البلاد – جدة

تحتفي المملكة العربية السعودية؛ قيادةً وشعبًا، باليوم الوطني الرابع والتسعين، الذي يصادف اليوم الاثنين الموافق 23 سبتمبر.
وفي هذه المناسبة المجيدة، نستذكر سيرة القائد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود– رحمه الله وجزاه الله عنا خير الجزاء- الذي أفنى عمره في مواجهة المخاطر وتحديات الحياة في الجزيرة العربية، من تناحر وخوف وشظف العيش؛ ليؤسس- بفضل الله تعالى- ثم ببطولاته وعبقريته القيادية، هذا الكيان الشامخ” المملكة العربية السعودية” أعظم وحدة في العصر الحديث؛ وطنًا وإنسانًا، سطرها لها التاريخ صفحاته بمداد من ذهب.

. دولة فتية تنعم بالأمن والاطمئنان والخيرات الوفيرة، ويقف لها العالم احترامًا وتقديرًا.

في هذا اليوم الأغر، يستذكر أبناء الوطن ومن يقيمون على أرضه اليوم، هذه المناسبة الوطنية، وهم ينعمون برخائه، ويتمتعون بنموه، ويعتزون بشموخه، ويفخرون بإنجازاته وثمار رؤيته الطموحة، لمستقبل يحقق أحلامهم، ويرسم طريقًا ذا خطى ثابتة للأجيال المتعاقبة، تحت ظل قيادة حكيمة- حفظها الله- سارت بالوطن إلى مصاف الدول المتقدمة، وسخّرت كل السبل لراحة المواطن والمقيم، ليعيشوا بكرامة وعزة وسلام وأمان.
إن ما نعيشه اليوم من نهضة رائدة في هذا العهد الزاهر، هو امتداد لتاريخ صنعه قائد عظيم، كان له الفضل- بعد الله سبحانه وتعالى- في تأسيس دولة على شرع الله، رايتها التوحيد، ودستورها كتاب الله، وسنة نبيه- صلى الله عليه وسلم- تنعم – ولله الحمد – بالأمن والأمان والاستقرار، وباتت قوة فاعلة على المستويين المحلي والدولي.

أسس راسخة
لقد ارتسمت على أرض المملكة العربية السعودية ملحمة جهادية، تمكَّن فيها الملك عبدالعزيز- رحمه الله- من جمع قلوب أبناء وطنه وعقولهم على هدف واعد نبيل، وبتوفيق الله، وما حباه الله من حكمة أرسى- طيب الله ثراه- قواعد وأسس راسخة لوطن الشموخ والعدل والأمن ممضيًا؛ من أجل ذلك سنين عمره.
وفي 23 من سبتمبر عام 1932م جاء الإعلان التاريخي للملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود- رحمه الله- لتوحيد بلادنا المباركة تحت راية” لا إله إلا الله، محمد رسول الله”، وإطلاق اسم المملكة العربية السعودية عليها بعد جهاد وكفاح استمر اثنين وثلاثين عامًا، وضع خلالها قواعد راسخة لهذا البنيان العظيم، وذلك على هدي من كتاب الله الكريم، وسنة الرسول الأمين- عليه الصلاة والسلام- سائرًا في ذلك على نهج أسلافه من آل سعود.
حيث قامت الدولة الفتية، ناشرةً السلام والخير، باحثةً عن العلم والتطور، سائرةً بخطى حثيثة نحو مستقبل أفضل لشعبها وللأمة الإسلامية والعالم أجمع.
وبحسب ما ورد في مجلد” سيرة وشخصية الملك عبدالعزيز ومراحل بناء الدولة السعودية الثالثة”- طباعة دارة الملك عبدالعزيز- ولد الملك المؤسس في مدينة الرياض عام 1293هـ وترعرع فيها، ونهل من علمائها، حيث تعد الرياض امتدادًا تاريخيًا لمسيرة الآباء والأجداد، وكان يتعلم ركوب الخيل، ومهارات الفروسية.

