الوجود الروسي في أفريقيا.. دوافع وتحديات (دراسة)
تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT
- فاجنر لا تزال موجودة في القارة السمراء وتقدم دعما لوجستيا واستخباريا للأنظمة العسكرية في القارة الأفريقية- لعبت موسكو دورًا مهمًا في الانقلابات العسكرية ضد الأنظمة الحاكمة الموالية للغرب وتحديدا فرنسا
بدأت روسيا مؤخرًا التوجه بقوة نحو أفريقيا بهدف إشغال الغرب بعدة معارك فرعية، ولأن دول أوروبا مثل كثير من دول العالم تعتمد على موارد أفريقيا المعدنية وغير المعدنية، أدركت موسكو أن الإطاحة بالأنظمة الأفريقية الموالية للغرب سوف يكون في صالحها، فضلا عن إحداث المزيد من الأضرار للمصالح الغربية.
بدأت روسيا تعبر عن رغبتها في تطوير العلاقات مع أفريقيا في القمة الأفريقية الأخيرة التي حضرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتي أعلن فيها إسقاط ديون أفريقية تقدر بحوالي ٢٠ مليار دولار.
ورغم كبر حجم المبلغ، ورغم حاجة روسيا الملحة لأي مصادر دخل جديدة، قررت موسكو التنازل عن حقوقها المالية بهدف تطوير العلاقات مع القارة السمراء وبناء تحالفات جديدة.
كما أعلن الرئيس الروسي أيضا عن رغبة بلاده في تصدير القمح مجانا لقارة أفريقيا وهو الأمر الذي علق عليه رئيس بوركينا فاسو قائلا إنه من العار لأفريقيا أن تحتاج لمعونات من الدول الغربية لأن القارة غنية بالموارد، كما طالب أفريقيا بضرورة الاعتماد على نفسها وتنمية مواردها.
أولا: روسيا وانقلابات أفريقيا الأخيرةكانت بوركينا فاسو محطة هامة للإعلان عن بدء وجود النفوذ الروسي في القارة السمراء. فبعد الانقلاب الذي نفذه إبراهيم تراوري في ٢٠٢٢، ظهر مجموعة من الشبان شبانا يلوحون بالأعلام الروسية في شوارع العاصمة واغادوغو - وهو أمر لا بد أنه قد أسعد قلوب الكرملين.
على الرغم من صغر عددها إلى حد ما، فقد أثار تكهنات بأنه ربما كان هناك بعض التورط الروسي في الأحداث التي شهدت استيلاء الكابتن إبراهيما تراوري على السلطة في بلد يعاني من تزايد عنف الجهاديين.
وقد هنأ وقتها، يفغيني بريغوزين، مؤسس وقائد مجموعة فاجنر القلة الحاكمة المقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مع العلم أن فاجنر هي منظمة مرتزقة غامضة تنشط في العديد من البلدان الأفريقية.
ورغم الخلافات الأخيرة التي حدثت بين الرئيس الروسي وجيشه من جهة وفاجنر من جهة أخري، إلا أن فاجنر لا تزال موجودة في القارة السمراء وتقدم دعما لوجستيا واستخباريا للأنظمة العسكرية في القارة الأفريقية، خاصة أن هذه الأنظمة لا تشعر بالأمان بسبب تبنيها لخطابات مضادة للاستعمار، ما يمهد لزيادة النزعة الشعوبية في البلاد.
وهنا يأتي دور فاجنر التي تحاول حماية هذه الأنظمة من خلال تبني اتخاذ خطوات استباقية.
ويعد انقلاب مالي الذي وقع في ٢٠٢٠ دليلا آخرا على الوجود الروسي في القارة السمراء، فبعد الانقلاب، قامت مالي بطرد القوات الفرنسية من البلاد، مع العلم أن هذه القوات لعبت دورا رئيسيا في ردع الطوارق الذين حاولوا الانقلاب على السلطة في ذلك الوقت وتأسيس دولة خاصة بهم. كما تشهد مالي، تحديدا الشمال، وجود العديد من المنظمات الإرهابية في البلاد، ما يعني أن البلاد في حاجة لدعم أجنبي. وبما أن فرنسا غادرت، فقد أشار محللون إلى أن البلاد قد دخلت في تحالف مع روسيا من خلال توقيع اتفاقيات سرية مع منظمة فاجنر التي تعد بمثابة ذراع غير رسمية لبوتين.
