رسائل حزب الله بعد استهدافه قاعدة ومطارا داخل إسرائيل
تاريخ النشر: 22nd, September 2024 GMT
بيروت- لم يتأخر رد حزب الله على الاستهدافات الإسرائيلية التي طالته في لبنان على مدى الأيام الماضية، بدءا من تفجيرات أجهزة "البيجر" واللاسلكي ومن بعدها اغتيال قادة كبار من قوة الرضوان العسكرية، فجاء ردّه الأولي بقصف مجمع صناعي عسكري إسرائيلي شمال مدينة حيفا بعشرات الصواريخ، كما استهدف قاعدة ومطار رامات ديفيد بعشرات الصواريخ من طراز "فادي 1″ و"فادي 2".
وبرده الأولي، ووصول صواريخه للمرة الأولى إلى هذا العمق الإسرائيلي، يرسل الحزب رسالة واضحة أنه لن يتردد في توسيع نطاق استهدافه، ولن يتأخر في دراسة خياراته بالرد كما فعل عقب اغتيال القائد فؤاد شكر.
وأوضح الحزب -في بيان له- أن هذا القصف جاء "دعما للشعب الفلسطيني الصامد في قطاع غزة، وإسنادا لمقاومته الباسلة والشريفة، وفي ردٍ أولي على المجزرة الوحشية التي ارتكبها العدو الإسرائيلي في مختلف المناطق اللبنانية يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين".
وقد سبق لحزب الله أن نشر مقطع فيديو التقطته طائرة "الهدهد" المسيرة في يوليو/تموز الماضي لقاعدة رامات ديفيد، وهي القاعدة الجوية الإسرائيلية الوحيدة في المناطق الشمالية، وتضم مجموعة من الاختصاصات الجوية تتوزع بين مقاتلات حربية ومروحيات قتالية، ومروحيات النقل والإنقاذ، ومروحيات الاستطلاع البحري، ومنظومات حرب إلكترونية هجومية.
وجاء هذا التصعيد المتبادل بين حزب الله وإسرائيل في إطار المواجهة المفتوحة بينهما، منذ اندلاع عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، إذ أعلن الأمين العام للحزب حسن نصر الله حينها أن فتح جبهة الجنوب في اليوم التالي كان إسنادا لغزة، بينما يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى فصل الجبهتين، بهدف إفساح المجال أمام عودة سكان مستوطنات الشمال إلى منازلهم كهدف رابع للحرب.
خلط أوراقمن جهته، يعتبر الباحث والمحلل السياسي حسن شقير، في تصريح للجزيرة نت، أن رد حزب الله كان "أوليا وحكيما معا"، إذ أصاب مراكز وقواعد عسكرية إسرائيلية ومجمع الصناعات الإلكترونية، وقد حمل هذا الرد رسالة واضحة بأن "الحزب لا يزال قادرا على الرد رغم الضربات الإسرائيلية، ومزاعمها بشأن استهداف المئات من منصات الصواريخ التابعة له".
ووفقا لشقير، فإن الحديث عن فقدان حزب الله لقدرته الصاروخية لا يتماشى مع الواقع، إذ إن ذلك لم يتحقق رغم الغارات الكثيرة التي تعرض لها، "وبالتالي، كانت الرسالة الثانية الموجهة للإسرائيليين هي العودة إلى قواعد الاشتباك، وعدم التمادي في استهداف المدنيين".
ويضيف المحلل السياسي أن رد حزب الله كان موجها بشكل خاص ضد قواعد عسكرية إسرائيلية تجنبا لإصابة المستوطنين، لأن إسرائيل تسعى للخروج من دائرة الاستنزاف القاتلة في الجبهة الشمالية، التي تعتبر الجبهة الأساسية الداعمة لغزة ضمن إطار وحدة الساحات.
