جثث متحللة تتراكم في شوارع الخرطوم.. وتحذيرات من الأسوأ
تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT
كانت جنازة لم يتصورها أحد بهذا الشكل، جسد، صديق عباس، أنزل بسرعة في قبر خال من أي شاهد حفر سريعا في العاصمة السودانية، الخرطوم، في ساعات الصباح الأولى.
عدد ضئيل كن أفراد العائلة والجيران تمكنوا من حضور الدفن، متوزعين عبر أنحاء المقبرة لتحذير المتواجدين من أي نيران قادمة، بحسب ما ذكره عواد الزبير، أحد جيران المتوفى.
ولحسن الحظ لم يأت أحد لتشتيت المعزين.
وبعد قرابة أربعة أشهر على اندلاع المواجهات العنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أصبحت الجنازات شبه مستحيلة. وبين الفوضى يقول السكان والجماعات الطبية المحلية إن الجثث ملقاة في الشوارع حيث بدأت بالتحلل محاطة بقتال لا تبدو ملامح انتهائه في الأفق القريب.
يقول الزبير: "نظرا للظروف، إن سألتني أين دفنت جثته، لن أتمكن من الإجابة".
هناك بيانات محدودة حول عدد الضحايا في النزاع القائم بالسودان، وذكر وزير الصحة، هيثم محمد إبراهيم، في يونيو، إن الاشتباكات خلفت أكثر من ثلاثة آلاف قتيل ، لكن هذه الحصيلة لم يتم تحديثها بعد ذلك، ومن المتوقع أن تكون أكبر بكثير، وفق ما ذكره أطباء وناشطون محليون لوكالة أسوشيتد برس.
وبالشكل ذاته، لم توفر أي جماعة طبية حصيلة لعدد الجثث غير المدفونة بالأخص مع اكتشاف مقابر جماعية وعمليات قتل لجماعات عرقية في إقليم دارفور جنوبي البلاد.
وقتل معظم المدنيين في العاصمة في تبادل لإطلاق النار لتتحول المدينة الهادئة إلى ساحة معركة، بحسب نقابة الأطباء السودانيين. في حين توفي آخرون لعدم تمكنهم من الحصول على أدوية أساسية، بينما ذكرت تقارير أن بعضهم توفوا من الجوع بسبب إطلاق النار الذي سجنهم من الخروج للحصول على الطعام.
في أوقات السلم، كانت تلك الجنازات لتدوم أياما، ففي السودان من الشائع أن يأتي الآلاف لتقديم التعازي، ويتم غسل الموتى وفقا للشريعة الإسلامية والصلاة عليهم قبل دفنهم في قبور يحفرها في العادة أفراد عائلاتهم.
وقال سبعة سكان سابقين وحاليين في الخرطوم لوكالة أسوشيتد برس أن النزاع بين قائد الجيش، الجنرال عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، المعروف بـ "حميدتي"، قد وضع حدا لتلك التقاليد، ثلاثة من المتحدثين اشترطوا عدم الكشف عن أسمائهم خوفا من الانتقام.
وأشار عدد من المتحدثين إلى أن الوصول إلى أي من مقابر العاصمة التي يقدر عددها بحوالي 24 أصبح مستحيلا، عندما أرادوا دفن أفراد عائلاتهم أو أصدقاءهم أو أولئك الذين تمت محاصرتهم.
وعلق أكثر من 100 طالب في جامعة الخرطوم عندما اندلع النزاع، في 15 أبريل الماضي، وتعرض الطالب خالد حينها لطلقة بصدره تسببت بمقتله في وقت قصير لاحقا، بحسب ما ذكر زميله للوكالة.
وقال شريطة عدم الكشف عن اسمه خوفا من أن يتم استهدافه: "جررنا جثته للطوابق السفلى (من المبنى) لمنع تحللها".
القتال تسبب بنزوح ملايين السودانيينثم قام هو وآخرون بلف رفات خالد بقطعة قماش إسلامية مؤقتة ودفنوه في حرم الجامعة تحت شجرة بعد الحصول على موافقة عائلته.
