اعتمد زعماء العالم أمس ميثاقًا للمستقبل يتضمن ميثاقًا رقميًا عالميًا وإعلانًا بشأن الأجيال القادمة. 
ويعتبر  الميثاق  تتويج لعملية شاملة استمرت لسنوات طويلة لتكييف التعاون الدولي مع حقائق اليوم وتحديات الغد. يعد الميثاق، وهو الاتفاق الدولي الأكثر شمولاً منذ سنوات عديدة، والذي يغطي مجالات جديدة تمامًا بالإضافة إلى قضايا لم يكن من الممكن الاتفاق عليها منذ عقود، يهدف الميثاق قبل كل شيء إلى ضمان قدرة المؤسسات الدولية على تحقيق أهدافها في مواجهة عالم تغير بشكل كبير منذ إنشائها.

وكما قال الأمين العام، "لا يمكننا خلق مستقبل مناسب لأحفادنا بنظام بناه أجدادنا".
بشكل عام، فإن اتفاق الميثاق هو بيان قوي لالتزام البلدان بالأمم المتحدة والنظام الدولي والقانون الدولي. يحدد القادة رؤية واضحة لنظام دولي قادر على الوفاء بوعوده، وهو أكثر تمثيلاً لعالم اليوم ويعتمد على طاقة وخبرة الحكومات والمجتمع المدني والشركاء الرئيسيين الآخرين.
وقال الأمين العام للامم المتحدة انطونيو جوتريتش خلال كلمته في افتتاح قمة المستقبل: "إن ميثاق المستقبل والميثاق الرقمي العالمي وإعلان الأجيال القادمة يفتح الباب أمام فرص جديدة وإمكانيات غير مستغلة". وأشار رئيس الجمعية العامة إلى أن الميثاق "سيضع الأسس لنظام عالمي مستدام وعادل وسلمي - لجميع الشعوب والأمم".
يغطي الميثاق مجموعة واسعة من القضايا بما في ذلك السلام والأمن والتنمية المستدامة وتغير المناخ والتعاون الرقمي وحقوق الإنسان والجنس والشباب والأجيال القادمة وتحويل الحوكمة العالمية. تشمل النتائج الرئيسية للميثاق ما يلي:
-مجال السلام والأمن-
الالتزام الأكثر تقدمية  بإصلاح مجلس الأمن منذ ستينيات القرن العشرين، مع خطط لتحسين فعالية وتمثيل المجلس، بما في ذلك معالجة التمثيل الناقص التاريخي لأفريقيا كأولوية.
أول التزام متعدد الأطراف بنزع السلاح النووي منذ أكثر من عقد من الزمان، مع التزام واضح بهدف القضاء التام على الأسلحة النووية.
الاتفاق على تعزيز الأطر الدولية التي تحكم الفضاء الخارجي، بما في ذلك الالتزام الواضح بمنع سباق التسلح في الفضاء الخارجي والحاجة إلى ضمان استفادة جميع البلدان من الاستكشاف الآمن والمستدام للفضاء الخارجي.
خطوات لتجنب تسليح وإساءة استخدام التقنيات الجديدة، مثل الأسلحة الفتاكة المستقلة، والتأكيد على أن قوانين الحرب يجب أن تنطبق على العديد من هذه التقنيات الجديدة.

- التنمية المستدامة والمناخ والتمويل من أجل التنمية-
تم تصميم الميثاق بأكمله لتعزيز تنفيذ أهداف التنمية المستدامة.
الاتفاق الأكثر تفصيلاً على الإطلاق في الأمم المتحدة بشأن الحاجة إلى إصلاح البنية المالية الدولية بحيث تمثل البلدان النامية وتخدمها بشكل أفضل، بما في ذلك:
-إعطاء البلدان النامية رأيًا أكبر في كيفية اتخاذ القرارات في المؤسسات المالية الدولية؛
-حشد المزيد من التمويل من بنوك التنمية المتعددة الأطراف لمساعدة البلدان النامية على تلبية احتياجاتها الإنمائية؛

