لجريدة عمان:
2024-09-22@20:36:15 GMT

الخوف.. نزعة لشعور فطري

تاريخ النشر: 22nd, September 2024 GMT

نعيش بين مفترق طريقين – خوف ورجاء - أدركنا ذلك أو لم ندرك، وهما متزامنان فـي ذات لحظة المعايشة؛ حيث لا مفاضلة بينهما؛ يحدث ذلك لأننا لا ندرك مآلات الأعمال التي نقوم بها، فما يكون فـي تقديرنا صواب؛ قد يكون خطأ، وما يكون فـي تقديرنا خطأ؛ قد يكون صوابا، فنحن لا نزال نعيش مأزق الضعف، وعدم الإدراك المطلق، ولأن الأمر هكذا، فإن كل ما نقوم به من ممارسات (صحيحة/ خاطئة) هي تندرج تحت هذا الفهم، فكما أننا نجهد أنفسنا لتكون كل ممارساتنا صحيحة، نقع فـي المقابل فـي ممارسات خاطئة، ولأنها خاطئة، فسرعان ما ننفـيها عن أنفسنا، لأن هناك خوف العقاب على الخطأ، هناك خوف من المساءلة، هناك خوف من نتائج سلبية محسوبة على من ارتكب السلوك الخطأ لا نريد أن نتحملها حتى لا نراكم من أخطائنا، والعقاب المشار إليه؛ ليس فقط ما نتوقعه من القريب منا أو البعيد، بل هناك خوف أكبر متعلق بعلاقتنا مع خالقنا الذي بسط لنا دروب الصواب، ومساراته التي لا تعد ولا تحصى، وخاتمتها التوبة والعودة من الذنب سريعا، ولأن كل العلاقات محفوفة بالمخاطر، فمعنى ذلك أنها مغلفة بالخوف؛ هذا الخوف الذي ينتج عنه الفشل، وعدم التوفـيق، والخسارات بأنواعها، وعتاب الآخرين، وعدم رضاهم، صور كثيرة من القطيعة، عدم الاطمئنان، الإشارة إلينا بكثير من مظان السوء، عدم الرضى، صور نمطية كثيرة يلبسنا بها الآخر طوال حيواتنا، تأتي نتائج كل ذلك الكثير من الارتباك فـي العلاقة مع الآخر، مع اطمئناننا بعلاقاتنا مع الله، حيث نعي حقيقتها معه، أكثر من الآخر، ولكن لأن الآخر غير مطلع على الغيب، فـيعتمد على تقييمه الخاص، وهو تقييم قاصر، ومتواضع، وإن بذل فـيه كل الجهد.

والمفارقة هنا أن قصور الآخر فـي تقييمنا يدفع بنا لأن نخاف أكثر؛ شيء غريب جدا! وهل من الضرورة أن نخاف؟ هل من الواجب أن تكون كل اشتغالاتنا فـي الحياة صائبة؟ كيف نوفق بين قدراتنا الذهنية «المعنوية» والعضلية «المادية» للتقليل من نسبة الخطأ حتى لا نقع فـي مأزق الخوف؟ هل نلجأ إلى الآخر من حولنا لتصويب أخطائنا؟ ومن هو هذا الآخر لنعطيه صلاحية تقويم أفعالنا واشتغالاتنا؟ أليس هو الآخر يتقاسم معنا ضعفنا؛ وقلة حيلتنا؟ أليس هو بشر بالمطلق؟ أليست الحكمة تقول: «كل من ترجو به دفع البلاء؛ سوف يأتيك البلاء من قبله»؟ وذلك لضعفه وقلة حيلته، فعدم قدرته على تصويب أخطائه، كافـية لأن تعيد إلينا توازننا، فلا نسلم الأمر بالمطلق، وعدم تسليم الأمر، معناه البقاء على حالة من التوازن الشعوري الجميل، فلا قلق؛ ولا خوف؛ ولا ارتباك، بل أفق متسع يتيح لنا فرصة التفكير، وتصويب الأخطاء، بما يؤول إلى تلاشي الخوف شيئا فشيء، فكلما استطاع الفرد التحكم بمعززاته الفطرية؛ كلما استطاع الوصول إلى حالة التوازن المطلوبة لتصويب الممارسات التي يقوم بها، ولذلك ينجح كبار السن أكثر من غيرهم فـي تصويب الأفعال، لتميزهم بالتأني وعدم الشطط والاندفاع، بخلاف الأقل عمرا وتجربة حياة.