قال غازين أمين أوشي، وهو من سكان منطقة بيت المال في أم درمان، الواقعة على الجانب الآخر من نهر النيل مباشرة من الخرطوم، إن قوات الدعم السريع منعت عائلة من دفن أحد أفراد أسرتها في مقبرة قريبة. وبدلا من ذلك دفنوا المرأة التي ماتت لأسباب طبيعية في أرض مدرسة.
وقال معظم السكان إن قوات الدعم السريع، التي تسيطر على مساحات شاسعة من المدينة، كثيرا ما تسبب الاضطراب. ففي الأيام الأولى من الصراع، قصف الجيش معسكرات قوات الدعم السريع في العاصمة، مما دفع مقاتلي قوات الدعم السريع المشردين إلى السيطرة على منازل المدنيين وتحويلها إلى قواعد. وقام الجيش بدوره بقصف مناطق سكنية من الجو والمدفعية. ووفقا لبيانات الأمم المتحدة، فر أكثر من 2.15 مليون شخص من ولاية الخرطوم.
وقال الزبير إن جاره، عباس، قتل بالرصاص بعد أن داهمت قوات الدعم السريع منزله واكتشفوا أن أحد أشقاءه كان ضابطا بالجيش والآخر ضابط مخابرات. بعد نقل جثمان عباس إلى المستشفى، قال إن قوات الدعم السريع منعت الدفن في البداية دون إبداء أي سبب، لكنها في النهاية وافقت بعد مناشدات الأسرة.
وقال الزبير إن معظم الناس إما كانوا خائفين للغاية من حضور الجنازة في 30 يونيو أو لم يكونوا على علم بها. وتعاني البلاد من انقطاع التيار الكهربائي وانقطاع الإنترنت منذ اندلاع الصراع.
وذكر المتحدث باسم قوات الدعم السريع، يوسف عزت، لوكالة أسوشيتد برس أن القيادة لم تصدر أوامر لمنع دفن المدنيين، وأشار إلى أنه إذا تم إيقاف أي منها، فذلك بسبب القتال العنيف في الجوار.
لكن، وعلى النقيض من ذلك، وصف السكان القوات شبه العسكرية بأنها قد تخرج عن القانون إلى حد كبير، بدافع الملل والتسلية. لكنهم قالوا إنه، في بعض الأحيان، كانت هناك أعمال طيبة.
وأكد أحد سكان جنوبي الخرطوم إنه على الرغم من سرقة الناس في الحي الذي يقطن فيه عمه، عرضت مجموعة من مقاتلي الدعم السريع فجأة نقل ودفن العم بعد وفاته لأسباب طبيعية في يوليو.
ومنذ يونيو، يقوم الهلال الأحمر السوداني بجمع الجثث ودفنها في أنحاء العاصمة. وقالت المنظمة، مستفيدة من فترات الهدوء القصيرة في القتال، إنها انتشلت ودفنت ما لا يقل عن 102 جثة، معظمها لمقاتلين مجهولين من الجانبين. وذكر عامل في الهلال الأحمر أن الجثث التي تم جمعها تم تصويرها وإصدار رقم هوية لها.
تحذير بشأن تلوث المياه بالجثث المتحللة وانتشار الأمراض في موسم الفيضاناتوأكدت منظمة "أنقذوا الأطفال" الدولية إنه مع تعذر الوصول إلى العديد من المناطق المنكوبة بالمعارك، من المحتمل أن يظل الآلاف دون دفن في العاصمة.
وفي الشهر الماضي، دعت مجموعة مجتمعية من منطقة بحري شمالي العاصمة المجموعات الطبية إلى جمع جثث حوالي 500 من مقاتلي قوات الدعم السريع المتحللة على الطرق.
وفي جنوبي الخرطوم، أحصى صحفي من وكالة الأسوشييتد برس 26 جثة على الأقل، معظمهم من المدنيين ومقاتلي قوات الدعم السريع، ملقاة في الشوارع في الأسابيع الأخيرة.
وقال إنه بالقرب من شقة الزبير، في حي الصحافة بالخرطوم، تحللت إحدى الجثث في الهواء الطلق لفترة طويلة لدرجة أن العظام كانت مرئية.