مهابة وقدوة
تأثرت شخصية الملك عبدالعزيز كثيرًا بشخصيّة والده الإمام عبدالرحمن الفيصل– رحمهما الله- حيث كان أبًا وُمعلمًا وأخًا وصديقًا لابنه.. وللملك عبدالعزيز شخصية قوية آسرة ومهابة تأثر بها كل من قابله، وصورة باسمة مشرقة بأسارير متهلّلة بما عُرف عنه- رحمه الله- من لين الجانب والتواضع والمرح، وعدم تكلّفه في الحديث مع أبناء شعبه ورعيته، فضلاً عن كرمه وسخائه مع الجميع، فلم يكن ملكًا فقط، بل كان رب أسرة ومحبًا للجميع، ورجل قدوة في أفعاله وسلوكياته.
وعُرف عن الملك عبدالعزيز احترامه الكبير للعلماء طيلة فترة حياته– رحمه لله– فكان يقدمهم على إخوته في مجلسه، ويستمع إليهم، ومبعث ذلك إيمانه التام بقيمة العلم والعلماء وأثرهم في الحياة، وأن احترامهم وحسن العلاقة بهم والاستئناس بآرائهم واجب تمليه العقيدة الإسلامية، التي ظل مطبقًا لمنهجها– رحمه الله- في حياته الخاصة والحياة العامة في البلاد، ومضى على ذلك النهج من بعده أنجاله الملوك البررة.
ومرّ الملك عبدالعزيز- رحمه الله- بأحداث ومحطات متعددة في حياته كانت مؤثرة في بناء شخصيته الفذّة- رحمه الله- خاصة منذ أن بلغ سن الخامسة عشرة؛ حيث أسهمت هذه الأحداث في صقل شخصيته، وعلمته الصبر والقوة والإقدام.

رحلة بطولية
اعتبر المؤرخون خروج الملك عبدالعزيز، مع والده الإمام عبدالرحمن– رحمهما الله– وبعض أفراد أسرته من الرياض عام 1308هـ الحدث الأصعب في حياته، وكانت محطتهم الأولى بعد الرياض واحة” يبرين” في الأحساء ثم البحرين، إلى أن وصلوا فيما بعد إلى الكويت واستقروا بها عدة سنوات، ظل فيها الملك عبدالعزيز معلق القلب بالرياض.
فعندما بلغ سن العشرين من عمره وهو في الكويت، توجّه في الخامس من شهر رمضان عام 1319هـ إلى الرياض في رحلة بطولية، قاد مسيرتها بصحبة رجاله؛ ليتمكنوا- بفضل الله تعالى- من اختراق جوف الصحراء، التي تلتهب رمالها تحت أشعة الشمس الحارة، صائمين رمضان لربهم، قبل أن يأتي عليهم يوم العيد، وهم في موقع يطلق عليه” أبو جفان”.
وفي اليوم الرابع من شهر شوال من عام 1319هـ وصل الملك عبدالعزيز ورجاله إلى” ضلع الشقيب” الذي يبعد عن مدينة الرياض نحو ساعة ونصف مشيًا على الأقدام، ومن الضلع تقدموا إلى الرياض، التي دخلها الملك عبدالعزيز بذكاء القائد المحنك، وأعاد الأمور إلى نصابها الصحيح بعد عملية بطولية حامية الوطيس لم تدم طويلًا، طوى خلالها الملك عبدالعزيز زمن العهد الغابر، معلنًا بداية العهد الزاهر في نجد، بعد أن بايعه أهالي الرياض وأعيانها عام 1320هـ أميرًا على نجد وإمامًا لأهلها، وذلك عقب صلاة الجمعة في ساحة المسجد الكبير بالرياض، فدبّ الاستقرار السياسي في مدينة الرياض بعد سنين من الاضطراب، وكانت وحدة الحكم من أهم العوامل التي مهّدت دخول الرياض مرحلة جديدة من النمو والازدهار الحضاري.