وقد أشارت الصحافة المالية، وفق تقرير نشرته البي بي سي في ٢٠٢٢، أن العقيد مالك دياو وساديو كامارا، الذي لعب دورا هاما في الانقلاب درس الكلية العسكرية في موسكو، ما يؤشر لقرب العلاقات بين الطرفين.
مؤخرًا، جاء انقلاب النيجر ليؤشر أيضا للوجود الروسي في القارة السمراء، والنيجر تعد من الدول المهمة لفرنسا في الصحراء الأفريقية.
كما تشتهر هذه الدولة بصادرات اليورانيوم لفرنسا التي تعتمد عليها الأخيرة بشكل رئيسي في تشغيل مفاعلاتها النووية التي تولد الكهرباء في البلاد. بعد الانقلاب مباشرة.
دعمت روسيا النظام الجديد واعتبرته خطوة جيدة في سبيل استقلال أفريقيا عن الغرب، إلا أن الدول الغربية قد أدانت الأمر تماما، كما هو متوقع، أعلن النظام الجديد وقف صادرات اليورانيوم إلى فرنسا كما طالبها بمغادرة البلاد. وقد هدد النظام الجديد باعتقال المواطنين الفرنسيين في حالة عدم مغادرة القوات الفرنسية البلاد.
ثانيا: فعالية الوجود الروسي في أفريقيالا شك أن الوجود الروسي في أفريقيا قد لعب دورا مهما في الانقلابات العسكرية ضد الأنظمة الحاكمة الموالية للغرب، وتحديدا فرنسا، على اعتبار أن منطقة الصحراء الأفريقية والغرب الأفريقي هي منطقة نفوذ استعماري لفرنسا. ورغم أن روسيا تهدف بهذه الخطوات إلى تشتيت الغرب، إلا أنه ليس من المتوقع أن تحقق روسيا أهدافها بالطريقة التي تتوقع حدوثها. بعبارة أخري، كانت روسيا موردا أساسيا للنفط والغاز لأوروبا، وقد بدأت دول أوروبا في البحث عن بدائل بسبب الحرب الأوكرانية، ولهذا تحاول روسيا تضييق البدائل على الدول الغربية من خلال إحداث اضطرابات سياسية في أماكن جيوسياسية يمكن أن تؤثر على صادرات النفط. ففي حالة النيجر، على سبيل المثال، توقف إمداد فرنسا باليورانيوم يعني أن البلاد سوف تواجه مشكلة في إمداد المدن بالكهرباء، ما يعني أن فرنسا سوف تخصص أجزاء أكبر من ميزانيتها لاستيراد الغاز من دول جديدة، الأمر الذي سوف يؤثر على قدرة فرنسا على تقديم دعم عسكري لأوكرانيا.
أيضا، تطمح روسيا لقيام الدول الغربية بأي عملية تدخل عسكري في دول أفريقيا وتحديدا النيجر، حيث أعلن الاتحاد الأوروبي عن رفضه للانقلاب ودعمه للرئيس المنتخب.
في حالة حدوث ذلك، فإن روسيا سوف تكون قد حققت أهدافها الكبرى من خلال توريط الدول الغربية في صراع عسكري قد يمتد لفترة طويلة في أفريقيا، مع العلم أن مجموعة فاجنر سوف تقاتل ضد الدول الغربية. وبذلك، تكون روسيا قد نقلت المعركة من أوكرانيا إلى أوروبا، كما قد تكون قد فتحت جبهة جديدة على أوروبا. وفق هذا السيناريو، سوف تجد الدول الغربية، وتحديدا فرنسا، نفسها مطالبة بتقليل الدعم العسكري لأوكرانيا وتقديمه لعناصرها في النيجر تفاديا للخسائر المادية والبشرية، وإن كان سيناريو حدوث حرب أمرا مستبعدا في الوقت الراهن خاصة بعد أن أعلنت بوركينا فاسو أن أي عمل عسكري ضد النجير سوف يعتبر عملا عسكريا ضدها وسوف تشارك في القتال.
