الجزيرة:
2025-03-20@07:08:04 GMT

هل يمكن لأدوية الاكتئاب علاج أورام الدماغ؟

تاريخ النشر: 23rd, September 2024 GMT

هل يمكن لأدوية الاكتئاب علاج أورام الدماغ؟

تمكن باحثون بقيادة الأستاذ بيرند سنايدر من المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في مدينة زيورخ (ETH Zurich) من اكتشاف مادة فعالة لمكافحة أحد الأورام الدماغية التي يصعب علاجها.

المادة التي تم التحقق من فعاليتها في المختبر وعلى فئران التجارب هي "فورتيوكسيتين" (Vortioxetine)، وهي أحد الأدوية المضادة للاكتئاب والمعروفة بانخفاض تكلفتها.

الورم الأرومي الدبقي

يعرف الورم الأرومي الدبقي (Glioblastoma) بأنه ورم من الأورام الدماغية الشديدة العدوانية التي لا يمكن علاجها في الوقت الحاضر. يستطيع أطباء السرطان إطالة العمر المتوقع للمرضى من خلال العمليات الجراحية، أو العلاج الإشعاعي، أو العلاج الكيميائي، أو التدخلات الجراحية. ومع ذلك، يموت نصف المرضى في غضون 12 شهرا من التشخيص.

يصعب العثور على أدوية فعالة ضد الأورام الدماغية، لأن العديد من أدوية السرطان لا تستطيع عبور الحاجز الدموي الدماغي للوصول إلى الدماغ والحاجز الدموي الدماغي ​​هو غشاء وقائي طبيعي يحول دون وصول السموم والمسببات المرضية الموجودة في الدم إلى الجهاز العصبي المركزي. وجود هذا الحاجز يحد من خيارات العلاجات المحتملة. ولذلك يبحث أطباء الأعصاب منذ فترة طويلة عن أدوية أفضل يمكنها العبور إلى الدماغ والقضاء على الورم.

اكتشفت سه يون لي، الباحثة المساعدة في مرحلة ما بعد الدكتوراه والمؤلفة الأولى للدراسة في المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا، دواء الاكتئاب الفعال ضد الورم الأرومي الدبقي باستخدام منصة فحص خاصة تُسمى فارماكوسكوبي، وهي تقنية قام الباحثون بتطويرها في المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا على مدى السنوات الأخيرة.

نُشرت نتائج الدراسة مؤخرا في مجلة نيشتر ميدسين 20 سبتمبر/أيلول الحالي. في هذه الدراسة، عمل الباحثون في المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا بشكل وثيق مع زملائهم من عدة مستشفيات، وخاصة مع مجموعة من أطباء الأعصاب مايكل ويلر وتوبياس فايس في المستشفى الجامعي في زيورخ.

اختبار مئات المواد في وقت واحد

تمكن باحثو المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا باستخدام تقنية الفارماكوسكوبي من اختبار مئات المواد النشطة على خلايا حية مأخوذة من أنسجة سرطانية بشرية. ركزت دراستهم بشكل رئيسي على المواد العصبية الفعالة التي تعبر الحاجز الدموي الدماغي، مثل مضادات الاكتئاب وأدوية مرض باركنسون ومضادات الذهان. اختبر الفريق البحثي ما يصل إلى 130 مادة مختلفة على أنسجة الورم المأخوذة من 40 مريضا.

لتحديد المواد التي تؤثر على الخلايا السرطانية، استخدم الباحثون تقنيات التصوير والتحليل الحاسوبي. في السابق، استخدم سنايدر وفريقه منصة الفارماكوسكوبي لتحليل سرطانات الدم فقط، وهذه هي المرة الأولى التي يقومون فيها بالتحقيق المنهجي في أورام صلبة باستخدام هذه الطريقة بهدف إعادة استخدام الأدوية الموجودة.

قامت لي بتحليل أنسجة سرطانية جديدة من مرضى خضعوا مؤخرا لعمليات جراحية في المستشفى الجامعي في زيورخ. ثم قام باحثو المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا بمعالجة هذه الأنسجة في المختبر وفحصها باستخدام منصة الفارماكوسكوبي. وبعد يومين، حصل الباحثون على نتائج توضح أي العوامل كانت فعالة ضد الخلايا السرطانية وأيها لم تكن كذلك.