-مراجعة بنية الديون السيادية لضمان قدرة البلدان النامية على الاقتراض بشكل مستدام للاستثمار في مستقبلها، مع عمل صندوق النقد الدولي والأمم المتحدة ومجموعة العشرين وغيرها من اللاعبين الرئيسيين معًا؛
-تعزيز شبكة الأمان المالي العالمية لحماية أفقر الناس في حالة الصدمات المالية والاقتصادية، من خلال إجراءات ملموسة من جانب صندوق النقد الدولي والدول الأعضاء؛
-تسريع التدابير الرامية إلى معالجة تحدي تغير المناخ، بما في ذلك من خلال تقديم المزيد من التمويل لمساعدة البلدان على التكيف مع تغير المناخ والاستثمار في الطاقة المتجددة.    
-تحسين كيفية قياس التقدم البشري، والذهاب إلى ما هو أبعد من الناتج المحلي الإجمالي إلى التقاط رفاهة الإنسان والكوكب والاستدامة.
-الالتزام بالنظر في سبل إدخال حد أدنى عالمي للضرائب على الأفراد ذوي الثروات العالية.

-المناخ-
التأكيد على الحاجة إلى إبقاء ارتفاع درجة الحرارة العالمية عند 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة والتحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة لتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050.
- التعاون الرقمي-
يعد الميثاق الرقمي العالمي، الملحق بالميثاق، أول إطار عالمي شامل للتعاون الرقمي وحوكمة الذكاء الاصطناعي.
في قلب الميثاق التزام بتصميم واستخدام وإدارة التكنولوجيا لصالح الجميع. ويشمل هذا التزامات من جانب قادة العالم بما يلي:

-ربط جميع الناس والمدارس والمستشفيات بالإنترنت؛

-ترسيخ التعاون الرقمي في حقوق الإنسان والقانون الدولي؛

-جعل الفضاء الإلكتروني آمنًا للجميع، وخاصة الأطفال، من خلال الإجراءات التي تتخذها الحكومات وشركات التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي؛

-حوكمة الذكاء الاصطناعي، من خلال خارطة طريق تتضمن لجنة علمية دولية وحوارًا عالميًا للسياسات بشأن الذكاء الاصطناعي؛

-جعل البيانات أكثر انفتاحًا وسهولة في الوصول إليها، من خلال الاتفاقيات بشأن البيانات والنماذج والمعايير مفتوحة المصدر؛
وهذا أيضًا أول التزام عالمي بحوكمة البيانات، مما يضعها على جدول أعمال الأمم المتحدة ويتطلب من البلدان اتخاذ إجراءات ملموسة بحلول عام 2030.

-الشباب والأجيال القادمة-
أول إعلان على الإطلاق بشأن الأجيال القادمة، مع خطوات ملموسة لمراعاة الأجيال القادمة في عملية صنع القرار، بما في ذلك مبعوث محتمل للأجيال القادمة.
-الالتزام بتوفير فرص أكثر جدوى للشباب للمشاركة في القرارات التي تشكل حياتهم، وخاصة على المستوى العالمي.


-حقوق الإنسان والجنس-
-تعزيز العمل في مجال حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.

-دعوة واضحة إلى ضرورة حماية المدافعين عن حقوق الإنسان.

-إشارات قوية حول أهمية مشاركة أصحاب المصلحة الآخرين في الحوكمة العالمية، بما في ذلك الحكومات المحلية والإقليمية والمجتمع المدني والقطاع الخاص وغيرها.

هناك أحكام في جميع أنحاء الميثاق وملاحقه لإجراءات المتابعة، لضمان تنفيذ الالتزامات التي تم التعهد بها.

 

وقد جمعت القمة العالمية أكثر من 4000 فرد من رؤساء الدول والحكومات والمراقبين والمنظمات الحكومية الدولية ومنظومة الأمم المتحدة والمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية. وفي إطار الجهود الأوسع نطاقا لزيادة مشاركة الجهات الفاعلة المتنوعة، سبقت القمة الرسمية أيام العمل التي عقدت في الفترة من 20 إلى 21 سبتمبر، والتي اجتذبت أكثر من 7000 فرد يمثلون جميع شرائح المجتمع. وقد تضمنت أيام العمل التزامات قوية بالعمل من جانب جميع أصحاب المصلحة، فضلا عن تعهدات بمبلغ 1.05 مليار دولار أمريكي لتعزيز الشمول الرقمي.