ويشدد شقير على أن إسرائيل تسعى منذ فترة طويلة لتوسيع دائرة النار وتجاوز قواعد الاشتباك وكسر المعادلات، بهدف جرّ حزب الله ليكون البادئ في حرب شاملة، مشيرا إلى أن نتنياهو "بفشله في غزة وبحثه عن صورة نصر" يرى أن فتح حرب شاملة قد يساعده في خلط الأوراق في المنطقة، واستدعاء تدخل الولايات المتحدة لصالحه، ولهذا السبب، يرى شقير أن الإسرائيليين بدؤوا بتوسيع دائرة اعتداءاتهم.
من جهته، أشار الخبير في الشؤون الإسرائيلية علي حيدر للجزيرة نت إلى 3 دلالات من رد حزب الله الأولي:
إرادة الحزب: فالضربات الإسرائيلية التي استهدفت حزب الله وعددا كبيرا من المدنيين لم تؤثر سلبا على إرادة القرار داخل الحزب، بل على العكس أظهرت تماسكه وتصميمه على الاستمرار في العمليات. القدرة على الإدارة: فهذه الضربات لم تنجح في إلحاق ضرر بالغ أو جدي بالقيادة، مما يعكس قدرة الحزب على إدارة العمليات بشكل فعال. الرد على التصعيد: فحزب الله اتخذ قرارا بمعاقبة العدو على توسيع نطاق اعتداءاته، من خلال فرض سقوف جديدة من الردود غير المسبوقة منذ نحو عام تقريبا، وهذا يعني أن الاستهدافات قد تشمل الآن مناطق تضم مئات الآلاف من المستوطنين.ويوضح حيدر أن نتنياهو تورط أكثر في مأزقه، إذ أدت ضرباته -التي جاءت تحت عنوان "إعادة المستوطنين إلى منازلهم في الشمال"- إلى جعل عودتهم أكثر بُعدا، كما انضم إليهم مئات الآلاف، مما يجعل المشكلة أكبر أمام القيادة الإسرائيلية، ويصف حيدر ذلك بأننا "أمام محطة جديدة ستتبعها تصعيدات وضربات متبادلة".
أسلحة لأهداف عميقةفي المقابل، يعتقد المحلل السياسي حسن الدر، في حديثه للجزيرة نت، أن إسرائيل قد تخطت جميع الخطوط الحمراء والجغرافية، بدءا من الضاحية الجنوبية في بيروت، وصولا إلى آخر نقطة في الجنوب، بالإضافة إلى تنفيذها الحزام الناري، ويشير إلى أن إسرائيل تسعى لوضع قواعد تتماشى مع رؤيتها.
ويُوضح الدر أن هناك ضغطا كبيرا يُمارس على حزب الله من نتنياهو وإسرائيل، إذ يرسل الإسرائيليون عبر الوسطاء رسالة بعد كل ضربة، مفادها أنهم لا يرغبون في حرب مفتوحة، بل يسعون لوقف العمليات على الجبهة وإعادة حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، ومع ذلك، يعتقد الدر أن الحزب لن يتوقف، وأن المستوطنين لن يعودوا.
وفي ما يتعلق بالسلاح الجديد، يرى الدر أنه من الطبيعي إدخال أسلحة جديدة، لأن صواريخ الكاتيوشا لا تصل إلى مسافة 50 كيلومترا، وعندما يستهدف الحزب مناطق عميقة مثل حيفا، فإنه يركز على مواقع محددة، كالمطارات والقواعد الجوية ومصانع الأسلحة، مما يتطلب استخدام صواريخ أكثر دقة، مثل الصواريخ التي استخدمت فعلا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات رد حزب الله أن إسرائیل
إقرأ أيضاً:
إسرائيل بين الانقسام والتجهيز لما بعد نتنياهو
تتواصل ارتدادات الحرب الإسرائيلية في غزة على المجتمع الإسرائيلي وجيش الاحتلال على حد سواء، مما يفاقم حالة التشظي والانقسام الشديد التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، ضاربة بظلالها السوداء على مستقبل الحالة الداخلية، مما سيكون لها تبعات مؤلمة وقاسية، بحسب تصريحات كثير من المسؤولين والقادة السابقين في جيش الاحتلال.