وأوضحت النتائج أن بعض، وليس كل، مضادات الاكتئاب التي تم اختبارها كانت فعالة ضد الخلايا الورمية بشكل غير متوقع. أثبت دواء فورتيوكسيتين أنه أكثر مضادات الاكتئاب فعالية.

في الخطوة الأخيرة، قام باحثون في المستشفى الجامعي في زيورخ باختبار فورتيوكسيتين على الفئران المصابة بالورم الأرومي الدبقي. أظهر فورتيوكسيتين أيضا فعالية جيدة في هذه التجارب، خاصة عند استخدامه مع العلاج القياسي الحالي.

فورتيوكسيتين دواء متاح وبسعر منخفض

في 30 سبتمبر/أيلول 2013، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على عقار فورتيوكسيتين لعلاج اضطراب الاكتئاب الشديد لدى البالغين. إذا أثبت فورتيوكسيتين فعاليته ضد الورم الأرومي الدبقي، فسيكون هذا هو أول مرة منذ عقود يتم فيها اكتشاف مادة فعالة لتحسين علاج الورم الأرومي الدبقي.

يقول مايكل ويلر، الأستاذ في المستشفى الجامعي في زيورخ، ومدير قسم الأعصاب والمؤلف المشارك للدراسة -وفقا لموقع يوريك أليرت-:"الميزة الكبيرة لفورتيوكسيتين هي أنه آمن ومناسب من حيث التكلفة، وبما أن الدواء قد تمت الموافقة عليه بالفعل، فإنه لا يحتاج إلى إجراء عملية اعتماد معقدة وقد يضاف قريبا إلى العلاج القياسي لهذا الورم الدماغي المميت".

ويأمل أن يتمكن أطباء الأورام من استخدامه قريبا، ولكنهم يحذرون المرضى وأقاربهم من الحصول على فورتيوكسيتين بأنفسهم وتناوله بدون إشراف طبي.  حيث إنه من غير المعروف بعد ما إذا كان الدواء فعالا لدى البشر وما هي الجرعة المطلوبة لمكافحة الورم، مما يجعل التجارب السريرية ضرورية. العلاج بهذا الدواء دون إجراء الدراسات اللازمة سيكون مخاطرة لا يمكن توقع نتائجها.

كما يحذر سنايدر من التسرع في استخدام مضاد الاكتئاب على الأورام الأرومية الدبقية فيقول: "حتى الآن، ثبت فقط أنه فعال في الخلايا المزروعة وفي الفئران".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الورم الأرومی الدبقی

إقرأ أيضاً:

كيف تدفعنا دراسة عقول الأطفال الرضُّع إلى إعادة التفكير في الوعي؟

أولى ذكرياتي تعود إلى انتقال عائلتي إلى منزل جديد عندما كنت في الثالثة من عمري. لا تزال صورة شاحنة النقل عند البوابة ماثلة في ذهني، وأرى أخي جالسًا في المقعد الأمامي، كما أتذكر قلقي بشأن مصير أرنبه الأليف خلال الرحلة.

قبل هذه اللحظة، كانت سيرتي الذاتية مجرد صفحة بيضاء. في مرحلة ما بين وجودي في بطن أمي وذلك الصباح الذي انتقلنا فيه إلى المنزل الجديد، لا بد أنني اكتسبت القدرة على التفكير، مع وعي بجسدي وما يحيط بي، متشابكًا معًا فيما نسميه بشكل فضفاض بـ«الوعي». ومع ذلك، لا أملك أي فكرة متى حدث هذا التحول.

