تعايشتِ المنطقةُ مع الحربِ التي اندلعت بعد شرارةِ «طوفان الأقصى» والتي تقتربُ من إطفاء شمعتها الأولى.
وبدا أنَّ إسرائيلَ تعايشت مع «حرب الإسناد» التي أطلقها «حزبُ الله» تحتَ سقفٍ معين. وسادَ الانطباعُ أنَّ الولاياتِ المتحدة نجحت في منعِ انزلاق المنطقةِ نحو حربٍ إقليمية تردَّد أَنْ لا إيران تريدها ولا إسرائيلُ ولا «حزب الله».ولم يحصلِ الانهيارُ الكبير على رغم ضربتين مدويتين تمثلتا في اغتيالِ جنرال «حزب الله» فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية وزعيمِ «حماس» إسماعيل هنية في طهران نفسها. ورأى كثيرون أنَّ الخوفَ المتبادلَ يشكّل ضمانةً لعدم الانزلاقِ نحو الحريق الكبير.
خلال حفنةِ أيام من الأسبوع الماضي نجحت إسرائيلُ في إيقاظ المخاوف من حرب إقليمية. كانَ تفجيرُ أجهزةِ اتصالات «حزب الله» ضربةً غيرَ مسبوقةٍ أدخلتِ الحربَ إلى مؤسساتٍ ومنازلَ وتسبَّبت في سقوطِ قتلى واقتلاعِ عيونٍ وبترِ أصابعَ. بدتِ الضربةُ أشبهَ بدعوةٍ محرجةٍ موجَّهةٍ إلى «حزب الله» للانخراط في ردّ يبرر لإسرائيلَ نقلَ مشاهدِ غزةَ إلى شوارع بيروت.
لم تكتفِ إسرائيلُ بما فعلتْ ووجَّهت ضربةً قاصمة إلى «قوةِ الرضوان» (قوات النُّخبةِ في الحزب) خلالَ اجتماعٍ لها في ضاحية بيروتَ الجنوبية. وتسبَّب الهجومُ في خسائرَ كبيرة في صفوف المدنيين. وكانَ لافتاً أنَّ إسرائيلَ اتَّهمت المجتمعين الذين هاجمتهم بالتخطيط لاجتياحِ الجليل، أي تكرار تجربةِ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عبر الحدود اللبنانية.
خلال أيام، أعادت إسرائيلُ التذكيرَ بتفوُّقِها التكنولوجي واختراقاتِها الاستخبارية العميقةِ وقدرةِ جيشها على التَّحركِ السريع لاغتيالِ قيادة «الرضوان» مجتمعة. وظهرَ جلياً أنَّ إسرائيلَ لم تترك لـ«حزب الله» غيرَ خيارِ الرد على ما تعرَّض له، ذلك أنَّ المسألةَ تتعلَّق بأمنِه وأمنِ بيئته وصورتِه وهو العمودُ الفقري في «محور المقاومة». وعلى رغمِ الرَّدِ المدروس يمكن القولُ إنَّ الأيامَ الماضية شكَّلت منعطفاً تصعيدياً في مسار الحرب وتوسيع مسرحها.
في الشهور الماضية بدا واضحاً أنَّ بنيامين نتانياهو يقاوم رغبةَ الجيش الإسرائيلي في إبرام اتفاقٍ لتبادل الأسرى مع «حماس». كانَ يريد إطالةَ الحرب بانتظار دخولِ أمريكا مرحلةَ الغيبوبة الانتخابية التي تمنع المتنافسين من اتخاذ أي موقف حازم من إسرائيلَ وسلوكها. لم يردْ تقديمَ هديةٍ لبايدن وهاريس، خصوصاً أنَّ صديقَه ترمب أعلنَ صراحة أنَّه سيحمّل اليهودَ أيَّ فشل انتخابي له، معتبراً أنَّ فوزَه سيمنع إبادةَ اليهود في إسرائيل نفسها.
