يستثمر الشباب في مختلف أنحاء العالم في تعليمهم اعتقادا منهم بأن هذا التعليم سوف يقودهم إلى فرص عمل أفضل، وقد يكون هذا صحيحا في كثير من الأحيان.

ولكن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يعتقد أن التعليم أصبح مصدرا للإحباط على نطاق واسع لأنه لا يوفر المهارات التي يحتاج إليها الشباب في عالم اليوم.

وبدلا من أن يؤدي التعليم الجامعي في المنطقة العربية إلى فرص عمل غنية تحقق حياة كريمة أصبح من المرجح أن يؤدي إلى طريق مسدود من البطالة.

ويعاني الشباب الحاصلون على شهادة جامعية في العديد من دول المنطقة العربية من المغرب وتونس إلى مصر والأردن ولبنان وغيرها من معدلات بطالة أعلى من أقرانهم الأقل تعليما لأن معظم الفرص المتاحة هي وظائف منخفضة المهارات، أو لعدم ملاءمة التخصصات الجامعية التي يدرسونها لسوق العمل.

وفي بلد مثل الأردن -على سبيل المثال لا الحصر- بلغ معدل البطالة 25.1% بين حاملي الشهادات الجامعية في عام 2023 وفق بيانات دائرة الإحصاءات العامة الأردنية.

وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحتاج إلى إحداث أكثر من 300 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2050 لتوفير فرص العمل للشباب، وهذا الرقم يكاد أن يكون ضعف عدد الوظائف الموجودة حاليا في الولايات المتحدة.

وما لم تتحرك الحكومات العربية الآن، وتستثمر في التعليم الجيد المتسق مع السوق والتطورات الكبرى التي تجري في العالم اليوم، فإن العديد من الشباب سوف يواجهون حياة من خيبة الأمل، مع عواقب لا تقتصر على المنطقة فحسب، بل وعلى العالم أجمع، وفق عدد من المتخصصين.

مع التطورات التكنولوجية المتسارعة، تغيرت سوق العمل واختفى عدد كبير من الوظائف والمهن التي كانت رائجة قبل سنوات (رويترز)

ومع التطورات التكنولوجية المتسارعة، وتغير سوق العمل في العالم، واختفاء عدد كبير من الوظائف والمهن التي كانت رائجة قبل سنوات، ودخول مهن ووظائف جديدة لم تكن موجودة من قبل، أخذت الجامعات والمعاهد الأكاديمية والمهنية في العالم بإلغاء تخصصات جامعية عديدة بسبب عدم حاجتها إليها في سوق العمل، والبطالة الكبيرة المتفشية بين الخريجين، كما أخذت جامعات ومعاهد العالم في افتتاح أقسام وتخصصات جديدة تتسق مع التغيرات الكبيرة الحاصلة في السوق.

سنقدم لكم في هذا التقرير 10 تخصصات على الجامعات التوقف عن تدريسها لعدم الحاجة لها في سوق العمل، وفق ما ذكر عدد من المنصات المتخصصة مثل "سي إن بي سي" و" يونفيرسيتز" و"بيزنس إنسايدر"، و "موني وايز" و"كوليج كليفس" وغيرها.

1- علوم الحاسوب

قد يبدو حصولك على درجة علمية في علوم الحاسوب بمثابة خطوة في الطريق الصحيح، خاصة مع الطلب المتزايد على الوظائف المرتبطة بالتكنولوجيا، ولكن هذا ليس صحيحا لسبب بسيط وهو أن الوظائف التي عليها طلب حاضرا ومستقبلا هي مهن ووظائف أكثر تخصصا مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي، والأمن السيبراني وغيرها من التخصصات الدقيقة، بينما علم الحاسوب هو منهاج عام يعطيك نبذة غير متعمقة وغير متخصصة بقدر كاف، مما يعني أن الطلاب لا يتعلمون سوى القليل عن كل موضوع، وهو ما يهدد فائدة هذه الدرجة الجامعية في سوق العمل.