يفترض معظم الآباء أن مولودهم الجديد يكون واعيًا منذ اللحظة التي يحتضنونه فيها، لكن كيف يمكننا التأكد من ذلك حقًا؟ هذه المعضلة شغلت الفلاسفة لعقود طويلة. يقول تيم باين، من جامعة موناش في أستراليا: «هناك إشكالية عامة، وهي: متى بدأنا؟ متى ظهر تيار الوعي لأول مرة، إذا لم أستطع تذكره؟»

لكن الإجابات لم تكن واضحة حتى الآن، إذ يرى بعض الباحثين أن الوعي موجود منذ الولادة، بينما يعتقد آخرون أنه لا يظهر إلا بعد مرور عام أو أكثر. ومع ذلك، بدأت التحسينات في تقنيات تصوير دماغ الرضع تُلقي الضوء على هذا الجدل، مشيرةً إلى أن الوعي قد يكون له أصول مبكرة، وربما يظهر حتى قبل الولادة بقليل.

هذه الاكتشافات لا تساعدنا على تصور كيف تبدو الحياة في لحظات الوعي الأولى لدى الرضع، بل إنها تعزز فهمنا لطبيعة الوعي نفسه. تقول كلوديا باسوس-فيريرا، المختصة في الأخلاقيات الحيوية بجامعة نيويورك: «إذا كنت تعرف متى يظهر الوعي، فيمكنك تحديد البُنى الدماغية الضرورية والكافية لحدوثه».

أولًا، علينا تحديد بعض المفاهيم. التجربة الداخلية التي تعيشها الآن كشخص بالغ مستيقظ هي مزيج من العديد من العناصر المختلفة، بما في ذلك الإحساس بالذات. يقيّم هذا الإحساس غالبًا من خلال «اختبار المرآة»، إذ يضع أحد الوالدين علامة صغيرة على أنف الطفل ثم يجلسه أمام سطح عاكس. إذا لاحظ الطفل العلامة وحاول مسحها، فهذا يشير إلى إدراكه لانعكاسه الذاتي، وهو دليل على امتلاكه إحساسًا بالذات.

معظم الرضُّع لا يستطيعون تجاوز هذا الاختبار، بينما يستطيع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 شهرًا وعامين التعرف على العلامة بنجاح. من الواضح أن بعض جوانب الوعي التي نأخذها كأمر مسلّم به تحتاج إلى وقت لتتطور، حتى بعد ولادتنا.

يركز باين وزملاؤه بشكل أكبر على أصول ما يُعرف بالوعي الأولي أو «الأساسي». وهم يعرّفون هذا الوعي بأنه منظور ذاتي يتكون من تجارب حسية متميزة، مثل طعم القهوة أو رائحة الخزامى. والأهم من ذلك، أن محتوى كل لحظة واعية يـُدمجُ في تجربة موحدة. على سبيل المثال، عندما نشاهد عازف كمان، فإننا ندرك الصوت والصورة معًا كجزء من تجربة واحدة، وليس كإحساسين منفصلين.

يبدأ ظهور هذا الوعي الأساسي عندما نصبح قادرين على إدراك الأحداث التي تحدث داخل أجسادنا وخارجها، مثل ألم المغص أو الصوت المهدئ لأحد الوالدين، والتمييز بينها.

بالنسبة لمعظم الناس، قد يبدو من البديهي تحديد اللحظة التي يحدث فيها ذلك. يبكي الأطفال عندما يشعرون بالجوع وينامون عندما يكونون مرتاحين. ولكن حتى وقت قريب، كان الأطباء يتعاملون مع الرضُّع كما لو لم يكن لديهم عالم داخلي. على سبيل المثال، حتى الثمانينيات، كان الجراحون يجرون عمليات جراحية على الأطفال دون استخدام أي مسكنات للألم أو تخدير، وذلك بناءً على الافتراض بأن المسكنات ليست ضرورية لأن الرضُّع لا يشعرون بالألم بشكل حقيقي. تغيرت هذه البروتوكولات الآن، لكن مسألة متى يظهر الوعي الواعي لا تزال غير محسومة.

يعود ذلك في الغالب إلى أننا لا نستطيع معرفة ما يدور في أذهان الأطفال حتى يتمكنوا من التحدث وإخبارنا بما يفكرون فيه أو يشعرون به. يمكننا محاولة استنتاج بعض الأمور من خلال الملاحظة، مثل حقيقة أن الأطفال حديثي الولادة يميلون إلى تحريك رؤوسهم تجاه صوت أمهاتهم أكثر من استجابتهم لصوت شخص غريب.