في الشهور الماضية لم يتردَّدْ نتانياهو في تقريع جنرالاتِ الجيش والتلويح بإقالتهم. اتَّهمهم بالافتقار إلى روحية الاشتباك السابقة وكأنَّه يلقي عليهم سلفاً مسؤولية أي فشل في تحقيق أهدافِ الحرب. أقدمَ على خطوةٍ بارعة حين أضاف حديثاً موضوعَ إعادةِ سكان الشمال إلى أهداف الحرب. ينقسم السياسيون الإسرائيليون حول الهدنةِ في غزة، لكنَّ هدفَ إعادة سكان الشمال يحظى بإجماع. خصوم نتانياهو أنفسُهم يعتقدون أنَّ تحقيق هذا الهدف يستحق رفعَ درجة المواجهة مع «حزب الله» ولو حملت خطرَ اندلاع حرب قاسية. هكذا رمَى نتانياهو الكرة في ملعب المؤسسةِ العسكرية وكأنَّه يكلفها بتقويض قدرات «حزب الله» على غرار ما كلفت به في حربها على «حماس». وليس سراً أنَّ المهمة الجديدة أصعبُ وأخطر.
محاولة تقويضِ قدرات «حزب الله» بالاغتيالات والغارات لن تكونَ أقل من حربٍ على حدّ قولِ من يعرفون الملف من قرب. يجزم هؤلاء أنَّ الحربَ في لبنان تختلف عنها في غزة. «حماس» حليفٌ مهمٌّ لإيران لكنَّها ليست شريانَ الحياة لـ«محور المقاومة» في المنطقة على غرار ما هو «حزب الله». يعتقدون أنَّ إيرانَ تستطيع ممارسةَ الصَّبر حيال محاولة الانقضاض على «حماس»، لكنَّها لا تستطيع رؤيةَ إسرائيلَ تقصمُ ظهرَ آلة «حزب الله»، وهو أنجحُ تجربةٍ لطهران في المنطقة.
تحاول إيرانُ منذ عامٍ تفادي الانزلاق إلى حرب شاملة. تعدّها فخاً إسرائيلياً للتسبُّب في مواجهة إيرانية - أمريكية. لكن قدرة إيران على عدم الانزلاق تتراجع إذا طُرح مصيرُ «حزب الله» على المحك. ثم إنَّ إيرانَ هي مهندسةُ المحورِ الذي وُلدَ بعد انهيار النظامِ العراقي وهو أبرزُ أوراقِ قوتِها في الضغط والتفاوض والتصعيد.
يروي المطلعون أنَّ عمليةَ السابع من أكتوبر ما كانت لتُطرحَ لولا ما فعله الجنرال قاسم سليماني القائد السابق لـ«فيلق القدس». يقولون إنَّ سليماني هو من تعهد تطويرَ قدرات «حماس» عبر اتفاق على التمويل وتهريب السلاح وتصنيع أسلحة في الأنفاق. كانَ سليماني مهتماً بـ«حماس» لأنَّها الضلع الفلسطيني في المحور و«لأنَّها تستطيع قتال إسرائيل من داخل البيت، أي من غزة والضفة معاً».
وفي عهد سليماني أيضاً تنامت ترسانةُ «حزب الله» ودخلتها الصواريخُ الدقيقة عبر حرب 2006 التي رافقها سليماني من مسرحها. كانَ سليماني أيضاً مهندسَ استقدام الميليشيات لإنقاذِ النظام السوري وساهمَ في توفير ضمانات التعاون مع التدخل الروسي. بصمات سليماني كانت شديدةَ الوضوح في رسم ملامح عراق ما بعد صدام حسين خصوصاً لجهة بناء «الحشد الشعبي» وتمكينه من بناء ترسانة والإمساك عملياً بقرار الحرب والسلم على غرار «حزب الله». وسليماني كان مهندس استقطاب الحوثيين وتدريبهم وتمكينهم من الاستيلاء على السلطة.
أعادت أيامُ الأسبوع الماضي التذكيرَ بسليماني الذي اغتالته القواتُ الأمريكية في بغداد. رشقاتٌ صاروخيةٌ من «حزب الله» ومسيّرةٌ عراقيةٌ وصاروخٌ حوثي فضلاً عن صواريخ «حماس» و«الجهاد». سيكون الجنرالُ الغائبُ حاضراً في الحربِ الواسعة إذا هبَّتِ العواصفُ من خرائطَ عدة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: تفجيرات البيجر في لبنان رفح أحداث السودان الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية غزة وإسرائيل حزب الله
إقرأ أيضاً:
كيف قاد نتانياهو إسرائيل إلى "الفشل الأكبر" في تاريخها؟
ذكرت القناة الـ12 الإسرائيلية، أن الهجوم الذي شنته حركة "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) كشف عن عمق الفشل الأمني وانهيار سياسية التردد التي ينتهجها رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، والتي تنص على "الهدوء مقابل الهدوء"، وعلى الرغم من التحذيرات الاستخباراتية الواضحة وخطط العمل المعدة، تم اختيار سياسة الاحتواء مراراً وتكراراً بدلاً من حسم الأمور، موضحاً أن النتيجة كانت الأكثر إيلاماً في تاريخ إسرائيل.
