ماذا تريد السعودية من لبنان؟
تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT
العلاقات السعودية اللبنانية: ماذا تريد السعودية من لبنان؟
السعودية لن تقبل بإعادة العلاقات مع لبنان إلى سابق عهدها، دون تسوية تكرّس نفوذها السياسي فيه!
رغم كلّ الانفتاح الإيجابي السعودي بالمنطقة، لا يبدو أنه انسحب على لبنان، فماذا الذي تريده السعودية من لبنان لإعادة العلاقات إلى طبيعتها؟
تطمح السعودية بسبب نفوذها التاريخي في لبنان لأن تكون أكثر من متفرّج ومعرفة ما يريده السعوديون من لبنان يرتبط بمسار أمور أدت لتبدّل علاقات الطرفين.
بيان سفارة السعودية يرتبط بعلاقات ثنائية متوترة منذ مجيء بن سلمان إلى الحكم في 2015 وارتبط اسمه بسياسة خارجية "هجومية" ثم انتقلت لـ"تصفير المشاكل" ثم "الحياد الإيجابي".
* * *
بعيد منتصف الليل، أصدرت السفارة السعودية في لبنان بياناً دعت فيه المواطنين السعوديين إلى الابتعاد عن مناطق التوتر ومغادرة لبنان بسرعة. أثار هذا البيان استغراباً سياسياً وشعبياً وأمنياً بسبب عدم وجود ما يشير إلى حدوث فوضى أمنية، ولأن لا وجود لسعوديين في لبنان خارج طاقم السفارة، بسبب الحظر الذي ما زال سارياً على قدومهم إلى لبنان منذ سنوات.
لا شكّ أن بيان السفارة السعودية يرتبط إلى حد بعيد بالعلاقات السعودية اللبنانية المتوترة منذ مجيء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الحكم في السعودية عام 2015، والذي ارتبط اسمه بسياسة خارجية سعودية متبدّلة.
بدأت بسياسة "هجومية"، ثم انتقلت إلى "تصفير المشاكل" ثم إلى "الحياد الإيجابي" الذي يتطلّع من خلاله ولي العهد السعودي إلى أن تفرض السعودية نفسها قائداً إقليمياً لمنطقة ممتدة من الخليج إلى شمال أفريقيا.
ومن ضمن هذه المنطقة، لا شكّ أن السعودية وبسبب نفوذها التاريخي في لبنان تطمح إلى أن تكون أكثر من متفرّج في هذا البلد. وعليه، إنّ محاولة معرفة ما يريده السعوديون من لبنان يرتبط إلى حدٍ بعيد بمسار الأمور التي فرضت تبدّل العلاقات بين الطرفين، وهي على الشكل الآتي:
- تبدّل جوهر وشكل الحكم في السعودية مع وصول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كما تبدّلت السياسة الخارجية، فبدأ ما سماه "عاصفة الحزم" في اليمن، وكثّف الدعم للمجموعات المسلحة السورية. ورداً على تدخّل حزب الله في سوريا، طلبت السعودية في بداية عام 2016 من دول مجلس التعاون الخليجي منع مواطنيها من زيارة لبنان، وألغيت اتفاقية سعودية – فرنسية سابقة لتسليح الجيش اللبناني، ودفعت مجلس التعاون الخليجي إلى اعتبار حزب الله "منظمة إرهابية".
- عملياً، لم تؤدِ السياسة الخارجية السعودية "الهجومية" إلى نتائج مرضية منذ بداياتها، فتمّ توقيع الاتفاق النووي الإيراني (2015)، وتدخّل الروس عسكرياً في سوريا لدعم الحكومة السورية (2015)، وتمّ تحرير حلب (2016)، وحصلت محاولة الانقلاب في تركيا (2016) التي أفضت إلى دخول الرئيس التركي بمسار أستانة (2017) إلخ. أما في لبنان، فحصلت التسوية الرئاسية (2016) التي أتت بحليف حزب الله ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية. وبالرغم من أن السعوديين لم يعارضوا التسوية الرئاسية اللبنانية لكنهم لم يكونوا من الداعمين لها، بالرغم من قيام الرئيس ميشال عون بزيارة الرياض في أول زيارة خارجية له كرئيس للجمهورية.
- في صيف عام 2017، تخلّص لبنان من الخطر الإرهابي في الداخل وعلى الحدود، وذلك عبر تعاون عسكري ومعركتين قام بهما حزب الله والجيش اللبناني ضد جبهة النصرة و"داعش"، وذلك بدعم وغطاء من رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون. وفي تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسه، تمّ احتجاز رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري في السعودية، وأعلن وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان بأن السعودية: "ستعامل حكومة لبنان كحكومة إعلان حرب بسبب مليشيات حزب الله".
- كان وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض حاسماً في تنامي النزعة الهجومية للسياسة الخارجية السعودية بسبب الدعم المطلق الذي أعطاه لولي العهد السعودي، حيث تمّ احتجاز الرئيس سعد الحريري في الرياض وجرت مطالبته بالاستقالة، وتمّ تكثيف الحملة العسكرية ضد اليمن، وحصل حصار قطر وسواها.