وكان آخر هذه التحركات، توقيع أكثر من 250 عضواً سابقاً في الموساد على عريضة تطالب بإبرام اتفاق سريع لاستعادة الأسرى، حتى لو كان ثمن ذلك إنهاء الحرب، ووقّع على الدعوة 3 رؤساء سابقين للموساد، وهم داني ياتوم، وإفرايم هاليفي، وتامير باردو، إضافة إلى العشرات من رؤساء الأقسام ونواب رؤساء الأقسام في الجهاز.
وانضموا إلى الدعوات التي أطلقها أخيراً نحو 1000 من الطيارين والعاملين في سلاح الجو الإسرائيلي، وكان منهم اثنان من قادة سلاح الجو سابقا، وهما الجنرالان دان حالوتس ونمرود شيفر.
وتبع ذلك إعلان مئات الجنود من قوات الاحتياط من سلاح المدرعات وسلاح البحرية والأطباء، إضافة إلى وحدة 8200 الاستخبارية، مطالبتهم بوقف الحرب وإطلاق سراح الأسرى.
ويرى مراقبون، أن هذه التحركات مثلت قمة جبل الجليد، أما ما رافقها من أسئلة وجودية لم تكن لتطرح سابقا، فقد تحولت إلى حالة من النقاش العام ضمن حالة استقطاب شديدة، كشفت عنها استطلاعات الرأي.
إعلان صراع بقاءدفعت خطوات ائتلاف اليمين المتطرف الانقلابية على مؤسسات الدولة -التي سبقت هجوم طوفان الأقصى– مئات الآلاف من الإسرائيليين إلى الخروج للشوارع، وكان العامل المشترك بينها، هو الوقوف في وجه الانقلاب القضائي والمحافظة على هوية الدولة كدولة ديمقراطية، وفق وصفهم.
لكن الحرب في غزة أظهرت أشكالا أخرى من الخلافات، ليس فقط على ملف الانقلاب القضائي فحسب، بل إن فشل توقع الهجوم والتصدي له أجبر الإسرائيليين على طرح تساؤلات لتحديد المسؤول عن هذا الفشل.
كما طرح تساؤلات عن دور حكومة نتنياهو بمكوناتها اليمينية المتطرفة في الوصول إلى هذه الحالة، التي قدمت إسرائيل بصورة ضعيفة منقسمة، "شجعت الأعداء على تنفيذ السابع من أكتوبر".
ويرى المختص في الشؤون الإسرائيلية، وديع عواودة، أن هذا العنوان العريض من الخلافات بفعل الحرب، حرك قضايا خلافية داخلية دفينة، وأثر على القدرة بالشعور بالتضامن داخل المجتمع الإسرائيلي، والشعور بالأمن الشخصي، وطرح تساؤلات عن مستقبل الديمقراطية الإسرائيلية وغيرها، والتي تمس عصب المشهد الداخلي.
وأضاف، أن الحرب على غزة كحدث تاريخي وتهديد وجودي وفق وصف نتنياهو لم يخفف من نار الخلافات الداخلية، بل إنها زادت وتعمقت وساعد على ذلك طول الحرب وعدم حسمها وقضية الأسرى.
ويضاف إلى ذلك السجال بين المستوى السياسي والأمني بشأن المسؤولية عن فشل السابع من أكتوبر، والذي يوصف بأنه صراع بقاء دموي في إسرائيل.
وكشف عن جزء من هذا الصراع السجال العلني بين رئيس الشاباك الأسبق يورام كوهين ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن طلبات الأخير بقمع المعارضين وطردهم من الكابينت.
وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير إقالة رئيس الشاباك رونين بار والمستشارة القضائية غالي بهاراف ميارا، التي تحولت إلى أزمة دستورية عالقة.
وفي آخر استطلاع للرأي نشره معهد دراسات الأمن القومي في نهاية مارس/آذار الماضي، قدر 67% من العيّنة، أن إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية من شأنه أن يضر بالدافع للخدمة القتالية إلى حد كبير أو إلى حد ما.