تنظيم الدولة
تمكن الملك عبدالعزيز آل سعود– رحمه الله – بفضل الله تعالى، عبر رحلة طويلة، أضناه فيها طول المشي والتفكير من لملمة شتات البلاد، وإعادة الأمن، والتصدي للفوضى التي كانت سائدة في الجزيرة العربية آنذاك، وأصبح- بفضل الله- ثم بمحبة الناس ملكًا لدولة، سهر على بنائها وأوجد نظامها حتى أصبحت لها مواقف مشرّفة مع الأمتين الإسلامية والعربية والعالم أجمع.
واهتم الملك عبدالعزيز بتطوير البلاد، فأصدر مرسومًا ملكيًا يقضي بتحويل اسم الدولة من (مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها) إلى المملكة العربية السعودية، وذلك في 21 جمادى الأولى 1351 هـ الموافق 23 سبتمبر 1932م.
وعند بداية تنظيم الدولة، وجَّه الملك عبدالعزيز- رحمه الله- بالاهتمام بالحرمين الشريفين وتوسعتهما، وخدمة الحجاج والمعتمرين، فضلاً عن البدء في فتح المدارس، وإنشاء المستشفيات، وبناء القرى، وإصلاح التربة، وتوطين البادية، والتنقيب عن مياه الري من أجل دعم الزراعة، بيد أن هذه الجهود كانت تتطلب توفير المال لتنفيذها.

الثروة والبناء
وتماشيًا مع الرغبة في النهوض بالبلاد، بدأت في خريف عام 1933م عمليات التنقيب عن النفط في بعض أراضي المملكة، لكن مضت أربعة أعوام عجافـ، لم تثمر أعمالها عن الوصول إلى نتيجة إيجابية مرضية لاكتشاف مكامن النفط، إلى أن قرّر الخبراء التنقيب حول بئر ماء في منطقة تسمى” عين جت” كان الملك عبدالعزيز قد توقّف عندها عام 1319هـ في طريقه من الكويت إلى الرياض، فكانت المفاجأة وجود النفط على عمق 5 آلاف قدم تحت الأرض.
وانتعشت الأرض الصحراوية بخروج الذهب الأسود، الذي حوّل الصحراء القاحلة المؤنسة بهبوب الرياح إلى مدينة مزدحمة بالعمال والمهندسين وخبراء النفط.
وفي عام 1939م ضخ النفط أول بشائره في احتفال شهده الملك عبدالعزيز– رحمه الله- ليستهل بعدها مشروعات الدولة التي خطط لها- رحمه الله.
وكان اهتمام الملك عبدالعزيز– رحمه الله– بالشأن الخارجي بنفس اهتمامه بالشأن الداخلي، حيث كان يتعامل مع جميع دول العالم بدبلوماسية عالية المستوى، آخذًا بعين الاعتبار استقلال المملكة بقرارها واختيار طبيعة علاقاتها مع الدول دون الإخلال بمكانتها الدينية والحضارية والثقافية، وهو ما جعله محبوبًا من مختلف قادة دول العالم، وأصبح حديث الإعلام العربي والإقليمي والدولي في ذلك الوقت.
وفي شهر محرم من عام 1373هـ، ترجل الفارس الملك عبدالعزيز عن صهوة جواده، بعد أن اشتد عليه المرض أثناء إقامته في الطائف، وفي فجر الثاني من شهر ربيع الأول من عام 1373هـ الموافق 9 نوفمبر 1953م فاضت روحه– رحمه الله- إلى بارئها.
تُوفي– رحمه الله- بعد أن سار في رحلة طويلة، عاش فيها أعظم الأحداث، وواجه أكبر التحديات، لكنه ترك للأجيال من بعده إرثًا عظيمًا، يهنأ فيه الجميع بين أحضان دولة أسّست على التوحيد؛ لتظل- ولله الحمد- في نماء مستمر، وأمن وخير وسلام حتى وقتنا الحاضر. وُوري جثمان الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود– رحمه الله- في مقبرة العود وسط مدينة الرياض.