بالنسبة للبعض، يعد هذا دليلًا على أن الوعي يبدأ مبكرًا، لكن هناك من يظل متشككًا ويرى أنه مجرد رد فعل تلقائي بدون إدراك حقيقي.

يمتلك الأطفال عادة مزعجة تتمثل في التحرك والتململ باستمرار، مما يقلل من جودة صور الدماغ أثناء التصوير.

يقترح باين وزملاؤه نهجًا عمليًا لحسم هذا الجدل. يشيرون إلى أبحاث حديثة حددت أربعة أنماط من النشاط الدماغي والسلوكيات المرتبطة بالوعي لدى البالغين. ورغم أن أيًا من هذه المؤشرات لا يمكنه بمفرده إثبات وجود حياة داخلية، فإن اجتماعها معًا يعطي مؤشرًا قويًا على أن الشخص واعٍ بما يحيط به. وإذا تمكنا من تحديد هذه المؤشرات نفسها عند الرضع، فقد نفترض أنهم يمتلكون وعيًا أساسيًا أيضًا.

يقول باين: «قد نتمكن بمرور الوقت من تطوير نوع من الاختبار الدقيق الذي يعمل كمقياس حرارة للوعي. لكننا ما زلنا بعيدين جدًا عن ذلك، لذلك أعتقد أن أفضل طريقة هي البحث عن اختبارات متعددة، وإذا أشارت جميعها إلى الاتجاه نفسه، فإننا نكون على الطريق الصحيح».

أول مؤشر على الوعي درسه باين وزملاؤه يتعلق بطريقة ارتباط مناطق الدماغ المختلفة مؤقتًا لتكوين شبكات وظيفية. تكشف عمليات مسح الدماغ أنه عندما نكون في حالة استرخاء ونحلم، تسيطر شبكة الوضع الافتراضي (DMN) على النشاط الدماغي. وإذا استحوذ شيء ما على انتباهنا، فإن شبكة التحكم التنفيذي (ECN) -وهي مجموعة من مناطق الدماغ المسؤولة عن التفكير الموجه نحو الهدف- تبدأ في العمل بالتزامن مع شبكة الانتباه الظهرية (DAN). الأشخاص الذين يكونون في حالة نوم وحلم، والتي تعدّ لدى معظم الباحثين حالة من الوعي، يُظهِرون تفاعلًا متبادلًا بين هذه الشبكات، في حين أن الأشخاص تحت تأثير التخدير لا يظهرون ذلك، مما دفع باين وزملاؤه إلى اعتبار هذا النمط مؤشرًا على الوعي.

قياس نشاط الدماغ عند الرضع ليس بالمهمة السهلة. في الماضي، كانت أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي تتطلب من الشخص البقاء ثابتًا تمامًا أثناء الفحص، لكن الرضُّع لديهم عادة مزعجة تتمثل في التحرك والتململ باستمرار. تقول لورينا ناسي، من كلية ترينيتي في دبلن، أيرلندا: «الحركة تقلل من جودة الصورة». ومع ذلك، سمحت الخوارزميات المحسّنة للعلماء بتصحيح تأثيرات حركة الطفل، مما أتاح رؤية أكثر وضوحًا لنشاط دماغه.

نائم لكنه واعٍ

في عام 2022، قامت لورينا ناسي وزملاؤها بتحليل صور لأدمغة أكثر من 280 مولودًا كامل النمو أثناء نومهم داخل جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي. وجد الباحثون أن السمات المميزة لشبكات الدماغ، مثل شبكة الوضع الافتراضي، وشبكة الانتباه الظهرية، وشبكة التحكم التنفيذي، إضافة إلى النشاط المتبادل بينها، كانت موجودة بالفعل. ومن المثير للاهتمام أن هذا كان صحيحًا أيضًا بالنسبة للرضع الخُدَّج بمجرد وصولهم إلى العمر المكافئ بعد الولادة، ولكن ليس قبل ذلك. تقول ناسي: «كان هناك حد أدنى»، مما يشير إلى أن هذه الشبكات قد تتطور في المرحلة الأخيرة جدًا من الحمل لدى الأجنة التي تنمو بشكل طبيعي.

