- فاجنر لا تزال موجودة في القارة السمراء وتقدم دعما لوجستيا واستخباريا للأنظمة العسكرية في القارة الأفريقية- لعبت موسكو دورًا مهمًا في الانقلابات العسكرية ضد الأنظمة الحاكمة الموالية للغرب وتحديدا فرنسا

 

بدأت روسيا مؤخرًا التوجه بقوة نحو أفريقيا بهدف إشغال الغرب بعدة معارك فرعية، ولأن دول أوروبا مثل كثير من دول العالم تعتمد على موارد أفريقيا المعدنية وغير المعدنية، أدركت موسكو أن الإطاحة بالأنظمة الأفريقية الموالية للغرب سوف يكون في صالحها، فضلا عن إحداث المزيد من الأضرار للمصالح الغربية.

 

بدأت روسيا تعبر عن رغبتها في تطوير العلاقات مع أفريقيا في القمة الأفريقية الأخيرة التي حضرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتي أعلن فيها إسقاط ديون أفريقية تقدر بحوالي ٢٠ مليار دولار.

ورغم كبر حجم المبلغ، ورغم حاجة روسيا الملحة لأي مصادر دخل جديدة، قررت موسكو التنازل عن حقوقها المالية بهدف تطوير العلاقات مع القارة السمراء وبناء تحالفات جديدة. 

كما أعلن الرئيس الروسي أيضا عن رغبة بلاده في تصدير القمح مجانا لقارة أفريقيا وهو الأمر الذي علق عليه رئيس بوركينا فاسو قائلا إنه من العار لأفريقيا أن تحتاج لمعونات من الدول الغربية لأن القارة غنية بالموارد، كما طالب أفريقيا بضرورة الاعتماد على نفسها وتنمية مواردها.

أولا: روسيا وانقلابات أفريقيا الأخيرة

كانت بوركينا فاسو محطة هامة للإعلان عن بدء وجود النفوذ الروسي في القارة السمراء. فبعد الانقلاب الذي نفذه إبراهيم تراوري في ٢٠٢٢، ظهر مجموعة من الشبان شبانا يلوحون بالأعلام الروسية في شوارع العاصمة واغادوغو - وهو أمر لا بد أنه قد أسعد قلوب الكرملين.

على الرغم من صغر عددها إلى حد ما، فقد أثار تكهنات بأنه ربما كان هناك بعض التورط الروسي في الأحداث التي شهدت استيلاء الكابتن إبراهيما تراوري على السلطة في بلد يعاني من تزايد عنف الجهاديين.

وقد هنأ وقتها، يفغيني بريغوزين، مؤسس وقائد مجموعة فاجنر القلة الحاكمة المقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مع العلم أن فاجنر هي منظمة مرتزقة غامضة تنشط في العديد من البلدان الأفريقية.

ورغم الخلافات الأخيرة التي حدثت بين الرئيس الروسي وجيشه من جهة وفاجنر من جهة أخري، إلا أن فاجنر لا تزال موجودة في القارة السمراء وتقدم دعما لوجستيا واستخباريا للأنظمة العسكرية في القارة الأفريقية، خاصة أن هذه الأنظمة لا تشعر بالأمان بسبب تبنيها لخطابات مضادة للاستعمار، ما يمهد لزيادة النزعة الشعوبية في البلاد. 

وهنا يأتي دور فاجنر التي تحاول حماية هذه الأنظمة من خلال تبني اتخاذ خطوات استباقية.

ويعد انقلاب مالي الذي وقع في ٢٠٢٠ دليلا آخرا على الوجود الروسي في القارة السمراء، فبعد الانقلاب، قامت مالي بطرد القوات الفرنسية من البلاد، مع العلم أن هذه القوات لعبت دورا رئيسيا في ردع الطوارق الذين حاولوا الانقلاب على السلطة في ذلك الوقت وتأسيس دولة خاصة بهم. كما تشهد مالي، تحديدا الشمال، وجود العديد من المنظمات الإرهابية في البلاد، ما يعني أن البلاد في حاجة لدعم أجنبي. وبما أن فرنسا غادرت، فقد أشار محللون إلى أن البلاد قد دخلت في تحالف مع روسيا من خلال توقيع اتفاقيات سرية مع منظمة فاجنر التي تعد بمثابة ذراع غير رسمية لبوتين.

وقد أشارت الصحافة المالية، وفق تقرير نشرته البي بي سي في ٢٠٢٢، أن العقيد مالك دياو وساديو كامارا، الذي لعب دورا هاما في الانقلاب درس الكلية العسكرية في موسكو، ما يؤشر لقرب العلاقات بين الطرفين.

