حياة رغم أنف المدافع.. بريق العاصمة يقاوم الحرب في أم درمان
تاريخ النشر: 22nd, September 2024 GMT
منتدى الإعلام السوداني: غرفة التحرير المشتركة
إعداد وتحرير: سودان تربيون
أم درمان 22 سبتمبر 2024 – تسود أجواء الحرب في كرري شمالي أم درمان وأحياء أم درمان القديمة جنوبا، رغم أنها البقعة الوحيدة بولاية الخرطوم التي ما زالت تتمتع ببعض بريق العاصمة.
ودمرت الحرب التي اشتعلت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023 العاصمة السودانية، وحولت كل من الخرطوم إلى مسارح للعمليات العسكرية، خاصة من اتساع سيطرة الدعم السريع.
لكن محلية كرري أقصى شمالي أم درمان الواقعة تحت سيطرة الجيش ما زالت تنبض بالحياة خاصة بعد اتساع رقعة سيطرة الجيش جنوبا وإزاحة الدعم السريع من الأحياء القديمة في محلية أم درمان إثر معركة شرسة في مارس الماضي.
وتتلمس أحياء المدينة القديمة مثل ود نوباوي وبيت المال والملازمين وبانت والموردة والعباسية وأبي روف وود البنا والقماير طريقها إلى التعافي ببطء، لكن حياة العاصمة تتبدى بكل صخبها شمالا في ضاحية الثورة والريف الشمالي بمحلية كرري.
تطبعت حياة السودانيين في أم درمان مع مظاهر ومآسي الحرب لجهة أن المدينة، ورغم اكتظاظها بالمدنيين ما زالت تتعرض للقصف المدفعي، كما أن انتشار ارتكازات الجيش في الطرق وأصوات المدافع والأسلحة الخفيفة يظل سمة المنطقة.
لعبة الموت والحظتوجه قوات الدعم راجماتها ونيران مدفعيتها صوب أم درمان من مناطق سيطرتها على امتداد الضفة الشرقية لنهر النيل ابتداء من المقرن وجزيرة توتي بالخرطوم، مرورا بأحياء الخرطوم بحري وانتهاء بالريف الشمالي للخرطوم بحري في الجيلي وقري.
وعليه تتعرض أم درمان القديمة من أقصى جنوبها في بانت والمهندسين، مرورا بضاحية الثورة وحتى الريف الشمالي لأم درمان في السرور والجزيرة إسلانج للقصف المدفعي المتكرر.
كما تستهدف قوات الدعم السريع من مناطق سيطرتها غربياً أم درمان في أجزاء من أم بدة، مناطق سيطرة الجيش في الحارات الغربية لضاحية الثورة.
تتعرض أم درمان القديمة من أقصى جنوبها في بانت والمهندسين، مرورا بضاحية الثورة وحتى الريف الشمالي لأم درمان في السرور والجزيرة إسلانج للقصف المدفعي المتكرر
وحسب مسؤول في ولاية الخرطوم التي تتخذ من محلية كرري بأم درمان مقرا لها، فإن السلطات المحلية ليس لديها إحصاء للقتلى والمصابين جراء القصف المدفعي للدعم السريع على أم درمان منذ بدء الحرب.
ويقول المسؤول الذي فضل حجب اسمه؛ لأنه غير مخول بالحديث للصحافة، إن وتيرة القصف تزايدت أخيرا، وزاد معها عدد الضحايا، قتلى وجرحى وتدميرا للمنازل والمرافق العامة.
وكانت لجان المقاومة وهي كيانات شبابية قادت المظاهرات ضد انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر 2021، هي التي تتولى إصدار البيانات الخاصة بضحايا القصف.
لكن مع تزايد وتيرة القصف أخيرا بدأت السلطات المحلية الانتباه لضرورة إصدار بيانات رسمية لوزارة الصحة بولاية الخرطوم حول القتلى والجرحى جراء القصف.
وفي آخر قصف مدفعي مكثف لقوات الدعم السريع الأربعاء الفائت 18 سبتمبر الحالي، أفادت وزارة الصحة في ولاية الخرطوم بسقوط قتيلين، بينهما طفل، و10 مصابين نقلوا إلى عدة مستشفيات، بسبب قذائف مدفعية تساقطت في أحياء المنارة والثورة بمحلية كرري.
