غدة الإرهاب تُفرز قيحها في لبنان
تاريخ النشر: 22nd, September 2024 GMT
د. قاسم بن محمد الصالحي
يبدو أنَّ الكيان اللقيط سيستمر في إرهابه بصفته وشخصه، بعد أن فشلت غُدد أدواته- مثل داعش وأخواتها- في تنفيذ عملياته الإرهابية نيابة عنه، فها هو يسير متبجحًا مُتغطرسًا فوق جثث الأبرياء وجراحهم بإرهابه في لبنان، الذي كان يُدير أدواته التي اصطنعها خارج جرائمه التي يرتكبها بنفسه داخل فلسطين.
كيان لن يكون له قبل ولا بعد، وغدة إرهابية، كبرت وتقيحت في مدار الإرهاب وفنونه، والإرهاب شرط وجود هذا الكيان الذي زرع في تربة لا تقبله.. أشك في مقدرتي على اللحظة التي أبدأ فيها عندما أروم ولوج خبايا كيان هو الإرهاب؟، ولا المعاني والمسميات التي يدركها القارئ الكريم، والرسائل التي يتسلمها العالم، وهو يشاهد غدة الإرهاب هذه تتقيح بنتانة في لبنان، ولا المتاهات والأدوات التي يستخدمها الكيان اللقيط؟، ولا إلى أين يأخذ البشرية جمعاء بإرهابه؟ إنها أسئلة أجد نفسي من خلالها في مناخ عالمي يضع كمامات لكي لا يشم رائحة تقيح غدة صهيونية سرطانية عانى من نتانتها وقيحها المسموم جسم الأمة العربية منذ 76 عامًا.
بدأت المنطقة العربية تعرف معنى الإرهاب ومسمياته منذ اليوم الأول الذي زرع فيروس الإرهاب في فلسطين، على ما أذكر كانت بذرته الأولى النتنة، هي المنظمات الصهيونية- الهاجانا وأخواتها- التي مارست جرائم إرهابها البشعة في حق سكان الأرض، حدد الكيان اللقيط كيفية انتشار فيروسه عسكريًا وأمنيًا، استهدف حق الحياة للبشرية، لكنه هذه المرة طور "كروسومات" فيروس إرهابه، خرق كل خطوط القواعد في لبنان.
تشغلني قضيتان أساسيتان: العدالة الدولية، والحرية.. إن شتى مظاهر الظلم الدولي تثيرني بجزئياتها الصغيرة، وتملؤني غيظًا، فلا أجد في غير الكتابة للتنفيس عن ما تحمله نفسي، مع إيماني بأنَّ العدالة تستطيع أن تقضي على هذا الظلم.. إلا أنَّ الخطر يكمن في تمدد غدة الإرهاب هذه، وأولئك الذين تتقاطع مصالحهم معها، ويحافظون على الأمراض التي يعاني منها واقع الأمة، ويزيدونها تعقيدًا وخطرًا، لتبقى الحاجة إليهم قائمة باعتبارهم خبراء بدائها، وعرّافو دوائها.. هكذا عاشت غدتهم التي زرعوها وتكاثرت كالعلق على جسد الأمة، وبخاصة فلسطين وما حولها.. إن نقمتي هذه، تجعل كتابتي أحيانًا أشبه ما تكون بتقشير في تقيح هذه الغدة الخبيثة لتبقى مفتوحة - رغم بشاعة رائحتها - أمام شمس العدالة والحرية.
أحدد في موضوعي طبيعة انشغال الشعوب بهذه الغدة السرطانية في جسد الأمة العربية والإسلامية، تتخذ هذه الطبيعة أساسًا واضحًا، منذ 76 عامًا، كما إن شعوب المنطقة خبرت خطر هذه الغدة الإرهابية، ونالتهم نتانتها كل هذا الزمن الطويل، وكان الشعب الفلسطيني، واللبناني، والسوري، والمصري، والأردني، هم أول من تقايؤا بشاعة إفرازات أس شرنقتها، ولن تزول إلا باجتثاث كيانها من جسد الأمة.. قاومته الشعوب، وخاضت معه الحرب تلو الأخرى، بصورة متصلة ومتقطعة منذ عام 1948م، حتى يومنا هذا.
