لجريدة عمان:
2025-02-19@07:22:42 GMT

ألغامٌ موقوتةٌ نحمِلُها وتحمِلُنا!

تاريخ النشر: 22nd, September 2024 GMT

تذكرت الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد حاملا رسالة قتله بين يديه وأنا أتخيل كلا منّا يحمل قنبلة موقوتة قد تودي بحياته فـي أية لحظة لكنه لا يملك إلا المسير بها ومعها إما عجزا وقلة حيلة، أو وهما وثقة مهلكة. القنبلة هي الهاتف المحمول فـي جيوبنا أو بين أيدينا، تذكرت طرفة ونحن ندرك أخطار هذه القنابل الموقوتة، ولكننا عاجزون عن التخلص منها لارتباطها الوظيفـي بكل يومياتنا اجتماعيا واقتصاديا ونفسيا.

تذكرت مقتل طرفة فـي محاولتنا جاهدين النجاة من السياسة بكل معطياتها وشتى تداعياتها ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، لكن كل ما حولنا من المعيش يوميا يعيدنا إلى كواليسها سببا أو نتيجة، الحديث اليوم عن صدمة العالم من وسائل الحروب الخفـية التي يمكن استغلالها وتوظيفها لانتهاك الأمن الشخصي للأفراد مما قد يشكل لاحقا وسيلة لإغرائه أو لاستعباده، بل تجاوز ذلك إلى أمان الأفراد الحقيقي المرتبط بحياتهم واقعيا؛ تفجير أجهزة النداء (الذي لم يُعلن عن الجهة التي نفذته رغم أنها لا تخفى فـي سياق الحرب القائمة) كان صدمة للعالم أجمع، ليس لعدد الضحايا ولا لجموع المدنيين المصابين بينهم وحسب، ولكن لقدرة العمل الاستخباراتي استغلال الشركات المصنعة لوسائل الاتصال (مثل أجهزة النداء الآلي والهواتف النقالة والأجهزة اللوحية) لعمليات التصفـية الجماعية بضغطة زر! لو أن هذه العملية استهدفت شخصية واحدة أو اثنتين لما أثار هذا العمل حفـيظة العالم لإمكانية تصور الكثير من الأسباب الأخرى، فهل بلغ اليأس بالجهة المنفذة حدا قررت معه التضحية بأهم أوراق وسائل الحرب الخفـية؟! وهل استهدافها بعض خصومها السياسيين بين الضحايا يبرر كل هذه التفجيرات الجماعية؟! هل يمكن أن يأمن المرء بعد ذلك للقنابل الموقوتة (أجهزة الاتصال والتواصل الرقمية) التي ترافقه وتشاركه حياته ويومياته؟! أجهزة النداء الآلي التي أحدثت انفجارا كارثيا سواء بهجمة سيبرانية أو بشريحة قابلة للتوجيه تستخدم من قبل الكثير من الشخصيات السياسية وأصحاب المهن التخصصية عالية الطلب كالأطباء والممرضين وبعض الفئات الخاصة المعنية بحماية الأفراد، ولن يكون مستغربا بعد هذه العملية نفـي الشركة التايوانية المصنعة لهذه الأجهزة مسؤوليتها ردّا على تقرير صحيفة نيويورك تايمز الذي أفاد بأنّ أجهزة النداء «بايجرز» التي انفجرت هي من صنع «جولد أبولو» وأنّ إسرائيل فخّخت هذه الأجهزة قبل وصولها إلى حزب الله، فـي حين صرّح رئيس الشركة هسو تشين-كوانج للصحفـيين فـي تايبيه: «هذه ليست منتجاتنا هذه ليست منتجاتنا من البداية إلى النهاية» فـي محاولة طبيعية لرفض الشركة تحمل المسؤولية؛ ففضيحة من هذا الحجم تضرب الشركة ومصداقيتها عدا عن المسؤولية الجرمية التي قد تتحملها نتيجة هذه العملية الإجرامية.

وبين الإنكار والإقرار، بين التخلي عن المسؤولية والتحلي بالنزاهة تسقط اعتبارات أمن الأفراد وأمان المجتمعات، أما الخصوصية التي تتعهد الشركات للمستهلكين بحفظها مع كل عملية شراء لأجهزة الاتصال ما هي إلا نكتة مستهلكة لا يمكن تصديقها فضلا عن الضحك لتكرارها، خصوصا بعد إثبات قدرة هذه الأجهزة المحمولة على انتهاك الحياة ذاتها، وهو ما أكده فريق من خبراء الأمم المتحدة فـي الحديث عن هذا الاختراق الإجرامي «إن الهجمات بالأجهزة تنتهك حق الإنسان فـي الحياة»، ووصفوها بالانتهاكات «المرعبة» للقانون الدولي، ولأن الجهة المنفذة تدرك ذلك فلن تعترف بتبنيها هذه العملية، رغم استمرار بحث المهتمين -من مصنعي ومستخدمي أجهزة التواصل- بمخاطر تقنيات الاتصال والأمن السيبراني عن أسبابها وتفاصيلها لأسباب كثيرة قد تتجاوز فكرتي الطرح السياسي والسلام فـي الشرق الأوسط إلى الأمن الاجتماعي وأمن الأفراد عموما، وهو ما قد يسوغ بعض الانفجارات السابقة لأجهزة مماثلة فـي أماكن متفرقة من العالم مع اعتبار الأمر حدثا عرضيا ممكن الحدوث دون التفكير بإمكانية تنفـيذه عن بعد من قبل جهات استخباراتية، وهو كذلك ما قد يسوغ لجوء بعض الشخصيات للوسائل التقليدية العتيقة مثل الكتابة اليدوية المشفرة مع وجود وسائل أكثر تقدما فـي محاولة للنجاة مما نراه اليوم يقينا لا مراء فـيه.