ويستهدف القصف المدفعي للدعم السريع الذي يأتي غالبا في سياق قصف متبادل مع الجيش صوب الخرطوم بحري، أحياء مكتظة بالسكان المدنيين في أم درمان وهو ما جعل الأطفال والنساء عرضة للموت أو فقدان الأطراف.
وتأوي أحياء أم درمان بالإضافة إلى سكانها فارين من القتال من سكان الخرطوم والخرطوم بحري ومحلية أم بدة غربي أم درمان، فضلوا التعايش مع القصف والمظاهر العسكرية في محلية كرري.
ويقول فائز حسب البارئ الذي فضل الانتقال من شمال بحري إلى أم درمان “إن الخطر على الضفة الأخرى للنيل – يقصد الخرطوم بحري – دائماً ومقيم بين الناس، لكن هنا في أم درمان نشعر بالخطر فقط عند القصف المدفعي”.
حياة مع الحربيقاوم السكان في أم درمان الخوف وهم مضطرون للبقاء في ظل الحرب وتراجع سوق العمل، لجهة أن المغادرة إلى الولايات الآمنة، أو إلى خارج السودان، خيار غير متاح للكثيرين.
وعوضا عن أسواق أم درمان الرئيسية مثل سوق أم درمان والسوق الشعبي وسوق ليبيا، التي إما دمرت أو نهبت أو حرقت خلال الحرب، نشأت.
أسواق وملاذات للسكان على الطرق الرئيسية في ضاحية الثورة خاصة على شوارع الوادي والنص والشنقيطي.
ويقول المتحدث باسم حزب البعث العربي الاشتراكي والعضو السابق في اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير عادل خلف الله أن الحرب دمرت عمدا قواعد ومؤسسات الإنتاج الصناعية والزراعية والشركات والورش والمخازن، إلى جانب النهب والتخريب الذي طال الممتلكات الخاصة والعامة والأسواق والمصارف والمرافق الخدمية للتعليم والصحة والكهرباء والمياه.
ويضيف خلف الله لسودان تربيون أن قطاعا واسعا من سكان محلية كرري وجدوا أنفسهم بلا مصادر دخل وهيمن النشاط التجاري – إجمالي وتجزئة – وما يرتبط به من سلاسل الخدمات والأعمال الوسيطة مثل النقل والتخزين والتوزيع والعرض أمام المحال، وعلى جنبات الطرق الأكثر أمنا، لكون أن كرري المنفذ الوحيد للعاصمة المرتبط بمناطق الإنتاج بولايتي الشمالية ونهر النيل.
ونجم عن ذلك – حسب خلف الله – نمو أسواق كسوق صابرين والمرافق التجارية على امتداد شارع الوادي من وسط أم درمان إلى أقصى شمال كرري، ما ساهم في جذب العاملين في التجارة ودخول أصحاب مهن أخرى مضمار التجارة بعد فقدان وظائفهم وتوقف رواتبهم.
ويشير خلف الله، الذي بدوره يمارس حاليا التجارة في مواد البناء، إلى الازدياد المضطرد في لافتات بيع وشراء الذهب حيث يمكن إحصاء نحو 30 محلا وشركة على شارع الوادي كمثال في مسافة لا تتعدى كيلومترين.
يشار إلى أن هذه المناطق نشأ فيها قطاع واسع من الوسطاء بحثا عن الرزق لمواجهة الاختلال الكبير بين الدخل ومستويات أسعار السلع والخدمات، بينما يعتمد قطاع واسع على تحويلات ذويهم من خارج البلاد.
ويشير عادل خلف الله إلى ازدهار قطاع العقارات وتجارة السيارات ووسائل النقل، ويلاحظ أن أكثر الممارسين لها من القطاع العسكري والأمني.
لكن الرجل يؤكد أنه في العموم تعاني الأسواق من ركود مظاهره تنامي العرض مع انكماش الطلب بما في ذلك أسواق المواد الغذائية؛ بسبب تآكل القوى الشرائية لانخفاض سعر الجنيه أمام الدولار وتناقص تحويلات الخارج مع استمرار الحرب.
ويحذر من أنه ما لم تتوقف الحرب سيستمر التدهور الاقتصادي والاجتماعي وتداعياتها على حياة وصحة وتعليم وأعمال الناس.