لقد أثر كل ذلك في مسيرة أطول قضية تحرر في هذا العالم الظالم، وكان الأساس الراسخ لمجمل هذه المسيرة مقاومة الظلم والظلمة، وإزالة الورم الخبيث الذي أصاب الأمة.. إذا كانت المقاومة اليوم هي محصلة لأشكال معاناة الشعب الفلسطيني، فإنها كذلك هي حصيلة لنضال الأمة التحرري.. بدأ نضالًا متفرقا في مرحلة، كانت ميادينه حامية بين مضامين القومية الوطنية والصهيونية، فتخلخلت قيم وأعراف الوحدة العربية.. في المرحلة نفسها تفجرت ثورات، إلا أن فلسطين بقيت تنزف، ونال شعبها عذابات إرهاب الكيان اللقيط، أعانه في ذلك طغاة العالم وأثرياء الحروب، كما ظلت شعوب الأمة تدافع عن أوطانها، آمنت بالمقاومة، وبضرورة وحدة ساحاتها في نضالها ضد غدة الإرهاب الكبرى في المنطقة، والتصدي للاستغلاليين من حماتها، والانخراط في صفوف مُتراصة للدفاع عن إنسانية الإنسان، واسترجاع الحقوق بالقوة، لأن ما أخذ بالقوة يُستعاد بالقوة.
لكن.. هل نحن متفائلون؟ نعم بضرورة تشخيص جسد الأمة تشخيصًا دقيقًا.. نعم بضرورة إجراء عملية جراحية ناجحة لزوال غدة الإرهاب العسكري في غزة، ولبنان، واليمن، وسوريا، والعراق، وإيران، الذي رام الكيان إلى تكبير حجمها، وتوسيع رقعة مساحتها، بمساعدة العالم الظالم الذي تقاطعت مصالحه معه، بهدف القضاء على المقاومة، وتفتيت حواضن بيئتها.
لقد فشل الكيان اللقيط، ولم يستطع تحقيق ما رام.. ها هو يفجر غدة إرهابه الأمنية في لبنان لذات الهدف.. لكن كل جرائم إرهابه ترتد في شرنقة إرهابه خبالًا يتبعها وبال عظيم.. لقد زادت حصانة وحدة الشعب اللبناني، وأصبح أكثر قربًا من مقاومته.. لا عدو للبنان إلا الكيان اللقيط، وأدركت شعوب الأمة كلها وأحرار العالم، أن شرنقة غدة الإرهاب وأسها هو الكيان اللقيط، وعدو الإنسانية جمعاء.
نعم.. يبدو أنَّ عملية تقيح غدة الإرهاب في لبنان، أسقطت الشرنقة الكبرى، وغددها المعاونة والمساندة في مستنقعات التخبط والزوال، إن الكيان اللقيط عندما فرز قيح غدته في لبنان أبرز بما لا يدع مجالاً للتأويل والتحليل بأنه بؤرة الإرهاب العالمي، وأنه يعيش خيبة وإفلاس قياداته وجيشه ومنظومته الأمنية، وأسقط مجتمعه في مستنقع الخيبة والكآبة والإحباط..
ولذا يُمكن القول إن الكيان اللقيط منذ زرعه في جسد الأمة حمل في تكوينه جينات غدة الإرهاب والحروب، تضخمت عبر أفعاله وجرائمه، وإشتهاء القتل والدماء، وفي أيامه هذه تفقست بإرهاب التكنولوجيا لترتع جرائمه العسكرية والأمنية كالطاعون، ليكثر ضحاياه من الأبرياء، والعالم الظالم ينظر ويتفرج، لذلك تلفظه الأرض، وتطرده الإنسانية، وتقاومه شعوب الأمة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الاستعمار لاستيطاني الإسرائيلي ومفارقة الإرهاب
عقب هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الذي نفذته حركة حماس على فرقة غزة ومستوطنات غلاف غزة، زعمت إسرائيل وجميع الحكومات الغربية أن إسرائيل وقعت ضحية "هجوم إرهابي" من قبل حماس، ولذلك فإن الدولة الصهيونية تتمتع بالحق الكامل في الدفاع عن نفسها ضد عدوها، وبما أن الجماعات المسلحة الفلسطينية تسببت في هذا "الهجوم غير المبرر" حسب ادعائهم، فعلى الفلسطينيين مواجهة حرب إبادة والتعرض للموت والدمار والتنكيل والتجويع والتهجير الذي تشنه عليهم إسرائيل باعتبار ذلك عملا من أعمال الدفاع عن النفس.
