يوم 26 سبتمبر/أيلول 1937 المؤشر البارز على بدء المرحلة الثانية من الثورة الفلسطينية.

وقد اعتبر مقتل أندروز صدمة كبيرة للسلطات البريطانية، إذ كان أول اغتيال لشخصية مدنية كبيرة، واعتبر إعلانا صريحا للثورة ضد الحكم البريطاني.

فما كان من البريطانيين إلا أن اتخذوا تدابير أشد قسوة في محاولة لسحق الثورة، فأعلنت سلطة الانتداب عدم شرعية اللجنة العربية العليا والأحزاب السياسية الفلسطينية كافة، وألقت القبض على القادة السياسيين والأهليين، ونفت عددا من الشخصيات العامة رفيعة المستوى.

كما لجأت إلى تصعيد الوسائل العسكرية لمكافحة التمرد، فنشرت الدبابات والطائرات والمدفعية الثقيلة في جميع أنحاء فلسطين، وطبّقت العقاب الجماعي في حق الفلسطينيين، فزجّت بآلاف منهم في "معسكرات الاعتقال"، كما دمرت أحياء سكنية وأغلقت مدارس وغرمت قرى بشكل جماعي وأجبرتها على إيواء الشرطة والقوات البريطانية.

وأمام هول ما كان يحدث للشعب الفلسطيني، استفادت المنظمات العسكرية الصهيونية من الوضع لبناء قدراتها بدعم بريطاني، وبحلول أوائل سنة 1939 حصل 14 ألف رجل من "شرطة المستعمرات اليهودية" على الدعم والزي الرسمي والسلاح من الحكومة البريطانية.

وكانت منظمة الهاغاناه تعمل خلف تلك الواجهة، إضافة إلى ما يسمّى الوحدات الليلية الخاصة المشكَّلة من يهود وبريطانيين، وكانت تنفذ "عمليات خاصة" ضد القرى الفلسطينية.

إعلان

المرحلة الثالثة

واستمرت تقريبا من خريف 1938 حتى صيف 1939، إذ كان البريطانيون قد عينوا في يناير/كانون الثاني 1938 لجنة تحقيق أخرى بقيادة السير جون وودهيد لدراسة الجوانب الفنية لتنفيذ التقسيم.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1938، خلص تقرير لجنة وودهيد إلى أن التقسيم ليس عمليا، مما جعل البريطانيين يتراجعون بعض الشيء عن توصية بيل، إلا أنهم أطلقوا في الوقت ذاته هجوما شاملا على الفلسطينيين، فشهد عام 1939 قتل المزيد منهم وإعدام المزيد شنقا واعتقال ما يقارب ضعفي عدد معتقلي سنة 1938.

وقد فرضت هذه الأوضاع ضغوطا هائلة على الثوار الفلسطينيين، مما أدى إلى تفاقم الخلافات بين قادة اللجنة العربية العليا من السياسيين المنفيين إلى دمشق وبين القيادة المحلية، ومن جهة ثانية بين مجموعات الثوار وسكان القرى الذين كان من المتوقع أن يدعموهم.

ووقع الخلاف بشكل أساسي بين الفلسطينيين المستعدين للتوصل إلى تسوية مع البريطانيين وأولئك الملتزمين بالثورة، وتم تشكيل ما سمّي "فرق السلام" الفلسطينية بدعم بريطاني لمحاربة أنصار الثورة.

وفي مايو/أيار 1939 نشرت الحكومة البريطانية الكتاب الأبيض الجديد الذي نص على "الوفاء بالتزامات بريطانيا تجاه فكرة الوطن القومي لليهود، واستمرار السماح بهجرة 75 ألف يهودي جديد إلى فلسطين في الأعوام الخمسة التالية، واستحواذ اليهود على الأراضي فيها (وهما بندان يتعارضان مع التزامات بريطانيا تجاه الفلسطينيين).

