لا شك أن التجارب السينمائية المختلفة وعبر تاريخ السينما وحتى الآن اعتمدت إلى حد كبير على لغة وتعبيرية الصورة وإبهار المشاهدين وما تحمله من دلالات ومعان تقرب القصة الفيلمية من الجمهور العريض.

ومن هنا اتجهت بعض التجارب السينمائية إلى المزج بين القصة السينمائية المشوقة وبين الشكل الصوري الفانتازي من أجل الوصول إلى أوسع مساحة ممكنة من الجمهور الباحث عن تلك المتعة الصورية.

من هنا يمكننا النظر إلى هذا الفيلم للمخرجة زوي كرافيتز وهي تزج بكل أدواتها الممكنة تعبيريا في فانطازيا مغلفة بالسخرية من بعض الشخصيات المترفة والتي تعيش عالما سطحيا مجردا فضلا عن فقدانها الغاية والهدف في مسارات الحياة.

إنها باختصار تقدم لنا عينة من الشخصيات وتقوم بجمعهم في نطاق جزيرة معزولة يجمعهم المليونير سلاتر- الممثل تشانينج تاتيوم، وهم ثلة من الأباطرة والأغنياء الذين يمضون إجازاتهم هناك منقطعين عن العالم الخارجي.

في المقابل هنالك المهمشون والشخصيات التي تراقب تلك الحياة المرفهة ومنهم فيردا -الممثلة نوامي آكي وصديقتها جيس- الممثلة عالية شوكت، وهكذا تصبح الشريحتان الاجتماعيتان وجها لوجه.

هنالك الرصد التفصيلي لحياة سرعان ما سوف يتضح من وجهة نظر فيردا كيف تتحول مغريات الحياة إلى دوافع أنانية وهستيرية في بعض الأحيان ولا جديد في الواقع في سياق حياة مترفة في مقابل حياة فقيرة.

لكن المسألة في هذا السياق الفيلمي اعتمدت مسارين سرديين قام عليهما سيناريو الفيلم الذي كتبته إلى جانب المخرجة كاتبة السيناريو أي تي فيغنباوم، فهنالك ما أشرنا إليه من الحياة القائمة على فكرة الفانطازيا لثلة من الأثرياء على التحول الدراماتيكي الهائل هو الذي سوف نتابعه ونحن ننتقل من مسار سردي إلى آخر ممثلا في الانتقال إلى عالم من العبثية التامة المفضية إلى الجريمة وهو ما سوف يتكرر بوساطة الخداع والانتقام الذي سوف يسيطر على أجواء الفيلم.

وفي هذا السياق حظي الفيلم بالعديد من القراءات النقدية ومن ذلك ما كتبته بيتون روبنسون في موقع روجر ايبيرت، حيث قالت " إن الإشكالية تكمن في وجهة النظر التي يطرحها الفيلم حول الدوافع الشريرة لثلة من الرجال البيض الأثرياء، وأن مهمة أحداث الفيلم أن تقوم فضحها وإظهار طبقة متناقضة وعدوانية".

اما الناقد لورنزو سيزاري – من موقع هوليوودهاند

فيرى أن المخرجة زوي كرافيتز "قد تمكنت من خلال أحداث هذا الفيلم من خلق تجربة حسية آسرة يهيمن عليها التوتر من خلال الصوت والصورة والفانطازيا والمونتاج وحيث تغوص الأحداث بعمق في صدمات تتعلق بالشخصيات الرئيسية، ويجعلهم محورا للعديد من الزوايا السردية في الفيلم".

والأمر الأكثر إثارة للاهتمام "هو التوازي الذي يربط ما بين أطروحة الفيلم وبين مساره الواقعي، حيث لا يوجد ما هو مثالي ومكتمل، والحاصل انه فيلم إثارة يمزج بمهارة عناصر الرعب والكوميديا، مع التأكيد على نغمة طبيعية في مواجهة كل الأحداث التي تضيف بشكل كبير إلى بناء عدم اليقين والخوف".