مكتبة ثرية
اهتم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود- رحمه الله- بجمع المؤلفات العلمية خلال حياته على الرغم من انشغاله بمرحلة بناء الدولة في ذلك الوقت، فكان شغوفًا بالاطلاع على الكتب العربية المعنية بمختلف العلوم، خاصة العلوم الشرعيّة وطباعة معظمها على نفقته، وتوزيعها مجانًا للاستفادة منها، ليتم حاليًا رصد 1468 مجلدًا نادرًا في مكتبته الخاصة.
وتناولت كُتب ودوريات مكتبة الملك عبدالعزيز الخاصة في مقرها بدارة الملك عبدالعزيز بالرياض معارف نادرة ومتميّزة في مجالات العلوم الشرعية، والتراجم، والجغرافيا، والتاريخ الإسلامي والعام، واللغة العربية وآدابها، مرتبة وفق فهرسة رقمية تسهّل على الباحثين والدارسين عناء البحث في المجالات العلمية والفكرية والإسلامية.
وعدّت المكتبة مصدرًا مهمًا من مصادر التاريخ الحديث في المملكة العربية السعودية، خاصة ما يتعلق بعلاقة الملك عبدالعزيز- رحمه الله- بالعلم والمعرفة، كما تحمل كتبها في طياتها وأغلفتها عبارات وشواهد تاريخية، سطرها العديد من المؤرخين والمؤلفين المعروفين في العالمين العربي والإسلامي في ذلك الزمان.

شورى وتعاضد
لقد انتهج الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود- يرحمه الله- في تعامله مع مواطنيه سياسة قائمة على الشورى وعلى التناصح مع الرعية، واغتنام الفرص لتبادل الرأي والنصح، مسترشدًا بما جاء به ديننا الإسلامي الحنيف.
وكان لهذا النهج القويم الذي سار عليه الملك عبدالعزيز- رحمه الله- وتبعه في ذلك أبناؤه الملوك البررة من بعده الأثر الكبير، فيما تعيشه المملكة من تطور كبير قائم على تعاضد الدولة والمواطنين.
وقد أدرك الملك عبدالعزيز بثاقب بصره، أن التلاحم والتواصل بين القيادة والشعب وسياسة الباب المفتوح، هما من أفضل السبل وأنجعها لخدمة الوطن والمواطنين، ولتقدم البلاد ورقيها، ففي الحفل الذي أقامه الملك عبدالعزيز في جدة في الخامس والعشرين من محرم عام 1355هـ بمناسبة انتهاء موسم الحج وقرب سفره إلى الرياض، قال- رحمه الله:” المقصد من اجتماعنا الليلة أن نتناصح ونتعاضد” مضيفًا- رحمه الله:” وأود أن يكون هذا الاتصال مباشرة وفي مجلسي لتحملوا إلينا مطالب شعبنا ورغباته، وتحملوا إلى الشعب أعمالنا ونوايانا. إنني أود أن يكون اتصالي بالشعب وثيقًا دائمًا لأن هذا أدعى لتنفيذ رغبات الشعب.. لذلك سيكون مجلسي مفتوحًا لحضور من يريد الحضور”.
واستمرارًا على نهجه الكريم في توجيه النصح للرعية وشرح مالها وما عليها قال- يرحمه الله- في الخطاب الذي ألقاه في الحفل التكريمي، الذي أقيم على شرفه بمناسبة سفره إلى الرياض في الثاني من صفر 1355هـ:” إنّ على الشعب واجبات وعلى ولاة الأمر واجبات.. أما واجبات الشعب فهي الاستقامة ومراعاة ما يرضي الله ورسوله، ويصلح حالهم والتآلف والتآزر مع حكومتهم للعمل فيما فيه رقي بلادهم وأمتهم.. إن خدمة الشعب واجبة علينا؛ لهذا فنحن نخدمه بعيوننا وقلوبنا، ونرى أن من لا يخدم شعبه ويخلص له فهو ناقص”.
ويقف الباحثون والمؤرخون وقفة تأمل وإعجاب في تاريخ هذا الكيان الشامخ على البناء، وتخطي العوائق والصعاب والتغلب على كل التحديات- بفضل من الله وتوفيقه- ثم بالإيمان القوي والوعي التام بوحدة الهدف وصدق التوجه؛ حيث أرسى الملك عبدالعزيز- رحمه الله- منهجًا قويمًا، سار عليه أبناؤه البررة من بعده، لتكتمل أطر الأمن والسلام؛ وفق المنهج والهدف نفسه.
واليوم يعيش الوطن عهد الرفعة والسؤدد بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز– حفظهما الله. عهد الإنجازات والتطور وثمار الريادة؛ حيث القفزات النوعية الكبيرة والخطوات الرائدة في جميع المجالات؛ تحقيقًا لمستهدفات الرؤية السعودية الطموحة ومكتسباتها الحضارية لازدهار الوطن في حاضره وللأجيال، وتعزيز مكانته على كافة الأصعدة.