لكن مجرد وجود هذه الشبكات لا يكشف الكثير عن محتوى وعي الطفل أو عن كيفية إدراكه للعالم. يأتي هذا الفهم من خلال المؤشر الثاني الذي درسه الفريق، وهو النشاط العصبي المرتبط بتحولات الانتباه. أحد العناصر الأساسية للوعي هو القدرة على نقل التركيز من شيء إلى آخر في البيئة المحيطة. يمكن قياس ذلك بسهولة من خلال مراقبة تغيرات نظرة المشاركين أثناء النظر إلى محفزات مختلفة. لدى البالغين، يرتبط هذا التحول بزيادة النشاط في القشرة الجبهية، وهي منطقة في الدماغ مسؤولة عن العديد من الوظائف الإدراكية العليا. والأمر اللافت أنه في عام 2021، اكتشف الباحثون نشاطًا مشابهًا جدًا لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و12 شهرًا.

المؤشر الثالث الذي درسه باين وزملاؤه هو «التكامل الحسي المتعدد». غالبًا ما يقوم الدماغ بدمج المعلومات القادمة من حواس مختلفة، بحيث يمكن أن تؤثر الإشارات القادمة من حاسة واحدة على الإدراك الواعي لإشارات من حاسة أخرى. على سبيل المثال، في تجارب أجريت على البالغين، طُلب من المشاركين مشاهدة مقطع فيديو لشخص ينطق صوتًا معينًا مثل «با-با»، بينما استمعوا في الوقت نفسه إلى تسجيل صوتي للشخص نفسه وهو ينطق صوتًا مختلفًا مثل «غا-غا». معظم الأشخاص يدركون صوتًا وسيطًا «دا-دا»، كحلّ وسط عقلي بين المحفزات المتضاربة – وهي ظاهرة تُعرف بتأثير «مكجورك».

يصعب اختبار هذا التأثير على الرضُّع؛ لأنهم لا يستطيعون إخبارنا مباشرة بما يسمعونه. لكنهم غالبًا ما يظهرون تفضيلًا للأصوات المألوفة ويبقون مركزين على مصدرها لفترة أطول. لذا، إذا كان الرضيع يختبر تأثير مكجورك، فمن المفترض أن يألف صوت «دا»، مما يؤدي إلى زيادة انتباهه عند سماعه مرة أخرى. في عام 2004، استخدم دينيس بيرنهام من جامعة سيدني الغربية وباربرا دود من جامعة كوينزلاند في أستراليا هذه الطريقة لإظهار أن الرضع لا يميزون بين الصوت الوهمي «دا» والصوت الحقيقي. وهذا يشير بقوة إلى أن أدمغتهم تدمج المعلومات الحسية المختلفة في تجربة موحدة واحدة.

المؤشر الأخير للوعي الذي درسه باين وفريقه يعتمد على تجربة تستخدم ما يُعرف بـ«نموذج الشذوذ»، والذي يختبر قدرة الدماغ على تتبع الأنماط. يتضمن هذا الاختبار تشغيل سلسلة من النغمات مع تغييرات متقطعة على فترات قصيرة وطويلة. يمكن تصور هذا على أنه مقطع موسيقي بسيط يحتوي على عدة مقاطع متكررة من نغمات متشابهة (مثل ثلاث نغمات «دو» متبوعة بنغمة «ري»). يتم تكرار هذا النمط عدة مرات حتى يتم إدخال تغيير مفاجئ، كأن يظهر مقطع جديد مكون من أربع نغمات «دو»، مما يجعله «عنصرًا شاذًّا» داخل النمط.

هناك تساؤل حول ما إذا كان الجنين يمتلك وعيا في المراحل الأخيرة من الحمل.

أظهرت الأبحاث التي أجريت عام 2009 أن البالغين المستيقظين يظهرون موجة دماغية مميزة تنتقل عبر القشرة الدماغية بعد حوالي 300 ملِّي ثانية من انتهاك الأنماط القصيرة والطويلة في اختبار الشذوذ. تُعرف هذه الاستجابة باسم P300، وتشير إلى أن الدماغ يتتبع تسلسل الأصوات، ولا تظهر هذه الاستجابة إلا عندما يكون الشخص واعيا لما يسمعه.