قبل عدة أيام، أعلنت دول الأوبك الاتفاق على خفض الإنتاج بهدف رفع السعر عالميا. ويأتي ذلك اتساقا مع السياسة الروسية الهادفة لرفع أسعار الطاقة بهدف تضييق الخناق على أوروبا التي تستورد معظم احتياجاتها من الخارج. أيضا، أعلنت فنزويلا عن تقدمها بطلب للانضمام لمجموعة البريكس. ويعد هذا الأمر مهما للاستراتيجية الروسية حيث تعاني فنزويلا من العقوبات الأمريكية رغم امتلاكها لأكبر احتياطي نفط في العالم، ما يجعل انضمامها للبريكس خطوة في اعتماد صادراتها للخارج، الأمر الذي سوف يزيد من التحكم في أسعار الطاقة عالميا.
في النهاية، تعد أفريقيا حلقة صراع جديدة بين روسيا والغرب، خاصة أن الأولي تدرك أن الشعوب في أفريقيا تؤيد تماما أية محاولات لتقليل النفوذ الغربي في البلاد، ولهذا تعمد روسيا إلى دعم الانقلابات العسكرية ضد الأنظمة الموالية للغرب، وتقوم حركة فاجنر بدور كبير في هذا التحول من خلال تقديم دعم لوجستي واستخباري.
وتهدف روسيا من تعزيز وجودها في أفريقيا إلى حرمان الغرب من الموارد ومصادر الطاقة التي لعبت دورا في تحقيق حالة الرفاهية التي تعيشها الدول الغربية.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: موسكو الانقلابات العسكرية فی القارة السمراء الرئیس الروسی الدول الغربیة فی أفریقیا فی البلاد من خلال
إقرأ أيضاً:
تصاعد الصراع العسكري وتحديات إنسانية على خلفية السيطرة على الخرطوم| إليك التفاصيل
توقع تقرير أمريكي، صدر أمس السبت، تصاعد وتيرة الصراع في السودان بعد سيطرة القوات المسلحة السودانية على العاصمة الخرطوم.
تصاعد الصراع في السودانوأشار التقرير إلى أن القتال من المرجح أن يتصاعد في مدينة الفاشر في دارفور، حيث تسعى ميليشيا الدعم السريع المتنافسة إلى ترسيخ سيطرتها على هذه المنطقة الاستراتيجية.
قال السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصرى للشؤون الأفريقية، إن سيطرة الجيش السوداني على القصر الجمهوري في السودان تؤكد تمكن القوات المسلحة السودانية تقريبا من السيطرة على العاصمة، خاصة القصر الجمهوري باعتباره رمز السيادة، وبالتالي فإن المرحلة المقبلة ستشهد وجود مجلس السيادة لإدارة شؤون الدولة من العاصمة في القريب العاجل.
وأضاف حليمة- خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن حققت القوات المسلحة السودانية سلسلة من النجاحات البارزة في عدة مواقع وولايات، كان أبرزها في العاصمة الخرطوم. ففي هذه المدينة، تمكن رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، من دخول القصر الجمهوري، وهو حدث يُعد علامة فارقة في سياق تطور الوضع العسكري في البلاد، كما استمر الاعتراف الرسمي بالبرهان ممثلا للدولة السودانية، مما يعكس دعم المؤسسات المختلفة لقيادته في هذه المرحلة الحساسة.
