"خلال سبع سنوات من النزوح كان يتجدد أملي في العودة لمدينتي، الآن يتجدد اليأس. كنت أتمنى أن يولد أطفالي وأنا مرتاح في مدينتي وبيتي، وأحقق لهم أحلامهم في بيئة طبيعية". هذا ما قاله الشاب اليمني عبدالله لبي بي سي، وهو نازح داخليا في اليمن.

 

عبدالله البالغ (32 عاما) هو واحد من ملايين النازحين اليمنيين الذين شردوا بسبب الحرب التي بدأت قبل عشر سنوات.

 

يواجه خطر الطرد من بيته المستأجر، الذي يعيش فيه مع زوجته و ستة من أبنائه، في بيت متواضع يتكون من طابق واحد، مبني بالطوب الأسمنتي ومسقوف بالخشب.

 

يقول إنه هرب وأسرته قبل سبع سنوات إلى مأرب وسط اليمن، بعد اقتحام مقاتلي حركة أنصار الله منزله في الحديدة غربي اليمن في غيابه، وتهديد أسرته بالقتل.

 

في سبتمبر/ أيلول عام 2014، استيقظ اليمنيون على حرب طاحنة بين الحكومة المعترف بها دوليا، وحركة أنصار الله المعروفة بالحوثيين. وغيّرت تلك الحرب وجه اليمن، وسيطر كل طرف فيها على جزء من البلاد حتى الآن.

 

بعدها فرّ مئات آلاف المدنيين إلى أماكن متفرقة، أبرزها جنوبي البلاد، ولحقت بهم الحكومة المعترف بها دوليا. منذ ذلك الحين، لم يعرف النازحون داخليا طعم الاستقرار.

 

خريطة توضح مناطق سيطرة جماعة أنصار الله "الحوثيين" في اليمن.

 

طُرد عبدالله من منزلين ومحل تجاري سكن فيهم سابقا، بسب خلافات مع الملاك على أسعار الإيجار.

 

يقول"في المنزل الأول طُلب مني دفع الإيجار لمدة 4 أشهر مقدما. ولم تكد تمر 3 أشهر حتى ضاعفوا الإيجار. كنت أدفع 50 ألف ريال يمني، وطالب المالك برفعها لـ 100 ألف".

 

لم يستطع توفير المبلغ، فاضطر لإخلاء المكان، واستأجر بيتا أصغر.

 

بعد 3 أشهر تكرر نفس السيناريو مع صاحب البيت الجديد، لكن هذه المرة تشاجروا ولجأوا لقسم الشرطة. يقول "حبست لمدة أسبوع ثم أفرج عني، فاستأجرت محلا تجاريا سكنت فيه".

 

استقر في النهاية في بيته الحالي . يقول "هذا البيت الشعبي بدون سقف، بدون أي شيء، رممته وأصلحته، والآن صاحب البيت يريد استعادته ليهدمه ويعيد بناءه".

 

لا تغيب عن بال عبدالله الحياة التي كان يعيشها قبل النزوح. يقول: "بيتي في الحديدة كان جميلا ونظيفا ومرتبا ويناسب أولادي. لكن هذا البيت يأويك من الشمس والمطر. بل أحيانا لا يحمي حتى من المطر".

 

مئات الآلاف تحت التهديد

 

نحو 4.5 مليون يمني لا يزالون نازحين بسبب الحرب المستمرة حتى الآن. ثلثهم يعيش في مواقع نزوح جماعي.

 

أما البقية مثل عبدالله فيعيشون في منازل مستأجرة.

 

منذ أن قامت الحرب، اضطر نحو ثلث الأسر للنزوح أكثر من مرة. كما عجز معظم النازحين عن دفع إيجار مساكنهم بانتظام، في عام 2023.

 

النازحون في المخيمات الجماعية ليسوا بمنأى عن التهديد بالطرد، ما يقرب من ربعهم تلقوا إخطارات بالإخلاء العام الماضي.