ويشير إلى تحد آخر يتمثل في سلوك المحليات في الجباية ومطاردة الباعة، الذين فقدوا أسواقهم ومحالهم، أو امتهنوا مهناً بديلة بذات أساليب وأدوات ما قبل الحرب، إضافة إلى المؤسسات الإيرادية كالضرائب والزكاة والدفاع المدني ووزارة الصحة والمواصفات والمقاييس، والتي تفرض رسوما لا تتناسب مع واقع التجار وبلا خدمات مقابلة.
مقومات البقاء والعودةعلى الرغم من مظاهر الحرب البادية على ملامح أم درمان يظل توفير وتحسين خدمات المياه والكهرباء والأمن تحديا واجب النفاذ من أجل تحفيز بقاء وعودة السكان.
وتشهد أحياء أم درمان القديمة عودة بطيئة للسكان، بعضهم سكان مناطق أخرى مثل أحياء شمال الخرطوم بحري، اضطروا إلى الهروب من انتهاكات الدعم السريع إلى أم درمان.
وتقول “في” لسودان تربيون، وهي من سكان حي حلفاية الملوك بالخرطوم بحري إنها منذ الحرب اضطرت للنزوح عدة مرات، إلى ولاية الجزيرة، ثم إلى الفكي هاشم شمال الخرطوم بحري ومنها عبرت النيل مع أسرتها إلى أم درمان حيث يقيمون في منزل صديق للأسرة في حي ود البنا وسط المدينة.
وتشتكي “في” من كثرة البعوض ونواقل الأمراض التي تسببت في تفشي حميات مجهولة. وتتابع بالقول “نتعايش مع أصوات الرصاص وقيود الحركة في الحي الذي ما زالت الحركة فيه محدودة، وتتوقف بعد مغيب الشمس بقليل”.
وطبقا لمراسل سودان تربيون ما زالت أعمال الصيانة تجري على خطوط شبكة الكهرباء ومحطات المياه، لكن حجم الدمار الكبير في مناطق مثل حي ود نوباوي العريق تجعل عودة السكان في الوقت الراهن شديدة الصعوبة.
على صعيد توفير الأمن بدأت الشرطة خلال سبتمبر الحالي في نشر دوريات راكبة وراجلة في محلية كرري شمالي أم درمان للحد من جرائم النهب تحت تهديد السلاح التي أسفرت عن بعض جرائم القتل.
وفي أحياء أم درمان القديمة التابعة لمحلية أم درمان أفادت الشرطة في وقت سابق بإعادة افتتاح أقسام باشرت استقبال البلاغات والعمل الجنائي في المناطق التي استعادها الجيش من قوات الدعم السريع.
وحسب المكتب الصحفي للشرطة، فإن شرطة محلية أم درمان إعادة تأهيل وصيانة سبعة أقسام جنائية هي (الشمالي أم درمان – السوق – الأوسط – الجنوبي – أبو سعد شمال – الكباب – الدوحة)، وأصبحت هذه الأقسام جاهزة لأداء مهامها من حيث القوة العاملة ومعينات العمل الأخرى لتقديم الخدمات الأمنية ومباشرة فتح البلاغات وتلقي الشكاوى إضافة لعملية تأمين الأحياء والأسواق عبر انتشار القوات بالإرتكازات وتنفيذ الحملات لمنع الجريمة.
ويقول اللواء صالح حسن بخيت مدير شرطة محلية أم درمان إن النيابة أيضا باشرت مهامها، وأكد جاهزية قوات الشرطة لتأمين أحياء أم درمان والأسواق والمواقع المهمة توطئة لعودة المواطنين لمنازلهم.
وأشار إلى اكتمال صيانة وتأهيل أقسام (الصناعات – المهندسون – أبو سعد جنوب)، استعدادا لمباشرة العمل بها ليكتمل عدد الأقسام العاملة بالمحلية إلى عشرة أقسام شرطة.
لكن تبقى إزالة آثار الدمار الواسعة الذي تعرضت له أحياء أم درمان العريقة في وسط المدينة أكبر عائق أمام سريان الحياة في أوصال هذه المنطقة، أسوة بالأجزاء الشمالية لأم درمان.