2- علم الأحياء (البيولوجيا)

إن درجة البكالوريوس في علم الأحياء موجهة نحو النظرية وليس الممارسة والبحث والتطبيق. ونتيجة لذلك، فإن المعرفة والقدرات التي تكتسبها كطالب في علم الأحياء ستترك لك إمكانيات قليلة للتوظيف، فلا يوجد شركات كثيرة تهتم بمثل هذا التخصص، وستواجه منافسة شرسة على الوظائف القليلة المتاحة إذا كنت حاصلا فقط على درجة البكالوريوس في علم الأحياء.

لهذا إذا كنت مهتما بهذا التخصص فهناك بديل أفضل مثل علوم المختبرات السريرية الذي يؤدي لفرص وظيفية أكثر نجاحا حيث يمكنك العمل كفني مختبر، أو بائع معدات طبية، أو في وحدة المختبر في المستشفيات العامة والخاصة، كما تؤهلك هذه الشهادة لفتح مختبر خاص بك في المستقبل.

3- الأنثروبولوجيا والآثار

قد يبدو من المغري دراسة أصل البشر وتطورهم وسلوكهم وآثارهم، ولكن ما لم تكن راغبا في الدراسة حتى تحصل على شهادة الدكتوراه، فإن درجة البكالوريوس بهذا التخصص ليست مناسبة للحصول على وظيفة مجزية.

وعلى الرغم من وجود وظائف للخريجين الحاصلين على درجة في الأنثروبولوجيا والآثار، فإن هذه الوظائف قليلة جدا وغير متكررة.

درجة البكالوريوس في علم الأحياء موجهة نحو النظرية وليس الممارسة والبحث والتطبيق (شترستوك) 4- السياحة والسفر

في عالم وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات المتخصصة في السياحة والسفر مثل "بوكينغ" و"أغودا" وغيرها الكثير فإن الحاجة لتخصصات مثل السياحة والسفر والترفيه والضيافة لم يعد له معنى، حيث يستطيع أي شخص أن يحجز بسهولة لأي بلد أو مكان يريد السفر إليه، كما يستطيع الحصول على أرخص التذاكر، وأفضل حجوزات الفنادق من خلال هذه المنصات دون الحاجة لدفع المال لمكاتب السياحة والسفر، أيضا يستطيع السائح أو المسافر الحصول على ما يريد من المعلومات عن الأماكن السياحية والأثرية التي يريد  زيارتها، وغالبا ما يشكو موظفو وكالات السفر من أجورهم الضئيلة، وجداول العمل غير المنتظمة، وقلة العملاء.

5- اللغات الأجنبية

تعلم لغة أجنبية يفتح الأبواب أمام ثقافات جديدة ووجهات نظر جديدة، كما أنه يزيد من الوعي بالقضايا الاجتماعية والثقافية المتعلقة ببلد أو شعب معين. ومع ذلك، هناك عدد لا يحصى من المتحدثين بلغات ثانية تعلموا خارج أي فصل دراسي، أو جامعة.

ومع ثورة التعلم عن بعد وبرامج ومواقع وتطبيقات تعليم اللغات عبر الإنترنت، يستطيع أي شخص تعلم اللغة التي يريدها بسهولة أو صقل كفاءته بلغة ما دون الحاجة لإنفاق مبالغ كبيرة من المال في المعاهد والجامعات.

بالإضافة إلى ذلك، ومن خلال مواقع التوظيف عن بعد مثل "أب وورك"  (Upwork) "وفري لانسر" (Freelancer) وغيرها أصبح من السهل وبأسعار معقولة للغاية توظيف معلم لغة من البلد الذي تريده والعمل معه.

6- علم النفس

علم النفس هو الدراسة العلمية لكيفية عمل العقل البشري وكيف يؤثر على السلوك الإنساني، ويشمل ذلك استكشاف كيفية عمل العقل وطرق تفكيره، ويمكن للطلاب دراسة جوانب مختلفة من علم النفس، مثل النظريات "الاجتماعية والإدراكية وغير الطبيعية والشخصية والتنموية".