إعلانوقال 44%، إن الضرر سيكون خطِراً بشكل خاص، وأعرب 70% من الجمهور عن قلقهم بشأن مستقبل الديمقراطية الإسرائيلية، كما كشف الاستطلاع انخفاض توقع المشاركين في الاستطلاع على قدرة المجتمع الإسرائيلي على التعافي من آثار الحرب.
وبقي مستوى القلق بشأن الوضع الاجتماعي مرتفعا، إذ أبدى 65% من إجمالي العيّنة قلقهم بشأن الوضع الاجتماعي في إسرائيل في اليوم التالي للحرب، كما تضاءل الشعور بالأمن الشخصي.
في المقابل، كشف استطلاع للرأي نشره معهد الديمقراطية الإسرائيلية الجمعة، أن 43% يؤيدون العصيان المدني إذا لم تمتثل الحكومة للمحكمة العليا في تعليق إقالة رئيس الشاباك رونين بار.
ويشير تقسيم اليهود، حسب المعسكر السياسي إلى أن أغلبية كبيرة على اليسار (86%) تؤيد العصيان المدني في حال عدم امتثال الحكومة لقرار المحكمة العليا بشأن إقالة رونين بار، وفي الوسط هناك أغلبية أصغر (57%)، وعلى اليمين أقلية صغيرة فقط (21%) تعتقد أن العصيان المدني، هو السبيل للرد على عدم امتثال الحكومة لقرار المحكمة العليا.
عائلات الأسرى الإسرائيليين بغزة: حكومتنا متطرفة والتوصل إلى صفقة هو الحل الوحيد لإنقاذ أرواح أبنائنا#الجزيرة pic.twitter.com/xu7hf7oVrW
— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) April 12, 2025
معارضة الشارعوقد كشفت حرب غزة المستمرة عن حالة معارضة رسمية، ضعيفة ومنقسمة، ولكن في المقابل ساعدت على صعود أشكال أخرى من المعارضة نجحت في تحريك الشارع بقوة، في قضايا مختلفة أبرزها قضية الأسرى، والانقلاب القضائي ومحاولة فرض حكومة نتنياهو اليمينة الديكتاتورية على مفاصل الدولة.
وشارك نحو مليوني شخص فعلا في مظاهرة واحدة على الأقل، وفقا لاستطلاع رأي نشره معهد الديمقراطية الإسرائيلي.
ومن أبرز هذه الحركات والمنظمات:
حركة عائلات عودة المختطفين والمفقودين: وتمثل بعض أقارب معظم الأسرى الإسرائيليين الذين أسرتهم المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023 والتي لها دور بارز في المظاهرات والاحتجاجات دعما لصفقة تبادل أسرى وإيقاف الحرب على غزة، وتمثل عصب الجهات التي تحتج وتتظاهر أثناء الحرب. حركة النضال ضد الانقلاب القضائي: وتضم في الأصل منظمات يسارية سبق لبعضها أن نشطت في الاحتجاجات على نتنياهو خلال ترؤسه الحكومة الإسرائيلية الـ 35 في 2021. حركة الأعلام السوداء: أطلقها 4 أشقاء من عائلة شفارتسمان، على رأسهم الدكتورة شيكما بريسلر، والتي تتهم وسائل إعلام إسرائيلية، أن تمويلها مصدره جمعية "المسؤولية الوطنية" التابعة لرئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك. منظمة إخوة السلاح: منظمة احتجاجية وتطوعية إسرائيلية أسسها جنود الاحتياط كجزء من حركة الاحتجاج على الانقلاب القانوني الذي أعلنته الحكومة الإسرائيلية السابعة والثلاثون في يناير 2023 واستمرت في الاحتجاجات على استمرار الحرب ومن أجل عودة الأسرى. حركة احتجاج التكنولوجيا الفائقة: هي منظمة احتجاجية إسرائيلية بدأت في 15 ديسمبر 2022، مكونة من أشخاص من صناع التكنولوجيا والابتكار