هناك من ينظر إلى الخوف من ناحية إيجابية، فهو المنظم لتصويب الأخطاء، فكلما توجست من عمل سوف يؤدي بك إلى مهلكة أو أقلها قصور فـي الأداء؛ كان ذلك صمام أمان لك فـي عدم الوقوع فـي مأزق الخطأ المؤدي إلى مضاعفة الخوف، فما بين الخطأ والصواب فاصل دقيق، قد يبعدك مسافات واسعة عن الوقوع فـي الخوف، أو قد يوقعك فـيما لا تود فعله، يقال: «رحم الله امرءا نفعه ظنه» والظن – فـي ظاهره؛ خوف - فهو واحد من مصدات النجاة التي يرجو كل منا أن يصل إليها كخاتمة لعمل ما، نعم؛ قد ينظر إلى تجربة الحياة بكثير من الأهمية فـي تقليل الوقوع فـي الأخطاء المؤدية إلى الخوف، أو الارتباك، ولننظر إلى تصرف طفل ما يرى شيئا ما لأول مرة فـي حياته، كيف يتلبسه الخوف، فلا يقدم إليه هكذا بصورة مباشرة، بل بحذر شديد حتى يتأكد من أنه لن يكون منه ضرر ما، ومتى تأكد؛ عندها فقط يتحرر من محنة الخوف، فـيقبل إليه مطمئنا، وفـي ذلك أمثلة كثيرة، وقد لا حظت حتى بعض الحيوانات عندها هذا الحس من الاقتراب من الأشياء؛ قبل ملامستها أو التعامل معها.

لم يخطئ من يعتقد أن الخوف مفتاح الأبواب المغلفة، كحال مثال الطفل، فقبل الشروع فـي أي عمل تريد، لا بد أن ينتابك الخوف، حتى تتيقن من أنك لن تضار بخطر ما، ولنا أن نعي حكمة الكفـيف الذي يتلمس بعصاه مظان الخوف ومواقعه؛ حتى يؤمن طريقه نحو المسارات الصحيحة، فعدم مجازفته؛ هو شعور بالخوف من الوقوع فـي مأزق ما، وليس من الحكمة إطلاقا أن ينجر أحدنا نحو أمر ما دون أن تساوره الظنون بأن هناك أمرا ما قد يحدث، وإن لم يحدث فذلك هو المرتجى، لأنه أيضا؛ ترجيح كفة الاطمئنان بصورة مطلقة دون استدعاء الخوف؛ هو نوع من المجازفة والتهور، وهذان أمران لا يقبل إليها عاقل، أو صاحب خبرة فـي الحياة، ولذلك قيل فـي مثل التشبيه: «إذا علق ثوبك بشجرة بها شوك فـي أغصانها، فتمهل فـي تحرير ثوبك جزءا جزءا؛ وإلا تمزق بين أغصان تلك الشجرة الشائكة» ومعنى هذا أن الحذر هو نوع من الخوف، والتوجس، وعدم الاطمئنان، ومع ذلك فنتائجه مذهلة، يقول الشاعر: «لا تترك الحزم فـي شيء تحاذره؛ فإن سلمت فما فـي الحزم من بأس» فالحزم بهذا المعنى هو نوع من قطع الطريق أمام جميع طرق الخوف والتوجس، وعدم الاطمئنان، بالإضافة إلى أن هناك ثمة علاقة متباينة بين الإفراط فـي الخوف، والإفراط فـي التفاؤل؛ مع أن الإفراط فـيهما تكون نتائجهما على طرفـي نقيض؛ حيث يقود الإفراط فـي الخوف إلى «منجاة» بينما يقود الإفراط فـي التفاؤل إلى «مهلكة» مع التأكيد على عدم التفريط فـي كليهما مهما كانت المواقف والظروف، فلا بد لأي إنسان أن يكون كلا الأمرين فـي ذاكرته الحاضرة، يستدعيهما فـي كل صغيرة وكبيرة، وهذه من معززات الحكمة.

