لجريدة عمان:
2024-09-22@18:26:37 GMT

انفجارات (البيجر)

تاريخ النشر: 22nd, September 2024 GMT

الساعة الثالثة والنصف من يوم الثلاثاء السابع عشر من سبتمبر 2024، كانت فارقة فـي حياة اللبنانيين وفـي تاريخ حزب الله اللبناني بالذات، عندما انفجرت أجهزة الاتصال اللاسلكي «البيجر» فـي توقيت واحد غير مسبوق، نتج عنه وفاة اثني عشر شخصًا (حتى اللحظة)، وإصابة حوالي ثلاثة آلاف شخص، بمن فـيهم السفـير الإيراني فـي لبنان.

تحليلات كثيرة تناولت الحدث بهدف معرفة كيفـية حدوث الانفجار، ومنها ما أشار إلى أنّ الأجهزة كانت مفخخة من مصدر استيرادها عبر قطعة تسمى «آي سي»، التي احتوت المواد المتفجرة، وهي منظومة متكاملة تستخدم عادة فـي الأجهزة الإلكترونية للتحكم فـي بعض وظائفها حسب رأي الأمنيين اللبنانيين. ووفق ما نقلته قناة «الميادين» عن مصادر أمنية لم تسمها، تحتوي هذه القطعة على مواد متفجرة، ممّا يعني أنّ تفخيخ البيجر تم بشكل دقيق ومخفـي داخل مكونات الجهاز نفسه. وربما لكي تدافع الأجهزة الأمنية عن تقصيرها، فإنها ذكرت لقناة «الميادين» أنّ هذه المواد المفخخة والمتفجرة «لا تُكشف عند أي فحص عبر الأجهزة المتعارف عليها، ولم يكن فـي الإمكان لأجهزة الكشف المتوفرة وحتى لدول ومطارات عالمية كشف المادة المفخخة المزروعة وبتقنيات مركبة لخوارزميات خاصة بهذه العملية».

إذا كانت تلك التفجيرات قد أظهرت أنّ العالم متجه الآن إلى حروب غير تقليدية، فإنّ أبرز ما حققته أنها حطمت ميزة السرية التي تمتع بها حزب الله، إذ أنّ الأسر اللبنانية عاشت لسنوات طويلة وفـي وسطها أعضاء فـي حزب الله دون أن تعرف ذلك، ويحسب للحزب الذي استطاع أن يحافظ على سرية أعضائه حتى حادثة البيجر التي استطاع فـيها الكيان فـي أربع ثوان فقط أن يحولها إلى أسلحة دمار وإلى كشف أعضاء الحزب.

لا يهم النقاش الدائر حاليًّا بين شركة «غولد أبولو» التايوانية التي تصنع الأجهزة، وبين شركة «بي أي سي» المجرية حول مسؤولية ما حدث، بعدما أوضحت الشركة التايوانية، أنها وقّعت اتفاقًا قبل ثلاث سنوات مع الشركة المجرية، يمنحها ترخيصًا بتصنيع الأجهزة واستخدام اسم الشركة، وهي من صنعت أجهزة البيجر التي انفجرت فـي لبنان؛ ففـي كلِّ الأحوال هناك اختراق كبير سواء أكان من تايوان أو من المجر، وهو الشيء الوحيد المؤكد الآن، ولكن المثير فـي الأمر أنّ حزب الله الذي يُعدّ متطورًا فـي التكنولوجيا، واستطاع أن يخترق الكيان الصهيوني ببساطة، يصل به الأمر أن يُخترق بهذه السهولة، مما يطرح سؤالًا منطقيًّا: إذا كان حزب الله اخترق بهذه البساطة - مثلما اخترقت إيران أكثر من مرة -، فماذا عسانا أن نقول عن الآخرين؟! يقول مايكل يونغ، من مركز كارنيغي للشرق الأوسط فـي بيروت إنّ «حقيقة اختراق إسرائيل لحزب الله بسهولة على مدى أشهر لا بد أن يكون له تأثير مدمر على الروح المعنوية».

سؤال منطقي آخر فرض نفسه بقوة، هو: لماذا كانت كل التفجيرات متزامنة وفـي وقت واحد؟ وقد انبرت التحليلات والتفسيرات حول هذه النقطة، لكن أقربها إلى المنطق من وجهة نظري هو ما نقله الموقع الإخباري الأمريكي «أكسيوس» عن مسؤولين أمريكيين أنّ إسرائيل قررت تفجير أجهزة الاتصال المفخخة، خوفًا من اكتشاف عمليتها السرية من قبل حزب الله، «وأنّ القادة الإسرائيليين كانوا قلقين فـي الأيام الأخيرة من اكتشاف حزب الله أجهزة الاتصال التي زرعتها إسرائيل». وبما أنّ الحدث كان من الأهمية بمكان فإنّ معظم وسائل الإعلام تناولته بالتحليل، حيث ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» نقلا عن مسؤولين أمريكيين أنّ «إسرائيل عبثت بهذه الأجهزة قبل وصولها إلى لبنان، من خلال زرع كمية صغيرة من المتفجرات بداخل كلٍّ منها».