- أما في لبنان، فتبدّلت في تلك الفترة موازين القوى السياسية الداخلية للمرة الأولى منذ عام 2005. لقد بدّلت الانتخابات النيابية اللبنانية التي حصلت عام 2018 اتجاه الغالبية النيابية في لبنان، فحصد حزب الله وحلفاؤه غالبية مقاعد مجلس النواب، وباتوا يسيطرون على رئاسة الجمهورية، ورئاسة مجلس النواب، والغالبية النيابية، في وقت تتهم الرياض سعد الحريري (رئيس الحكومة) بأنه ضعيف وحليف لحزب الله أيضاً.
- وبالفعل، كان عام 2018، مفصلياً في لبنان والمنطقة. خلاله، خرج ترامب منفرداً من الاتفاق النووي الإيراني، وأعلن "سياسة الضغوط القصوى" على إيران وحلفائها في المنطقة، والتي تأثّر بها لبنان، لسببين: وجود حزب الله، واختلال موازين القوى السياسية نتيجة للتسوية الرئاسية، التخلّص من الإرهاب وتأمين الحدود اللبنانية السورية، نجاح لبنان في معركة إخراج الحريري من السعودية، والانتخابات النيابية لعام 2018.
- منذ ذلك الحين، تعاملت السعودية مع لبنان بالتصعيد، حيث تمّ استغلال أي كلمة صدرت من مسؤول أو وزير لتثير أزمة دبلوماسية بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي، منها تصريح جورج قرداحي الذي دفع كلّاً من السعودية والبحرين والكويت والإمارات إلى سحب سفرائها من بيروت، وطلبت البلدان الثلاثة الأولى من نظرائهم في دولها المغادرة.
اليوم، وبالرغم من كلّ الانفتاح السعودي الإيجابي في المنطقة، لا يبدو أن الانفتاح الإيجابي انسحب على لبنان، فماذا الذي تريده السعودية من لبنان لإعادة العلاقات إلى طبيعتها؟
من يريد أن يعرف ما الذي تريده السعودية من لبنان، يجب أن يعود إلى مضمون المبادرة الكويتية التي قادها وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح باسم دول مجلس التعاون الخليجي، في كانون الثاني/يناير 2022، بعد أزمة تصريحات جورج قرداحي، وفيها شروط لعودة العلاقات الخليجية مع لبنان، وحدّدت على الشكل الآتي:
- الالتزام باتفاق الطائف، وقف قوى لبنانية "العدوان اللفظي والعملي ضد الدول العربية وتحديداً الخليجية، والالتزام بسياسة النأي بالنفس" (بحسب النص) القيام بإصلاحات شاملة ومراقبة الحدود، ضمان ألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية تزعزع استقرار وأمن المنطقة، ضرورة حصر السلاح بمؤسسات الدولة الشرعية، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي (1559) و(1701) و(1680) والقرارات الدولية والعربية ذات الصلة إلخ... ولا شكّ أن البنود الأخيرة هي بيت القصيد.
لقد توهّم بعض اللبنانيين بأن التفاهم السعودي الإيراني، سيدفع السعودية إلى القبول بالمبادرة الفرنسية التي تدعو إلى انتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية مقابل انتخاب نوّاف سلام رئيساً للحكومة، لكن بمراقبة لمسار التبدّل في السياسة الخارجية السعودية في المنطقة، وانفتاحها على التفاهم مع إيران، وقيامها بإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، نجد أن السعودية لن تقدّم تنازلات جوهرية في سياستها في لبنان.
النظرة الواقعية لمسار الأمور، تفيد بأن السعودية لن تقبل بإعادة العلاقات مع لبنان إلى سابق عهدها، من دون تسوية تكرّس نفوذها السياسي فيه، فيكون لها "رأي إيجابي" في مَن سيتولى منصب رئيس الجمهورية القادم، ولها "الرأي الحاسم" في اختيار رئيس الحكومة الذي سيكون الضامن لتشكيل حكومة لا تكون تابعة لحزب الله (بحسب وجهة النظر السعودية).
*د. ليلى نقولا أستاذة العلاقات الدولية بالجامعة اللبنانية
المصدر | الميادين نتالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: لبنان السعودية بن سلمان اتفاق الطائف مجلس التعاون الخلیجی السعودیة من لبنان العهد السعودی أن السعودیة فی لبنان حزب الله مع لبنان
إقرأ أيضاً:
حدث أمني يتسبب بتعليق جلسة محاكمة نتنياهو
أفادت القناة 12 الإسرائيلية اليوم الثلاثاء بتعليق الجلسة السادسة لمحاكمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لمدة ربع ساعة بعد تلقيه تحديثا أمنيا.
فيما كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) أوصى بنقل جلسات نتنياهو من المحكمة المركزية في القدس إلى مدينة تل أبيب، موضحة أن هذه التوصية تأتي على خلفية اعتبارات أمنية حساسة.