 

بيانات رسمية حول خطر الإخلاء القسري

 

يقول إبراهيم الحداد مدير وحدة المعلومات والاتصال في مكتب الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة في تصريحات لبي بي سي، إن مأرب استقبلت عددا كبيرا من النازحين، نظرا "لاستقرارها النسبي والوضع الاقتصادي الأفضل، مما أدى لإجهاد الموارد المحلية بما في ذلك خدمات المياه والتعليم والرعاية الصحية، التي أصبحت غير قادرة علي تلبية الطلب المتزايد، بالإضافة إلي النزاعات الاجتماعية بين المجتمعات المضيفة والنازحين".

 

ويضيف الحداد أن "التدهور الاقتصادي المستمر، والتضخم يضع ضغوطا إضافية على النازحين ومالكي العقارات الذين يفكرون في إخلاء النازحين سعيا للحصول على مصدر دخل أفضل".

 

ووفقا لإحصاءات المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين، فمعظم النازحين المهددين بالطرد في مأرب، حيث يعيش عبدالله، ليس لديهم خيارات أخرى.

 

بسبب صعوبة التأقلم في أماكنهم الجديدة، يضطر بعض النازحين للعودة من حيث أتوا، ولم تضع الحرب أوزارها بعد.

 

لكن هذا ليس خيارا بالنسبة لعبدالله، الذي يقول إن بيته تحول إلى مقر لجنود جماعة أنصار الله.

 

يقول "علمت مؤخرا أن بيتي تعرض للنهب، ووضعت فيه أجهزة وشبكات اتصال، وبات الجنود يستخدمونه لنيل قسط من الراحة وتخزين القات"، وهو مخدر نباتي مشهور في اليمن.

 

"عندي شوق لمدينتي لكنه في الصدور فقط. لا أحد يقدر علي العودة للبيت". يقول عبدالله.

 

ووفقا لإبراهيم الحداد مدير وحدة المعلومات والاتصال في مكتب الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة، تعد الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة واستمرار القتال في بعض المناطق من أشكال الخطر التي تواجه العائدين لمناطقهم الأصلية، وتجعل من الصعب تحقيق عودة مستدامة.

 

ويضيف "غالبا ما يواجه العائدون عوائق قانونية أمام استعادة ممتلكاتهم أو استخراج الوثائق المدنية، مما يزيد تعقيد إدماجهم أو إعادة توطينهم".

 

وتحذر مؤسسات الأمم المتحدة من أن "عمليات الإخلاء التي تؤدي إلى العودة المبكرة للنازحين داخليا إلى موطنهم الأصلي، دون توفر الأمن المطلوب، قد تقوّض مبادئ العودة الطوعية في أمان وكرامة".

 

ملايين على شفا المجاعة

 

"كان الحصول على الطعام في الحديدة سهلا جدا ولا ألقي له بالا، بينما نحصل على الطعام هنا بشق الأنفس"، وفق ما يقول عبدالله.

 

توفير المال أيضا بالأمر اليسير، فمنذ ترك عبدالله العمل في معرض السيارات الذي كان مملوكا لوالده في مدينة الحديدة قبل النزوح، لم يهنأ بوظيفة أبدا. أحيانا يعمل في تصليح أعطال الكهرباء، أو حراسة المنازل، ويقول: "قد تعمل يوما، وتجلس دون عمل باقي الأسبوع، أو تعمل بضعة أيام وتجلس باقي الشهر".

 

لا يواجه النازحون أزمة سكن فحسب. فنصف السكان تقريبا على شفا المجاعة ولا يجدون مياه نظيفة للشرب، وتفتك بهم أمراض خطيرة، كالكوليرا وشلل الأطفال، وفقا للأمم المتحدة.

 

كما يعاني نحو 2.4 مليون طفل يمني من سوء التغذية الحاد، وفقا للمصدر الأممي نفسه.

 

ويتخوف الحداد، من أن استمرار الصراع يفاقم الأزمة الإنسانية، ويحول دون التقدم نحو تحقيق الاستقرار على المدى الطويل في اليمن.

