التفاصيل الكاملة حول اكتشاف حوت «توتسيتس»
تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT
قام فريق بتوثيق اكتشاف في ورقة بحثية نشرت في دورية كوميونيكيشن بيولوجي «Communications Biology»، الصادرة عن مؤسسة نيتشر «Nature» العالمية، إحدى أبرز الدوريات العلمية في العالم.
وهذا الاكتشاف هو حوت، يعتبر أحد أصغر وأقدم أسلاف الحيتان المائية والتي تطورت من أسلاف برمائية، هو أيضا من أسلاف الحيتان المنقرضة التي جابت المياه المصرية قبل نحو 41 مليون سنة.
تعاون مصري أمريكي
وهذه الورقة البحثية، نفذت بدعم من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وجامعة المنصورة، وهيئة تمويل العلوم والتكنولوجيا والابتكار، طفرة علمية لعلماء الحفريات المصريين، إذ تُعد الدراسة الثانية من نوعها التي يقود فيها فريق مصري وصف وتسمية جنس ونوع جديد من الحيتان، وهو علم ظل حكرًا على علماء الدول المتقدمة لفترة طويلة من الزمن، رغم ثراء التراث الطبيعي المصري بحفريات مهمة لأسلاف الحيتان.
قال الدكتور هشام سلام، أستاذ علم الحفريات الفقارية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، مؤسس مركز الحفريات الفقارية بجامعة المنصورة، وجدنا أن هذا الحوت الجديد ينتمي إلى عائلة حيتان الباسيلوصوريات (Basilosauridae)، وهي مجموعة من أسلاف الحيتان المنقرضة التي تمثل أول مراحل المعيشة الكاملة للحيتان في الماء، بعد انتقال أسلافها من اليابسة إلى الماء، مضيفا: رغم أن هذه المجموعة من أسلاف الحيتان كانت قد طورت خصائص تشبه الأسماك، مثل تحول الطرف الأمامي إلى زعانف واستطالة الفقرات ونمو زعنفة الذيل، إلا أنهم كانوا يمتلكون أطرافًا خلفية يمكن رؤيتها بما يكفي لتسميتها «أرجل»، والتي لم تكن تستخدم في المشي إطلاقًا لضآلة حجمها.
حفريات الحوت الجديد
وصرح الدكتور محمد سامح، المؤلف الرئيسي للدراسة وخبير إدارة التراث الطبيعي باليونيسكو وعضو مجلس إدارة مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية: عثرنا على حفريات الحوت الجديد والتي تتألف من جمجمة وفكين وأسنان والفقرة العنقية الأولي وأجزاء من العظم اللامي (العظم الواقع عند قاعدة اللسان)- في صخور عصر الإيوسين من متكون وادي الريان الجيولوجي بمنخفض الفيوم، ويقدر عمر الطبقات التي اكتشف منها هذا الحوت بنحو 41 مليون عام، مما يساعد في استكمال صورة تطور الحيتان الأولى في إفريقيا في هذا العمر.
وأضاف سامح، أنه بعد دراسة أبعاد العظام المتحفرة واجراء المعادلات الحسابية لاستنتاج طول الحوت ووزنه، اتضح أن الحوت الجديد كان يبلغ طوله نحو 2.5 متر، بينما يصل وزنه إلى قرابة 187 كجم، وبذلك يعد الأصغر حجما بين كل أفراد عائلته من شتي انحاء العالم.
وتابع: كان الحوت قادرًا على السباحة بكفاءة وربما الغوص لأعماق متفاوتة بما يشبه أحفاده من الدلافين اليوم، مما يقدم لنا فهمًا غير مسبوق لتاريخ الحياة والتطور والجغرافيا القديمة للحيتان الأولى.
تسمية الحوت الجديد
جاءت تسمية هذا الحوت الجديد بطعمٍ ملكيّ، حيث يوضح عبدالله جوهر، عضو الفريق العلمي، ومؤلف أساسي في كتابة الورقة البحثية: لقد أطلقنا اسم (توتسيتس)، على جنس الحوت الجديد على شرف الملك المصري الشهير (توت عنخ آمون)، ليس فقط لنقاط التشابه بينهما، إذ مات الحوت في عمر الصبا مثل الملك توت، وكان ملكًا للبحار القديمة في وقته، بل آثرنا أيضا إضفاء الطابع المصري القديم على هذا الاسم العلمي، إضافة إلى إحياء ذكري اكتشاف مقبرة الملك الصغير قبل قرن من الزمان، وتزامنا مع اقتراب افتتاح المتحف المصري الكبير بالجيزة».