مؤخرًا، جاء انقلاب النيجر ليؤشر أيضا للوجود الروسي في القارة السمراء، والنيجر تعد من الدول المهمة لفرنسا في الصحراء الأفريقية. 

كما تشتهر هذه الدولة بصادرات اليورانيوم لفرنسا التي تعتمد عليها الأخيرة بشكل رئيسي في تشغيل مفاعلاتها النووية التي تولد الكهرباء في البلاد. بعد الانقلاب مباشرة.

دعمت روسيا النظام الجديد واعتبرته خطوة جيدة في سبيل استقلال أفريقيا عن الغرب، إلا أن الدول الغربية قد أدانت الأمر تماما، كما هو متوقع، أعلن النظام الجديد وقف صادرات اليورانيوم إلى فرنسا كما طالبها بمغادرة البلاد. وقد هدد النظام الجديد باعتقال المواطنين الفرنسيين في حالة عدم مغادرة القوات الفرنسية البلاد.

ثانيا: فعالية الوجود الروسي في أفريقيا

لا شك أن الوجود الروسي في أفريقيا قد لعب دورا مهما في الانقلابات العسكرية ضد الأنظمة الحاكمة الموالية للغرب، وتحديدا فرنسا، على اعتبار أن منطقة الصحراء الأفريقية والغرب الأفريقي هي منطقة نفوذ استعماري لفرنسا. ورغم أن روسيا تهدف بهذه الخطوات إلى تشتيت الغرب، إلا أنه ليس من المتوقع أن تحقق روسيا أهدافها بالطريقة التي تتوقع حدوثها. بعبارة أخري، كانت روسيا موردا أساسيا للنفط والغاز لأوروبا، وقد بدأت دول أوروبا في البحث عن بدائل بسبب الحرب الأوكرانية، ولهذا تحاول روسيا تضييق البدائل على الدول الغربية من خلال إحداث اضطرابات سياسية في أماكن جيوسياسية يمكن أن تؤثر على صادرات النفط. ففي حالة النيجر، على سبيل المثال، توقف إمداد فرنسا باليورانيوم يعني أن البلاد سوف تواجه مشكلة في إمداد المدن بالكهرباء، ما يعني أن فرنسا سوف تخصص أجزاء أكبر من ميزانيتها لاستيراد الغاز من دول جديدة، الأمر الذي سوف يؤثر على قدرة فرنسا على تقديم دعم عسكري لأوكرانيا.

أيضا، تطمح روسيا لقيام الدول الغربية بأي عملية تدخل عسكري في دول أفريقيا وتحديدا النيجر، حيث أعلن الاتحاد الأوروبي عن رفضه للانقلاب ودعمه للرئيس المنتخب. 

في حالة حدوث ذلك، فإن روسيا سوف تكون قد حققت أهدافها الكبرى من خلال توريط الدول الغربية في صراع عسكري قد يمتد لفترة طويلة في أفريقيا، مع العلم أن مجموعة فاجنر سوف تقاتل ضد الدول الغربية. وبذلك، تكون روسيا قد نقلت المعركة من أوكرانيا إلى أوروبا، كما قد تكون قد فتحت جبهة جديدة على أوروبا. وفق هذا السيناريو، سوف تجد الدول الغربية، وتحديدا فرنسا، نفسها مطالبة بتقليل الدعم العسكري لأوكرانيا وتقديمه لعناصرها في النيجر تفاديا للخسائر المادية والبشرية، وإن كان سيناريو حدوث حرب أمرا مستبعدا في الوقت الراهن خاصة بعد أن أعلنت بوركينا فاسو أن أي عمل عسكري ضد النجير سوف يعتبر عملا عسكريا ضدها وسوف تشارك في القتال.

قبل عدة أيام، أعلنت دول الأوبك الاتفاق على خفض الإنتاج بهدف رفع السعر عالميا. ويأتي ذلك اتساقا مع السياسة الروسية الهادفة لرفع أسعار الطاقة بهدف تضييق الخناق على أوروبا التي تستورد معظم احتياجاتها من الخارج. أيضا، أعلنت فنزويلا عن تقدمها بطلب للانضمام لمجموعة البريكس. ويعد هذا الأمر مهما للاستراتيجية الروسية حيث تعاني فنزويلا من العقوبات الأمريكية رغم امتلاكها لأكبر احتياطي نفط في العالم، ما يجعل انضمامها للبريكس خطوة في اعتماد صادراتها للخارج، الأمر الذي سوف يزيد من التحكم في أسعار الطاقة عالميا.