 

أزمة تمويل

 

تبذل المنظمات الدولية جهودا حثيثة لإغاثة هؤلاء النازحين، لكن الأمم المتحدة، أكبر هذه المنظمات تواجه نقصا في التمويل، وتحديات قد تقلص حجم عملياتها في اليمن.

 

في مايو/ أيار الماضي، خصصت الدول المانحة نحو 735 مليون دولار أمريكي للاستجابة الإنسانية في اليمن، مقابل 2.7 مليار دولار أمريكي كانت مطلوبة هذا العام، أي نحو ربع المبلغ المطلوب. وكانت خطة الاستجابة للأزمة في اليمن قد جرى تمويلها بنسبة 40 في المئة العام الماضي.

 

القرار يمثل "فرصة ضائعة للمجتمع الدولي لاتخاذ خطوات ذات مغزى نحو انتشال اليمنيين من شفا الجوع الشديد والمرض المنتشر".

 

نقص التمويل ترك العديد من الأسر دون دعم، وفقا لتصريحات إبراهيم الحداد لبي بي سي. لكنه يؤكد أن عمليات الإغاثة تتواصل وفقا لمبادئ العمل الإنساني، رغم هذه الأزمات.

 

يشعر عبدالله بالظلم والعجز لأنه مضطر أن يعيش هذه المأساه مع أطفاله، ولا يعلم ماذا يخفي لهم المستقبل.

 

خلال حديثه مع بي بي سي، يكرر وصف مدينة الحديدة التي نزح منها بكلمة "بلادي". ورغم أنه نازح داخل اليمن، فإنه يقول: " كأنني لا أعيش في وطني".


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: أنصار الله فی الیمن بی بی سی

إقرأ أيضاً:

ماهي المكاسب التي تنتظرها واشنطن من مفاوضات إنهاء الحرب في أوكرانيا ؟

 

 

تبذل إدارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب محاولات حثيثة من أجل تحقيق اختراق يقود إلى مفاوضات تنهي الحرب الروسية الأوكرانية على أمل أن يقود ذلك إلى مكاسب جيوستراتيجية كبيرة للولايات المتحدة التي تستعد لحشد مواردها لمواجهة النفوذ الصيني في آسيا، وسط عراقيل وتحديات تواجه هذه المبادرة التي لم تتخط حتى اليوم حدود الضغوط على كييف والتلويح بقبول موسكو هدنة جزئية مؤقتة مدتها 30 يوميا.