بينما تم تسمية النوع «رياننسيس»، على شرف متكون وادي الريان الصخري بمنخفض الفيوم، التي اكتشفت حفرياته منها، ليكون الاسم كاملا (توتسيتس رياننسيس).“Tutcetus rayanensis«
ويقول جوهر: «عاش ذلك الحوت الملك وقتما كان قطاعٌ كبيرٌ من الأراضي المصرية مغطى ببحر شاسع يعرف بـ»بحر تيثيس،«حيث عاشت حيوانات بحرية قديمة من بينها أسلاف الحيتان التي تعيش اليوم. وتبين من الدراسة التشريحية المفصلة لحفريات توتسيتس رياننسيس أنه يختلف تمامًا عن كل أقرانه من الحيتان المعروفة من قبل اذ إنه يمتلك نمطًا فريدًا من الاسنان، مكنه من اكتشاف موائل مختلفة. ومن المثير للاهتمام، حسبما صرح جوهر:»أنه من خلال الفحص الدقيق لأسنان الحوت الجديد بالأشعة المقطعية، قد فتحت آفاقًا جديدة وفهمًا غير مسبوق لنمط حياة توتسيتس بشكل خاص وأقرانه من أسلاف الحيتان المنقرضة بشكل عام».
وتؤكد الدراسة أن هناك نمو سريع نسبيًا للأسنان في هذا الحوت، ومع الوضع في الاعتبار حجمه الصغير، فإن ذلك يشير إلى نمط حياة متطور وسريع نسبيًا.
هذا النمط المتسارع من الحياة يدل على احتمالية إنجاب تلك الحيتان لجنين واحد سنويًا، مع القدرة على إنتاج الجنين الثاني بسرعة أكبر عند الحاجة إلى ذلك.
الحيتان البرمائية
نمط الحياة المتسارع هذا ربما كان سببًا في نجاح عائلة حيتان الباسيلوصوريات في تكيفها الكامل للمعيشة في الماء، وقدرتها على التفوق على أسلافها من الحيتان البرمائية، بل وقدرتها على التكيف بشكل استثنائي مع الموائل المائية الجديدة بعد قطع علاقاتها باليابسة ومن المحتمل أن يكون هذا الانتقال الكامل للماء قد حدث في المناطق المدارية وشبه المدارية، وتحديدًا مصر.
حجم هذا الحوت
وعلقت الدكتورة سناء السيد، عضو الفريق العلمي سلام لاب والمدرس المساعد بجامعة المنصورة والمبعوثة لجامعة متشيجان الامريكية: «فسرنا صغر حجم هذا الحوت بأنه ربما كان مرتبطا بطريقة أو بأخرى بالاحتباس الحراري الذي شهدته الأرض في ذلك الوقت والذي يعرف بـ«الحد الحراري الأقصى لعصر اللوتيتي المتأخر»، أو أن حوت «توتسيتس»، ربما توارث تلك الصفة من أسلافه القدامى والأقل تطورًا».
وأضافت السيد: «تهاجر الحيتان اليوم إلى المياه الحارة والضحلة لكي تتكاثر وتتوالد في ظروف كتلك التي عاشتها مصر قبل 41 مليون سنة، الأمر الذي يؤكد على أن منطقة الفيوم كانت أحد أهم مناطق توالد وتكاثر الحيتان القديمة- وربما هاجرت إليها الحيتان القديمة من أماكن مختلفة- الأمر الذي بدوره جذب الحيتان المفترسة والأكبر في الحجم مثل باسيلوصورس».
إن الحوت الجديد (توتسيتس رياننسيس) يساهم في إثراء المعرفة العالمية بأسلاف الحيتان القديمة وتوضيح أهمية الحفريات المصرية في فهم السجل التطوري لهذه المخلوقات الفريدة.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: جامعة المنصورة الجامعة الأمريكية الحفريات الفقارية علم الحفريات الفقارية الدكتور هشام سلام هيئة تمويل العلوم من أسلاف الحیتان الحوت الجدید هذا الحوت
إقرأ أيضاً:
الحيتان البالينية.. أكبر ثدييات الأرض تسمع الترددات فوق الصوتية
توصلت دراسة جديدة لأول مرة إلى قياس مباشر لقدرة الحيتان المنك على السمع، وكشفت عن تمكنها من الرصد الدقيق للأصوات العالية التردد التي تصل إلى 90 كيلوهرتزا، وهي أعلى بكثير مما كان يعتقد سابقا.
