الدكتور سلطان القاسمي يكتب: مختاراتٌ مِنْ «جِرُون نامه»
تاريخ النشر: 23rd, September 2024 GMT
تحقيق: الدكتور سلطان بن محمد القاسمي
توجهت القوات الفارسية لاحتلال صحار، يقودها محمد بن ناصر بن جيفر بن مالك، وقد تقرر أن تنقل القوة التي ستعبر الجبل الأخضر من جهة الغرب، فقد تم استدعاء سلطان الأكراد الفرس، ويقال له: زنكنة، والذي أتى بطائفة المهراني، الذين يجيدون تسلق الجبال، من كرمانشاه بفارس، وتوجهوا إلى مكان بالقرب من أبو شهر على الساحل الفارسي، وأطلق عليه زنكنة حتى يومنا هذا، حيث سينطلقون إلى الساحل العربي.
قامت القوة الكردية بقيادة زنكنة بالإبحار إلى دبا على الساحل العربي، فقابلتها مقاومة شديدة اضطرت بعدها للتوجه إلى ساحل عُمان الغربي ناحية الشارقة، والتي كان حاكمها آن ذاك، الشيخ فاهم بن أحمد القاسمي، وأنزل زنكنة قواته خارج مدينة الشارقة.
على بعد بضعة كيلومترات إلى الشرق من مدينة الشارقة. أقام زنكنة معسكره هناك، وتمّ حفر بئر للمياه بواسطة فلاح، مسؤول التموين، (بئر فلاح: قائم حتى اليوم).
إلى الغرب من معسكر القوات الفارسية، كانت هناك بيوت الغفلة، الذين وردوا من العراق مع الشيخ فاهم بن أحمد القاسمي على بئر يقال له: سويحان، (طوي سويحان قبالة مطار الشارقة)، وكانت أغنامهم ترعى في البقعة التي شيّد المعسكر الفارسي عليها.
قام فلاح مسؤول التموين، بذبح عدد من أغنام الغفلة، وقد شاهدهم راعي غنم الغفلة، فأخبر شبابهم، الذين قاموا في تلك الليلة بذبح فلاح ومن ومعه. الصورة
خاف الغفلة من انتقام الجيش الفارسي، فاقتلعوا خيامهم، وهربوا شمالاً. في اليوم التالي بحثت القوات الفارسية عن الغفلة، فلم يجدوا أحداً.
بينما القوات الفارسية في طريقها إلى منطقة الظاهرة لدخول عُمان من الجهة الغربية، ضلت طريقها في منطقة الكهيف واتجهت جنوباً، (الكهيف: منطقة تبعد عن الشارقة مسافة ستة عشر كيلومتراً شرقاً)، ونفد الماء فبحثوا عنه في كل الاتجاهات، حتى عثروا على غدير إلى الشرق من جبل نزوى، أطلقوا عليه غدير المهراني، والمهراني مؤسس طائفة المهراني الكردية في كرمانشاه في فارس، فأطلق اسمه على ذلك المكان، حتى يومنا هذا.
عبرت القوة الكردية الجبل الأخضر ووصلت إلى مشارف مدينة صحار من الناحية الغربية، والتي تم احتلالها من قبل القوات الفارسية، ومحمد بن ناصر بن جيفر بن مالك.
في الثاني والعشرين من شهر مايو عام 1623م، وصلت السفن الحربية البرتغالية إلى قبالة مدينة صحار، وأخذت تقصف قلعة صحار من الشرق، وقوات الأمراء العمانيين المتحدين مع البرتغاليين يقصفون القلعة من الغرب، فقُتل محمد بن ناصر بن جيفر بن مالك، وتم احتلال صحار من قبل القوات البرتغالية.
هربت قوات بني مالك التي كانت إلى الغرب من صحار، بقيادة ناصر الدين بن محمد بن ناصر الدين أبو نعير، وهو من بني مالك، وكان أبوه شيخ المنتفق الذي قتل على يد مبارك المشعشع في العراق.
هرب زنكنة سلطان الأكراد وقوات المهراني مع ناصر الدين أبو نعير عن طريق الجبل الأخضر، حتى وصلوا جلفار (رأس الخيمة)، فقام السلطان زنكنة بعمارة جلفار، فلم تكن هناك عمارة أفضل منها، وكانت أفضل من مصر والشام، كما وصفها صاحب مخطوط جِرُون نامه.
في السابع والعشرين من شهر نوفمبر عام 1633م، حاصر اليعاربة جلفار (رأس الخيمة) بقيادة علي بن أحمد، وكانت جلفار (رأس الخيمة) يحكمها ناصر الدين بن محمد بن ناصر الدين أبو نعير بني مالك، والذي خرج من صحار هارباً مع الفرس براً إلى جلفار (رأس الخيمة).