 

المصدر: بوابة الوفد

إقرأ أيضاً:

النظام النووي المتداعي

ترجمة: أحمد شافعي -

بلغ خطر اندلاع حرب نووية أعلى ذروة له منذ نهاية الحرب الباردة. والسبب يكمن أساسا في تهديدات وتدريبات روسيا النووية المستمرة وسط صراع أوكرانيا، ولكن الأمر لا يقتصر على روسيا وحدها. فقد تؤدي توترات الشرق الأوسط إلى تحفيز إيران على تعجيل مساعيها المحتملة إلى برنامج أسلحة نووية. وكوريا الشمالية مستمرة في تحديث وتوسيع ترسانتها النووية. وفي حال فوز دونالد ترامب بولاية رئاسية ثانية، قد ترجع الولايات المتحدة إلى الاختبارات النووية هي الأخرى، مثلما أشار مستشار ترامب للأمن الوطني السابق روبرت أوبرين في مجلة فورين أفيرز في صيف هذا العام.

قد تمثل هذه التطورات مجتمعةً تحديا للمؤسسات والقواعد والمحرمات التي حالت دون استعمال الأسلحة النووية منذ قصف هيروشيما ونجازاكي في عام 1945. ولكن تآكل هذا النظام النووي لا يجري في عزلة. فالحكام الأوتقراطيون غالبا ما يعملون وفق تنسيق في ما بينهم في سياق السعي إلى تقويض النظام الدولي القائم، فيتحدون الأعراف المتصلة بحقوق الإنسان، والحدود الدولية، كما يتحدون على نحو متزايد الأعراف المتصلة بالأسلحة النووية. وعلى الرغم من نجاح الجهود الدبلوماسية العالمية في تأسيس أعراف بشأن استعمال الأسلحة النووية، لم يعد بوسع العالم أن يفترض أن الأسلحة النووية لن تستعمل في صراع تقليدي.

الانهيار النووي

تمثل الأعراف في جوهرها قواعد سير. قد تتجسد في مؤسسات، من قبيل معاهدة 1968 لحظر الانتشار النووي (NPT)ومعاهدة عام 1967 للحظر الشامل للتجارب النووية CTBT، في حالة الأسلحة النووية. ولكن هذه الأعراف، باعتبارها «معيارا للسلوك الملائم»، لا تكون ملموسة طيلة الوقت. فالأعراف في النظام النووي قد تمنع الدول من استعمال الأسلحة النوية من خلال آليات التقييد، فيعتمد ما يعرف بالمحرمات النووية على الرفض الأخلاقي والسياسي واسع النطاق للأسلحة النووية في تثبيط استعمالها. وقد ترغم الأعراف أيضا الدول على التقيد بالتزاماتها المفروضة بموجب المعاهدات ويأتي هذا الإرغام من خلال آليات التوجيه.

لقد تعهدت أغلب الدول حتى الآن بعدم إقامة أو اختبار أسلحة نووية. وبرغم رسوخ الأعراف الرافضة للاستعمال والانتشار والاختبار النووي لكنها لم تحترم تاريخيا، وبخاصة العرف المتعلق بالاختبارات النووية. في دراسة حديثة، تبين لنا أن هذه الأعراف، القائمة بحسم منذ منتصف القرن العشرين، تتعرض بشكل متزايد للانتهاك من حفنة فاعلين. ومن نقاط الضعف الخاصة في هذه الأعراف مسألة ترابطها، فعند انتهاك عرف، ولنقل إنه الخاص بالاختبار النووي، فإن العرفين الأخيرين ـ أي عدم الاستعمال وحظر الانتشار ـ قد يتهددان أيضا. ومن ثم فرفض عرف نووي واحد قد يؤدي إلى رفض كامل النظام النووي.