ختاما: ما هي البدائل الممكنة للأفراد إن أرادوا النجاة بحياتهم من تهديد الآلة، والنجاة بخصوصياتهم من إمكانية الاختراق؟ هل صار هذا الاحتمال ممكنا أصلا لمن أراد مجاراة الواقع وثورة التقنية وانفتاح وسائل التواصل الاجتماعي؟ هل يمكن لبديل كالعزلة والعودة بالزمن إلى الخلف لاستخدام الوسائل اليدوية فـي الكتابة والتواصل أن يوفر حماية الفرد (خصوصيته وحياته) من نقمة التكنولوجيا ولعنة الانتهاك؟ ثم هل من سبيل للموازنة بين هذه البدائل حيث الاكتفاء بالحد الأدنى منها مع ضمان استبقاء الخصوصية وأمان النجاة من التتبع والاستهداف؟! لن يكون الأمر هيّنا بعد أن تورطنا فـي هذا الخضّم المتسارع الهائج، والخوف كل الخوف أننا لا نملك من أمرنا شيئا سوى التسليم بحقيقة أننا سندفع جميعا ضريبة هذا التقدم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أجهزة النداء هذه العملیة

إقرأ أيضاً:

تواصل مصري-سويدي لتعزيز العلاقات ودعم جهود الإعمار في غزة

تلقى د. بدر عبد العاطى، وزير الخارجية والهجرة، اليوم الثلاثاء اتصالاً هاتفياً من ماريا مالمر ستينرجارد وزيرة خارجية السويد تم خلاله بحث سبل تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين ومناقشة التطورات فى منطقة الشرق الأوسط. 

ورحب الوزير عبد العاطى خلال الاتصال بعقد الجولة القادمة من المشاورات السياسية بين البلدين، معرباً عن تطلعه لمواصلة العمل للارتقاء بالعلاقات الثنائية بين البلدين إلى آفاق أوسع، خاصة فيما يتعلق بالشق الاقتصادى والتجاري والاستفادة من الفرص الاستثمارية في مصر في القطاعات المختلفة، مؤكداً على أهمية تشجيع التعاون بين القطاع الخاص بالبلدين، مبرزاً الأهمية التي توليها الحكومة المصرية لتمكين القطاع الخاص ودعم الشركات الأجنبية العاملة في مصر. 

وأعرب الوزير عبد العاطى عن التطلع لدعم السويد للمصالح المصرية داخل أروقة الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك اعتماد صرف الشريحة الثانية من حزمة الدعم الأوروبية بقيمة ٤ مليار يورو.
 

واستعرض وزير الخارجية خلال الاتصال الجهود المصرية لتثبيت اتفاق وقف النار فى قطاع غزة وتنفيذ مراحله الثلاث، مشدداً على ضرورة تكثيف نفاذ المساعدات الإنسانية فى ظل تردى الأوضاع المعيشية فى قطاع غزة. 

وأشار إلى أن مصر تعمل على وضع تصور شامل ومتعدد المراحل للتعافى المبكر وإعادة الإعمار في غزة، معرباً عن التطلع لقيام المجتمع الدولى ودول الاتحاد الأوروبى ومن ضمنها السويد دعم المساعى المصرية. 

كما شدد على ضرورة إيجاد أفق سياسى للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، مؤكداً على أن حل الدولتين يظل المسار الوحيد لتحقيق السلام في المنطقة. 

ومن جانبها، أثنت وزيرة خارجية السويد بالدور المحورى الذى اضطلعت به مصر للتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، وأشادت بالجهود الحثيثة التي بذلتها مصر لبلورة تصور شامل للتعافى المبكر وإعادة الإعمار.

كما تطرق الاتصال إلى التطورات في كل من لبنان وسوريا، حيث أكد الوزير عبد العاطى على دعم مصر الكامل للبنان وحكومته الجديدة ومؤسساته الوطنية، مؤكداً على أهمية تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية بما في ذلك انسحاب إسرائيل الكامل وغير المنقوص من جنوب لبنان وأهمية الالتزام بتطبيق قرار مجلس الأمن رقم ١٧٠١. 

كما استعرض محددات الموقف المصرى من التطورات في سوريا حيث أكد على على ضرورة احترام وحدة وسلامة الأراضي السورية، وأهمية بدء عملية سياسية شاملة تضم كافة مكونات المجتمع السورى وأن تكون سوريا مصدر استقرار بالمنطقة.

مقالات مشابهة

  • أردوغان وروته يبحثان ملفات إقليمية ودولية
  • هيئة الأوقاف تستنكر إحراق مسجد تاريخي في تعز وتحمِّل حزب الإصلاح المسؤولية
  • وزير الخارجية والهجرة يتلقى اتصالا هاتفيا من نظيرته السويدية
  • تواصل مصري-سويدي لتعزيز العلاقات ودعم جهود الإعمار في غزة
  • بالفيديو... هكذا استُقبِلَ عنصر في حزب الله بعد 3 أشهر من فقدان الإتّصال به
  • «دو» تطلق خدمات الاتصال الصوتي على شبكات الجيل الخامس
  • إعلام إسرائيلي: نحن نمشي في حقل ألغام وحماس ستطالب بأمور أخرى
  • عزام: المولدات الموزعة بين الأحياء قنابل موقوتة
  • وزير الدفاع ونظيره الأمريكي يبحثان جهود إرساء الأمن والسلم
  • مصر ولبنان.. دعم متواصل واستراتيجية إقليمية ثابتة