في السِّياحة الثقافية (عُمان) عبقَرِيَّة الرَّوْح التي تَسَكُّن (المَكَان)
تاريخ النشر: 22nd, September 2024 GMT
لم تُتَح لي بعد زيارة الكثير من الأماكن السياحية فـي سلطنة عُمان، فما زلت جديدًا فـي أرض قديمة، ولكن فـيما تيسر لي زيارته من مدن فإنها تركت فـيني شواغل ظلت تطَّن فـي ذهني، وهو كيف جرى هذا العناق الدافئ بين الحداثة والتاريخ فـي هذا البلد، ذلك أن داخل كل مكان عُماني مزاوجة بين القديم والحديث،وروحًا من المصالحة تعيشها هذه البيئة، مكان لا يسمح للحداثة بالتخريب.
كما أنني وفـي كل مرة أطل من نافذة الطائرة وأنظر من أعلى، أكتشف كيف سَيّجت هذه الطبيعة سلطنة عُمان لتبدو الجبال من أعلى جغرافـيا حصينة مشحونة بالأسرار التي لم تكتشف بعد، أسرار تكشف عن عبقرية المكان الذي ساهم فـي بناء حالات الانسجام بين الحاضر والماضي، أما إنسان هذه الجغرافـيا فهو الترجمة الحيَّة لهذه العبقرية واحترامها بل وترويضها لصالح استثمار جمالياتها، والسؤال كيف له أن يفعل ذلك؟ كيف يمكن أن يستثمر فـي هذا الإرث لصالح صياغة مفهوم «السياحة الثقافـية»؟.
إن هدف هذا المقال فهم الكيفـية التي ينبغي عليها تعزيز الهوية الثقافـية، والمطلوبات الرئيسة لصالح جعل هذا النوع من النشاط الاقتصادي يسجل أعلى درجات الفاعلية، مع الحفاظ على المكان واحترام حقه فـي البقاء صامدًا فـي وجه سطوة التغريب وتهديد الهوية، وليحدث هذا ينبغي إدغام الثقافـي فـي الاقتصادي؛ فالسياحة الثقافـية وبالتعريف الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة للسياحة فـي دورتها الثانية والعشرين (2017م)، إنها «نوع من النشاط السياحي يكون فـيه الدافع الأساسي للزائر هو المعرفة والاكتشاف والاستهلاك والتجربة»، وعوامل الجذب المتوقعة تتصل بـ«المنتجات الثقافـية وهي تلك المرتبطة بالثقافة المحلية «مادية وروحية وعاطفـية...» والتي تتمثل فـي «الفنون والعمارة والتراث التاريخي والثقافـي، والمطبخ المحلي والموسيقى الشعبية الوطنية، وكافة الصناعات الإبداعية المُعبرة عن قيم وتقاليد ومعتقدات الشعوب». كما أن من الآثار الكبرى للسياحة الثقافـية أنها تدعم الحوار بين الثقافات المختلفة وتعزز أطر التفاهم والتسامح بين الشعوب، كما أنها أداة لتعزيز الهويات المحلية والوطنية التي تمتن أكثر الانتماء الوطني بين أفراد الشعب.
وفـي الحالة العُمانية فإن الإرث الثقافـي هنا ضارب فـي القدم وحائز على أشكال من تنوع بيئي وثقافـي واجتماعي مما يجعل من سلطنة عُمان أكثر البيئات الثقافـية فـي المنطقة العربية قدرة على بناء منظومة متكاملة لصالح سياحة ثقافـية تملك دهشتها الخاصة، فهذا بلد يملك تنوعًا ثقافـيًا فـي كل شيء، بيئتها الجغرافـية وتضاريسها.. هذا بالإضافة إلى المواقع التراثية والدينية، والأشكال المتنوعة من الحرف اليدوية، والفنون، وفن الطهي، وحتى المهرجانات والفعاليات وغيرها من أشكال التراث المادي، وعُمان تزخر بالعديد من التعبيرات الثقافـية والإبداعية بحكم بيئتها المتنوعة.
كما أن للسياحة الثقافـية الدور الكبير فـي تحسين الدخل القومي عبر تنشيط سوق العمل فبحسب المجلس العالمي للسفر والسياحة (WTTC) يوفر هذا القطاع أكثر من (330) مليون وظيفة على مستوى العالم، وهي وظائف نوعية إذ ترتكز على عمليات تأهيل مستمرة للكادر البشري، بالإضافة إلى قطاعات أخرى كالمهنيين من خلال عمليات الترميم والصيانة للحفاظ على التراث المادي، أضف إلى ذلك قدرتها على إنشاء أسواق فرعية مثل: أسواق الحِرف اليدوية، وسلاسل المطاعم، وأسواق المشغولات الثقافـية الأخرى، كما أن السياحة الثقافـية بأشكالها المختلفة (السياحة التراثية، والسياحة الفنية، والسياحة الإبداعية) نجحت فـي بلدان كثيرة وهي تتفاعل مع القطاعات الخدمية والاقتصادية والصناعية فـي تجذير الهوية المحلية، وبناء الشخصية القومية بمعالمها المميزة، ثم الدفع باقتصاد الدولة ناحية عمليات التكامل الإنتاجي المحقق للتنمية الشاملة.