في ظل بيئة الأمن المتدهور المشهودة خلال السنوات الأخيرة، أشار زعماء العالم وخبراء نوويون إلى أن الأعراف الثلاثة قد تتعرض لمزيد من التحدي. في أكتوبر 2022، قدرت أوساط المخابرات الأمريكية أن مخاطرة استعمال سلاح نووي في أوكرانيا قد ترتفع إلى 50% في غمضة عين عمليا. وصرح روبرت فلويد السكرتير التنفيذي لمعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية أن «التقدم ينطوي على مخاطرة بالتفكك في غياب حظر ملزم قانوني للاختبارات النووية». وبرغم أن أغلبية الدول (187) وقعت معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية وتراعي العرف الرافض للاختبارات النووية، فالمعاهدة لم تدخل بعد حيز التفعيل لأن بعض الدول القادرة نوويا لم تصدّق بعد عليها نظرا لاعتبارات استراتيجية وتكنولوجية، منها مخاوف من أن التحقق من الالتزام سوف يكون صعبا وأن بعض الدول الموقعة قد لا تلتزم ببنود المعاهدة.

إذا ما استمرت الأعراف النووية في الانهيار، قد يصبح العالم أشد خطورة. فقد يؤدي المزيد من إجراء الاختبارات النووية على سبيل المثال إلى نتائج إنسانية وبيئية مدمرة. ولكي تلقوا نظرة خاطفة على أمثال هذه الآثار، تذكروا أن الاختبار الأمريكي لسلاح نووي شديد التأثير في عام 1954 على جزيرة بيكيني أتول وهي من جزر مارشال قد أدى إلى تبخر ثلاث جزر وتلويث خمس عشرة جزيرة أخرى أو أكثر، وتسبب في ظهور أورام الغدة الدرقية بين السكان. ووسط عدد متزايد من الصراعات الإقليمية، قد تكون العواقب المترتبة على عالم خال من المحرمات النووية والأعراف المناهضة لاستعمال الأسلحة النووية عالما أشد كارثية.

العمل المتناغم

بسبب اتساع نطاق الفاعلين الذين يتحدون النظام الدولي يكتسب الحفاظ على الأعراف المحيطة بالأسلحة النووية مزيدا من الأهمية. منذ أن أصر الرئيس الصيني شي جينبنج في عام 2014 على أن الصين في ظل قيادته تنافس على مستقبل النظام الدولي، وتحدي التحالفات والمؤسسات والمبادئ التي اعتمدت عليها الولايات المتحدة منذ فترة طويلة لتشكيل النظام الدولي. وقبل عقد من الزمن، دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أيضا إلى نظام عالمي جديد أكثر تماشيا مع مصالح روسيا. وفي أغسطس 2024، وقع قرارا بـ»تقديم الدعم لأي أجانب يريدون الهروب من المثل النيوليبرالية المفروضة في بلادهم والانتقال إلى روسيا». وتزداد الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا تمكينا لبعضها البعض في «محور القلالقل» بحسب ما ذهب إليه أندريا كيندول تيلور وريتشارد فونتان في مجلة فورين أفيرز حيث يكتسب «التعاون المتزايد بين الدول الأربع دافعه من معارضتها المشتركة للنظام العالمي الخاضع للسيطرة الغربية، وتضرب جذور هذا العداء في اعتقاد هذه الدول بأن النظام لا يوليهم المكانة أو الحرية اللتين تستحقهما».

هذه القوى الأربع عازمة على تحدي الأعراف النووية الثلاثة الكبيرة. وهي تعتمد على الأسلحة النووية ـ وشبح هذه الأسلحة ـ في تحقيق أغراضها الإقليمية والإستراتيجية. وهي كلها على استعداد لتقويض النظام النووي لعمل ذلك. فقد هددت كل من روسيا وكوريا الشمالية باستعمال الأسلحة النووية في السنوات الأخيرة. وصرح بوتين في فبراير 2024 أن الدول الغربية «لا بد أن تدرك أننا في روسيا لدينا أيضا أسلحة يمكن أن تصيب أهدافا في أراضيهم». وهدد الزعيم الكوري الشمالي كيم يونج أون مرارا باستعمال الأسلحة النووية استعمالا استباقيا. والصين تسارع بتوسيع ترسانتها النووية مع معارضتها لمحادثات الحد من الأسلحة. وقد عارضت إيران العرف المناهض للانتشار النووي، مطورة عناصر أساسية لبرنامج أسلحة نووية يكذِّب مزاعم طهران بنواياها السلمية وصعب على الولايات المتحدة أن تكبحه منذ انسحابها في عام 2018 من الاتفاقية النووية التي استهدفت الحد من برنامج أسلحة إيران في مقابل تخفيف العقوبات. رفضت كوريا الشمالية أيضا القيود المفروضة على الانتشار النووي من خلال انسحابها من معاهدة حظر الانتشار النووي سنة 2003 وتطويرها بعد ذلك أسلحة نووية وتكنولوجيا صاروخية، فضلا عن اختباراتها النووية، وتحديها للعقوبات الدولية.