تحليل / أبو بكر عبدالله

حتى اليوم لم تتوفر أي صيغة جاهزة للصفقة المنتظر أن تقودها الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار في الحرب الروسية الأوكرانية، غير أن تصريحات المسؤولين الأمريكيين تحدثت عن مسار يقترح خطتين هما الخطة (أ) التي تسعى إلى مبادرة البيت الأبيض لمفاوضات مع كل من أوكرانيا وروسيا لوقف إطلاق النار وفق خطة تستوعب شروط ومخاوف ومطالب الطرفين، ثم الخطة (ب) التي ستمثل المرحلة الثانية بجمع طرفي الصراع على طاولة مفاوضات مباشرة بمشاركة وسطاء دوليين سعيا إلى انهاء الحرب بشكل دائم على قاعدة احترام مصالح جميع الأطراف.
وعلى ضبابية هذه الخطة فقد جاءت تصريحات الرئيس ترامب لتزيل الغموض على فحوى المبادرة الأمريكية بعد أن أكد أن الحفاظ على وحدة أراضي أوكرانيا، وانضمامها لحلف شمال الأطلسي “الناتو” أمر مستحيل، ناهيك بإصداره أمرا تنفيذيا بتعليق المساعدات العسكرية والمعلومات الاستخباراتية المقدّمة لكييف، وتأكيده بأنه لن يعيدها إلا بعد قبول أوكرانيا بمشروعه للهدنة.
يمكن القول إن الإدارة الأمريكية لم تتجاوز حتى الآن المرحلة الأولى، حيث تمكنت تحت الضغط من انتزاع موافقة من الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي لهدنة مؤقتة مع روسيا مدتها 30 يوما تقضي بعدم استهداف منشآت الطاقة، فيما أفضت المباحثات الهاتفية التي جمعت الرئيسين بوتين وترامب إلى انتزاع موافقة روسية للهدنة المؤقتة من دون أن تحقق أي اختراق مهم في جدار الأزمة يقود إلى وقف عملي للنار وانهاء الحرب.
وتبدو الرؤية التي تتبناها إدارة ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا، تركز على الحل التفاوضي السريع مع روسيا، في ظل تقديم تنازلات إقليمية أو سياسية من الجانب الأوكراني.
وما هو واضح حتى الآن هو وجود تباين بين ما تريده موسكو وما تريده واشنطن فالأولى تريد مواقفه موسكو على وقف مؤقت لإطلاق النار، في حين تطالب موسكو بوقف دائم للحرب يقوم على إزالة أسبابها.
شروط متبادلة
الشروط المعلنة من جانب روسيا وأوكرانيا لا تزال قائمة حتى اليوم، حيث تتمسك روسيا بشروط صارمة لا تقبل التنازل وفي المقدمة تمسكها بالأراضي الأوكرانية التي ضمتها اليها بموجب استفتاء شعبي، ومعها أراضي شبه جزيرة القرم التي سيطرت عليها عام 2014، ورفضها نشر أي قوات من دول “الناتو” في أوكرانيا وإلغاء ملف انضمام أوكرانيا إلى حلف “الناتو”.
وتذهب الشروط الروسية إلى انسحاب الجيش الأوكراني إلى خارج حدود الأقاليم الأربعة التي تسيطر عليها، والاعتراف بالسيادة الروسية عليها، والتعهد بأن تصبح أوكرانيا خالية من الجيوش الأجنبية وعدم امتلاكها للسلاح النووي.
وطبقا لتصريحات سابقة للرئيس بوتين فإن موسكو قد توافق على اقتراح وقف إطلاق النار إن أدى إلى سلام مستدام وإزالة كل أسباب الصراع، وهي إشارة واضحة إلى تمسك موسكو بانتزاع اعتراف كييف بالسيادة الروسية على الأقاليم الأربعة المسيطر عليها من جانب روسيا وبقاء كييف في وضع محايد وعدم انضمامها إلى حلف “الناتو”.
وبالنسبة لكييف فهي تتمسك بعودة أراضيها، كما تعتبر انضمامها إلى حلف “الناتو” خيارا استراتيجيا غير قابل للتغيير خصوصا وهو منصوص عليه في الدستور الأوكراني، بوصفه الضمانة الأكثر فعالية لأمن أوكرانيا مستقبلا.
ورغم تراجع الاتحاد الأوروبي وقيادة حلف الناتو والولايات المتحدة عن مساعيها لضم أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي، لا تزال أوكرانيا تتبنى رؤى مغايرة لتلك التي تتبناها واشنطن ودول أوروبية وذلك بدا واضحا من خلال التصريحات التي أطلقها مؤخرا وزير الخارجية الأوكراني والتي بدت متناقضة تماما مع ما أعلنه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته الذي سبق أن أعلن بأن مناقشة انضمام أوكرانيا إلى الحلف لم تعد قائمة.
يضاف إلى دوامة الشروط تلك التي أفصحت عنها الدول الأوروبية التي ساندت أوكرانيا بكل طاقاتها العسكرية والاقتصادية خلال السنوات الماضية، بعد الإعلانات المتضاربة التي تحدث عن قبول دول الاتحاد الرؤية الأمريكية بشروط نشر قوات للناتو في أوكرانيا، بالتزامن مع إعلانات أخرى تحدثت عن مواصلة دول أوروبا دعم أوكرانيا في حربها ماليا وعسكريا ومطالبة روسيا الانسحاب من الأراضي الأوكرانية كشرط لقبول وقف إطلاق النار وانهاء الحرب.