هل كان الهجوم متوقعًا؟!. الذي تابع خطاب حسن نصر الله أمين عام حزب الله يوم الثالث عشر من فبراير الماضي، يصل إلى قناعة أنّ الحزب على دراية تامة بخطورة أجهزة الاتصال الحديثة؛ ففـي الخطاب حذر أنصاره بشدة من «أنّ هواتفهم أكثر خطورة من جواسيس إسرائيل»، وقال يومها: «أغلقوها وادفنوها وضعوها فـي صندوق من حديد واقفلوها، افعلوا ذلك من أجل الأمن وحماية دماء الناس». وقد اتخذ حزب الله خطوات فعلية بعد الخطاب، للابتعاد عن الهواتف النقالة، حيث بدأ منذ شهر يوليو الماضي، باستخدام الرموز فـي الرسائل وخطوط الهواتف الأرضية وأجهزة البيجر، لمحاولة التهرب من تكنولوجيا المراقبة المتطورة لإسرائيل، بهدف تفادي محاولات الاغتيال التي طالت عددًا من كبار قيادييه فـي الفترة الماضية، وطالت عددا من قيادات حماس.

إنّ تحذير حسن نصر الله من الهواتف لم يمنع من وقوع الكارثة، التي وصفها فـي خطابه يوم الخميس الماضي 19 سبتمبر، بـ«ضربة قاسية»، لكن ما يثير الانتباه هو ما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية بأنّ الشركة المجرية هي «شركة وهمية إسرائيلية»، ونقلت عن ثلاثة ضباط استخبارات اطلعوا على العملية، «أنه تم إنشاء شركتين صوريتين، لإخفاء حقيقة أنّ مُصنّعي أجهزة النداء كانوا ضباط مخابرات إسرائيليين»، وإن صحت مزاعم الصحيفة فإنّ الأمر يؤكد أنّ حزب الله وقع فـي فخ كبير، وقد لا يكون الأمر مقتصرًا على ما حدث فـي ذلك اليوم فقط، بل قد يكون له تبعات أخرى.

فـي كلّ الأحوال؛ لا يمكن التقليل من قدرات حزب الله العسكرية والتقنية؛ فحزب الله يسبق جميع الدول العربية فـي هذا الجانب بسنوات ضوئية، ولكن ذلك الهجوم، يجب أن يكون فاتحة خير ليس لحزب الله فقط؛ وإنما للأوطان العربية كلها؛ فمن بطن الشر يخرج الخير. إذ ماذا يُتوقع من أمة تستورد سلاحها، وتستورد طعامها وشرابها وكلَّ مستلزماتها من عدوها؟! وهذا يجرنا إلى سؤال أكبر: ماذا حقق العرب حتى الآن؟! ألا يكفـيهم التغني بالماضي؟! كم كان الروائي رشيد بوجدرة محقًا بقوله: «لو يتم صنع آلة للسفر عبر الزمن، لاختارت كلّ الأمم السفر إلى المستقبل، ما عدا أمة واحدة ستختار السفر إلى الماضي؛ فكلّ الأمم تدرس التاريخ لتأخذ العبر وتحسن نوعية الحياة فـي الحاضر والمستقبل، إلا تلك الأمة فإنها تدرس التاريخ لتقدسه وتقدس أشخاصه بلا وعي ولا تفكير».

لقد كتبتُ سابقًا فـي مقال بعنوان «أمة تستورد دواءها» فإنّ «أمة لا تهتم بالعلم وتستورد دواءها وغذاءها، وتعتمد فـي جميع شؤونها الحياتية على الخارج، لن يُكتب لها الحياة، ولن تستفـيد من قشور الحضارة المتمثلة فـي البنايات التي أقامتها، أو فـي كثرة الجامعات فـيها، التي هي أقرب للمباهاة فقط». لقد أصبحت وسائل الاتصالات ومنها الهواتف عصب الحياة، ويوجد شباب فـي الأمة ضليعون فـي التقنيات، فلماذا لا يستفاد منهم ومن خبراتهم، هل يحتاج الأمر أن نعتمد على الخارج (العدو) حتى يخترقنا؟! أتصور أنّ أيَّ دولة تعتمد على الخارج فـي برمجياتها وبرامجها، هي دولة فاشلة، ولا تلومنّ إلا نفسها عندما تخترق، وما حك جسدك مثل ظفرك.