وقد صنفت دولة الاستعمار الاستيطاني التي قامت على "الإرهاب" كافة أشكال مقاومة مشروعها العسكرية والمدنية بالإرهاب، حيث بات "الإرهاب" صناعة صهيونية تبنته الدول الغربية، وشكل العقيدة الأمريكية الإمبريالية مع نهاية الحرب الباردة وحلول عصر الأحادية القطبية، وأصبح مصطلح "الإرهاب" يكافئ "الإسلام" وهوية الإرهابي تقتصر على العرب والمسلمين والفلسطينيين.
فمنذ اللحظات الأولى لعملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أصبحت مفردة "الإرهاب" الأكثر تداولا على ألسنة قادة كيان الاحتلال الصهيوني وداعميهم الغربيين، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وسرعان ما ترددت كلمة "الإرهاب" على ألسنة رعاة المستعمرة الصهيونية من الإمبرياليين الغربيين وفي طليعتهم الرئيس الأمريكي جو بايدن، وأصبحت مقولة "حماس هي داعش" سلعة رائجة، لكن الحقيقة التي بدت واضحة لكافة الأحرار في العالم أن "حماس" حركة تحرر وطني تناهض كيان استعماري استيطاني صهيوني قام على الإبادة والتطهير العرقي والإرهاب، وهو لم يتوقف عن استخدام الإرهاب في قمع مقاومة الشعب الفلسطيني.
الحالة الفلسطينية ووضعية غزة تشير إلى أمر مختلف تماما، ففد احتلت إسرائيل غزة إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية، خلال حرب حزيران/ يونيو عام 1967، وعلى الرغم من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242، رفضت إسرائيل الانسحاب من هذه المناطق
إن الإصرار الغربي والإسرائيلي على وصف هجوم حماس بالإرهابي يتجاهل حقيقة التاريخ وطبيعة الاحتلال الإسرائيلي، وهو مغالطة تستند إلى الغطرسة والتفوقية العرقية، إذ يعتبر الهجوم إرهابيا يقابَل بحق الدفاع عن النفس من الناحية المنطقية في حالات الحياة الطبيعية بين دولتين مستقلتين حسب ميثاق الأمم المتحدة (1945) الذي صمم لاستبعاد العدوان العسكري، والذي يميل إلى التسبب في خرق السلم والأمن الدوليين، لكن الحالة الفلسطينية ووضعية غزة تشير إلى أمر مختلف تماما، ففد احتلت إسرائيل غزة إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية، خلال حرب حزيران/ يونيو عام 1967، وعلى الرغم من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242، رفضت إسرائيل الانسحاب من هذه المناطق.
وفي حالة غزة على وجه التحديد، واصلت إسرائيل ممارسة السيطرة الفعلية على غزة، مع أنها أعلنت رسميا عن انسحاب قواتها وإخلاء أربع مستوطنات يهودية غير شرعية في عام 2005، ويرجع ذلك إلى أن "خطة فك الارتباط" نصت صراحة على أن إسرائيل ستواصل السيطرة على غزة جوا وبحرا وبرا، بينما ستحتفظ بسيطرتها على المعابر الحدودية وكذلك المرافق والخدمات العامة، مثل إمدادات المياه والكهرباء. ومن ثم استمرت غزة في المعاناة من العدوان الإسرائيلي في شكل احتلال بحكم الأمر الواقع كما اعترفت به الأمم المتحدة وهيئات حقوق الإنسان الدولية أو الإنسانية، مثل منظمة العفو الدولية والصليب الأحمر الدولي، وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارين على التوالي في عامي 1970 و1974 بعدم شرعية الاستيلاء على الأراضي بالقوة.