وفقا للدراسة التي نشرت يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي في مجلة "ساينس"، يشير هذا الاكتشاف إلى أن الحيتان البالينية، التي تضم أكبر الثدييات على وجه الأرض وتعتبر حيتان المنك فردا من هذه العائلة، قد تكون أكثر تأثرا بضوضاء المحيط التي يسببها الإنسان، مثل الضوضاء الناتجة عن السونار البحري وحركة السفن، مما يستدعي إعادة تقييم إستراتيجيات الحفاظ عليها.
حجم جسم معظم الحيتان من هذا النوع كبير جدا بحيث يكون من الصعب تقييد حركتها (بيكسابي) تقنيات متقدمة لقياس السمعيقول المؤلف الرئيسي للدراسة دوريان هاوزر الباحث في مؤسسة الثدييات البحرية الوطنية، وهي منظمة غير ربحية مقرها في كاليفورنيا بالولايات المتحدة، إن حجم جسم معظم الحيتان من هذا النوع كبير جدا بحيث يكون من الصعب تقييد حركتها ولو بشكل مؤقت لدراسة قدراتها السمعية، لذلك لجأ الفريق إلى نوع باليني صغير نسبيا يسمى حوت المنك.
يوضح هاوزر، في تصريحات للجزيرة نت، أن الفريق فحص مسار هجرة حيتان المنك على طول ساحل النرويج، ووجدوا قناة طبيعية بين جزيرتين، حيث استخدموا حواجز شبكية وقوارب لتوجيه حوتين -يبلغ طول كل منهما نحو 3 إلى 5 أمتار- إلى حظيرة مزرعة سمكية ذات باب شبكي قابل للسحب.
بعد ذلك، استخدم الباحثون نظام بكرات لسحب شبكة وإمساك الحيوانات المراهقة المغمورة جزئيا على سطح الماء، ثم جرى توصيل أقطاب ذهبية على سطح جلد الحيتان لقياس الاستجابات الدماغية، مع تشغيل أصوات عبر جهاز إرسال صوتي تحت الماء.
كانت الحيتان البالينية تعتبر مختصة في السمع المنخفض التردد بناء على دراسات سابقة لفسيولوجيا الأذن وتحليل الأصوات التي تصدرها.
ومع ذلك، أوضحت الدراسة أن نوعا من هذه الحيتان يمتلك مدى سمع أوسع بكثير يشمل الترددات العالية؛ ومن ثم، يعد هذا الاختراق مهما لفهم أكبر لتأثير الضوضاء البشرية على الحياة البحرية.
التأثيرات البيئيةيرى المؤلفون أن هذه النتائج تمثل تحولا كبيرا في فهمنا لكيفية تفاعل الحيتان مع الضوضاء البشرية. ففي الوقت الحالي، تفتقر اللوائح التنظيمية إلى معايير تأخذ في الاعتبار تأثير الترددات العالية على الحيتان البالينية. يؤدي هذا النقص إلى زيادة المخاطر على هذه الكائنات التي تعتمد على بيئة صوتية نقية للتواصل والملاحة والتغذية.
أظهرت بيانات التتبع بالأقمار الصناعية أن الحيتان عادت إلى سلوكها الطبيعي بعد التجربة، حيث قطعت مئات الأميال وصولا إلى مناطق تغذيتها. ويكشف المؤلف الرئيسي للدراسة أن البحث الميداني أسهم في إنقاذ حياة أحد الحيتان المختبرة، حيث عثر عليه محاصرا في شبكة صيد قديمة كانت ملتفة حول فكه، فأزال الفريق الشبكة، مما أنقذ حياته ومنحه فرصة للعودة إلى حياته الطبيعية.
تعد هذه الدراسة خطوة أولى نحو سد فجوة معرفية كبيرة حول الحيتان البالينية. إذ يدعم هذا البحث تطوير سياسات أكثر دقة تهدف إلى حماية الحيتان من تأثيرات التلوث الصوتي.
ومع استمرار جهود العلماء، من المتوقع أن يؤدي هذا العمل إلى تقدم كبير في الحفاظ على هذه الكائنات المهمة وتعزيز التوازن البيئي في المحيطات، وفقا للبيان الصحفي الرسمي الذي نشره الباحثون في منصة "يوريك آلارت".