اقتحم علي بن أحمد ومن معه قلعة جلفار (رأس الخيمة)، فهرب زنكنة ومن معه من الفرس الأكراد إلى فارس، وهرب ناصر الدين بن محمد بن ناصر الدين أبو نعير ومن معه إلى جزيرة كوري في الخليج العربي، وبنى قلعة هناك، وأطلق على الجزيرة اسم جزيرة أبو نعير، أو صير أبو نعير، نسبة لناصر الدين أبو نعير، (جزيرة صير أبو نعير تابعة لإمارة الشارقة).
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة محمد بن ناصر رأس الخیمة بن أحمد بن محمد
إقرأ أيضاً:
الدكتور سلطان العميمي: مشروع معجم المفردات البحرية هو خطوة لحماية لغتنا الخليجية
المعاجم العربية عزفت عن لغة أهل الساحل
ما لا يقل عن 95% من المفردات البحرية عربية الأصل
الكلمات المعربة إذا خضعت لمقاييس اللغة فهي عربية
........................
انطلقت أولى ليالي "أسبوع اللغة العربية في بيت الزبير" مساء أمس ، وذلك باستضافة الدكتور سلطان العميمي من دولة الإمارات العربية المتحدة، لإلقاء محاضرته التي عنونت بـ"تاريخ المفردات البحرية في الخليج العربي.. عُمان والإمارات نموذجًا"، بحضور معالي السفير الإماراتي محمد بن نخيرة الظاهري، ومحمد بن الزبير وعدد من الشعراء والمهتمين بالجانب الأدبي والتاريخ اللغوي.
افتتحت المحاضرة بتقديم الدكتورة منى بنت حبراس السليمية، التي قدمت نبذة تعريفية بالدكتور سلطان العميمي، ذاكرة أنه أحد أعلام الفكر والأدب في العالم العربي، حيث يحمل درجة الدكتوراه في السيميائيات وفلسفة الأدب والفنون من جامعة محمد الخامس بالرباط، وأشارت إلى أنه يشغل حاليًا منصب المدير التنفيذي لقطاع الشعر والموروث في هيئة أبوظبي للتراث، بالإضافة إلى كونه رئيسًا لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات منذ عام 2020.
كما أوضحت الدكتورة منى أن الدكتور العميمي له إسهامات بارزة في المجال الثقافي، من خلال عضويته في لجان تحكيم العديد من الجوائز والمسابقات الأدبية المرموقة، مثل برنامج "شاعر المليون" وتحدي القراءة العربي، وأكدت على غزارة إنتاجه الأدبي، الذي يشمل 33 إصدارًا في مجالات النقد والرواية والقصة والمعاجم، من بينها روايته "غرفة واحدة لا تكفي" التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية، ورواية "ص. ب 1003" التي تحولت إلى عمل تلفزيوني.
بعدها بدأ الدكتور سلطان العميمي بالحديث، مشيرًا إلى مشروعه الذي سيرى النور قريبًا، وهو معجم المفردات البحرية، الذي عمل على جمعه وبناءه حوالي 18 عامًا، وسيكون في 6 مجلدات، قائلًا: "لغتنا ومفرداتنا المحلية هي وسيلتنا لنسج الحكايات والآداب، ومشروع معجم المفردات البحرية هو خطوة لحماية لغتنا الخليجية".
كما تطرق الدكتور العميمي إلى مسألة عدم توثيق مفردات أهل الساحل في معاجم مستقلة، مؤكدًا أن هذا الأمر يشترك مع مفردات أهل الجبال، في حين أن أهل البادية كان لهم النصيب الأكبر من توثيق مفرداتهم، كما وصف مشروعه المتمثل في معجم المفردات البحرية بأنه مغامرة، حيث صعوبة الخوض في صناعة معجم بحري من خلال المصادر العربية.
وأرجع سبب عدم توثيق مفردات أهل السواحل إلى عدة أمور، منها أن أهل البادية يرون أن أهل الساحل أناس متأثرون بالخرافات والأساطير، كما جاء في الموروث الديني أن التأمل في البحر يورث الجنون، إلى جانب ادعاء أن المفردات الساحلية شابها نوع من تداخل المفردات غير العربية نتيجة الإبحار إلى دول أعجمية لغرض التجارة؛ إلا أن العميمي نفى صحة هذه الفرضية، مؤكدًا أن ما لا يقل عن 95% من مفردات أهل الساحل هي ذات أصول عربية، ولكنها مفردات تأثرت بعوامل متعددة مثل "الظواهر الإبدالية" وهي حين يتم استبدال بعض الحروف بأخرى، كإبدال الألف إلى العين، وإبدال السين إلى صاد أو العكس.