كما نص الكتاب الأبيض على أنه "بعد انقضاء السنوات الخمس تصبح الهجرة اليهودية خاضعة للموافقة العربية ويسمح بنقل ملكية الأراضي في مناطق معينة فقط، فيما تكون العملية مقيدة ومحظورة في مناطق أخرى، وذلك لمنع حرمان الفلسطينيين من الأراضي، ويتم إنشاء دولة موحدة مستقلة بعد 10 سنوات، مشروطة بعلاقات فلسطينية يهودية مواتية".

إعلان

وفي أواخر صيف 1939، أوصلت الجهود البريطانية العسكرية والدبلوماسية المشتركة، الثورة إلى نهايتها، وفي السنوات الثلاث للثورة قُتل حوالي 5 آلاف فلسطيني وجُرح ما يقارب 15 ألفا، إضافة إلى نفي القيادات الفلسطينية واغتيالها وسجنها وتأليب بعضها ضد بعض.

أما خسائر الإنجليز، فكانت مقتل 16 رجل شرطة و22 جنديا وجرح 10 رجال شرطة و148 عسكريا ومقتل 80 يهوديا وجرح 308 آخرين.

أبرز معارك الثورة الفلسطينية الكبرى معركة نور شمس: وقعت يوم 23 مايو/أيار 1936. معركة عنبتا: وقعت يوم 21 يونيو/حزيران 1936. معركة وادي عزون: وقعت يوم 28 يونيو/حزيران 1936. معركة الفندقومية: وقعت يوم 30 يونيو/حزيران 1936. معركة باب الواد: وقعت يوم 29 يوليو/تموز 1936. معركة رأس عامر: وقعت في الثالث من أغسطس/آب 1936. معركة صفد: وقعت في التاسع من أغسطس/آب 1936. معركة بلعا الأولى: وقعت في العاشر من أغسطس/آب 1936. معركة عصيرة الشمالية: وقعت يوم 17 أغسطس/آب 1936. معركة وادي عرعرة: وقعت يوم 20 أغسطس/آب 1936. معركة عين دور: وقعت يوم 29 أغسطس/آب 1936. معركة بلعا الثانية: وقعت في الثالث من سبتمبر/أيلول 1936. معركة الجاعونة: وقعت في التاسع من سبتمبر/أيلول 1936. معركة ترشيحا: وقعت في التاسع سبتمبر/أيلول 1936. معركة حلحول: وقعت يوم 24 سبتمبر/أيلول 1936. معركة جبع: وقعت يوم 24 سبتمبر/أيلول 1936. معركة بيت مرين: وقعت يوم 29 سبتمبر/أيلول 1936. معركة الخضر: وقعت في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1936. معركة كفر صور: وقعت في التاسع من سبتمبر/أيلول 1936.

مقالات مشابهة

  • هل تمثل التدريبات العسكرية “الفرنسية – المغربية” تهديدات للجزائر؟
  • دخول 167 شباكاً آلياً جديداً حيز الخدمة في هذه الولايات
  • عاجل | هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤول: إحراز تقدم معين في المحادثات التي أجرتها الولايات المتحدة مع حماس
  • الثورة الفلسطينية الكبرى.. يوم قام القسام ضد الإنجليز والمنظمات الصهيونية
  • المملكة ترحب باستضافة اللقاء المقرر بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا
  • خطة الجحيمفي غزة.. ما الذي تخطط له حكومة نتنياهو ؟
  • من هم قيادات الحوثيين الذي شملهم قرار العقوبات الأمريكية؟
  • أول عملية إعدام رمياً بالرصاص منذ 15 عاماً في الولايات المتحدة الأمريكية
  • هل بدأت الولايات المتحدة إجراءات الإطاحة بزيلينسكي؟
  • مصدر أمني في وزارة الداخلية لـ سانا: بعد قيام فلول النظام البائد باغتيال العديد من عناصر الشرطة والأمن توجهت حشود شعبية كبيرة غير منظمة للساحل مما أدى لبعض الانتهاكات الفردية، ونعمل على إيقاف هذه التجاوزات التي لا تمثل عموم الشعب السوري.