وقالت القناة في تحقيق نشرته تحت عنوان "ما عرفه نتانياهو قبل 7 أكتوبر"، أنه بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول)، عندما بدأت المؤسسة الأمنية بقياس عمق الفشل، دخل نتانياهو المعركة من أجل حماية الصورة التي غرسها طوال حياته، وهي صورة "سيد الدفاع"، مشيرة إلى أن هجوم حماس سحق عقيدة نتانياهو الراسخة المُعتمدة على مبدأ التجنب والتردد، والصمت مقابل الصمت، والذي يحتوي إطلاق الصواريخ من المُسلحين عبر السياج.
حزب الله يسعى إلى إدارة "حرب محدودة" مع إسرائيلhttps://t.co/7uRsISegL7 pic.twitter.com/UM8HtddJTB
— 24.ae (@20fourMedia) November 21, 2024 تجاهل المعلوماتوقالت إن الأمر لا يقتصر على مسؤوليته الشاملة كرئيس للوزراء فحسب، بل إن السلوك نفسه على مر السنين هو الذي أدى إلى الفشل السياسي الذي حدث.
وذكرت بأنه في فبراير (شباط) عام 2018، على خلفية مقترح شاب فلسطيني بتنظيم تظاهرات احتجاجية على السياج الحدودي، تلقى جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان" معلومات تفيد بأن هدف حماس هو تنفيذ "حمام دم" في المستوطنات المحيطة بالسياج.
ونصت المعلومات على أن يتوجه الشباب كل يوم جمعة بعد الصلاة نحو السياج الأمني لاختراقه، وفي كل نقطة سيكون هناك العشرات الذين سيختطفون جنوداً، بالإضافة إلى شباب آخرين يركضون نحو المستوطنات.
استعدادات حماس
ونقلت القناة عن ناتالي فرانس، التي عملت في فرقة غزة بين عامي 2016 و2018، وصفها لما كان يحدث، وقالت إن الأمر كان واضحاً للجميع، وأن هناك عناصر من حماس يرتدون الزي العسكري ويتجولون من ناحية قطاع غزة بالقرب من الحدود الإسرائيلية، فيما قال زفيكا هاوزر، الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية والأمن، إن إسرائيل كانت على علم بالواقع الذي يحدث في المنطقة، ولكنها لم تتصرف بشكل فعال، مؤكداً أن خطة حماس لتنفيذ هجوم على إسرائيل كانت معروفة جيداً لنتانياهو بالفعل في عام 2014، بالإضافة إلى وصف الخطة بالتفصيل، وفي مواجهة تلك الخطط، قرر نتانياهو بناء السياج واستثمر فيه ملايين الشيكلات، ومع ذلك تم اختراقه.
وأشارت القناة إن زفيكا هاوزر كان من المقربين لنتانياهو في الماضي، ويعرف جيداً شخصية رئيس الوزراء وطريقة اتخاذ القرارات، وقال عنه: "نتنياهو يكره المخاطرة ويتبع استراتيجية سلبية طويلة الأمد".
#إسرائيل تراهن على إدارة #ترامب لتخفيف ضغوط لاهايhttps://t.co/d1Hnl9CleA pic.twitter.com/ubAqYECZWo
— 24.ae (@20fourMedia) November 22, 2024اغتيال السنوار
وقالت القناة إن هناك سبباً آخر وراء عدم قيام نتانياهو، حتى السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بأي عملية تهدف إلى هزيمة حماس، حيث إن رؤساء جهاز الأمن العام الإسرائيلي "شاباك" يورام كوهين ونداف أرغمان ورونين بار، ضغطوا مراراً وتكراراً من أجل اغتيال زعيم حركة حماس، يحيى السنوار، وقائد الجناح العسكري محمد الضيف، لكن نتانياهو كان دائماً تقريباً يسير مع موقف الجيش.