ومن الآثار الإيجابية المترتبة على تطوير قطاع السياحة الثقافـية ما يتصل بتحسين طرق استخدام الأراضي مما يحول الكثير من المناطق النائية إلى مواقع جذب واستثمار محلي وعالمي، لكن يظل أهم مطلوب لتنمية هذا القطاع هو بناء «الفاعل الثقافـي»، والعمل على تطوير الكادر البشري ويمكن البدء عبر إدماج فكرة «تعزيز الهوية الثقافـية» فـي المناهج التربوية حتى يتسلح الجيل الجديد بذاكرة معرفـية تمكنه من فهم سياقه الاجتماعي وتطور فـيه مَلَكْة التعبير الثقافـي عن نشاطه أيًا كان القطاع الذي ينتمي إليه، وهذا ما يصنع فـي المستقبل مجتمعًا متماسكًا وواعيًا بموقعه الحضاري، ويحقق أعلى درجات التميز والإنتاجية بسبب هذا الوعي المتجذر بالذات.
إن الفرصة ثمينة أمام «المكان» العُماني لجذب الكثير من السياح حول العالم لما يملكه من تنوع باذخ وإنسان استثنائي، وبيئة ثقافـية شديدة الخصوصية، وهذا ما سيجعل السياحة الثقافـية رافعة اقتصادية تسهم بالكثير فـي تحقيق رؤية عُمان المستقبلية.
يظل «المكان» العُماني «الجُملة الكُبرى» فـي دفتر الحضارة المعاصرة كونه يحكي أقدم قصة للروح التي تسكن المكان وتعبر عن نفسها فـي تنوع عميق..
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السیاحة الثقافـیة کما أن
إقرأ أيضاً:
تيم لاب فينومينا أبوظبي يفتتح أبوابه رسمياً كأحدث إضافة فنية إلى المنطقة الثقافية بالسعديات
افتتح "تيم لاب فينومينا أبوظبي"، التجربة الفنية متعددة الحواس، أبوابه رسمياً أمام الجمهور، حيث أذهل الزوّار من مختلف أنحاء العالم وأثار إعجابهم بتجربته الفنية الفريدة. وقد تم تطوير هذه التجربة بالتعاون بين دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، و"ميرال"، الشركة الرائدة في تطوير الوجهات والتجارب الغامرة في أبوظبي، ومجموعة "تيم لاب" الفنية. وتقع هذه التجربة الفنية الفريدة في المنطقة الثقافية بالسعديات، على مقربة من متحف اللوفر أبوظبي وعدد من المعالم الثقافية الأخرى التي ستُفتتح قريبًا.
وتم تصميم هذا الفضاء الفريد لإطلاق العنان لمخيلة الزوار ودفعها لتجاوز حدود المألوف، حيث يتطور كل عمل فني مع مرور الوقت من خلال تفاعل الضوء والصوت والحركة. واستنادًا إلى مفهوم "الظواهر البيئية" الذي طورته "تيم لاب"، يعرض "تيم لاب فينومينا أبوظبي" أعمالًا فنية مستوحاة من ظواهر تنبثق عن بيئات فريدة، حيث يخوض الزوّار تجربة فنية سلسة تنبض بالحياة، في تفاعل دائم مع بيئتها. إذ تتجاوب كل قطعة فنية مع أفعال الزائر والتغيرات الطبيعية المحيطة، مانحةً كل تجربة طابعًا فريدًا متجدداً.
يتفاعل هذا الفضاء مع حواس البصر والسمع واللمس لدى الزوّار، محفزًا إياهم على إعادة تشكيل مشاعرهم، وتعزيز تواصلهم مع محيطهم، والمساهمة في التأثير على البيئة التي تحيط بهم. وتُعدّ كل زيارة تجربة ديناميكية متطورة باستمرار، تترك أثرًا عميقًا ومستدامًا، يظل صداه حاضرًا لفترة طويلة بعد انتهاء التجربة.
