لجريدة عمان:
2024-09-22@20:30:28 GMT

ألغامٌ موقوتةٌ نحمِلُها وتحمِلُنا!

تاريخ النشر: 22nd, September 2024 GMT

تذكرت الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد حاملا رسالة قتله بين يديه وأنا أتخيل كلا منّا يحمل قنبلة موقوتة قد تودي بحياته فـي أية لحظة لكنه لا يملك إلا المسير بها ومعها إما عجزا وقلة حيلة، أو وهما وثقة مهلكة. القنبلة هي الهاتف المحمول فـي جيوبنا أو بين أيدينا، تذكرت طرفة ونحن ندرك أخطار هذه القنابل الموقوتة، ولكننا عاجزون عن التخلص منها لارتباطها الوظيفـي بكل يومياتنا اجتماعيا واقتصاديا ونفسيا.

تذكرت مقتل طرفة فـي محاولتنا جاهدين النجاة من السياسة بكل معطياتها وشتى تداعياتها ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، لكن كل ما حولنا من المعيش يوميا يعيدنا إلى كواليسها سببا أو نتيجة، الحديث اليوم عن صدمة العالم من وسائل الحروب الخفـية التي يمكن استغلالها وتوظيفها لانتهاك الأمن الشخصي للأفراد مما قد يشكل لاحقا وسيلة لإغرائه أو لاستعباده، بل تجاوز ذلك إلى أمان الأفراد الحقيقي المرتبط بحياتهم واقعيا؛ تفجير أجهزة النداء (الذي لم يُعلن عن الجهة التي نفذته رغم أنها لا تخفى فـي سياق الحرب القائمة) كان صدمة للعالم أجمع، ليس لعدد الضحايا ولا لجموع المدنيين المصابين بينهم وحسب، ولكن لقدرة العمل الاستخباراتي استغلال الشركات المصنعة لوسائل الاتصال (مثل أجهزة النداء الآلي والهواتف النقالة والأجهزة اللوحية) لعمليات التصفـية الجماعية بضغطة زر! لو أن هذه العملية استهدفت شخصية واحدة أو اثنتين لما أثار هذا العمل حفـيظة العالم لإمكانية تصور الكثير من الأسباب الأخرى، فهل بلغ اليأس بالجهة المنفذة حدا قررت معه التضحية بأهم أوراق وسائل الحرب الخفـية؟! وهل استهدافها بعض خصومها السياسيين بين الضحايا يبرر كل هذه التفجيرات الجماعية؟! هل يمكن أن يأمن المرء بعد ذلك للقنابل الموقوتة (أجهزة الاتصال والتواصل الرقمية) التي ترافقه وتشاركه حياته ويومياته؟! أجهزة النداء الآلي التي أحدثت انفجارا كارثيا سواء بهجمة سيبرانية أو بشريحة قابلة للتوجيه تستخدم من قبل الكثير من الشخصيات السياسية وأصحاب المهن التخصصية عالية الطلب كالأطباء والممرضين وبعض الفئات الخاصة المعنية بحماية الأفراد، ولن يكون مستغربا بعد هذه العملية نفـي الشركة التايوانية المصنعة لهذه الأجهزة مسؤوليتها ردّا على تقرير صحيفة نيويورك تايمز الذي أفاد بأنّ أجهزة النداء «بايجرز» التي انفجرت هي من صنع «جولد أبولو» وأنّ إسرائيل فخّخت هذه الأجهزة قبل وصولها إلى حزب الله، فـي حين صرّح رئيس الشركة هسو تشين-كوانج للصحفـيين فـي تايبيه: «هذه ليست منتجاتنا هذه ليست منتجاتنا من البداية إلى النهاية» فـي محاولة طبيعية لرفض الشركة تحمل المسؤولية؛ ففضيحة من هذا الحجم تضرب الشركة ومصداقيتها عدا عن المسؤولية الجرمية التي قد تتحملها نتيجة هذه العملية الإجرامية.