الإسرائيلية. تضم المنظمة شركات التكنولوجيا الفائقة والموظفين ورجال الأعمال والرؤساء التنفيذيين ورجال الأعمال وأعضاء مجتمع التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلي. قوة كابلان: من أبرز الحركات التي قادت الاحتجاجات في مفترق كابلان في تل أبيب، تصف نفسها -وفقا لموقعها الرسمي- بأنها أكبر قوة مدنية ديمقراطية وليبرالية تعمل بكل الطرق القانونية ضد الحكومة التي تؤدي إلى تدمير إسرائيل وضد المسؤول عن الفشل الذي يرأس الحكومة، وتقاتل الآن لإنهاء الحرب في غزة وتحرير الجميع للعودة إلى منازلهم. حركة من أجل جودة الحكم: تعرف نفسها بأنها حركة غير حزبية مستقلة، تعمل لهدف غير ربحي لتعزيز حكم أكثر جودة، بالإشراف على سيادة القانون، وتنشط في تقديم الالتماسات للمحكمة العليا، والكشف عن تصرفات موظفين حكوميين. منظمة أحرار في بلدنا: وهي تابعة لحزب أزرق أبيض الذي أسسه بيني غانتس وزير الجيش ورئيس الأركان الأسبق. إعلانووفقا للمختص في الشؤون الإسرائيلية، فراس ياغي، فإن الاحتجاجات التي سبقت الحرب وما تلاها، أفرزت مخاضا عنيفا داخليا في المجتمع الإسرائيلي، ليس فقط زيادة الهوة والتشظي الداخلي، بل بروز أيضا، جهات وشخصيات تدير المشهد الداخلي الإسرائيلي، بخلاف الشخصيات وقادة الأحزاب الحاليين من قطبي السياسة من معارضة وائتلاف.
ويوضح أن هؤلاء الذين يقفون في المشهد يتهمون بأنهم السبب في ما وصلت إليه إسرائيل من ضعف وانقسام، "وهو ما شجع الأعداء على السابع من أكتوبر".
وأضاف ياغي في حديثه إلى الجزيرة نت، أن لاستمرار الحرب آثارا كارثية اقتصاديًا واجتماعيًا، وعلى كافة المستويات، وما يرافقها من حالة الاستقطاب الشديد والتوتر الداخلي، والعواقب الكارثية على صورة إسرائيل في العالم، وعلاقتها بحيث باتت دولة منبوذة، بسبب حرب الإبادة التي ترتكبها في غزة، وفقًا لكثير من المحللين والكتاب الإسرائيليين".
ولا خلاف بأن إسرائيل باتت بكل مكوناتها رهينة لأفكار المتطرفة، التي تسيطر على مفاصل الحكومة في إسرائيل، ضاغطة على نتنياهو من جهة، ويقوم هو بالمقابل باستغلالها لتمرر أجنداته الشخصية والسياسية ضاربا بعرض الحائط أي مصالح آنية أو بعيدة لإسرائيل في المنطقة والعالم.
وفي المقابل، ترك نتنياهو لهذا التيار بمختلف ألوانه السياسية والدينية، كل الأبواب مشرعة لترسيخ هيمنته الشاملة على الحالة السياسية والعامة، وتنعكس هذه الهيمنة في الانزلاق بشدة نحو اليمين في ظل تراجع سطوة اليسار ويسار الوسط.
وفي مقارنة مع آخر استطلاعات الرأي التي نشرتها القناة 12 الأحد، نجد أن هناك تغيرا واضحا نحو يسار الوسط، رغم تغيير في الأسماء، فمجموع مقاعد الأحزاب اليمينية مع الحريدية بلغ 64، مقابل 74 مقعدا، كانت في آخر انتخابات 2022، أما مقاعد اليسار فقد ارتفعت وفقا للاستطلاع إلى 44 مقعدا مقابل 40 في آخر انتخابات.
إعلانوقد فسر الدكتور مناحيم لازار في مقال نشرته معاريف، أن متوسط مقاعد الليكود شهريًا بلغ 27 مقعدًا في سبتمبر/أيلول 2023، وكان ذلك في ذروة الاحتجاجات على التعديلات القضائية.