تحديات متوقعة
وفقا لخارطة الشروط التي يطرحها طرفا الصراع والأطراف الداعمة، فإن الكثير من التحديات تواجه إدارة ترامب في تحقيق اختراق بشأن هذا الملف، في ظل المطالب الروسية الصارمة والتي ترجح عدم موافقة موسكو على وقف إطلاق النار دون تنفيذها، وهي مسألة جوهرية بالنسبة لموسكو خصوصا وان الموافقة على انهاء الحرب دون الأخذ بالشروط الروسية قد يقود إلى تصاعد المعارضة الداخلية لنظام بوتين بصورة غير مسبوقة.
ولدى الروس مبرراتهم الوجيهة لذلك، والتي يتصدرها المكاسب التي حققتها موسكو خلال سنوات الحرب، في ضمها شبه جزيرة القرم والمقاطعات الأربع التي أعلنت ضمها إلى أراضيها (دونيتسك، لوغانسك، خيرسون، زابوريزجيا) منذ 2022، وهي مكاسب عسكرية لا يبدو أن موسكو بصدد التنازل عنها بعد أن حولت المقاطعات الأوكرانية إلى جمهوريات تتمتع بالحكم الذاتي تحت مظلة الاتحاد الروسي.
وهناك معطى آخر بالغ الأهمية بالنسبة لموسكو، وهو ضمانات تحييد أوكرانيا وعدم انضمامها إلى الحلف الأطلسي، وهذا الأمر ينظر اليه في روسيا على أنه هدف استراتيجي باعتباره يهدد الدولة الروسية كما يهدد المستقبل السياسي للرئيس بوتين، الذي طالما قدم هذه القضية بكونها صراعاً وجودياً لروسيا ضد “الناتو”.
ومن جانب آخر، فإن موسكو تبدو حريصة على ربط أي مفاوضات لإنهاء الحرب أو الهدنة برفع العقوبات الأمريكية والغربية، وهو شرط ترفضه واشنطن حتى الآن على الأقل كما ترفضه الدول الحليفة وتطالب لقائه انسحاب روسي كامل من الأراضي الأوكرانية.
وفقا لذلك فإن الراجح هو عدم موافقة موسكو على وقف لإطلاق نار دون شروط لأن ذلك سيعني عمليا، اعترافا بفشل أهداف عمليتها الخاصة التي كبدت روسيا خسائر هائلة، ناهيك عن ان قيامها بذلك سيشكل انتكاسة لمشروعها الاستراتيجي في ان تكون فاعلاً إقليمياً في عالم تريده أن يكون متعدد الأقطاب.
سيناريوهات بديلة
يمكن للرئيس ترامب ممارسة الضغوط على كييف من اجل القبول بأي صيغة من شأنها وقف النار وانهاء الحرب، غير أنه سيواجه صعوبات كبيرة في محاولاته الضغط على موسكو التي يطمح ترامب إلى بناء علاقات جديدة معها، ربما للتفرغ لملفات تبدو بالنسبة لترامب أكثر أهمية من أوكرانيا أو حلف الناتو.
والسبب في ذلك أن أوكرانيا تواجه معضلة معقدة، فهي وإن خضعت للضغوط الأمريكية وقبلت التنازل عن أراضيها لموسكو، فإنها ستواجه رفضا شعبيا داخليا مع وجود نسبة كبيرة من الأوكران الرافضين لفكرة التنازل عن الأراضي الأوكرانية لروسيا، ناهيك عن الموانع الدستورية، حيث يحرم دستور أوكرانيا التنازل عن أي أراض أوكرانية تحت أي ظروف.
وفقا لذلك فإن الخيارات أمام كييف تبدو ضيقة للغاية، إذ أن طول أمد الحرب مع روسيا من دون الدعم الأمريكي سيقود إلى استنزاف الموارد الأوكرانية بسرعة كبيرة، بما يؤدي في النهاية إلى قبولها بأي حل مطروح من دون شروط.
وتدرك كييف أن عدم قبولها الرؤية الأمريكية الآن، سيفقدها ميزات يمكن أن تحصل عليها من واشنطن على شاكلة الحصول على ضمانات أمنية أمريكية وترتيبات دفاعية كما سيفقدها تعويضات وبرامج إعمار كان يمكن ان تقودها واشنطن في حال موافقة كييف على خطة ترامب.
وخلافا للوضع في أوكرانيا فإن الإدارة الأمريكية تبدو مستعدة لتقديم تنازلات لروسيا بدلا من ممارسة الضغوط عليها، والمرجح أن يعرض الرئيس ترامب على موسكو تخفيف العقوبات على قطاعات روسية حيوية (مثل الطاقة) واستئناف التعاون في مجالات مثل الغاز والنفط، مقابل وقف مؤقت لإطلاق النار، حتى لو لم تستعيد كييف كل أراضيها.
وفي حال فشلت المبادرة الأمريكية الحالية، وذهبت العلاقات مع روسيا إلى المزيد من التوتر فإن أكثر ما يمكن أن تفعله إدارة ترامب هو مواصلة الدعم العسكري المقدم لكييف وهو أمر قد تواجهه روسيا التي خبرت الحرب مع الغرب الجماعي خلال السنوات الماضية، لكنه سيلقي بتبعات ثقيلة على دول القارة الأوروبية التي سيذهب ترامب بلا شك إلى تحميلها تكاليف استمرار الحرب في أوكرانيا باعتبارها المستفيد الرئيسي من حماية أمن أوكرانيا.