عندما صرح الأمين العام للأمم المتحدة أن هجوم السابع من أكتوبر لم يأت من فراغ، فإنه كان يشير بطريقة دبلوماسية إلى تفسير مختلف، فالهجوم العسكري لفصائل المقاومة الفلسطينية يقيادة حماس ضد إسرائيل لا يشكل هجوما إرهابيا مسلحا أو عملا من أعمال العدوان العسكري كما هو محدد في القانون الدولي، وذلك لأن الدولة الخاضعة للاحتلال العسكري تتمتع بحق الدفاع عن النفس كما هو مذكور في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تمنح "الحق الطبيعي في الدفاع عن النفس فرديا أو جماعيا إذا وقع هجوم مسلح" ضد دولة. وقد تم الاعتراف بعدم شرعية الاستيلاء على الأراضي بالقوة حتى قبل الحرب العالمية الثانية، وفلسطين دولة رغم أنها تقع تحت الاحتلال العسكري، ومنذ إعلان الاستقلال الفلسطيني عام 1988، اعترفت بها حوالي 140 دولة، وهي "دولة مراقبة" في الأمم المتحدة منذ عام 2012.
إن حق المقاومة لأي شعب يقع تحت الاحتلال العسكري مشروع من الناحية القانونية وهو حق ثابت للشعب الفلسطيني، وقد تقرر أن حق الشعب في تحرير وطنه من خلال المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الأجنبي هو حق طبيعي كحق الإنسان في الحياة. وعلى النقيض من ذلك، لا تتمتع القوة المحتلة بحق الدفاع عن النفس ضد أولئك الذين هم تحت الاحتلال العسكري، ولذلك فإن ادعاء إسرائيل ممارسة حق الدفاع عن النفس ضد الهجوم العسكري للفصائل الفلسطينية المسلحة في جنوب إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يُعدّ الاحتلال العسكري وأعمال العدوان العامة من أبشع الجرائم في القانون الدولي. وفي حالة غزة فإن إسرائيل هي التي ترتكب عدوانا مسلحا على غزة وشعبها، بالإضافة إلى ارتكابها جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فجوهر المشكلة يكمن في استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينيةيُعدّ تحريفا صارخا لقواعد ومبادئ القانون الدولي المتعلقة باستخدام القوة، والاحتلال العسكري، وتقرير المصير، وإقامة الدولة، إذ يُعدّ الاحتلال العسكري وأعمال العدوان العامة من أبشع الجرائم في القانون الدولي. وفي حالة غزة فإن إسرائيل هي التي ترتكب عدوانا مسلحا على غزة وشعبها، بالإضافة إلى ارتكابها جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فجوهر المشكلة يكمن في استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
تتجاوز إسرائيل وداعموها الغربيون حقيقة الكيان الاستعماري الصهيوني كقوة محتلة تقوم على الإرهاب في غزة منذ عام 1967، وكان عليها الالنزام القانوني بالامتثال لاتفاقيات لاهاي (1907) واتفاقية جنيف الرابعة (1949) وكذلك للقانون الدولي الخاص بقوانين النزاع المسلح والاحتلال العسكري. فبموجب القواعد ذات الصلة من القانون الدولي، يُحظر على الدولة المحتلة تغيير الوضع الراهن داخل الأراضي المحتلة، وبالتالي يجب عليها تجنب توسيع نطاق قوانينها وأنظمتها لتشمل المنطقة المحتلة، وهي ملزمة بعدم اتخاذ تدابير قانونية وإدارية تضر بسلامة ورفاهية السكان الذين يعيشون في الأراضي المحتلة، فالقرارات والممارسات التي تهدف إلى حرمان السكان من سبل عيشهم الأساسية محظورة تماما بموجب القواعد القانونية الدولية.
ورغم ذلك تستمر إسرائيل وبدعم غربي في انتهاكٍ التزاماتها القانونية الدولية، بحيث تحوّل هجوم إسرائيل على غزة إلى حالة قتلٍ وإبادة متعمدٍ للفلسطينيين في غزة. وثمة أدلة دامغة على أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية بحقّ الغزيين خلال هجومها الوحشي على غزة جوا وبحرا وبرا، سعيا منها إلى إبادة أكبر عددٍ ممكنٍ من الفلسطينيين. كما أن قطعَ أساسيات الحياة في غزة، وهي الماء والغذاء والدواء والكهرباء، كان مُدبَّرا للتسبب في أكبر عددٍ ممكنٍ من الوفيات. كما خدمت هاتان الاستراتيجيتان الإباديتان هدفَ إسرائيل المتمثل في التطهير العرقي من خلال الترحيل القسري للسكان الفلسطينيين من غزة.