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: عبدالعزیز بن عبدالرحمن آل سعود الملک عبدالعزیز بن عبدالرحمن المملکة العربیة السعودیة مدینة الریاض إلى الریاض من آل سعود بفضل الله رحمه الله من بعده فی ذلک

إقرأ أيضاً:

تطورات نقدية جبارة.. تاريخ العملات السعودية في عهد الملك عبد العزيز

تحين الذكرى الـ 94 لليوم الوطني السعودي، وهو ما يجعلنا نتذكر تاريخ المملكة بكل تفاصيله مع تلك القفزات والإنجازات التي تعيشها الآن، لا سيما الجانب الاقتصادي منها، وشكل العملات السعودية قديمًا ومراحل تطورها، فقبل دخول الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل مدينة الرياض سنة 1319هـ (1902م)، كانت الأوضاع الاقتصادية تعاني انهيارًا في معظم مقوماتها.
هذا الانهيار أدى إلى تحويل معظم مجتمعاتها إلى قبائل رحل تعتمد في إتمام عملياتها التجارية بشكل كبير على نظام المقايضة، ويكاد هذا الوضع ينطبق وبشكل كبير على الأجزاء الداخلية من البلاد.مراحل تطور النظام النقدي في السعوديةوقد شهد النظام النقدي خلال عهد الملك المؤسس، تطورات مهمة، فمعظم النقود الأجنبية من ذهبية وفضية وبرونزية ونحاسية جرى التعامل بها في هذه البلاد، بغض النظر عما إذا كانت تلك النقود تنتمي إلى دولة قائمة آنذاك، أو إلى دولة زال حكمها منذ زمن.
أخبار متعلقة المملكة تحتل الأولى على مستوى العالم في ترابط الطرق"الحج والعمرة" توصي بتجنب الصلاة في الممرات والمداخل بالمسجد الحراملم يكن أمام الملك عبد العزيز في بداية الأمرـ أي بعد دخوله مدينة الرياض وسيطرته على معظم إقليم نجد ـ سوى القبول ولو بشكل مؤقت بهذا الوضع، إذ أبقى على التعامل بالنقود المتوفرة بالأسواق، مع محاولته جاهدًا لإصدار عملة نحاسية خاصة بسلطنة نجد آنذاك، رغبة منه في ضبط الأوضاع النقدية في أسواقها إبان تلك الفترة.
وفي هذا التوقيت كان من أهم تلك العملات المتداولة التالر النمساوي، أو ما يعرف بـ "دولار ماريا تريزا" والمعروف محلياً باسم "الريال الفرانسي"، كما تداولت أيضا أنواع مختلفة من النقود العثمانية الذهبية والفضية والنحاسية، منها الريال المجيدي والبارات- جمع بارة – وهي نقود من (الكوبر نيكل) وتمثل في حقيقتها أجزاء للريال المجيدي.
وتداول الجنيه الإنجليزي الذي عرف بجنيه أبو خيال، بجانب تداول النقود الهندية الفضية والمعروفة بالروبية وأجزائها، والقروش المصرية، ونقود بعض الدول الأخرى.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } العملات المستخدمة في الماضيدمغة نجد والحجاز.. أول خطوة عمليةولإنهاء تلك الفوضى النقدية التي كانت تعيشها البلاد، كان أول خطوة عملية قام بها الملك عبدالعزيز تمثلت في دمغ بعض النقود الشائعة والرائجة في التداول بكلمة (نجد)، وكان ذلك قبل سنة 1340هـ (1922م).