فيما يلي لمحة عن الأعمال الفنية التجريبية الضخمة المعروضة التي تنتظر الزوار
1. الضوء المتبلور الحيّ
هذا العمل الفني عبارة عن تجربة فريدة تتجاوز حدود المادة التقليدية. العمل لن يتغير هنا ولن يتحوّل حتى عندما تُدخِلون يدكم داخله، بل يُحافظ على كينونته كما هي. حينها فقط ستدركون أنه ليس سوى ماء عادي. فالعمل الفني ليس موجوداً بذاته، بل يتشكل في الظاهرة الفريدة التي تنشأ من البيئة المحُيطة به.
يتحرّر العمل الفني من قيود الشكل المادي ليصبح انعكاساً للبيئة التي تحتضنه. تتحوّل العناصر الطبيعية المحيطة بنا مثل الهواء والماء والضوء إلى ظواهر تتشكّل بفعل البيئة، وهذه الظواهر هي التي تشكّل العمل الفني وتمنحه معناه. فهو في حقيقة الأمر كيانٌ لا يمكن فصله عن بيئته وعن العناصر التي تتكوّن منها، بل يتغيّر ويتكيف معها باستمرار. ورغم إمكانية إعادة تشكيله إذا ما تعرّض لأي تدخّل خارجي، إلا أن زوال البيئة التي تحتضنه يعني زواله بالكامل. حدوده غامضة وغير محدّدة، يذوي في محيطه ويتماهى معه. ربما، مع مرور الوقت، سينتقل انتباه المُشاهد من التركيز على العمل الفني ذاته إلى إدراك الفضاء من حوله.
يتغيّر شكل العمل الفني ولونه باستمرار مع حركة المُشاهد. كل تجربة مع هذا العمل هي تجربة فريدة؛ فالعمل الذي يراه شخص ما يبدو مختلفاً تماماً للشخص الذي يقف بجواره، سواءً في اللون أو الشكل. بهذا المعنى، لا يوجد العمل الفني في فضاء مادي ثابت؛ بل يتجسّد داخل إدراك المُشاهد نفسه. تُعرف هذه الأعمال الفنية باسم "المنحوتات الإدراكية"، وهي أعمال لا توجد إلا في عالم الإدراك. إن استطاع المُشاهد إدراكها فهي موجودة، وإن لم يُدركها، فإنها ستبقى كامنة في فضاء الاحتمالات.
2. رفرفة الفراشات
تنبثق الفراشات من الأرض والجدران مرفرفة بأجنحتها عندما يحاول المُشاهد لمسها.
ومن خلال هذه التفاعلات البسيطة، تخلق الفراشات لحظات من النظام العفوي، حتّى في الوقت الذي يتحرك فيه سرب بأكمله في حالة تبدو فوضوية.
يُسمى هذا العمل الفني "رفرفة الفراشات". إنه ليس مجرد وهم مكاني؛ بل إن فضاء العمل الفني موجود فعلياً في نفس الفضاء الفيزيائي الذي يشغله المُشاهد، ويملأه برفرفة الفراشات.
تُظهِر الصور التي تلتقطها عدسات الكاميرا وتُنشئها تقنيات المنظور، مشاهد ثلاثية الأبعاد على سطح ثنائي الأبعاد. تكوّن هذه الصور وهماً بصرياً يفصل بين المُشاهد والفضاء، ويصبح السطح المستوي حاجزاً يفرض زاوية رؤية ثابتة يفصل المُشاهد عنه. أمّا هذا العمل الفني، فإنه يتجاوز فكرة الوهم البصري تماماً؛ فالفضاء الذي يشكّله العمل موجود، ويتكامل مع حضور المُشاهد فيه. لا تفصل الجدران أو الأرضيات بينهما؛ بل يتوحّد فضاء العمل الفني مع جسد المُشاهد في تجربة واحدة متكاملة. تتغير زاوية الرؤية بحرّية، ويظل الجسد حاضراً ونشطاً.
3. أمواج
عمل فني من الأمواج. إن هذا العمل الفني ليس مجرد خداع بصري أو وهم متخيّل، بل هو موجود حقيقة في نفس الفضاء المادي الذي يشغله جسد المُشاهد، حيث يمتلئ بالأمواج التي تضيف حركةً وديناميكيةً إلى المكان.
تُظهِر الصور التي تلتقطها عدسات الكاميرا وتُنشئها تقنيات المنظور، مشاهد ثلاثية الأبعاد على سطح ثنائي الأبعاد. تكوّن هذه الصور وهماً بصرياً يفصل بين المُشاهد والفضاء، ويصبح السطح المستوي حاجزاً يفرض زاوية رؤية ثابتة يفصل المُشاهد عنه. أمّا هذا العمل الفني، فإنه يتجاوز فكرة الوهم البصري تماماً؛ فالفضاء الذي يشكله العمل موجود مادياً، ويتكامل مع حضور المُشاهد فيه. لا تفصل الجدران أو الأرضيات بينهما؛ بل يتوحّد الفضاء مع جسد المُشاهد في تجربة واحدة متكاملة. تنساب زاوية الرؤية متدفقة، ويظل الجسد حاضراً وحراً في حركته.