وفق ذلك يمكننا النظر إلى هذا الفيلم من خلال البدايات التي يتم التأسيس عليها، فاختيار فيردا لم يكن إلا تعبيرا عن أزمة الفرد المأزوم ومن ثم يظهر ذلك بشكل مباشر، فكل شخصية تعيش أزماتها الخاصة وبحثها عن مسار مختلف، مسار قائم على تغيير ما هو سائد وما هو نمطي على فرض أن الآخرين الذين يعيشون حياة مترفة لن يعانوا من تلك التقاطعات التي يعيشها أفراد عاديون.

هذه الفرضية في البناء الفيلمي هي التي وظفت من خلالها المخرجة أدواتها التعبيرية لتنقلنا إلى أشد صورة الحياة سطحية وعبثية بل إنها ما تلبث ان تتطور إلى نوع من الهستيريا الجنونية حتى إذا مضينا مع هذا السياق وجدنا أوجها أخرى للأزمة ممثلة في الشخصية المقابلة جيس التي تبدو نظرتها للواقع الافتراضي الذي تتخيله على انه واقع بلا ترابط منطقي وانه يقود بالنتيجة إلى متاهات ما تلبث أن تتطور إلى سلوكيات إجرامية لا حدود لها في صرخة اجتماعية تحمل معنى الرفض والسخرية اكثر من أي شيء آخر.

وإذا توقفنا عند بعض المشاهد والتي بدت تصعيدا واستفزازا فقد بدت وكأنها حصيلة سيناريو غير متماسك، وقد انعكس ذلك على الحوار كما أن الحبكات الثانوية لا تتكامل تمامًا في ظل ذلك الاضطراب السائد الذي يضرب الشخصيات ولهذا يصبح التنبؤ بنمو الأحداث التصاعدي ليس مهما بقدر متابعة نمطية الشخصيات الرئيسية وهي تغرق في أفعالها الأكثر عدوانية ودموية.

في الجانب الآخر وعلى صعيد الصورة واستخدام حركات الكاميرا بشكل سريع، هنالك مقاربة للمسلسلات الهزلية وهو ما عمق ذلك الشكل الفانطازي السائد في الفيلم وهو ما سوف يتغير جذريا في الأحداث التالية ابتداء من منتصف الفيلم سواء في توظيف أجواء التوتر أو السعي لبث حبكات ثانوية وكل ذلك سوف ينعكس على النهاية على وجه الخصوص بعد أن تم تعقيد الموضوع في محاولة للوصول إلى تحول سردي جريء يضيف عمقًا إلى العالم الخيالي الفانطازي الذي ساد أغلب المساحة الفيلمية وهي معالجة ملفتة للنظر كان هدفها هو الجمع ما بين الفانطازيا والجانب الواقعي، لكن هذه المقاربة للأحداث جاءت على حساب إنتاج رسالة أكثر وضوحًا وأكثر قوة.

ولنعد إلى ذلك النوع من النكوص الوجداني الذي طبع العديد من الشخصيات والذي ميز ردود أفعالها، ففي الظاهر تبدو في حالة من اللامبالاة. ومن جانب آخر نجدها وهي تغوص في نوع من متعة الاكتشاف في كل ما يحيط بها ولكنها سوف تجد نفسها في عالم اجتماعي متصدع حقا.

يحيلنا هذا النوع من المعالجة الفيلمية إلى دائرة السخرية والانتقاد وهو ما سوف نستغرق فيه في القسم الأول من الفيلم لكن المخرجة وكاتبة السيتاريو ما تلبث أن تضعف ذلك المحور الأساس في البناء الفيلمي لغرض أن تنقلنا عبر الفانطازيا إلى العنف والجريمة، فالشخصيات الغارقة في عالمها السري والخاص لن تتورع عن انتهاك حياة الآخرين من أجل دوافع شتى وكأننا هنا أمام دائرة من البهجة التي تمتزج بالألم وبالمعاناة الخاصة في اللحظة التي تقع فيها سلسلة من المصادمات بين الشخصيات.