السبب وراء إدراجها في القائمة هو أن درجة البكالوريوس في علم النفس وحدها لن تؤهلك لتصبح طبيبا نفسيا، وفي الواقع، حتى درجة الماجستير في علم النفس ليست كافية أيضا. يجب أن تحصل على درجة الدكتوراه في هذا التخصص، وهذا يعني أن أمامك طريقا تعليميا طويلا جدا يتجاوز درجة البكالوريوس.

وهناك مجالات وظيفية أخرى لها مثل مرشد تربوي أو نفسي في المدارس وبعض المؤسسات، ولكن الطلب على مثل هذه الوظائف قليل والمنافسة شرسة بسبب كثرة الخريجين.

7- علم المكتبات

في زمن المكتبات الرقمية التي تحوي ملايين الكتب، ويمكن تحميلها وقراءتها خلال دقائق، لم يعد هناك معنى لتخصص علم المكتبات، حيث يواصل معظم خريجي تخصص علوم المكتبات مسيرتهم الدراسية ليصبحوا أمناء مكتبات أو عاملين بها بعد التخرج، ولكن للأسف، تتلقى المكتبات في مختلف أنحاء العالم تمويلا أقل فأقل، ولا تستطيع دفع رواتب مجزية للعاملين بها.

زمن المكتبات الرقمية التي تحوي ملايين الكتب أصبح معظم خريجي تخصص علوم المكتبات يواجهون صعوبات لولوج سوق العمل (الجزيرة) 8- الفنون الجميلة والموسيقى

مع معدل بطالة مرتفع بين خريجي الفنون الجميلة وفق ما ذكرت منصة "موني وايز"، فإن آفاق المهنة قاتمة للغاية. يتم توظيف خريجي الفنون الجميلة في أغلب الأحيان كمدرسين للفنون، ومتعهدين للحفلات، ولكن الوظائف قليلة والفرص ضئيلة ومن الصعب الحصول على وظيفة براتب عال من خلال هذا التخصص.

وينطبق الشيء نفسه على تخصص الموسيقى إذ إن أغلب المشاهير في صناعة الموسيقى لا يحملون أي شهادة في الموسيقى على الإطلاق! بل إنهم وصلوا إلى ما هم عليه الآن بفضل حبهم وشغفهم وموهبتهم في الموسيقى ــ أو في بعض الحالات بفضل آبائهم أو أقاربهم أو ثرواتهم المتوارثة.

9- الفلسفة والتاريخ

الفلسفة مجال دراسي مثير للاهتمام ولكنه نظري ولا مكان له في سوق العمل اليوم. ربما يمكنك الحصول على وظيفة أستاذ فلسفة، لكن هذا يتطلب سنوات أكثر من الدراسة والخبرة.

وينطبق نفس الشيء تقريبا على التاريخ، فما يمكن توقعه من درجة البكالوريوس في التاريخ واضح للغاية، حيث ستدرس الأحداث التاريخية، بما في ذلك أسبابها وتأثيراتها، والأشخاص الرئيسيين المشاركين في هذه الأحداث، ويمكن للطلاب التخصص أكثر في تاريخ منطقة معينة أو حقبة زمنية مثل تاريخ الدولة العباسية أو تاريخ الأندلس أو أميركا اللاتينية.

الشيء الصعب هو الحصول على وظيفة بعد التخرج، فلا يوجد الكثير من المجالات المهنية التي تنطبق بشكل مباشر على هذا التخصص ما عدا تدريس التاريخ في المدارس وهو مجال ضيق ومحدود للغاية.

10- ريادة الأعمال

إن الحصول على درجة علمية في ريادة الأعمال كتخصص مستقل لا طائل منه، فأغلب رواد الأعمال لم يدرسوا هذا التخصص بل اعتمدوا على خبراتهم في العمل والحياة وليس إلى الدراسة في الفصول الجامعية.