وعلى العموم؛ فكل ما يقال عن الخوف؛ تبقى حقيقة أن ثمة خوفا قادما؛ فالتوقع: أن ثمة مساحة للرؤية أكثر وضوحا، فتوقع الخوف ليس كله شر، بل مزيد من المعرفة بما يحيط بك، ومزيد من الاطمئنان، بأنك عرفت ما يدور خلف الستائر الداكنة، بدون استشعار للخوف، فلن تتضح لك الكثير من الرؤى، فنظرية الخوف تذهب إلى استجلاء حقيقة غير مرئية، ومتى اتضحت الصورة ذهب الخوف إلى غير رجعة، فقد استبدلت الحالة بكثير من الوضوح، ولعلنا نتخذ مثال الطفل أعلاه أنموذجا لنظرية الخوف، ومعادلتها بالإفراط فـي التفاؤل، ويقينا؛ جميعنا يدرك أنه لا يوجد فـي الكون كائن حي لا يستشعر الخوف، فحتى المخلوقات غير العاقلة، تتحفز ترقبا من خطر قادم، لتواجه الخطر، وهي بكامل استعدادها الغريزي، إذن هي واقعة فـي مستنقع الخوف، فالخوف حالة فطرية، جبلت عليها كل الكائنات الحية، ومن لا يخاف من العقلاء، فهو يجازف بالوقوع فـي التهلكة، وهذا ليس من صفتهم، ربما قد ينظر البعض إلى أن الهدف من الخوف – مع أنه شعور فطري - هو توقع المصيبة؛ إذن ووفق هذا التقييم، فإن المصيبة هي الخوف، ومعنى ذلك أيضا؛ أنه متى عرفت مآلات مصيبة ما، كان ذلك مرتكزا مهما للتخفـيف من وطأة الخوف، والتعامل معه بكثير من السيطرة، وعدم إعطائه الفرصة لتقويض مجموعة المسكنات النفسية التي تحافظ على توازن شعور عند كل فرد منا، فـيعيش هادئ البال، مرتاح الضمير.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الإفراط فـی الوقوع فـی هناک خوف بکثیر من خوف من

إقرأ أيضاً:

العُزلة والشبكات الاجتماعية

 

عيسى الغساني

 

المجتمع المتماسك والمتكافل يشكل العمود الفقري للدولة الحديثة، فالدول التي استطاعت بناء وتأسيس مجتمع عضوي متماسك تربط أفراده مبادئ مشتركة تدور حولها كل الشبكات الاجتماعية التي وهي التي تشكل قوة المركز وهي القوة الفكرية التي يؤمن ويتعاون الجميع لتعزيز قوتها ومكانتها لكي تكون مركز الثقل للمجتمع العضوي المتماسك.

ونقيض المجتمع المتماسك هو المجتمع غير المترابط والذي لا يدور حول قوة مركزية واحدة بل عدة قوي متصارعة تدور حولها شبكات اجتماعية متضادة ومتنافرة وغير متصالحة تحركها تصورات وأوهام غير موجود او مختلقة. وكل هذه القوى لها قانونها الخاص الذي تسعي لتقديمة الى الواجهة على حساب القانون الذي يمثل الصالح العام.

