نظم منتدى تعدد الثقافات البريطاني بالعاصمة لندن وهو – مركز بحثي يضم عددا كبيرا من الأكاديميين والإعلاميين – ندوة بعنوان “أزمة المصرف المركزي الليبي الأسباب – النتائج – الحلول”، شارك فيها الدكتور رمضان بن زير أستاذ القانون الدولي والأمين العام المفوض للمركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدولي، والدكتور عمر زرموح أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية الليبية، والدكتور سليمان الشحومي مؤسس سوق الأوراق النقدية في ليبيا، والدكتور أسامة القاضي الخبير الاقتصادي السوري من كندا، وقام بإدارة الحوار الأستاذ علي الحاج حسين والدكتورة نورجان سرغاية.

وافتُتِحت الندوة بمداخلة الدكتور بن زير الذي أكد فيها أن أزمة مصرف ليبيا المركزي ليست وليدة اليوم أو الأمس بل تمتد إلى ما يقرب 10 سنوات لكنها تفاقمت أكثر بصدور قرار المجلس الرئاسي رقم 19 لسنة 2024 بتقرير حكم بتسمية محافظ للمصرف المركزي والذي نشر بتاريخ 12 أغسطس 2024.

وقال د. بن زير: “ومن خلال ديباجة القرار لاحظت استناده على حالة الضرورة والمصلحة العامة وعلى إعلان التعبئة الشاملة علما بأن مجلس النواب هو صاحب الاختصاص الأصيل في تعيين محافظ مصرف ليبيا المركزي بعد التشاور مع المجلس الأعلى للدولة”.

وأضاف د. بن زير بأن المجلس الرئاسي ربما يعتبر قراره من القرارات الكاشفة وللتوضيح ذلك فإن القرار الإداري من حيث طبيعة آثاره يمكن تقسيمه إلى قسمين:

قرارات منشئة لمراكز قانونية جديدة أو إحداث تغيير في المراكز القانونية القائمة أما القسم الثاني من القرارات يعرف بالقرارات الكاشفة وهي التي لا تحدث مركزاً قانونياً جديداً وإنما تقرر حالة موجودة تكشف عن مركز قانوني قائم.

وأوضح د. بن زير أنه بتطبيق هذه القاعدة القانونية على قرار المجلس الرئاسي فإن قرار تعيين محمد الشكري يعد من القرارات الكاشفة عن مركز قانوني قائم مسبقاً صدر عام 2018 ولم ينفد ولم يلغ من قبل مجلس النواب، لكن عدم استجابة الشكري واعتذاره عن تولي المنصب دفع المجلس الرئاسي بإصدار قرارا جديدا تحت رقم 20/2024 بإعادة تشكيل مجلس إدارة المصرف المركزي من 8 شخصيات إلى حين التوافق على مجلس إدارة وفق خارطة الطريق للحل الشامل واتفاق بوزنيقة.

وأردف بن زير: “لكن الكبير المحافظ المقال تمسك بالمنصب معتبرا أن قرار الرئاسي غير قانوني ليخرج علينا أمس الأول في لقاء صحفي كشف عن نفسه بأنه غير مطلع على قانون المصارف رقم 1 لسنة 2005 وتعديلاته والذي يبين واجبات المحافظ ومجلس الإدارة للمصرف المركزي”.

ونوه الدكتور بن زير بأن المصرف المركزي يدار بشكل فردي ولا وجود لمجلس إدارة فيه منذ عدة سنوات في مخالفة واضحة لقانون المصارف، وبهذا فالمحافظ المقال وبسب الإدارة المنفردة قد ارتكب أخطاء فادحة في حق الاقتصاد الليبي وانتشار السوق الموازي وخلق الاضطرابات في العمليات النقدية وهي الوظيفة الأساسية للمصرف المركزي وقد نصت المادة 5 من قانون المصارف رقم 1 لسنة 2005 أن العمل الأساسي للمصرف المركزي هو العمل على خلق الاستقرار النقدي ومعالجة أي اضطرابات في ذلك.