إحدى المفارقات الصارخة أن دولة استعمار استيطاني قامت على الإرهاب، تصف المقاومة لاحتلالها بالإرهاب، فالإرهاب الصهيوني موثق بصورة جلية دون لبس، فقد مارس الكيان الصهيوني الإرهاب على أساس يومي تقريبا منذ العام 1937، في الوقت نفسه الذي كان فيه البلطجية النازيون يرهبون اليهود الأوروبيين، حيث نفذت العصابات الصهيونية المشكّلة من الغرباء اليهود "حملات محسوبة من الإرهاب" ضد الفلسطينيين الأصليين، وفي هذه الحملة، قد تعرض الفلسطينيون للذبح والتشويه والترويع بلا رحمة جراء التفجيرات المتكررة أو الهجمات بالبنادق الرشاشة والقنابل اليدوية على المقاهي الفلسطينية وعلى "المارة العرضيين"، وعلى السيارات والحافلات الفلسطينية وقطارات الركاب ودور الأيتام والمدارس والمتاجر والأسواق والأحياء العربية. وأغارت العصابات اليهودية على القرى العربية، وزرعت الألغام الأرضية، وأعدمت بدم بارد على غرار النازية القرويين المحاصرين، وضاعفت عصابة الإرغون العسكرية القومية الإرهاب من خلال التهديد بـقطع الأيدي العربية التي ترتفع ضد القضية اليهودية.
لقد استُخدم مصطلح "الإرهاب اليهودي"، أو "الإرهاب الصهيوني"، قبل سنة 1948، للإشارة إلى الأعمال الإرهابية التي ارتكبتها عصابات صهيونية مسلحة، واستهدفت السكان العرب الفلسطينيين، كما استهدفت سلطات الانتداب البريطاني. فمنذ الثورة الفلسطينية الكبرى في سنوات 1936-1939 وحتى تأسيس دولة إسرائيل، استُخدم الإرهاب الصهيوني بصفته استراتيجية عسكرية لتسريع إنشاء دولة يهودية مستقلة، وتم شن هجمات كثيرة على الفلسطينيين، بهدف ترويعهم ودفعهم إلى الانتقال والهجرة خارج البلاد، وعلى مراكز الجيش والشرطة البريطانيين، كما نُظمت عمليات اغتيال وتفجيرات لأسواق وسفن وفنادق. وقد وقف على رأس هذه العصابات الصهيونية زعماء أصبحوا، في السنوات اللاحقة، رؤساء لحكومات إسرائيل، مثل دافيد بن غوريون ومناحم بيغن وإسحاق شامير.
تكشف المسألة الفلسطينية وحالة حماس عن ذاتية مصطلح "الإرهاب" وغير موضوعيه، إذ يشكل مصطلح "الإرهاب" دالا مبنيا سياسيا، لا تجمعه بالضرورة علاقة تناسب طبيعية بالمدلول، ويرتبط بإرادة المعرفة وإرادة الهيمنة، وهو خطاب أدائي للسلطة السيادية في علاقات القوة، يرتبط بالمصالح الجيوسياسية كتوظيف سياسي، إذ تستخدم الولايات المتحدة مصطلح "الدولة الراعية للإرهاب"، ضد الكيانات السياسية المعارضة للتوجهات الأمريكية، وهوية الإرهابي رهن التسمية وليس الفعل في سياق خطابي تحدده المصالح القومية، وفي الوقت الذي يصعب من الناحية النقدية وصف حماس بالإرهابية، يمكن بسهولة وصف إسرائيل دولة إرهابية. وكانت بوليفيا قد أدرجت فعلا الكيان الإسرائيلي على قائمتها للدول الإرهابية.