وذكرت القناة 12 الإسرائيلية أن قرار الشاباك يستند إلى "معلومات سرية للغاية"، دون الكشف عن طبيعة هذه المعلومات.
وتشير التقارير إلى أن النقل المقترح للجلسة يستهدف ضمان أقصى درجات الحماية الأمنية لرئيس الوزراء، وسط أجواء سياسية مشحونة وقضايا فساد أثارت انقسامات داخلية في البلاد.
حزب الله يحدد موقعا لدفن حسن نصر الله
حدد حزب الله اللبناني موقعا لدفن جثمان زعيمه السابق حسن نصر الله، حسبما أفادت مصادر الحزب لصحيفة "الشرق الأوسط"، الثلاثاء.
وأوضحت المصادر أن موقع دفن حسن نصر الله سيكون "قطعة أرض على الطريق القديمة المؤدية إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت".
وأضافت أن الموقع "سيكون مزارا".
وقالت المصادر إن "الاستعدادات جارية لتشييع جثماني نصر الله، ورئيس المجلس التنفيذي للحزب هاشم صفي الدين، في مأتم شعبي واحد، على أن يدفن الأخير، حسبما أوصى، في بلدته دير قانون بقضاء صور".
وقتل نصر الله ومن بعده صفي الدين، في هجمات إسرائيلية عنيفة في سبتمبر وأكتوبر الماضيين، على ضاحية بيروت الجنوبية.
وتردد اسم صفي الدين كخليفة محتمل لنصر الله، لكن الوقت لم يسعفه لتسلم مهام قيادة حزب الله رسميا.
لبنان يقدم شكوى ضد إسرائيل إلى مجلس الأمن
قدم لبنان شكوى إلى مجلس الأمن الدولي بشأن الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ قبل نحو شهر.
وفي التفاصيل، قدمت وزارة الخارجية والمغتربين بواسطة بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك شكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتضمن احتجاجا شديدا على الخروقات المتكررة التي ترتكبها إسرائيل لـ"إعلان وقف الأعمال العدائية والالتزامات ذات الصلة بترتيبات الأمن المعززة تجاه تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 والتي بلغت أكثر من 816 اعتداء بريا وجويا بين 27 نوفمبر و 22 ديسمبر 2024".
وأشار لبنان في الشكوى بحسب وزارة الخارجية أن الخروقات الإسرائيلية "من قصف للقرى الحدودية اللبنانية تفخيخ للمنازل تدمير للأحياء السكنية وقطع للطرقات تقوض مساعي التهدئة وتجنب التصعيد العسكري، وتمثل تهديدا خطيرا للجهود الدولية الرامية إلى تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، كما أنها تعقد جهود لبنان في تنفيذ بنود القرار 1701 وتضع العراقيل أمام انتشار الجيش اللبناني في الجنوب".
وإذ جدد لبنان التزامه بالقرارات الدولية وتطبيق ترتيبات وقف الأعمال العدائية وأكد أنه تجاوب بشكل كامل مع الدعوات الدولية لتهدئة الوضع وما زال يظهر أقصى درجات ضبط النفس والتعاون في سبيل تجنب الوقوع مجددا في جحيم الحرب ودعا مجلس الأمن لا سيما الدول الراعية لهذه الترتيبات إلى إتخاذ موقف حازم وواضح إزاء خروقات إسرائيل والعمل على إلزامها باحترام التزاماتها بموجب إعلان وقف الأعمال العدائيّة والقرارات الدولية ذات الصلة" وفق وزارة الخارجية.
وطالب لبنان بتعزيز الدعم لقوات اليونيفيل والجيش اللبناني لضمان حماية سيادته وتوفير الظروف الأمنية التي تتيح له استعادة استقراره وعودة الحياة الطبيعية إلى جنوبه".
وأمس الاثنين، أفادت صحيفة "الأخبار" بأن رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي استدعى اللجنة الخماسية المكلفة بمتابعة اتفاق وقف إطلاق النار لبحث خروقات الجيش الإسرائيلي، وأنه طلب للمرة الأولى الاجتماع باللجنة "للتأكيد على أن ما يقوم به العدو الإسرائيلي في الجنوب من خروقات يسبب إحراجا للدولة اللبنانية التي وقعت قرار وقف إطلاق النار بوساطة أمريكية".
وأفادت مصادر مطلعة بأن "ميقاتي سيطلب من الجانبين الأمريكي والفرنسي الضغط على إسرائيل لوقف خروقاتها لأن استمرارها يعني انفجار الوضع في أي لحظة وسقوط الهدنة".
وفي 27 نوفمبر الماضي تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين "حزب الل"ه اللبناني وإسرائيل بعد أكثر من عام على تبادل الهجمات على الحدود.
في حين يواصل الجيش الإسرائيلي خرق اتفاق وقف إطلاق النار، حيث فجر وجرف عددا من المنازل والبساتين والممتلكات في عدة قرى وبلدات بجنوب لبنان.