كما استنكر الدكتور سلطان العميمي قناعة البعض أو إيمانهم بقاعدة أن الكلمة ما لم تكن موجودة في الموسوعات العربية، فهي "غير عربية"، مؤكدًا أن الكثير من المصادر تثبت عربية الكلمة إذا وردت على لسان العرب في الشعر الجاهلي، وفي الكتب القديمة، ومن الكلمات التي ضرب بها المثل، مصطلح "حَدْق" بمعنى صيد السمك باستخدام الخيوط، مشيرًا إلى أن الكثير قد ظن أنها غير عربية إذ لم ترد في معاجم اللغة العربية، إلا أنه تم الالتفات إليها في معجم "الاشتقاق" لابن دريد، إذ ورد فيه أن "حدق السمك هو صيده"، سائلًا: "هل تدخل الكلمة إلى قائمة الكلمات العربية بهذه السرعة والتلقائية فور العثور عليها في معجم ما؟ وكيف إذا لم تدون؟!" وتابع قائلًا: "هذا إجحاف بحق الكلمات العربية".
كما أشار إلى أن الكثير من الكلمات المرتبطة بمفردات أهل الساحل وجدها عند المسعودي، وهو "أبو الحسن المسعودي"، عالم الجغرافيا واللغة المتوفى قبل أكثر من 1000 عام، وعند غيره من أهل اللغة الذين تركوا علومًا وكتبًا وأشعارًا من غير أصحاب الموسوعات والمعاجم، وفي هذا السياق قال الدكتور سلطان العميمي: "الحقيقة أن المعاجم العربية عزفت عن لغة أهل الساحل".
ومما أشار إليه غرابة مسألة عزوف البادية عن أهل الساحل، حيث إن أهل البادية قد ركبوا البحر بحثًا عن اللؤلؤ في مواسمه، إلا أنهم كانوا يترفعون عن صيد السمك، كما أنهم فسروا رؤيا منامهم لصائد سمك بوجود شخص كاذب في حياة الرائي، إلى جانب العديد من المعلومات التاريخية والدلالات التي حالت دون جمع المفردات البحرية.
بعدها استعرض العميمي بعضًا من المفردات البحرية المشتركة بين سلطنة عُمان ودولة الإمارات ذات الأصول العربية، على سبيل المثال لا الحصر، استنادًا إلى عدد من المصادر التي رجع إليها للبحث عن دلالاتها اللغوية، ومن ذلك "السحناة" التي ذكرها الجاحظ بلفظة "الصحناة"، وهو السمك المدقوق.
ومن تلك الكلمات "الروبيان" التي وردت في كتب العرب قبل أكثر من 1000 عام بلفظة "الأربيان"، وجاء في قولهم "الأربيان للجمع، والمفرد الأربيانة"، وكذلك كلمة "عوال"، إذ ذكرها المسعودي بلفظة "الأوال" وقد طرأت عليها "الظواهر الإبدالية"، وهي السمك الكبير، وكلمة "القباب"، إذ جاءت في كتاب الأزهري "تهذيب اللغة"، وهي "ضرب من السمك"، إلى جانب كلمة "النوخذة" التي تعد معربة من كلمة فارسية "نوه خداه".
وردًا على سؤال "عُمان" حول كلمة "نوخذة"، إذ أشار الدكتور العميمي إلى أن أصلها فارسي، وهو ما يتنافى مع فكرة أن المفردات التي ذكرها في المحاضرة عربية، فأجاب العميمي قائلًا: أهل اللغة ذكروا أن ما خضع لمقاييس اللغة العربية أثناء التعريب، وأوجدوا لها الشكل الخاص بها، فقد أصبحت كلمة عربية، وإن كانت في الأصل من مصدر غير عربي، مثل "النوخذة"، التي انتقلت من "نوه خذاه" ثم إلى "نوخذا" ثم "النوخذة"، كما أشير إلى أن منهجي البحثي فرض علي تدوين كل ما ورد في أمهات الكتب العربية والمصادر العربية من مفردات بحرية.
وإلى جانب تساؤل "عُمان"، كان للحضور فرصة لطرح تساؤلاتهم وآراءهم المتنوعة في صميم الموضوع، وقد أجاب العميمي على كافة التساؤلات، لتختتم المحاضرة بتقديم هدية تذكارية من محمد الزبير إلى الدكتور سلطان العميمي، بمعية معالي السفير الإماراتي محمد بن نخيرة الظاهري.