بعد أن تمكن الملك عبدالعزيز من توحيد الحجاز مع نجد سنة 1343هـ (1925م) أقر التعامل بالريال الفرانسي والنقود العثمانية وغيرها من النقود الأجنبية، التي كان الشريف حسين بن علي قد منع تداولها خلال فترة حكمه.
وكإجراء وقائي قام الملك عبدالعزيز بدمغ تلك النقود بكلمة (الحجاز)، ولعل أندر تلك النقود المدموغة وحدة النقد البريطاني المعروف بالبيني البرونزي (Bronze Penny) المسكوك في عهد الإمبراطور جورج الخامس، (بريطانيا العظمى). أول النقود السعودية الرسميةعلى الرغم من هذه الخطوة التي سمحت بتدفق النقود الأجنبية إلا أن حاجة السوق المحلية كانت تتطلب كميات أكبر من النقود، الأمر الذي دفع الملك عبدالعزيز إلى سك نقود تفي بحاجة السوق، فجرى سك كميات كبيرة من النقود النحاسية من فئة نصف القرش، وفئة ربع القرش.
ونُقش على وجهها اسم الملك عبدالعزيز كاملاً (عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود) على هيئة طغراء أو بالخط الطغرائي، وتاريخ سكها سنة (1343هـ) أما ظهر الفئتين فقد نقش عليها القيمة النقدية لكل منهما، ومكان السك وهو أم القرى.
وبذلك يعد هذا الإصدار بفئتيه (نصف قرش، وربع قرش) أول الإصدارات السعودية النقدية، بل إنه نقد قانوني جرى التعامل به وفقًا للأوامر الصادرة آنذاك وما نقش عليه من عبارات لا تختلف في مضمونها عن أي نقد آخر.
وتعد هذه الإصدارات النحاسية هي أول النقود السعودية الرسمية، ومن أهم وأندر النقود المضروبة في مكة المكرمة، ذلك لأنها حملت أحد أسماء مكة المكرمة وهو (أم القرى) وهو الاسم الذي لم يظهر على النقود بصفة عامة قبل هذا التاريخ.
ومن الإصلاحات النقدية التي شرع بها الملك عبدالعزيز بعد دخوله الحجاز وتوحيده مع باقي أجزاء دولته، ما قام به في عام 1344هـ (1926م)، إذ أصدر الملك عبدالعزيز أمره بسك نقود جديدة من فئة القرش الواحد، وفئة نصف القرش وفئة ربع القرش والتي جرى سكها من معدن الكوبر نيكل.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } عملات الملك عبد العزيزتطورات نقدية جبارةشهدت سنة 1346هـ تطورات نقدية جبارة، أولها قيام عبدالعزيز بإلغاء التعامل بجميع النقود المتداولة كالعثمانية والهاشمية وغيرها.
وآنذاك أمر بطرح نقوده الجديدة التي حملت لقبه السابق، ويظهر هذا اللقب على النقود التي جرى سكها من معدن (الكوبر نيكل) من فئة القرش، ونصف القرش، وربع القرش، التي جاء تصميمها مطابقًا لتصميم القرش وفئاته المضروب سنة 1344هـ، باستثناء سنة السك 1346هـ التي نقشت أسفل ظهر القطعة النقدية.الريال العربي السعودي ونظام النقد الحجازيوخلال السنة نفسها اتخذ الملك عبدالعزيز خطوة تعد من أهم المراحل التي مرت بها عملية الإصلاح النقدي، إبان تلك الفترة، فقام -يرحمه الله- بطرح أول ريال عربي سعودي خالص، جرى سكه من معدن الفضة على غرار الريال المجيدي.