وبين الإنكار والإقرار، بين التخلي عن المسؤولية والتحلي بالنزاهة تسقط اعتبارات أمن الأفراد وأمان المجتمعات، أما الخصوصية التي تتعهد الشركات للمستهلكين بحفظها مع كل عملية شراء لأجهزة الاتصال ما هي إلا نكتة مستهلكة لا يمكن تصديقها فضلا عن الضحك لتكرارها، خصوصا بعد إثبات قدرة هذه الأجهزة المحمولة على انتهاك الحياة ذاتها، وهو ما أكده فريق من خبراء الأمم المتحدة فـي الحديث عن هذا الاختراق الإجرامي «إن الهجمات بالأجهزة تنتهك حق الإنسان فـي الحياة»، ووصفوها بالانتهاكات «المرعبة» للقانون الدولي، ولأن الجهة المنفذة تدرك ذلك فلن تعترف بتبنيها هذه العملية، رغم استمرار بحث المهتمين -من مصنعي ومستخدمي أجهزة التواصل- بمخاطر تقنيات الاتصال والأمن السيبراني عن أسبابها وتفاصيلها لأسباب كثيرة قد تتجاوز فكرتي الطرح السياسي والسلام فـي الشرق الأوسط إلى الأمن الاجتماعي وأمن الأفراد عموما، وهو ما قد يسوغ بعض الانفجارات السابقة لأجهزة مماثلة فـي أماكن متفرقة من العالم مع اعتبار الأمر حدثا عرضيا ممكن الحدوث دون التفكير بإمكانية تنفـيذه عن بعد من قبل جهات استخباراتية، وهو كذلك ما قد يسوغ لجوء بعض الشخصيات للوسائل التقليدية العتيقة مثل الكتابة اليدوية المشفرة مع وجود وسائل أكثر تقدما فـي محاولة للنجاة مما نراه اليوم يقينا لا مراء فـيه.

ختاما: ما هي البدائل الممكنة للأفراد إن أرادوا النجاة بحياتهم من تهديد الآلة، والنجاة بخصوصياتهم من إمكانية الاختراق؟ هل صار هذا الاحتمال ممكنا أصلا لمن أراد مجاراة الواقع وثورة التقنية وانفتاح وسائل التواصل الاجتماعي؟ هل يمكن لبديل كالعزلة والعودة بالزمن إلى الخلف لاستخدام الوسائل اليدوية فـي الكتابة والتواصل أن يوفر حماية الفرد (خصوصيته وحياته) من نقمة التكنولوجيا ولعنة الانتهاك؟ ثم هل من سبيل للموازنة بين هذه البدائل حيث الاكتفاء بالحد الأدنى منها مع ضمان استبقاء الخصوصية وأمان النجاة من التتبع والاستهداف؟! لن يكون الأمر هيّنا بعد أن تورطنا فـي هذا الخضّم المتسارع الهائج، والخوف كل الخوف أننا لا نملك من أمرنا شيئا سوى التسليم بحقيقة أننا سندفع جميعا ضريبة هذا التقدم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أجهزة النداء هذه العملیة

إقرأ أيضاً:

بعثة لبنان لدى الأمم المتحدة: متفجرات زُرعت في أجهزة الاتصال قبل وصولها


كتبت" الشرق الاوسط": أظهرت تحقيقات أولية أجرتها السلطات اللبنانية أن أجهزة الاتصال التي انفجرت هذا الأسبوع «تم تفخيخها قبل وصولها إلى لبنان»، حسبما ذكرت بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في رسالة إلى مجلس الأمن اطلعت عليها وكالة الصحافة الفرنسية، يوم الخميس.
وجاء في نص الرسالة التي أُرسلت إلى المجلس عشية اجتماع حول هذا الموضوع أن «التحقيقات الأولية أظهرت أن الأجهزة المستهدفة، قد تم تفخيخها بطريقة احترافية... قبل وصولها إلى لبنان، وتم تفجيرها عبر إرسال رسائل إلكترونية إلى تلك الأجهزة».
وأضافت البعثة أن إسرائيل مسؤولة عن التخطيط للهجمات وتنفيذها.
ومن المقرر أن يجتمع مجلس الأمن الدولي الذي يضم 15 دولة اليوم لمناقشة التفجيرات.

مقالات مشابهة

  • أبرز 7 جرائم تفجير لأجهزة الاتصال.. ينفذها الاحتلال منذ السبعينيات
  • بعد تفجيرات البيجر .. السيارات الكهربائية في لبنان قد تتحول لقنابل موقوتة وخبير يوضح
  • بعد تفجيرات البيجر .. السيارات الكهربائية قد تتحول لقنابل موقوتة وخبير يوضح
  • الأمم المتحدة تدين تفجيرات أجهزة الاتصال في لبنان وتعدّها انتهاكا للقانون الدولي
  • روسيا تدين تفجير أجهزة الاتصال في لبنان.. نوع جديد من الهجمات الإرهابية
  • ارتفاع حصيلة قتلى انفجارات أجهزة الاتصال في لبنان
  • وزير الاقتصاد التايواني: أجزاء أجهزة البيجر التي انفجرت في لبنان غير مصنوعة في تايوان
  • بعثة لبنان لدى الأمم المتحدة: متفجرات زُرعت في أجهزة الاتصال قبل وصولها
  • بعثة #لبنان لدى الأمم المتحدة: أجهزة الاتصال المستهدفة كانت ملغومة قبل وصولها إلى لبنان