لعل الفانطازيا التي سبق وتحدثنا عنها في السياق الفيلمي تكتسب في هذا الفيلم معالجة ومقاربة مختلفة تمتزج فيها الجريمة مع الأفعال الهامشية المؤذية في كل متناقض فضح طبقة غارقة في الضياع والتيه باحثة عن بديل لها من خلال استقطاب حياة الآخرين لكي تصبح موضوعا جديدا جديرا بالاكتشاف من زوايا متعددة.

...

إخراج/ زوي كرافيتز

سيناريو/ زوي كرافيتز، أي تي فيغنباوم

تمثيل / تشانينج تاتيوم- سلاتر، نوامي آكي – فريدا، سيمون ريكس – كودي، ادريا ارجونا – سارا

مدير التصوير/ ادام بيرا

التقييم/ آي ام دي بي – 7 من 10، روتين توماتو 77%، ميتاكريتيك 68%

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذا الفیلم من خلال ما سوف وهو ما

إقرأ أيضاً:

جزيرة السعديات تستضيف مؤتمر أفراح أبوظبي 2024

تستضيف جزيرة السعديات أبوظبي الدورة الثانية من "مؤتمر أفراح أبوظبي"، الذي تنظمه دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي يومي 13 و14 أكتوبر (تشرين الأول) 2024 في "فندق وفلل بارك حياة أبوظبي".

وتُعد جزيرة السعديات، التي حصدت لقب "الوجهة الشاطئية الرائدة في الشرق الأوسط" للسنة الـ"13" على التوالي من جوائز السفر العالمية، الوجهة المثالية لاستضافة حفلات الزفاف التي تجمع بين الأناقة العصرية والفخامة المطلقة.
وبصفتها شريكاً بلاتينياً لمؤتمر أفراح أبوظبي هذا العام، ستعمل جزيرة السعديات على إبراز تميزها وتفردها من خلال تقديم تجارب استثنائية في عالم حفلات الزفاف، واستعراض مجموعة من المواقع الفاخرة والعروض الفريدة، التي تجعل منها وجهة استثنائية.
ويُعد مؤتمر أفراح أبوظبي من الفعاليات البارزة التي تُسهم بشكل كبير في تحقيق أهداف استراتيجية أبوظبي السياحية، وترسيخ مكانة الإمارة كوجهة رائدة لاستضافة الفعاليات العالمية.
وسيجمع المؤتمر على مدار يومين نخبة من أبرز شركات تنظيم حفلات الزفاف ومقدمي الخدمات، ووسائل الإعلام من جميع أنحاء العالم، للتواصل وتبادل المعارف والخبرات، والتعرف عن كثب على مرافق الزفاف الاستثنائية التي توفرها أبوظبي، كما يشتهر مؤتمر أفراح أبوظبي بمساهمته في الجهود الرامية لتعزيز مكانة الإمارة كوجهة عالمية متميزة لحفلات الزفاف والاحتفالات الفاخرة.

مقالات مشابهة

  • ليفركوزن.. «ريمونتادا» مرتين!
  • انفجارات قوية تهز شبه جزيرة القرم
  • الشخصيات السياسية الأكثر شعبية بين الشباب في تركيا؟
  • اليونيدو: التغير المناخي التحدي الأعظم الذي يواجه العالم
  • جزيرة السعديات تستضيف مؤتمر أفراح أبوظبي 2024
  • تهمة القتل العمد مكررة مرتين لقاتل والدته وشقيقته في عين الباشا / تفاصيل جديدة
  • نقيب الأشراف يكرم عددًا من الشخصيات خلال احتفالية المولد النبوي الشريف
  • اختتام دورة إدارية لضباط قوات حرس المنشآت وحماية الشخصيات
  • تفجيرات “البيجر” واللاسلكي الإرهابية.. من الذي يجب أن يقلق؟