للتحقق مما إذا كان الأطفال حديثو الولادة يظهرون استجابة عصبية مماثلة، قامت جوليا موزر، من جامعة توبنغن في ألمانيا، وزملاؤها بوضع 20 رضيعًا في مهد مجهز بمستشعرات مغناطيسية حساسة قادرة على قياس التغيرات الطفيفة في نشاطهم الدماغي أثناء استماعهم إلى تسلسل من النغمات. ومن اللافت للنظر أنهم أظهروا استجابة عصبية مشابهة جدًا لاستجاب P300، وإن كان الفارق الزمني بين النغمة الشاذة والموجة الدماغية أطول مما هو عليه لدى البالغين الواعين.

في ورقة بحثية حديثة، يناقش باين وزملاؤه بأن هذه الأدلة الأربعة مجتمعة تشير بقوة إلى أن الأطفال حديثي الولادة لديهم وعي إدراكي. يقول باين: «الشبكات الحيوية المرتبطة بالوعي كانت موجودة وتبدو نشطة في وقت أبكر بكثير مما كان يعتقده أي شخص».

إذا كان الوعي موجودًا عند الولادة، فمن المعقول التساؤل عما إذا كان موجودًا أيضًا خلال الأسابيع الأخيرة من الحمل. هناك أدلة محدودة تدعم هذه الفكرة. فمن خلال استخدام مستشعرات مغناطيسية فائقة الحساسية، أصبح من الممكن قياس نشاط الدماغ داخل الرحم. وتشير إحدى الدراسات إلى أن الأجنة البالغة من العمر 35 أسبوعًا قد تستجيب لاختبار الشذوذ، رغم أن هناك اختلافات كبيرة بين الأنماط التي تظهر في أدمغتهم مقارنة بالبالغين الواعين، مما يجعل هذه الاستنتاجات مثار جدل. وعلى أي حال، فإن هذه الأبحاث لا تؤثر بشكل كبير على الجدل الدائر حول الإجهاض، حيث إن التدخلات في هذه المرحلة المتأخرة من الحمل نادرة جدًا.

تُبدي كلوديا باسوس- فيريرا انفتاحًا على احتمال أن يظهر الوعي قبل الولادة، لكنها تقترح أن الجنين قد يكون مهدَّئًا بفعل المواد الكيميائية الموجودة في السائل الأمنيوسي الواقي، والتي قد تثبط النشاط العصبي دون القضاء تمامًا على الإدراك الواعي للتحفيزات الخارجية. تقول: «أعتقد أن الاحتمال الأقوى هو أن الأطفال يكونون واعين عند الولادة، لكن يبقى هناك تساؤل حول ما إذا كان لديهم القدرة على الوعي في أواخر فترة الحمل».

ظهور التجربة

لا يزال الجدل بعيدًا عن الحسم. ففي رد نُشر على ورقة باين وزملائه، طرح كل من الفيلسوف هنري تايلور وعالم النفس أندرو بريمير، وكلاهما من جامعة برمنغهام في المملكة المتحدة، تساؤلًا حول مدى حياديّة التركيز فقط على مؤشرات الإدراك الحسي الأساسي دون النظر إلى القدرات الذهنية الأكثر تعقيدًا. من بين هذه القدرات، القصدية، وهي القدرة على تنفيذ فعل معين لتحقيق هدف ما، والذاكرة الصريحة، التي تتيح للفرد استرجاع حدث معين وإعادة استرجاعه لاحقًا.

يقول تايلور: «إذا كنت تعتقد أن الوعي مرتبط ببعض القدرات الإدراكية العليا، وهو ما يعتقده الكثيرون، فيمكنك حينها المجادلة بأن الأطفال حديثي الولادة غير واعين.» ومن غير المستغرب أن يعتمد رأيك بشأن توقيت ظهور الوعي على كيفية تعريفك له في البداية.