وعادة ما يتم نقل الجثث مجهولة الهوية إلى المشارح. وقال الدكتور عطية عبد الله عطية، رئيس نقابة أطباء السودان، إن ما لا يقل عن أربع منشآت في منطقة العاصمة قد هُجرت بسبب القتال، بينما لا تزال خمسة مستشفيات تعمل فقط من أصل حوالي 20 في المدينة.
ومع بدء موسم الأمطار في السودان، تخشى المنظمات الدولية والجماعات الحقوقية من احتمال وقوع المزيد من القتلى وارتففاع حجم الأضرار بالبنية التحتية، إذ وقتلت فيضانات العام الماضي عشرات الأشخاص.
ويمكن أن تساهم الجثث المتحللة في تلوث مصادر المياه.
وقال الصادق النور، رئيس منظمة الإغاثة الإسلامية العالمية للسودان، إنه بدافع اليأس، "يشرب الكثير من الناس الآن من الآبار أو من نهر النيل".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع فی العاصمة
إقرأ أيضاً:
الجيش يعلن استعادة مقر الفرقة 17 من الدعم السريع وسط السودان
أعلن الجيش السوداني استعادته السيطرة على مقر الفرقة 17 في مدينة سنجة حاضرة ولاية سنار وسط السودان، وذلك بعد معارك ضارية شهدتها المدينة منذ يومين.
وقال الجيش إن قواته استعادت قيادة الجيش في سنجة التي كانت تخضع لسيطرة الدعم السريع، وأشار إلى أنهم ماضون في طريق تطهير كامل لتراب الوطن ممن وصفها بالمليشيا الإرهابية.
معارك ضاريةوشهدت مدينة سنجة منذ يومين مواجهات عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع التي اتخذت موقعا دفاعيا في المدينة لإيقاف تقدم الجيش الذي طوّق المدينة من 3 محاور.
ويقول ضابط برتبة رفيعة في الجيش السوداني للجزيرة نت إن قواتهم طوقت سنجة شرقا عبر قوات قادمة من مدينة الدندر وجنوبا عبر قوات قادمة من الدمازين وغربا عبر قوات قادمة من مدينة سنار مرورا بمدينة مايرنو.
وأشار الضابط إلى أن الطائرات الحربية نفذت طلعات جوية عنيفة فجر اليوم استهدفت مواقع الدعم السريع في سنجة أعقبها تقدم للمشاة من محور الدندر، إذ تمكنوا من عبور جسر سنجة واستلام مواقع الدعم السريع في المدينة، من بينها مقر قيادة الجيش بالفرقة 17 مشاة.
وتابع الضابط أنهم كبدوا الدعم السريع خسائر في الأرواح وسيطروا على عدد من قطع الأسلحة الحربية، وقال إن عناصر من قوات الدعم السريع هربوا نحو منطقة رورو في النيل الأزرق.
وكانت قوات الدعم السريع بسطت سيطرتها على مدينة سنجة في أواخر يوليو/تموز الماضي بعد معارك استمرت 3 أيام انسحب عقبها الجيش من سنجة.
وفي الأثناء، قال مصدر بالدعم السريع للجزيرة نت إن قيادة الدعم السريع وجهت قواتها بالانسحاب من سنجة، وإنهم انسحبوا إنفاذا لتوجيهات القيادة، ولم يفصح المصدر عن وجهة قواتهم المنسحبة.
معارك سناروفي يوليو/تموز الماضي سيطرت قوات الدعم السريع على مدن عدة بولاية سنار جنوب شرقي السودان، من بينها سنجة وأبو حجار والدالي والمزموم.
وتشير المصادر التي تحدثت للجزيرة نت إلى أن قوات الدعم السريع ما زالت تحتفظ بوجودها في مدينة أبو حجار جنوب سنجة وفي الدالي والمزموم المتاخمتين لمحلية التضامن بولاية النيل الأزرق.
وأضافت المصادر أن الجيش بات قريبا من استعادة أبو حجار عبر قواته المتقدمة من منطقة جلقني البحر في النيل الأزرق، وأكدت أن الجيش عازم على استعادة السيطرة الكاملة على ولاية سنار في الساعات القادمة.