وأكد حليمة، أن القوات المسلحة السودانية حققت إنجازات أخرى مهمة في ولايتي شمال كردفان وجنوب كردفان، حيث تم إحراز تقدم ملحوظ في المعارك التي دارت في تلك المناطق. كما كانت هناك نجاحات لافتة في دارفور، حيث دارت معارك عنيفة في الفترة الأخيرة، مما يعكس قدرة القوات المسلحة على توسيع دائرة تأثيرها في مختلف أرجاء البلاد.
وأشار حليمة، إلى أن هذه النجاحات تؤكد أن القوات المسلحة السودانية ماضية في تعزيز تقدمها العسكري وتوسيع نطاق الانتصارات على مختلف الأصعدة، مما يعزز من قوتها ووجودها في الساحة السياسية والعسكرية.
توقعات بانتقال الحرب إلى الفاشروذكر مركز "ستراتفور" الأمريكي في تقريره أن اتساع رقعة القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الفاشر قد يؤدي إلى زيادة خطر امتداد العنف إلى دولة تشاد المجاورة، مما يهدد استقرار المنطقة بأسرها. وتعد مدينة الفاشر من المناطق الحيوية في دارفور، حيث تسعى ميليشيا الدعم السريع إلى تعزيز نفوذها فيها.
وفي مارس الماضي، أعلن القائد العام للقوات المسلحة السودانية، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، أن الجيش قد تمكن من استعادة السيطرة على الخرطوم من قوات الدعم السريع.
وقد شهدت الأسابيع الأخيرة مزيدا من المكاسب العسكرية للقوات المسلحة السودانية في العاصمة وحولها، مما دفع قوات الدعم السريع إلى سحب وحداتها إلى غرب نهر النيل في أواخر مارس.
تمركز قوات الدعم السريع وتواصل المعاركورغم الهزيمة التي تكبدتها قوات الدعم السريع في الخرطوم، أصر قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان "حميدتي"، في 30 مارس الماضي، على أن قواته قد أعادت تمركزها بشكل تكتيكي خارج الخرطوم.
كما تعهد بمواصلة القتال ضد القوات المسلحة السودانية. ومنذ انسحاب قوات الدعم السريع من الخرطوم، استمرت الاشتباكات بين الجانبين في مدينة أم درمان، التي تقع بالقرب من العاصمة.
الأمم المتحدة تعرب عن قلقها من النزوحأعربت الأمم المتحدة، يوم الجمعة، عن قلق بالغ إزاء التقارير التي أفادت بنزوح أعداد كبيرة من المدنيين من الخرطوم بسبب العنف المستمر والمخاوف من عمليات القتل خارج نطاق القانون.
وقد أشار المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إلى ضرورة حماية المدنيين وعدم استهدافهم بأي حال من الأحوال.
ووفقا لتقارير من العاملين في المجال الإنساني، فقد وصل نحو 5000 نازح إلى منطقة جبرة الشيخ في ولاية شمال كردفان خلال الأسبوع الماضي، معظمهم من الخرطوم، كما نزح آخرون إلى منطقة أم دخن في وسط دارفور، مما يعكس تزايد المعاناة الإنسانية في ظل الأوضاع الأمنية المتدهورة.
في تطور آخر، أعلنت الولايات المتحدة، يوم السبت، عن نيتها إلغاء جميع التأشيرات التي يحملها حاملو جوازات سفر من جنوب السودان.
وجاء هذا القرار بعد أن أشار وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، إلى أن دولة جنوب السودان لم تحترم مبدأ قبول الدول لعودة مواطنيها في الوقت المناسب، وهو ما يعيق جهود ترحيلهم من قبل دول أخرى بما في ذلك الولايات المتحدة.
وأوضح روبيو في بيانه أن وزارة الخارجية الأمريكية ستتخذ إجراءات لإلغاء التأشيرات الحالية لحاملي جوازات سفر جنوب السودان ومنع إصدار المزيد منها، وذلك بهدف منع دخولهم إلى الولايات المتحدة.
وأضاف أنه سيتم مراجعة هذه الإجراءات في حال تعاون جنوب السودان بشكل كامل في المستقبل.