وأردف د. بن زير: “أيضا لا ننسى ما قام به المحافظ بفرض 27% رسوم أو ضريبة على مبيعات النقد الأجنبي التي تحتاج إلى قانون يصدر من السلطة التشريعية وليس قرار يصدره رئيس مجلس النواب، وللعلم فإن هذا القرار قد تم رفضه وحكم ببطلانه وإلغائه من قبل 5 محاكم ليبية لكن الكبير رفض الالتزام بأحكام القضاء الليبي ولم يعير أي اهتمام بهذه الأحكام واستمر في تعنته ورفض تنفيد حكم المحاكم والالتزام بها ناسيا أن هذا الرفض يُحمَّله مسؤولية قانونية وأخلاقية يعاقب عليها القانون الليبي.. وهذه ليست المرة الأولى الذي لم يلتزم فيها المحافظ المقال بأحكام القضاء بل سبق وأن رفض حكم المحكمة العليا وهي أعلى سلطة قضائية في ليبيا بعدم شرعية قراره بإقالة الدكتور محمد بن يوسف من رئاسة مصرف ليبيا الخارجي وحكمت بعودته إلى منصبة كرئيس لمصرف ليبيا الخارجي”.

وتساءل د. بن زير: “الغريب في الأمر أن السيد الكبير يطالب بتطبيق القانون في الوقت الذي يرفض فيه الالتزام بتنفيد أحكامه.
أليس هذا نوع من ازدواجية المعايير؟”.

واستطرد الدكتور بن زير في مداخلته بالقول: “كنت اتمنى ألا يخرج علينا السيد الكبير في الإعلام ويتباهى بأنه مدعوم من الأمريكان والأتراك ويخبرنا بأنه تواصل مع أكثر من 30 مؤسسة دولية طالبها بعدم التعاون مع مجلس الإدارة المكلفة بإدارة المصرف من قبل المجلس الرئاسي متناسيا أن مثل هذه التصرفات ومن خارج البلاد يعاقب عليها قانون العقوبات الليبي، كما كانت رسالة سلبية للداخل والخارج بأن ليبيا مسلوبة الإرادة وفاقدة للسيادة.

ودعا د. بن زير المحافظ المقال إلى أن يعتذر للشعب الليبي على مثل هذه التصرفات غير المسؤولة الذي تزيد من تعقيد الأزمة وأن يكون من الرجال الذين تهون عندهم الصغائر عند وجود الكبائر.

وأضاف: “ما أهمية المنصب وترى شعبك يعاني بسبب الأزمة التي شاركت في زيادة تعقيدها؟ أنت تعرف أن التأخير في حل الأزمة سينتج عنه انهيار للدينار الليبي خاصة في ظل إقفال النفط ومن يدفع الثمن باهضاً هم أبناء الشعب الليبي وليس من الذين يتصدرون المشهد السياسي”.

واختتم د. بن زير مداخلته بالقول: “كل الأجسام السياسية الحاكمة في ليبيا شرقا وغربا هي يمكن أن أطلق عليها سلطات الأمر الواقع باعتبار جميع هذه الأجسام فاقدة الشرعية القانونية أما بانقضاء المدة أو بحكم قضائي لكن الصراع في ليبيا هو صراع سياسي وليس قانوني”.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: الصديق الكبير المجلس الرئاسي بن زير مجلس النواب مصرف ليبيا المركزي للمصرف المرکزی المجلس الرئاسی من القرارات فی لیبیا بن زیر

إقرأ أيضاً:

حامل القلم في مجلس الأمن: إرث استعماري بلبوس دبلوماسي

كتب الدكتور عزيز سليمان أستاذ السياسة والسياسات العامة

"حامل القلم" في مجلس الأمن ليس مجرد مصطلح دبلوماسي، بل هو مفهوم يحمل في طياته أبعادًا تاريخية وسياسية تعكس استمرارية الأنماط الاستعمارية في العصر الحديث. يشير هذا المصطلح إلى الدولة التي تتولى صياغة القرارات والمبادرات المرتبطة بملف معين يناقشه مجلس الأمن. وتُمنح هذه الدولة صلاحية تقديم مشاريع القرارات ومتابعة المفاوضات حولها، لتصبح بمثابة “الوصي" على القضايا المعنية، سواء كانت متعلقة بالنزاعات الإقليمية أو القضايا الإنسانية أو العقوبات.