في النهاية، تعد أفريقيا حلقة صراع جديدة بين روسيا والغرب، خاصة أن الأولي تدرك أن الشعوب في أفريقيا تؤيد تماما أية محاولات لتقليل النفوذ الغربي في البلاد، ولهذا تعمد روسيا إلى دعم الانقلابات العسكرية ضد الأنظمة الموالية للغرب، وتقوم حركة فاجنر بدور كبير في هذا التحول من خلال تقديم دعم لوجستي واستخباري. 

وتهدف روسيا من تعزيز وجودها في أفريقيا إلى حرمان الغرب من الموارد ومصادر الطاقة التي لعبت دورا في تحقيق حالة الرفاهية التي تعيشها الدول الغربية.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: موسكو الانقلابات العسكرية فی القارة السمراء الرئیس الروسی الدول الغربیة فی أفریقیا فی البلاد من خلال

إقرأ أيضاً:

"شديد القسوة".. روسيا تتعهد بالرد على الإمدادات الغربية لأوكرانيا

قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف، إن الولايات المتحدة أعطت كييف شيكا على بياض وتفويضا كاملا لاستخدام الأسلحة بعيدة المدى لشن ضربات فى عمق الأراضي الروسية، مشيرا إلى أن ردود فعل موسكو ستكون "شديدة القسوة".
وأضاف ريابكوف: " لقد قال الرئيس الروسي كل شيء حول هذا الموضوع. القرار (للسماح لكييف بشن الهجمات) موجود هناك، وتم إعطاء شيكا على بياض وتفويضا كاملا وتسهيلات لعملاء كييف. لذلك، سنرد بشكل عنيف، هناك عنصر من المخاطرة الجادة هنا، لأن المعارضين في واشنطن ولندن وأماكن أخرى يقللون بوضوح من درجة خطورة اللعبة التي يواصلون لعبها"، بحسب وكالة تاس الروسية للأنباء.
أخبار متعلقة حرب الطائرات المسيرة.. أوكرانيا تصد هجمات روسية على عدة مناطقنائب رئيس جنوب أفريقيا يفقد الوعي أثناء إلقاء كلمةوأكد نائب الوزير في وقت سابق لوكالة "تاس" على هامش قمة وسائل الإعلام لمجموعة البريكس، أن روسيا تعرف أن الغرب قد اتخذ بالفعل قرارات بشأن الضربات فى عمق الأراضي الروسية وأرسل الإشارات المناسبة إلى كييف.

حرب الطائرات المسيرة.. #أوكرانيا تصد هجمات روسية على عدة مناطق#اليوم | #روسياhttps://t.co/qyfDxJjhhJ pic.twitter.com/E6tbASznkq— صحيفة اليوم (@alyaum) September 14, 2024ضرب العمق الروسيكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن في وقت سابق أن أوكرانيا لن تقدر على ضرب العمق الروسي بدون دعم الغرب، وذلك بسبب احتياجها إلى المعلومات الاستخباراتية من الأقمار الاصطناعية والمهام الجوية لفعل ذلك.
كما ذكر الرئيس الروسي أن دول الناتو لا تناقش ببساطة استخدام أوكرانيا للأسلحة الغربية طويلة المدى، ولكنها تقرر بشكل أساسي ما إذا كانت ستنخرط بشكل مباشر في النزاع الأوكراني.
وأشار إلى أن موسكو ستتخذ قرارات بناء على التهديدات التي ستظهر للاتحاد الروسي.

مقالات مشابهة

  • لضرب العمق الروسي.. هذه الأسلحة الغربية تريدها أوكرانيا
  • الحرب الغربية على الشعب الفلسطيني ‏والتنكر لحق المقاومة
  • الصين في أفريقيا بين ضرورة التوسع العسكري والثوابت التاريخية
  • "شديد القسوة".. روسيا تتعهد بالرد على الإمدادات الغربية لأوكرانيا
  • تركيا تشيع عائشة نور إزغي إيغي التي قتلت في الضفة الغربية المحتلة- (صور)
  • رئيسة المركزي الروسي تحدد الأسباب التي تقف وراء هبوط أسعار النفط
  • الخارجية الروسية: الخطاب حول رفع الحظر على توجيه الضربات إلى روسيا بالأسلحة الغربية لا يعزز الاستقرار والسلام
  • الجيش الروسي: سماح أمريكا وبريطانيا لـ كييف بمهاجمة روسيا لن يغير وضع الجبهة
  • تقرير دولي يصنف المغرب ضمن أفضل الدول الجاذبة للتجارة في أفريقيا
  • الكرملين: تصريحات بوتين حول عواقب استخدام الأسلحة الغربية لضرب العمق الروسي واضحة لا لبس فيها