إنّ هجوم «البيجر» وما تبعه من تهديد للكيان الإسرائيلي، يجعلني أقول إنني على المستوى الشخصي، قد مللتُ كثيرًا من تلك التهديدات التي لا تتبعها أعمالٌ انتقاميةٌ حقيقيةٌ، وأظن - وقد أكون لستُ مخطئًا - أنّ هذا هو شعور الكثيرين من أبناء الأمة الذين شبعوا من الخطب العصماء، وهذا بالتأكيد تشجيع للكيان الإسرائيلي على التمادي؛ فإذا لم يكن الرد واضحًا وصريحًا وقويًّا، فلا حاجة له.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أجهزة الاتصال حزب الله

إقرأ أيضاً:

الاستخبارات المجرية: الشركة المصنعة لأجهزة البيجر غير مسؤولة عن انفجارات لبنان

أعن المكتب المجري لحماية الدستور، أنه وفقا لنتائج التحقيقات، لم تشارك أي شركة محلية أو متخصصة في إنتاج أو تعديل أجهزة النداء الآلي (بيجر)، التي انفجرت في لبنان، خلال يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين.

وفي وقت سابق، قال مصنع أجهزة النداء الآلي التايواني "غولد أبوللو"، إن "مجموعة الأجهزة التي انفجرت في لبنان، تم إنتاجها بموجب ترخيص من شركة "بي. أيه.سي كونسلتينغ" في بودابست".

 استمرار التحقيق

وقال مكتب حماية الدستور المجري، في بيان نشره المكتب الصحفي للحكومة: "نُبلغ المنظمات الدولية ولجنة الأمن القومي في البرلمان المجري، باستمرار بنتائج التحقيق. أثبتت النتائج بوضوح أن ما يسمى بأجهزة النداء لم تكن على الأراضي المجرية أبدًا، ولم تشارك أي شركة مجرية أو متخصصة في إنتاجها أو تعديلها".

 

وشهد لبنان هجوما مزدوجا واسع النطاق، يومي 17 و18  سبتمبر الجاري، استهدف تفجير عدد كبير من أجهزة النداء الآلي والاتصالات اللاسلكية، وبحسب البيانات الرسمية، فقد قُتل 37 شخصاً وأصيب نحو 3000 آخرين.

وحتى الآن لم يُعرف بشكل قاطع كيفية التفجير المتزامن لآلاف الأجهزة، ولكن الحكومة اللبنانية و"حزب الله"، اتهما "إسرائيل بالمسؤولية عن الهجوم".

وازدادت حدة التوترات بعد استهداف الجيش الإسرائيلي الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، وقتل القيادي في "حزب الله"، فؤاد شكر، أواخر يوليو الماضي، ورد الحزب باستهداف مقر الوحدة 8200 في قاعدة "مارغليلوت"، فيما لم تنجح أي جهود دبلوماسية، ومن بينها مساعي آموس هوكشتاين، مبعوث الرئيس الأمريكي الخاص، في التوصل إلى تهدئة حتى الآن.

 

ومن جهة أخرى، أعلن الجيش الإسرائيلي، يوم أمس الجمعة، تنفيذ "ضربة محددة الهدف" في بيروت، قتل فيها إبراهيم عقيل، المعروف أيضا باسم "الحاج عبد القادر" الرجل الثاني في "حزب الله"، وهو عضو في "المجلس الجهادي" وهو أعلى مجلس عسكري تابع لـ"حزب الله"، وقائد قوة "الرضوان".

 

مقالات مشابهة

  • برلماني إيراني: طهران شاركت بشراء اجهزة البيجر التي انفجرت في لبنان
  • برلماني إيراني: طهران شاركت بشراء اجهزة البيجر التي انفجرت في لبنان - عاجل
  • الاستخبارات الهنغارية تؤكد أنها لم تنتج أجهزة "البيجر" التي تم تفجيرها في لبنان
  • صحيفة: حزب الله حدد نوعية المتفجرات التي زرعت في أجهزة “البيجر”
  • الاستخبارات المجرية: الشركة المصنعة لأجهزة البيجر غير مسؤولة عن انفجارات لبنان
  • صحيفة: حزب الله حدد نوعية المتفجرات التي زرعت في أجهزة البيجر
  • تعليق للشركة اليابانية حول انفجارات أجهزة لاسلكي "حزب الله"
  • موقع أميركي يتحدث عن انفجارات البيجر.. ماذا قال بشأنها؟
  • عاجل - جلسة طارئة لمجلس الأمن اليوم لبحث تداعيات انفجارات البيجر