أصل المفهوم وتطوره
ظهر مفهوم "حامل القلم" بعد الحرب العالمية الثانية، مع تأسيس مجلس الأمن كأحد أجهزة الأمم المتحدة الرئيسية لحفظ السلم والأمن الدوليين. في البداية، كان هذا الدور غير رسمي ويعتمد على المبادرات الفردية للدول الأعضاء، لكنه تحول بمرور الوقت إلى ممارسة منظمة ضمن أعراف مجلس الأمن. غالبًا ما يُسند هذا الدور إلى إحدى الدول دائمة العضوية، خاصة تلك التي لديها مصالح مباشرة أو تاريخ استعماري في المنطقة المعنية، مما يجعل "حامل القلم" امتدادًا غير مباشر لنظام الهيمنة السياسية والاستعمارية.
على سبيل المثال، فرنسا تتولى عادة صياغة القرارات المرتبطة بدول غرب إفريقيا، بينما تركز بريطانيا على شؤون الشرق الأوسط، والولايات المتحدة على قضايا أمريكا اللاتينية. هذا التوزيع ليس عشوائيًا؛ بل هو انعكاس مباشر لتقسيم النفوذ الاستعماري القديم الذي أعاد إنتاج نفسه في شكل دبلوماسي.

السودان ورفض الوصاية
فيما يتعلق بالسودان، فإن قضية "حامل القلم" تأخذ بعدًا خاصًا. خلال الأزمات التي مرت بها البلاد، لا سيما في دارفور والنزاع بين الشمال والجنوب، كانت المملكة المتحدة عادة هي "حامل القلم"، وهو أمر يثير تساؤلات حول مدى استقلالية القرارات الدولية المتعلقة بالسودان.
إن قبول السودان بهذا الوضع يعني ضمنيًا الاعتراف بمبدأ الوصاية الذي يتنافى مع سيادة الدولة وكرامتها الوطنية. من الناحية الفعلية، يسمح مفهوم "حامل القلم" للدول الكبرى بالتدخل في شؤون الدول النامية تحت مظلة الشرعية الدولية، وهو ما يُعد استمرارًا لنهج استعماري قديم لكنه مغلف بخطاب حقوق الإنسان والسلام العالمي.

دعوة لموقف صارم
ينبغي على السودان أن يرفض علانية هذه الوصاية، ليس فقط لاعتبارات سياسية، بل أيضًا لدلالاتها الرمزية. إن مواجهة هذه الممارسات تبدأ بإعادة تعريف الأدوار داخل مجلس الأمن، والمطالبة بإشراك أوسع للدول المتضررة في صياغة القرارات التي تؤثر على مصيرها.
في عالم يدعي أنه تجاوز مرحلة الاستعمار، يظل مفهوم "حامل القلم" شاهدًا على أن النظام الدولي لم يتحرر بعد من إرث الهيمنة. على السودان، وباقي الدول المتضررة، أن تُبقي أعينها مفتوحة، وأن تعمل على تفكيك هذه الهياكل الموروثة، لتؤكد أن السيادة ليست مجرد شعار، بل ممارسة حقيقية لا تقبل التأويل أو المساومة.
"حامل القلم" ليس مجرد أداة تنظيمية؛ إنه طوق استعماري جديد، وعلينا أن نكسر هذا الطوق."

quincysjones@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • المجلس الرئاسي يناقش جهود الإسراع بتنفيذ خطة الإنقاذ الإقتصادي
  • قرارات هامة لمجلس القيادة الرئاسي بشأن التطورات الوطنية والإقليمية
  • ليبيا تفوز برئاسة مجلس «وزراء البيئة الأفارقة» لعامين متتاليين
  • أسامة حماد: قرارات الحكومة منتهية الولاية تهدد الاستقرار الإداري في ليبيا
  • السوداني قرار الحرب والسلم بيد الحكومة وليس بيد الحشد الشعبي!!
  • دغيم: المجلس الرئاسي ماضٍ في مفوضية الاستفتاء ولا تهمنا الأحكام القضائية
  • مثمناً خطوة المركزي.. العكاري: الدور على المجتمع الليبي للتخلص من ثقافة “الكاش”
  • حامل القلم في مجلس الأمن: إرث استعماري بلبوس دبلوماسي
  • دغيم: عدم وجود استحقاقات تدفع المجلس الرئاسي لملىء هذا الفراغ
  • دغيم: المجلس الرئاسي سيملأ الفراغ السياسي لأن المؤسسات لم تقم بمهامها