هنا تنشأ وتبدء مرحلة تأكل كل مقومات النهوض لأي مجتمع إذ القاعدة للنهوض هي التماسك والتعاون، ومنتج الشبكات الاجتماعية المتضادة الصراع وليس التعاون، ويتصدر المشهد أفكار انتهازية وآنية وعلى الصعيد الخطاب اللغوي تحتفي المفردات ذات السمو الأخلاقي وتستبدل بمفردات هشة لا تشكل قيم الوعي السليم، ناهيك عن تدهور أدوات الأدب الرفيع من نثر وشعر ولغة ومفردات تواصل يومية وهذا هو ناقوس الخطر الذي بة تتراجع المجتمعات وتصبح فريسة واضحية علي هامش الرقي الإنساني عندما تستبدل لغة الآداب الرفيع بلغة ليس لها من التسامي إلا مخارج الأصوات وهذه حال أثنيا فالحرب البيلونسية انتجت نظاما اجتماعيا متناحرا وأصبحت الإلياذة والأوديسة وتجليات سقراط وأرسطو وزينون التي تداولتها كل الحضارات عاجزة عن إيقاف تدهور أثينا.

الحالة في الفقرة السابقة هي حالة العزلة والتي تعريفها ببساطة هي نشؤ شبكات اجتماعية بوعي وبدون وعي نتيجة شلل وعجز تطبيق وتأصيل قيم ومبادئ المجتمع المتماسك، هذه الشبكات الاجتماعية المنعزلة والمتفرقة تتأسس بناء على اهتمامات ضيقة أو أيدولوجيات محددة، وهذا يتنج تراجع التواصل بين أفراد المجتمع وزيادة التفرق والشك وعدم الثقة بين الأفراد نتيجة الجهل، والجهل يولد الخوف، إذ الإنسان عدو ما يجهل، ومن ثم ظهور شبكات الكراهية التي تنتشر مثل النار في الهشيم دون سبب سوي عدم الإدراك وعدم توافق الجميع حول منظومة قيم واحدة. وعدم التوفق يعني تأكل الثقة والذي يمهد للخلاف والنزاع بين الشبكات الاجتماعية المنعزلة والأخرى الوهمية التي تصطنع عبر وسائل التواصل الاجتماعي                                                                  

وإن هناك شبكات ضارة، توجد شبكات اجتماعية صحية التي تتشكل من خلال مؤسسات المجتمع المدني سواء جمعيات ثقافية في مختلف مشارب الثقافة أو جمعيات علمية أو مهنية وتمكين هذه الشبكات لتكون قادرة على المشاركة والمساهمة في رسم وتأصيل القيم والمبادي المشتركة ووضع الأولويات حسب أهميتها في إطار توسيع دائرة صناعة القرار ليشمل كل فعاليات المجتمع الواعية والتي تستشعر احتياجات وضرورات التماسك الاجتماعي وجذب الجميع نحو القيم المشتركة ونحو المركز.

إن نتائج المجتمع المتماسك تتمثل في قلة الانحرافات والنزاعات، ومن ثم معالجة أي فجوة اجتماعية؛ سواء اقتصاديًا أو اجتماعيًا على وجه السرعة، ومعالجة العزلة الاجتماعية القسرية أو الاختيارية، ورفع مستوى الثقة بالمؤسسات، كل ما سبق تُجسِّده قوانين متزنة ومتجددة وفعّالة توجة نحو قيم التماسك.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • مصطفى عمار: وزير التعليم حطم جزءا كبيرا من حاجز الخوف لدى أولياء الأمور
  • خالد جلال: اشتغلنا عام كامل لتجهيز «حاجة تخوف».. و53 موهبة مشاركة في العرض (صور)
  • الحوار والتفاهم في مواجهة التطرف والتعصب
  • العُزلة والشبكات الاجتماعية
  • سيئو الطباع
  • بعد عرضه على dmc.. إلهام شاهين تستعيد ذكرياتها مع مسلسل «نصف ربيع الآخر»
  • بين الخوف واليقين
  • رغبة التبرير
  • داليا الياس: أنا زولة بحب الجيش جداً… حب فطري خالص