وإذا كنت تريد أن تصبح رائد أعمال ناجحا، فأنت بحاجة إلى معرفة شاملة بالأعمال التجارية، ولا تحتاج إلى درجة علمية للحصول على هذه المعرفة. ومع ذلك، يمكنك الالتحاق بدورات مختلفة في ريادة الأعمال لإعدادك لبدء عملك الخاص.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات السیاحة والسفر فی علم الأحیاء فی سوق العمل الحصول على هذا التخصص علم النفس على وظیفة على درجة

إقرأ أيضاً:

هذه أبرز وظائف المستقبل التي تنبأ بها الذكاء الاصطناعي

في عصر الذكاء الاصطناعي، لم يَعُد مستقبل الوظائف مجرد سيناريوهات مستقبلية أو تكهنات بعيدة، بل بات واقعًا يتشكّل بسرعة تفوق التوقعات. ما كان يُعتبر ضربًا من الخيال قبل سنوات، أصبح اليوم حقيقة مدعومة بأرقام وتقارير صادرة عن كبرى المؤسسات البحثية والتقنية.

الذكاء الاصطناعي لم يَعد يكتفي بأتمتة المهام الروتينية، بل بات يُعيد تشكيل سوق العمل من جذوره، ويبتكر وظائف لم تكن موجودة من قبل، دافعًا بالمهن إلى تحوّل غير مسبوق في النوع والسرعة والمهارات المطلوبة.

ووسط هذه التحولات المتسارعة، لم تعد الوظائف الجديدة خيارًا تقنيًا نخبويًا، بل أصبحت ضرورة حتمية تفرضها موجات التغيير، وتُبرز الحاجة إلى مواكبة هذا الواقع الجديد بمرونة واستعداد دائم.

فالتغيير الذي كان يستغرق عقودًا بات يحدث خلال أشهر، ومهن الأمس باتت تُستبدل بوظائف لم نسمع بها من قبل، إذ تُجمِع التقارير الحديثة الصادرة عن  PwC و Gartner وMcKinsey  على أن الوظائف الجديدة ليست ترفًا تقنيًا، بل ضرورة إستراتيجية للتكيف مع عالم سريع التغيّر.

من أبرز هذه الوظائف، فني الصيانة التنبُّئِية بالذكاء الاصطناعي (AI Predictive Maintenance Technician) الذي يستخدم خوارزميات لرصد الأعطال قبل وقوعها، ما قد يُوفر على الشركات ما يصل إلى 630 مليار دولار سنويًا، بحسب Cisco Systems، وكذلك مهندس سلاسل الإمداد الذكية (Smart Supply Chain Engineer )، الذي يوظف أدوات الذكاء الاصطناعي لتحسين سرعة ودقة تسليم المنتجات؛ إذ أظهرت دراسة لمؤسسة Deloitte أن هذه الوظيفة يمكن أن تقلّص وقت التسليم بنسبة 40%، وتخفض الانبعاثات بنسبة 25%.

إعلان

إنها ليست مجرد لحظة تحوّل في سوق العمل، بل ثورة مهنية تقودها الخوارزميات، وتبتكر وظائف لم تُكتب فصولها بعد، وفي قلب هذه الثورة، تتزايد الحاجة إلى مواهب قادرة على فهم هذه التحولات والتفاعل معها بمرونة وكفاءة.

فالسؤال لم يَعُد: "ما الوظيفة التي سأشغلها؟"، بل أصبح: "هل وظيفتي المقبلة موجودة أصلًا؟"، في وقت تشير فيه دراسة حديثة لمعهد McKinsey Global (2024) إلى أن 85% من وظائف عام 2030 لم تُخترع بعد.

هذا الواقع الجديد يُحتّم على الأفراد والمؤسسات إعادة التفكير في مهاراتهم، وأنماط التعلم، ونماذج العمل، استعدادًا لسوق لا يعترف بالثبات، بل يكافئ القادرين على التكيف المستمر، والتعلّم مدى الحياة.

في القطاع القانوني مثلًا، يُعاد تعريف العمل المكتبي مع ظهور محلل العقود الذكية (Smart Contract Analyst)، الذي يدمج بين القانون والبرمجة لفهم وتحليل الوثائق القانونية الرقمية.