مكاسب أمريكية
غداة المباحثات الهاتفية التي جرت بين الرئيسين ترامب وبوتين مؤخرا كان ملاحظا في بيان الإدارة الأمريكية تشديدها على ما سمته “المزايا الهائلة” لإقامة علاقة ثنائية أفضل بين الولايات المتحدة وروسيا تُفضي إلى اتفاقات اقتصادية ضخمة محتملة.
هذا الأمر فتح باب التساؤلات حول المصالح التي تتوقع أمريكا جنيها من تبني إدارة ترامب مبادرة وقف النار وانهاء الحرب في أوكرانيا، خصوصا وأن أي مبادرة من هذا النوع ستكون حتما جزءا من استراتيجية أوسع تضع المصالح الأمريكية في المقدمة وتجسد شعار ترامب “أمريكا أولا”.
ولم يعد خافيا ما تطمح اليه إدارة ترامب بإنهاء الصراع في أوكرانيا وبالمقام الأول تقليل الموارد المالية التي تتكبدها الخزينة الأمريكية لتمويل الجيش الأوكراني، ووقف استنزاف المخزونات العسكرية الأمريكية، وهي أمور ترى إدارة ترامب أنها ستساهم في توفير تمويلات مالية ضخمة يمكن استخدامها في خطط واشنطن الجديدة لتعزيز وجودها في المحيط الهادئ ومواجهة التوسع الصيني.
ومنذ وقت مبكر ترى الولايات المتحدة الصين التهديد الأكبر لحلفائها في آسيا مثل تايوان واليابان وكوريا الجنوبية وهي لذلك تسعى إلى تقليص الموارد التي توجهها لحماية أوروبا، وتوجيهها نحو آسيا، بما يتيح لها مواجهة التهديدات الصينية، فضلا عن طموحاتها بإقامة تحالفات جديدة من اجل احتواء النفوذ الصيني في آسيا.
صار من الواضح أن لدى واشنطن اليوم أهدافا استراتيجية كبيرة تسعى إدارة ترامب إلى تحقيقها من خلال هذه المبادرة وفي المقدمة تفكيك التحالفات الاستراتيجية بين روسيا والصين وإيران، أو على الأقل تقليل تماسكها، وكذلك مواجهة التهديد الذي تشكله منظمة بريكس” للاقتصاد الأمريكي بعد الإفصاح عن عملة بديلة للدولار الأمريكي بين دول مجموعة “بريكس”.
ولا تخفي واشنطن مخاوفها من المخاطر الجسيمة التي يشكلها التحالف الروسي الصيني خصوصا وهو قام على مبدأ رئيسي وهو مواجهة الهيمنة الأمريكية عبر التعاون العسكري والاقتصادي والتكنولوجي.
والحال كذلك مع الشراكة الروسية الإيرانية التي تضمنت التعاون العسكري والدعم السياسي في الملفات الإقليمية وتبادل الموارد من الأسلحة الدفاعية والهجومية.
حيال ذلك تأمل إدارة ترامب أن يقود وقف الحرب في أوكرانيا إلى المساهمة في تنفيذ سياساته الرامية إلى تفكيك التحالفات الاستراتيجية مع الصين، وتحميل الأوروبيين مسؤولية حماية أمنهم بما يسمح للولايات المتحدة بتحويل مواردها نحو آسيا.
مكاسب جيوستراتيجية
تبدي إدارة ترامب اليوم حماسة منقطعة النظير حيال التقارب مع موسكو من اجل تحقيق مكاسب جيوستراتيجية كبيرة عجزت الإدارة السابقة عن تحقيقها وفي المقدمة إنهاء التحالف الروسي الصيني والإيراني الروسي.
أداتها لتحقيق ذلك هي إنهاء العزلة الدولية المفروضة على موسكو وتخفيف العقوبات الدولية عليها، حيث أن عودة روسيا إلى النظام الدولي سيقود إلى تباعد بينها وإيران، في حين أن إعادة روسيا إلى المنظومة الاقتصادية الغربية، بالسماح لها بتصدير النفط والغاز الروسي إلى أوروبا سيقود إلى تقليل اعتماد موسكو على الصين كشريك اقتصادي وحيد وقد يضعف تحالفها مع الصين.
ولأبعد من ذلك فإن إدارة ترامب تسعى إلى حصول تحسن بالاقتصاد الروسي يعيد موسكو إلى المنافسة في سوق السلاح إلى دول الشرق الأوسط، عوض التعاون مع إيران في سباق تسلح ترى واشنطن أنه قد يقوض المصالح الأمريكية في المنطقة.
وبالمقابل فإن واشنطن تسعى إلى إحياء التنافس الخفي بين روسيا والصين على النفوذ في آسيا الوسطى والقطب الشمالي ولذلك تسارع إدارة ترامب لإنجاح مفاوضات وقف النار وانهاء الحرب في أوكرانيا لتكون بوابة لعلاقات جديدة مع روسيا، تفتح الطريق لاستئناف الحوار الاستراتيجي مع روسيا، ولا سيما في مفاوضات الحد من الأسلحة النووية ودفع روسيا لتبني مواقف أكثر تعاونا مع الغرب بما يتيح لأمريكا والغرب منع إيران من امتلاك الأسلحة النووية.