الإرهاب" تسمية مفروضة وغير مفترضة واستراتيجية القوى الغاشمة للهيمنة والسيطرة وترتبط بهوية الفاعل وليس الفعل، وتنفرد الحالة الفلسطينية بالإجماع والتوافق الأمريكي حول هوية "الإرهابيين". فلطالما اتفق الديمقراطيون والجمهوريون على أن الفلسطينيين هم مرتكبو الأعمال الإرهابية، وليسوا أبدا ضحاياها، فيما اعتبروا أن الإسرائيليين هم دائما ضحايا الإرهاب
فـ"الإرهاب" تسمية مفروضة وغير مفترضة واستراتيجية القوى الغاشمة للهيمنة والسيطرة وترتبط بهوية الفاعل وليس الفعل، وتنفرد الحالة الفلسطينية بالإجماع والتوافق الأمريكي حول هوية "الإرهابيين". فلطالما اتفق الديمقراطيون والجمهوريون على أن الفلسطينيين هم مرتكبو الأعمال الإرهابية، وليسوا أبدا ضحاياها، فيما اعتبروا أن الإسرائيليين هم دائما ضحايا الإرهاب. وقد تحول "الإرهاب" الذي اخترعه الغرب الإمبريالي والاستعمار الصهيوني إلى "مصطلح متداول يطلقه كل فاعل على أعدائه، إلى اتهام متبادل"، استفاد من الخلط والفوضى اللذين واكبا نشأة وتطور استخدام المفهوم ومعلوم أن "من يطلق الأسماء على الأشياء فهو يمتلكها"
إن الإصرار الأمريكي والأوروبي والصهيوني على تصنيف حركة "حماس" منظمة إرهابية يهدف إلى نزع الصفة السياسية عن عملها، ونزع الحصانة الإنسانية عن أعضائها، فوصف مقاومي حماس بالإرهابيين يضع جنود حماس في قائمة "محاربون لا شرعيّون"، بل إن حشر الفلسطيني في هوية جوهرانية إرهابية هي الأصل. ففي الصّحافة الإسرائيليّة والغربية كلّما تعرّض الجيش الإسرائيليّ لمقاومة غير منتظرة من الفلسطينيّين، اعتبرتها الصّحافة دليلا على عملهم الإرهابيّ، فحسب الرؤية الإمبريالية الغربية والاستعمارية الصهيونية لا يحقّ للإرهابيّ أن يقاوم، وهذه المفارقة تقع صميم الفكرة الّتي ينهض عليها برنامج "الحرب ضدّ الإرهاب"، هذه الحرب الغريبة الّتي يضحي فيها العدوّ مجرما بسبب دفاعه عن نفسه أو مقاومته.
خلاصة القول أن إسرائيل ليست دولة إرهابية عدوانية وتوسعية فحسب، بل هي أيضا دولة استعمارية استيطانية، تقوم على محو الشعب لفلسطيني، وجعل فلسطين "موطنا" للمهاجرين اليهود من جميع أنحاء العالم، فلم تقتصر الاستراتيجيات التي تنتهجها الدولة الصهيونية على المضايقات اليومية للفلسطينيين الذين يعيشون تحت وطأة احتلال عسكري وحشي. فقد انخرطت الدولة الصهيونية بشكل روتيني في التطهير العرقي بدم بارد وارتكبت المجازر والقتل العشوائي للفلسطينيين، ومارست انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان.
ولا تقتصر إسرائيل على استهداف الفلسطينيين فحسب، بل إن استراتيجياتها في التوسع الإقليمي والهيمنة وممارسة أقصى درجات العنف تستهدف أيضا العالمين العربي والإسلامي. فإسرائيل دولة شاذة تمارس الاستعمار الاستيطاني وتعتمد استراتيجيات الهيمنة والإرهاب والترهيب تجاه أي جهةٍ تعتبرها "معادية"، وهي تمارس إرهاب الخطف، والتهديد، والعمليات السرية ضد أهدافٍ داخل حدودها وخارجها، كما أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة المتبقية في العالم التي تمارس نظام الفصل العنصري.
ومن الغريب أن حدود إسرائيل الإقليمية مجهولة، وهي دولة توسعية لم تكفّ عن انتهاج سياساتٍ عدوانية تجاه جيرانها العرب، رغم أنهم لم يعودوا يُشكلون أي تهديدٍ أو إزعاج لأمنها، وهو ما يكشف عن حقيقة الكيان الاستعماري الصهيوني وطبيعة علاقته كمتراس متقدم للغرب الذي تقوده الولايات المتحدة.
x.com/hasanabuhanya