كما أصدر الملك عبدالعزيز أمره السامي المتضمن أول تنظيم للوضع النقدي في البلاد والذي نُشره في الجريدة الرسمية (أم القرى) في عددها رقم (160) وتاريخ 1346/7/13هـ (1928/1/9م)، تضمن العديد من المواد التي رسمت السياسة النقدية للدولة آنذاك.
وبصدور هذا النظام النقدي الجديد أصبح لزامًا على الجميع التعامل بالريال السعودي، ونبذ ما سواه من النقود الأخرى، الأمر الذي تطلب إعادة سكه مرة أخرى سنة 1348هـ (1930م) بجميع فئاته.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } عملات المملكة قديماعملة التوحيدبعد أن تمكن الملك عبدالعزيز آل سعود من توحيد أجزاء البلاد المتناثرة، صدر المرسوم الملكي رقم 2716 وتاريخ 1351/5/7هـ (1932/9/22م) بتحويل البلاد من مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى المملكة العربية السعودية.
وحينها تقرر استخدام لقب (ملك المملكة العربية السعودية) بدلاً من لقب (ملك الحجاز ونجد وملحقاتها)، إلا أن هذا اللقب لم يظهر على النقود إلا في سنة 1354هـ (1935م) عندما طُرح أول نقد سعودي حمل الاسم الجديد للدولة بعد توحيدها، وكان ذلك على الريال الفضي الجديد وأجزائه من فئة نصف الريال، وفئة ربع الريال.
وقام الصيارفة إبان تلك الفترة من تخزين الفئات الصغيرة من النقود المعدنية (الكوبر نيكل)، مما حدث نقص في هذه النقود من فئة القرش الواحد وأجزائه، ولهذا قررت الدولة سنة 1365هـ (1946م) دمغ جميع القروش المتداولة آنذاك سواء المسكوكة منها قبل توحيد المملكة أو بعد توحيدها، بالرقم (65) في مركز الوجه عن طريق الطرق.
وبذلك تمكنت الدولة من إعادة التوازن النقدي لأسواقها، وحافظت على قيمة الريال الفضي، لتستمر هذه النقود الصغيرة الموشحة أو المدموغة بهذا الرقم متداولة حتى بداية عهد الملك سعود بن عبدالعزيز.سك الجنيه الذهبي للمرة الأولىفي عام 1370هـ ولأول مرة في العهد السعودي جرى سك الجنيه الذهبي الذي كان في تصميمه مشابهًا للريال الفضي.
لكن لم يطرح وتقرر الاحتفاظ بتلك الجنيهات الذهبية البالغ عددها مليونين ونصف المليون قطعة، وتأجيل طرحها حتى تشكيل مؤسسة تدير شؤون البلاد النقدية، وبالفعل طرحت تلك الجنيهات سنة 1372هـ (1952م) بعد إنشاء مؤسسة النقد العربي السعودي.إنشاء مؤسسة النقد العربي السعوديفي مراحل متطورة رأى الملك عبدالعزيز أن البلاد بحاجة ماسة إلى وجود جهاز مصرفي يتولى إدارة دخل الحكومة الذي يشهد تناميًا مطردًا، بفضل الدخل المتزايد من الصادرات النفطية.
كما يتولى تنظيم الأوضاع النقدية التي تعاني اضطرابًا كبيرًا، بسبب التقلبات الحادة لأسعار معدني الذهب والفضة، اللذين يشكلان العمود الفقري لعملة الدولة.
في أوائل عام 1371هـ (1952م) وبعد الاضطراب الكبير الذي تعرضت له نظم الصرف والمدفوعات، وافق الملك عبدالعزيز على استقدام بعثة مالية أمريكية، يرأسها المستشار المالي الاقتصادي آرثر يونج لتقديم المشورة للدولة في النواحي المالية الاقتصادية ولتطوير أنظمتها النقدية، وبناءً على التقارير والتوصيات التي قدمها آرثر يونج بإنشاء مؤسسة تعنى بالأمور النقدية للبلاد.