أما في المجال الأخلاقي، فتبرز حاجة الشركات إلى مهندس أخلاقيات الذكاء الاصطناعي (AI Ethics Engineer) لضمان ألا تتخذ الخوارزميات قرارات متحيزة أو تمييزية، كما تنبأت Gartner بأن 30% من الشركات الكبرى ستوظف هذا الدور بحلول 2026.

ضمن الرؤى الاستشرافية التي تقدمها تقنيات الذكاء الاصطناعي نفسها، تم التنبؤ بظهور خمس مهن جديدة بحلول عام 2030، تشمل: مدقق أخلاقيات الذكاء الاصطناعي (AI Ethics Auditor)، ومهندس الميتافيرس (Metaverse Engineer)، ومطور برامج الحوسبة الكمومية (Quantum Software Developer)، ومعالجًا نفسيًا مختصًا في الإدمان الرقمي (Digital Detox Therapist)، ومهندس التعلم (Learning Engineer).

هذه الوظائف – التي لم يكن لها وجود فعلي قبل سنوات قليلة – تعكس ليس فقط التحولات التقنية، بل أيضًا التغير العميق في طبيعة المهارات المطلوبة.

إعلان

وهو ما يفرض على الجامعات ومراكز التدريب إعادة صياغة مناهجها لتتناسب مع هذه الاتجاهات المستقبلية، وتوفير بيئات تعليمية مرنة تُعد الطلبة لشغل أدوار لم يُخترَع جزء كبير منها بعد.

قصة حقيقية من كوريا الجنوبية تُجسّد هذا التحول: "لي جاي هون"، مهندس ميكانيكي سابق، أعاد تأهيل نفسه ليصبح منسق التفاعل بين البشر والروبوتات (Human-Robot Interaction Facilitator)، ليقود فريقًا في تطوير تجربة العملاء داخل متاجر ذكية تستخدم مساعدين روبوتيين. بعد ستة أشهر من التدريب المتخصص، تضاعف دخله وانتقل إلى إدارة مشاريع تقنية كانت خارج نطاق تصوره المهني السابق.

لكن هذا التقدم لا يتوزع بشكل عادل حول العالم. ففي حين تسارع الدول الصناعية إلى إعادة هيكلة أنظمتها التعليمية واستثماراتها في المهارات المستقبلية، تقف الدول النامية، وخاصة العربية، أمام تحديات مضاعفة. ضعف البنية التحتية الرقمية، ونقص التمويل الموجه للبحث والتطوير، يحدان من قدرة هذه الدول على مواكبة التحول.

بحسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي (2023)، فإن فجوة المهارات الرقمية في بعض دول الشرق الأوسط تتجاوز 60%، وهو ما يهدد بتهميشها في الاقتصاد العالمي الجديد.

هنا يبرز دور الحكومات كمحرك رئيسي للجاهزية المستقبلية. فبدلًا من التركيز فقط على خلق وظائف تقليدية، عليها تبني سياسات دعم للوظائف الرقمية الجديدة، مثل تقديم حوافز للشركات التي توظف في مجالات الذكاء الاصطناعي، وإنشاء شراكات بين الجامعات ومراكز الأبحاث التكنولوجية، كما فعلت سنغافورة ورواندا بنجاح لافت.

في العالم العربي، بدأت مؤسسات وشركات في دول مثل قطر، والسعودية، والإمارات تولي اهتمامًا متزايدًا بهذه التحولات. على سبيل المثال، أطلقت بعض الجامعات العربية برامج دراسات عليا متخصصة في الذكاء الاصطناعي، تشمل مساقات تتناول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في مختلف القطاعات.

إعلان

كما بدأت بعض الشركات الناشئة في المنطقة توظيف مختصين في تصميم واجهات تفاعلية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وهو ما يعكس بداية دخول العالم العربي في موجة جديدة من الابتكار الوظيفي.

هذا الواقع الجديد يتطلب إعادة نظر شاملة في مفهوم المهارة. فالمهارات التقنية وحدها لم تعد كافية، بل أصبحت المهارات التحليلية والإنسانية مثل التفكير النقدي، والإبداع، والتواصل الفعّال، عوامل حاسمة للنجاح في هذه المهن الناشئة.