 

مقالات مشابهة

  • آلاف الفلسطينيين في غزة يشاركون في أكبر احتجاجات ضد حماس منذ بدء الحرب
  • 10 سنوات على عاصفة الحزم.. تدوير الفشل في اليمن
  • كشف النقاب عن القاعدة العسكرية السرية التي تنطلق منها طائرات أمريكا لقصف اليمن
  • يا دكتور عبدالله علي ابراهيم انك كوز متخفي في ثياب شيوعي
  • كشف المستور.. البيت الأبيض يقر بخطأ إضافة صحفي لمجموعة بشأن اليمن ومجلس الأمن القومي يحقق وترمب يقول: لا نعلم شيئا
  • الاحتلال يجبر آلاف الفلسطينيين على النزوح القسري
  • ماهي المكاسب التي تنتظرها واشنطن من مفاوضات إنهاء الحرب في أوكرانيا ؟
  • مسؤولة أممية: السودان من الدول الأولى على مستوى العالم التي تعاني أعلى معدلات انتشار سوء التغذية الحاد والملايين يواجهون الجوع
  • جيش الاحتلال يقول إن الفرقة التي نفذت عمليات في لبنان تستعد للعمل في غزة
  • الشبامي قصة حافظ المصاحف من الحرائق والتلف والتحول لخدمة القرآن في اليمن بعد تعرضه للظلم (فيديو)