وبعد التشاور مع جلالة الملك سعود -يرحمه الله- الذي كان وقتها أميرًا حول ماهية هذه المؤسسة، تُوصل إلى اسم المؤسسة ومهامها وأهدافها، عند ذلك صدر المرسومان الملكيان برقمي 30/4/1/1046 و 30/4/1/1047، وتاريخ 1371/7/25هـ (1952/4/20م) بإنشاء مؤسسة النقد العربي السعودي.
وطرحت المؤسسة في بداية شهر صفر من عام 1372هـ الجنيه الذهبي السعودي، الذي حدد سعر صرفه بمبلغ (40) ريالًا فضيًا سعوديًا، أي ما يعادل (10.90) دولار.
أيضا استكملت المؤسسة سك الريالات الفضية، إذ قامت بسك الريال الفضي الموسوم باسم الملك عبدالعزيز سنة 1373هـ (1953م)، وبذلك أصبحت عملة البلاد تصدر عن مؤسسة وطنية سعودية قادت منذ بداية تأسيسها وحتى اليوم المحافظة على قيمة الريال السعودي بين عملات دول العالم.إيصالات الحجاجفي تلك المرحلة أدرك الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - صعوبة الاستمرار في استعمال النقود المعدنية، في ظل التطورات الاقتصادية المتلاحقة، وتنامي واردات الدولة بشكل كبير، فرغب في تسهيل أمور حجاج بيت الله الذين يلاقون مشقة من حملهم للريالات الفضية الثقيلة.
وعليه جاءت الخطوة الأكثر جراءة في نظام النقد السعودي، بإصدار ما عرف آنذاك بإيصالات الحجاج التي طرحت للتداول اعتبارًا من 1372/11/14هـ (1953/7/25م) من فئة العشرة ريالات، والتي طبع منها خمسة ملايين إيصال.الجنيه السعوديسنة 1370 هـ (1950 - 1951 م) أمر الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن (طيب الله ثراه) بسك الجنيه السعودي، ليسجل رحلة البداية للعملة الوطنية.
وكانت لإصدار الجنيه السعودي ظروف وأسباب تعود إلى بدايات «أرامكو» وظروف الحرب العالمية الثانية، ثم تلا ذلك «كوبونات أرامكو» لتكون معها بداية التعاملات الورقية في السعودية.

مقالات مشابهة

  • اهتمام وتطوير.. كيف اعتنى الملك عبد العزيز بخدمة الحجيج؟
  • جناح الملك عبدالعزيز بمتحف الطيبات.. مرجعية تاريخية لرحلة التوحيد
  • جناح الملك عبدالعزيز بمتحف الطيبات في جدة.. مرجعية ثقافية وتاريخية للمملكة
  • فعاليات متنوعة.. تفاصيل احتفاء مكتبة الملك عبد العزيز باليوم الوطني 94
  • مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تحتفي باليوم الوطني 94 بفعاليات تشكيلية وسينمائية وتراثية وثقافية
  • تطورات نقدية جبارة.. تاريخ العملات السعودية في عهد الملك عبد العزيز
  • في عهد الملك المؤسس.. تطور عمارة المسجد الحرام والمسجد النبوي
  • لحظة دخول فهد المولد مدينة الملك عبد العزيز الطبية ..فيديو
  • نقل من الإمارات للسعودية.. فهد المولد يصل لمدينة الملك عبد العزيز الطبية