كما يُعد الاستثمار في منصات التعلم مدى الحياة خطوة ضرورية لتقليل "التآكل المهني السريع"، إذ تشير تقديرات البنك الدولي (2024) إلى أن 40% من المهارات الحالية ستصبح غير صالحة خلال خمس سنوات.

المسؤولية اليوم لا تقع على الحكومات فحسب، إذ على الأفراد كذلك أن يعيدوا تعريف علاقتهم بالوظيفة. فالمستقبل سيكون لمن يتقنون فن التعلم المستمر والتكيف السريع، لا لمن يعتمدون على تخصص جامعي واحد مدى الحياة. إن مهارات مثل تحليل البيانات، التفكير النقدي، والقدرة على التعاون مع الخوارزميات، ستكون العملات الجديدة في سوق العمل.

المؤكد أن سوق العمل لم يعد كما عرفناه. فبينما استغرقت الثورة الصناعية الأولى قرنًا لتغيير طبيعة المهن، يكفي اليوم تحديث خوارزمية واحدة لإعادة تشكيل صناعة بأكملها.

ومع دخول الذكاء الاصطناعي إلى جميع القطاعات – من القانون إلى الطب، ومن الإعلام إلى الخدمات اللوجيستية – فإننا أمام تحول يشبه الانتقال من عصر الفلاحة إلى الثورة الصناعية، لكن بوتيرة أسرع بمئة مرة.

هذا التسارع غير المسبوق يفرض علينا جميعًا، حكومات وأفرادًا، أن نعيد تعريف جوهر المهارات المطلوبة، ونفكر بمرونة، ونستعد لما هو أبعد من مجرد التغيير: إلى ما يشبه إعادة خلق الإنسان المهني من جديد.

عودٌ على بدء، فإن المهن الجديدة التي أوجدها الذكاء الاصطناعي تمثّل اليوم فرصة مهمة للعالم العربي ليس فقط لمواكبة التحول الرقمي، بل لقيادته أيضًا في بعض المجالات. ويتطلب ذلك استثمارًا جادًا في التعليم، والبحث، وتوفير بيئة تنظيمية وأخلاقية تُشجّع على الابتكار دون الإضرار بالقيم المجتمعية.

إعلان

وأخيرًا، نقف اليوم على أعتاب مرحلة يُعاد فيها رسم خريطة العمل عالميًا، ومن يتهيأ لها منذ الآن، سيكون الأقدر على حصد ثمارها لاحقًا.

فالمستقبل لا ينتظر المترددين، بل ينحاز لمن يملكون الشجاعة لتعلم الجديد، والمرونة لإعادة تشكيل ذواتهم المهنية، والوعي بأن الذكاء الاصطناعي ليس تهديدًا، بل أداة تفتح أبوابًا لم تُطرق من قبل. إنها لحظة تحوّل، والفرص الكبرى قد لا تأتي مرتين.. فهل نحن فاعلون؟

 

| الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

مقالات مشابهة

  • هل جامعتك ضمنها؟.. تعرف على الجامعات التي عطلت الدراسة اليوم بسبب العاصفة
  • منظومة التعليم العالي تشهد طفرة غير مسبوقة بسيناء ومدن القناة
  • التعليم العالي تكشف حقيقة منح طلاب الجامعات إجازة غدا بسبب الطقس
  • 30 جامعة حتى الآن .. تعطيل الدراسة بعدد من الجامعات غدا بسبب الطقس
  • مايكروسوفت: رئيس وكلاء الذكاء الاصطناعي وظيفة مستقبلية جديدة ستكون من نصيب الجميع
  • وزارة التعليم العالي: جامعة شرق بورسعيد أحد ثمار التنمية بتكلفة 646 مليون جنيه
  • رئيس جامعة مدينة السادات تشهد فعاليات إطلاق مبادرة «كن مستعدًا»
  • التعليم العالي العربي في زمن التحولات الكبرى
  • هذه أبرز وظائف المستقبل التي تنبأ بها الذكاء الاصطناعي
  • براتب 25 ألف جنيه.. وظائف للمصريين بالخارج