ينشر هذا التقرير بالتزامن في منصات المؤسسات والمنظمات الإعلامية والصحفية الأعضاء بمنتدى الإعلام السوداني
منتدى الإعلام السوداني#ساندوا_السودان
#Standwithsudan
الوسومآثار الحرب في السودان حرب الجيش والدعم السريع مدينة أمدرمانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: آثار الحرب في السودان حرب الجيش والدعم السريع مدينة أمدرمان قوات الدعم السریع أم درمان القدیمة محلیة أم درمان أحیاء أم درمان الخرطوم بحری فی أم درمان محلیة کرری خلف الله ما زالت
إقرأ أيضاً:
تقدم للجيش السوداني بالخرطوم بحري وتحذير إنساني بولاية الجزيرة
قال مصدر عسكري للجزيرة إن قوات الجيش السوداني تقدمت في أواسط الخرطوم بحري، في الوقت الذي حذر فيه مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية من استمرار تدهور الوضع الإنساني في ولاية الجزيرة المهددة بالمجاعة.
وأضاف المصدر بالجيش السوداني أن القوات تمكنت من السيطرة على أماكن كانت تعوق تقدم الجيش، كما تم تحييد مواقع لقوات الدعم السريع جنوب طريق الإنقاذ، وتحييد مباني السجل المدني ببحري.
وأشار المصدر إلى أن الجيش كثف طلعاته الهجومية من سلاح الإشارة حتى مواقع الدعم السريع بالمنطقة الصناعية في بحري ووضعها تحت نيرانه.
وتشهد الخرطوم بحري اشتباكات متواصلة بين طرفي القتال ويحاول الجيش من مواقعه شمال المدينة الوصول إلى سلاح الإشارة أقصى جنوب الخرطوم بحري، ومنها إلى مقر القيادة العامة للجيش المحاصر وسط الخرطوم.
وفي سياق آخر، قال ضابط في الجيش السوداني كان أسيرا لدى الدعم السريع إن الدعم السريع نقل أكثر من 300 من الضباط الأسرى من الخرطوم لدارفور.
وأشار الملازم أول الزين الصافي إلى أنه تمكن من الهرب في منطقة جبرة بولاية شمال كردفان في أثناء تكليفه بدفن أحد الذين توفوا أثناء الرحلة.
وأضاف الصافي أن أعدادا كبيرة من أسرى الجيش السوداني والقوات الحكومية توفوا في أثناء الأسر.
إعلانوفي السياق ذاته، رجح مصدر عسكري مطلع في الجيش السوداني للجزيرة أن تكون الخطوة من أجل تأمين انسحاب قادة كبار في قوات الدعم السريع نحو دارفور بعد الانتصارات المتتالية للجيش السوداني، خاصة في محور ولاية الخرطوم.
من جهة ثانية، قال مسعفون يتولون عمليات الإنقاذ إن 16 مدنيا سودانيا قتلوا وأصيب 18 آخرون عندما قصفت قوات الدعم السريع مخيما للنازحين المنكوبين بالمجاعة في الفاشر، عاصمة شمال دارفور التي يحاصرونها.
وتشهد الفاشر، التي يعيش فيها نحو مليوني شخص تحاصرهم قوات الدعم السريع منذ مايو/أيار، بعض أعنف المعارك في الحرب مع محاولة الجيش الحفاظ على موطئ قدمه الأخير في منطقة دارفور الشاسعة في غرب السودان.
وتسيطر قوات الدعم السريع حاليا على كل دارفور تقريبا كما استولت أيضا على مساحات شاسعة من منطقة جنوب كردفان. في حين ما زال الجيش يسيطر على شمال البلاد وشرقها. أما الخرطوم الكبرى فمقسمة بين الطرفين.
تحذير إنسانيإنسانيا، حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية من استمرار تدهور الوضع الإنساني في ولاية الجزيرة، التي تعد واحدة من 17 منطقة في السودان مهددة بالمجاعة.
وأفاد فرحان حق، نائب المتحدث باسم الأمين العام، بأن برنامج الأغذية العالمي تمكّن اليوم من إيصال أول شحنة مساعدات -منذ أكثر من عام- إلى مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، ووصلت 11 شاحنة محملة بـ260 طنا من المواد الغذائية والإمدادات، تكفي لأكثر من 20 ألف شخص.
ومنذ أبريل/نيسان 2023، تدور حرب في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أدت إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح 12 مليون شخص وتسببت في أزمة إنسانية حادة. ووصفت الأمم المتحدة الوضع بأنه أكبر أزمة نزوح في العالم.
ويُتّهم الجيش وقوات الدعم السريع باستهداف المدنيين والمرافق الطبية بشكل عشوائي، وبقصف مناطق سكنية عمدا.
إعلان