للتوصل إلى مجموعة أكثر موضوعية من مؤشرات الوعي، يقترح تايلور وبريمير دراسة العلاقات بين هذه المؤشرات بمزيد من الدقة. فقد يتبين أن بعض المؤشرات تظهر أو تغيب بشكل مستقل عن غيرها، مما قد يشير إلى أنها أقل موثوقية كدلائل على الوعي ويمكن استبعادها.

على الجانب الآخر، قد نجد أن بعض المؤشرات تظهر دائمًا معًا، أو أن ظهور أحدها يتنبأ بقوة بتطور الآخرين في مراحل عمرية لاحقة. قد يكشف ذلك أن الوعي عملية تدريجية تتشكل عبر مراحل، حيث تتداخل مكوناته مع نمو دماغ الطفل. يقول تايلور: «أنا مقتنع تمامًا بأنه عند التمييز بين الأنواع المختلفة من الوعي، سنجد أنها تظهر في أوقات مختلفة».

يمكن أن تساعد مثل هذه التحقيقات في تحسين تعريفاتنا ونظرياتنا حول الوعي بشكل عام. على سبيل المثال، تفترض نظرية المعلومات المتكاملة أن التجارب الذاتية تنشأ من الطريقة التي يعالج بها الدماغ المعلومات ويربطها ببعضها البعض، بحيث يكون الناتج النهائي أكثر من مجرد مجموع أجزائه. ورغم أن هذه الفكرة لا تزال محل جدل، يقترح بعض الباحثين أنه من الممكن تقدير كمية المعلومات التي تدمج من خلال قياس النشاط العصبي، بما في ذلك لدى الأطفال الرضع. يمكن أن يساعد مقارنة هذه القياسات مع مؤشرات أخرى للوعي الناشئ، وتتبع كيفية تغيرها مع نمو الطفل، في تقديم أدلة تدعم نظرية المعلومات المتكاملة، أو ربما تدعم نظريات أخرى متنافسة حول طبيعة الوعي.

قد تتيح لنا هذه التطورات فهمًا أعمق لما قد يكون عليه تصور الرضيع للعالم من حوله. تشير الأبحاث الحالية إلى أنه إذا كان لدى الرضع وعي، فقد يكون مختلفًا تمامًا عن وعي البالغين. فبينما يتمتع البالغون بتركيز دقيق ومحدد، قد يكون انتباه الرضع أكثر انتشارًا وتشتتًا. وفقًا لعالمة النفس التنموي أليسون جوبنيك من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، فإن وعي الأطفال قد يشبه «فانوسًا» أكثر من كونه «كشاف ضوء»، إذ يتضمن وعيهم قدرًا هائلًا من التفاصيل الحسية الموزعة بشكل متساوٍ عبر بيئتهم. أو كما يقترح باين: «ربما يكون كل شيء واعيًا في الوقت نفسه».

خدمة تربيون عن مجلة «New Scientist»

مقالات مشابهة

  • دراسة تؤكد ارتباط السهر بظاهرة الاكتئاب لدى الشباب
  • قرار صادم من واتساب .. تعيين حدود الرسائل التي يمكن إرسالها
  • علاج واعد يعزز التعافي الحركي بعد إصابة الحبل الشوكي
  • باحثون: محو الذكريات السيئة أصبح ممكنًا
  • مجلس الشيوخ السويسري يرفض تعليق تمويل الأونروا
  • كيف تدفعنا دراسة عقول الأطفال الرضُّع إلى إعادة التفكير في الوعي؟
  • كيف ناقش مسلسل لام شمسية مرض «البيدوفيليا»؟.. قضية حساسة ومسكوت عنها دائمًا.. وأخصائي نفسي يشرح كيفية التعامل مع الأمر دون نقل شعور الاكتئاب أو الذنب للطفل المعتدى عليه
  • علاج مبتكر للسرطان.. يحول الورم إلى لحم خنزير لمهاجمته بنسبة 90%
  • في أي سن ينجح التدخل في إبطاء التدهور المعرفي؟
  • أطباء بريطانيون يخططون لزرع شرائح في الدماغ لعلاج مدمني الكحول والمخدرات