تتضافر دول في تحدي العرف المناهض للاختبارات النووية، وهو أضعف الأعراف النووية. وكان أوضح انتهاك في الفترة الأخيرة للأعراف الثلاثة هو الذي وقع باختبار كوريا الشمالية في 2017 لسلاح يشتبه في أنه سلاح نووي حراري. والأقل منه وضوحا وإن لم يقل أهمية هو تهديداتها المستمرة بالاختبار مرة أخرى. ولم يقتصر شأن هذه الأفعال على إظهارها التطورات في قدرات كوريا الشمالية النووية بل لقد كانت أيضا تحديا للإجماع العالمي المناهض للاختبارات النووية. وقد أشارت روسيا إلى عزمها استئناف الاختبارات النووية في خضم توترات جيوسياسية بارزة. ومن شأن استئناف دولة للاختبارات النووية ـ وبخاصة حين لا تكون هذه الدولة هي دولة كوريا الشمالية المنبوذة على نطاق واسع ـ أن يقوض العرف ويثر مخاوف بشأن سباق أسلحة جديد. وكل هذا التلويح بالسيوف النووية يثير خطر تحول حرب تقليدية إلى صراع نووي.

ويجدر بنا أن نلاحظ أن تحدي الأعراف النووية لم يقتصر على الحكام الطغاة، فقد خالفت الولايات المتحدة أيضا الأعراف العالمية بعدم تصديقها على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية سنة 1999، وكذلك فعل المستشارون السياسيون في كوريا الجنوبية حينما اقترحوا أن ينشئ بلدهم برنامج أسلحة نووية مستقلا.

على حافة الهاوية

النظام النووي في خطر، وما من بلد يمكن أن يحافظ عليه منفردا. لذلك يجب على الولايات المتحدة أن تعطي الأولوية لمجموعتين من الشراكات الدولية القادرة على تفعيل الأعراف النووية في هذه البيئة المترابطة. فأولا، يجب على واشنطن أن توسع علاقاتها مع بلاد في جنوب العالم كثير منها مستعد للشراكة في تحدي التمرد على الأعراف. والحق أن بلادا من قبيل المكسيك قد أعربت عن مخاوف من التآكل الحديث في النظام النووي ويشتمل ذلك على مخاطر الاستعمال النووي وزيادة أهمية الأسلحة النووية. وقد سعى كل من الرئيس الصيني شي ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى تحجيم بوتين، بتذكيرهما الرئيس الروسي بأن استعمال الأسلحة النووية في حرب أوكرانيا لن يكون مقبولا.

توفر تهديدات النظام النووي فرصة لتأسيس إجماع. إذ يجب أن تسعى البلاد إلى المزيد من المشاركة والحوار وتأسيس فهم أفضل لمختلف زوايا النظر إلى الأسلحة النووية على المستوى الإقليمي. فالدول ذات الأسلحة النووية على سبيل المثال ترى الأسلحة النووية ضرورة لأمنها، لكن دولا كثيرة لا تمتلك هذه الأسلحة وتراها تهديدات جذرية للسلام العالمي وتناصر نزعها تماما. وقد يستغرق تكوين الإجماع حوارات مزعجة حول المخاوف من عدم قيام الولايات المتحدة بواجباتها في النظام النووي، فهي ضمن حفنة دول وقعت معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية لكنها لم تصدق على المعاهدة. ومع ذلك، ينبغي أن يتمثل أحد أهداف هذه الحوارات في إظهار أن الدول التي تمتلك أسلحة نووية لا تتماثل جميعا، ولا ينبغي أن تلقى معاملة من الدبلوماسية الدولية بوصفها كتلة واحدة. فكثير من الدول غير النووية تساوي بين جميع ممتلكي الأسلحة النووية وتلومها على تآكل الأعراف النووية دونما انتباه إلى السلوكيات الأشد خطورة، من قبيل التلويح الروسي بالسيف النووي في أوكرانيا. وبوسع التعامل فرديا مع الدول النووية أن يساعد في التفرقة بين السلوكيات المسؤولة والسلوكيات عديمة المسؤولية ويفرض الضغط على الدول التي تقاوم فعليا النظام النووي.