وبعد السابع من أكتوبر، حدث هبوط واضح وانخفض المتوسط إلى 21 مقعدًا، وبعد ذلك انخفض إلى ما دون 20 مقعدًا لعدة أشهر، ولكن بعد مرور أكثر من عام على الحرب على غزة أصبح لدى حزب الليكود 24 مقعداً، بفارق 3 مقاعد فقط.
التغيير الذي برز خلال استطلاعات الرأي المختلفة يعكس أيضا قدرة نتنياهو على البقاء رغم العواصف التي اجتاحت إسرائيل خصوصًا الحرب، وحقق نجاحات كان آخرها تمرير الموازنة وتأجيل ملف تجنيد الحريديم المتفجر، والسيطرة الفعلية على قادة المؤسسة الأمنية مع تحميلهم فشل السابع من أكتوبر، ثم استبدالهم بآخرين أكثر ولاء وطاعة له.
في مقابل حالة الاستقرار التي تناولها لازار، يرى رونين تسور في مقال نشرته القناة 12 الأربعاء بأنه رغم معجزة استقرار الوضع السياسي لنتنياهو إلا أن الليكود وفق الاستطلاعات ما زال بعيداً عن الوصول إلى الثلاثين مقعدا.
ولكن مع تنامي التهديد لحكمه، وتكثيف التطرف الداخلي إلى أبعاد مثيرة للقلق، فإن دعم المجموعة السياسية الأساسية -من التيار الديني- التي ستقف إلى جانبه مهما كانت الظروف، يزداد قوة فهو يعتمد عليهم في معيشته، والحفاظ على مكانته، وتحقيق رغبة الانتقام لدى قطاعات كبيرة من أعضائه.
وبينما كشفت استطلاعات الرأي عن تغيير في المزاج العام الإسرائيلي بسبب الحرب، ومن ذلك أن رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت (يمين متطرف) سينجح بأن يترأس أكبر حزب في إسرائيل لو خاض الانتخابات القادمة.
يسعى بينيت ذو الأصول الصهيونية الدينية إلى تغيير جلده ولو قليلا، وقد بدأ باستمالة الناقمين على سياسة نتنياهو من حلفائه الحاليين من اليمين المتطرف، إضافة إلى الساخطين من أحزاب المعارضة بسبب وهن وضعف قادتها.
إعلانوسجل بينيت حزبا جديدا باسم "بينيت 2026″، ووفق استطلاع رأي لصحيفة معاريف في حال جرت الانتخابات اليوم، فإن حزب بينيت سيحل أولا بحصوله على 29 مقعدا، مقابل حصول الليكود برئاسة نتنياهو على 21 مقعدا.
وعليه، يحصل المعسكر المعارض لنتنياهو على 65 مقعدا، مقابل 45 مقعدا لمعسكر نتنياهو، و10 مقاعد للنواب العرب.
يرى عواودة أنه لو تم تكليف لجنة تحقيق حكومية في السابع من أكتوبر فلن يكون نتنياهو وأيضا قادة من أحزاب الائتلاف الحالي في المشهد السياسي.
وأوضح الخبير بالشأن الإسرائيلي، أن نتنياهو يعرف جيدا، أن لجنة التحقيق، ووقف الحرب يعني تفكك حكومته، وستتبعه انتخابات مبكرة، سيدفع ثمنها شخصيا من تاريخه السياسي وسيكون خارج المشهد، إضافة للعقاب الذي سيتعرض له الليكود، وباقي مكونات الائتلاف، في صناديق الاقتراع من الناخبين على دوامة الأزمات التي فرضتها أجنداتهم الشخصية الضيقة على إسرائيل من أثمان بالدم.
ويتفق ياغي معه، أن نتنياهو لن يكون في المشهد السياسي القادم إلا إذا نجح في إطالة هذه الأزمة من حرب، وتوتر في الإقليم حتى نهاية فترة ولايته في نهاية 2026، على أمل أن يكون هناك تغيير في المزاج العام الإسرائيلي، وقدرته على إقناعهم وتسويق صورة النصر المطلق، والأسرى، واليوم التالي للحرب ليس في جبهة غزة وحدها بل في الحالة الداخلية الإسرائيلية".