4. شكل الريح
عمل فني يجسّد حركة الريح.يتشكّل هذا العمل الفني وينساب حسب تعرّجات الفضاء الموجود فيه والأشخاص، حيث يتفاعل باستمرار مع جميع التدفقات الأخرى في بيئته ويتغير استجابةً لها.
يتألف العمل من عدد لا يُحصى من الجزيئات المتفاعلة، التي ترسم خطوطًا عبر مسارات حركتها.
أخبار ذات صلةإنه ليس وهماً مكانياً؛ فهو موجود حقيقة في نفس الفضاء الذي يشغله جسد المشاهد. والمكان تعصف فيه الريح التي تتحول هنا إلى منحوتة إدراكية نابضة بالحركة.
تُظهِر الصور التي تلتقطها عدسات الكاميرا وتُنشئها تقنيات المنظور، مشاهد ثلاثية الأبعاد على سطح ثنائي الأبعاد. تكوّن هذه الصور وهماً بصرياً يفصل بين المُشاهد والفضاء، ويصبح السطح المستوي حاجزاً يفرض زاوية رؤية ثابتة يفصل المُشاهد عنه. أمّا هذا العمل الفني، فإنه يتجاوز فكرة الوهم البصري تماماً؛ فالفضاء الذي يشكله العمل موجود مادياً، ويتكامل مع حضور المُشاهد فيه. لا تفصل الجدران أو الأرضيات بينهما؛ بل يتوحّد الفضاء مع جسد المُشاهد في تجربة واحدة متكاملة. تنساب زاوية الرؤية متدفقة، ويظل الجسد حراً في حركته.
5. مصابيح عائمة متناغمة
يتوهج كل مصباح عائم على الماء بإيقاع خاص. ومع مرور الوقت، تبدأ المصابيح القريبة و"الشاي بنظام عفوي" في التأثير على بعضها البعض، مما يؤدي إلى نشوء ظاهرة النظام العفوي.
تتناغم الإيقاعات المتذبذبة تدريجياً حتى تصبح متزامنة. وعندما يقوم الأشخاص بدفع المصابيح، يتغير إيقاعها، ثم يعود النظام العفوي للظهور من جديد من خلال التفاعلات المحلية بين المصابيح القريبة و"الشاي في نظام عفوي".
كلما توهج أحد المصابيح، يصدر نغمة موسيقية. الصوت الوحيد الذي يملأ المكان هو تسلسل هذه النغمات، مما يخلق مشهداً صوتياً يتشكل من إيقاعات الضوء المتذبذب.
على الرغم من أن كل مصباح يتبع إيقاعاً مختلفاً بناءً على تفاعل الناس معه، إلا أن تفاعلات بسيطة ومحلية بين المصابيح و"الشاي في نظام عفوي" تؤدي إلى ظهور بنية زمنية أكثر اتساعاً. تتيح هذه البنية الزمنية للنظام أن يستمر بالظهور عبر العمل الفني.
يحدث النظام العفوي عندما تؤثر الإيقاعات المختلفة على بعضها البعض وتصبح متناغمة، مثل تزامن ساعات البندول المعلقة على الحائط، أو ومضات اليراعات التي تتناسق معاً، أو خلايا القلب التي تنبض بتناغم. هذه الظاهرة تظهر في العديد من الأنظمة: الفيزيائية والبيولوجية والعصبية والبيئية.
6. شاي في تناغم تلقائي.. لون ثابت ديناميكي
عندما يحضّر فنجان من الشاي، يتوهج "الشاي في تناغم تلقائي" ويُصدر نغمة بإيقاع خاص.
يتفاعل الفنجان مع المصابيح العائمة القريبة، مما يخلق انسجاماً تلقائياً تنساب فيه إيقاعاتها المتذبذبة تدريجياً.
يبدأ العمل الفني عند تحضير كوب الشاي ويتلاشى مع آخر رشفة.
من بعيد، يبدو لون الشاي دون تغيير. إلا أن لون الشاي داخل الكوب يتغير باستمرار كاشفاً عن بنية زمنية خفية.
من خلال التفاعلات الموضعية البسيطة بين كل تجربة "شاي في تناغم تلقائي" والعناصر المحيطة، تتشكل بنية زمنية تمتد عبر كامل مساحة العمل الفني.
من خلال ارتشافك للشاي، فإنك تستهلك جزءاً من النظام الذي تشكّل.
للمزيد من المعلومات، ولشراء التذاكر لخوض هذه التجربة الفنية متعددة الحواس، يرجى زيارة: www.teamlababudhabi.com.
مادة إعلانية