الأولوية الثانية يجب أن تتمثل في تفعيل الشراكات مع حلفاء الولايات المتحدة في الناتو وفي منطقة المحيطين الهندي والهادئ لدعم الأعراف النووية القائمة. غير أن تحديا خاصا سوف يتمثل في أن خطوات تقوية أحد الأعراف قد تضعف العرفين الآخرين بشكل غير مباشر. فعلى سبيل المثال، قد يؤدي ردع نووي للتصعيد إلى تقوية عرف عدم الاستعمال وعدم الانتشار لأن زيادة الأمن قد تقلل احتياج القوى غير النووية إلى تطوير قدرات نووية خاصة بها. في الوقت نفسه، قد يمثل عقبات للحد من الأسلحة ونزعها على المدى البعيد بزيادة أهمية الأسلحة النووية وقيمتها. ولهذا السبب، ينبغي أن تتبنى الولايات المتحدة وشركاؤها نهجا مزدوج المسار، أي دعم الردع ـ من قبيل تصريحات مسؤولي إدارة بايدن الأخيرة بأن الولايات المتحدة قد تضطر إلى توسيع خطط التحديث النووي ـ مع البحث عن حلول مبتكرة جديدة لتقليص الخطر النووي وتقوية الأعراف. فعلى سبيل المثال، قد تشجع الولايات المتحدة اليابان ـ وهي البلد الوحيد الذي عرف خراب الأسلحة النووية في الحرب ـ على تيسير الحوار بين الدول ذات الأسلحة النووية والدول غير النووية لصالح الحفاظ على الأعراف.

ولا بد أن تستمر الولايات المتحدة في الاستثمار في تحالفاتها، وتوسيع التزامها بالردع، والانخراط في حوار أمين مع كل من الدول النووية وغير النووية، وإيضاح المخاطر في حال استمرار الانزلاق القائم حاليا. فالنظام النووي ينهار حاليا في هدوء، وقد يؤدي خرق واحد لإحدى ركائزه إلى تقويض الركائز جميعا في كارثة محققة.

دورين هورشيج زميلة مشاركة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية وباحثة مشاركة غير مقيمة في جامعة سنترال فلوريدا.

هيزر وليمز مديرة مشروع القضايا النووية وزميلة بارزة في برنامج الأمن الدولي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية وزميلة مشاركة في مشروع إدارة الذرة في كلية كينيدي بجامعة هارفارد.

خدمة فورين أفيرز

مقالات مشابهة

  • مرسوم كويتي لتجنب الازدواج الضريبي ومنع التهرب المالي مع العراق
  • نداء عاجل من إيران بشأن السلاح النووي الإسرائيلي
  • لسد الفجوة في الاقتصاد الرقمي عالميًا.. منظمة التعاون الرقمي تطلق “مقياس نُضج الاقتصاد الرقمي”
  • وزير الاتصالات يبحث الميثاق الرقمي العالمي مع وكيل أمين الأمم المتحدة
  • النظام النووي المتداعي
  • «النقل الدولي»: تأسيس مركز عالمي لصيانة السفن يدعم توطين الصناعة محليا
  • سلسلة إمدادات المعادن الحيوية.. ما هي البلدان الرائدة عالميًا؟
  • مفوضة الاتحاد الأفريقي تستعرض الميثاق الرقمي واستراتيجية الذكاء الاصطناعي أمام قمة المستقبل
  • ماذا يعني امتلاك تركيا نظام تحديد مواقع عالمي خاص بها؟.. نخبر القصة كاملة