تحصين المجتمع من التشدد والتعصب والتحزُّب
تاريخ النشر: 22nd, September 2024 GMT
أحمد بن موسى البلوشي
في ظل التحديات الراهنة التي يُواجهها العالم، وفي عالمنا المُعاصر المُتشابك، حيث تتقاطع الثقافات والحضارات، تبرز أهمية الحفاظ على النسيج الاجتماعي وتحصينه من الآفات التي تُهدد وحدته وتماسكه، لذا أصبح من الضروري العمل على تحصين المجتمع من مختلف أشكال التشدد والتعصب والتحزُّب.
تلك الظواهر السلبية التي تؤثر على الاستقرار الاجتماعي والوطني، والتي تتطلب تدخلاً فاعلاً من كافة مكونات المجتمع، بدءًا من الأسرة، ومرورًا بالمؤسسات التعليمية، وانتهاءً بالإعلام والمُجتمع المدني.
وهناك الكثير من الأسباب التي تؤدي إلى ظهور مثل هذه الظواهر من أهمها: الجهل فهو واحد من أهم العوامل التي تؤدي إلى التشدد والتعصب، فنقص المعرفة الصحيحة أو التفسير الضيِّق لبعض القضايا الدينية أو الثقافية يمكن أن يدفع الأفراد إلى الانغلاق على أفكار مُتشددة، وعندما يفتقد الشخص للمعرفة الشاملة، فإنِّه قد يفسر المعلومات بطريقة خاطئة تؤدي إلى تبرير أفكار متطرفة دون النظر إلى الصورة الأكبر أو استيعاب التنوع الموجود في العالم.
بعض وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي في مختلف دول العالم تؤدي دورًا سلبيًا في نشر التعصب والتشدد من خلال بث محتويات تحرض على الكراهية والتفرقة بين الفئات المُختلفة، ويمكن لهذه الوسائل أن تروج لروايات مُضللة أو مشوهة تخلق حالة من الاستقطاب الاجتماعي، مما يؤدي إلى تعزيز الأيديولوجيات المتطرفة.
التحزُّب يمكن أن يؤدي إلى تعزيز الانقسامات داخل المجتمع؛ حيث يقوم الأفراد بالانتماء إلى جماعات مُعينة بناءً على الأيديولوجيات أو المصالح الشخصية؛ مما يؤدي إلى نشر روح التحزُّب الضيقة. والأفراد الذين ينخرطون في هذه الجماعات غالبًا ما يكونون مستعدين للتضحية بمبادئ التعايش السلمي في سبيل تحقيق أهداف الجماعة، وهو ما يعزز ظاهرة التشدد ويؤدي إلى الصراع الداخلي.
وعندما يضعف الإحساس بالهوية الوطنية أو الانتماء للمجتمع، يكون الأفراد أكثر عرضة للتأثر بالجماعات المتشددة التي تستغل هذا الضعف لتجنيدهم، فالهوية الوطنية عادةً ما تعزز القيم المشتركة والانتماء لمجتمع موحد، وعندما يحدث تآكل لهذه الهوية، يمكن للأفكار المتطرفة أن تستغل هذا الفراغ لتقديم بدائل تحرض على الكراهية والانقسام.
واستخدام الدين كوسيلة لنشر الأفكار المتطرفة هو أحد الأسباب الرئيسية وراء ظهور التشدد، فالتفسيرات الدينية الضيقة التي تعتمد على تأويلات خاطئة للنصوص الدينية تدفع الأفراد نحو التشدد، وعندما يغيب الفهم الصحيح والواعي للدين، يصبح من السهل استغلال الأفراد باسم العقيدة لنشر العنف والكراهية.
ولا شك أنَّ معالجة ظواهر التشدد والتعصب والتحزُّب تتطلب تضافر جهود جميع قطاعات المجتمع من الأسرة، والمؤسسات التعليمية، والدينية، والإعلامية، والحكومة لها دور محوري في التصدي لهذه الظواهر من خلال معالجة الأسباب الجذرية التي تؤدي إلى انتشارها.
إنَّ الأسرة هي المحطة الأولى التي يتعلم فيها الأطفال القيم والمبادئ، فيجب على الأسرة غرس مبادئ التسامح، الحوار، والاعتدال في نفوس أبنائها، وأن يحرص الوالدان على توفير بيئة تعليمية مفتوحة تشجع على التفكير النقدي واحترام التنوع الثقافي والديني، ويجب عليها أن تكون واعية بالمصادر التي يتعرض لها أبناؤها، سواء من الإنترنت أو وسائل الإعلام أو الأصدقاء، وأن تقوم بتوجيه الأبناء نحو المصادر الصحيحة التي تعزز التفكير المستنير وتجنب الأفكار المتطرفة. يجب على الأسرة غرس حب الوطن والانتماء إلى المجتمع، فالشعور بالانتماء والهوية الوطنية هو سلاح قوي في مواجهة الفكر المتشدد.
ويتعين على المؤسسات التعليمية أن تعزيز التعليم النقدي والوعي الثقافي من خلال توفير مناهج تعليمية تتضمن موضوعات حول التعايش السلمي والتعددية الثقافية والدينية، ويجب عليهم تشجيع الطلبة على المشاركة في النقاشات المفتوحة والأنشطة التي تعزز التعاون والتفاهم بين الثقافات المختلفة. هذه الأنشطة يمكن أن تساهم في تنمية شعور الانتماء الوطني.
كما يجب على المؤسسات الدينية العمل على نشر التفسير الصحيح والمتوازن للنصوص الدينية، وتوضيح أن الدين الإسلامي يدعو إلى التسامح والاعتدال، ويجب أن يتم التصدي للفهم الضيق والمتشدد للدين من خلال توجيه الناس نحو قيم الوسطية والاعتدال. كذلك من الضروري أن تتواصل المؤسسات الدينية مع الشباب بطرق حديثة وجاذبة، وتوضح لهم أهمية التفكير النقدي في الدين وتفسيره في سياق القيم الإنسانية العامة.
والإعلام له دور رئيسي في تشكيل الرأي العام، فيجب أن يلعب دورًا في مكافحة الأخبار المزيفة والمعلومات المضللة التي قد تؤدي إلى نشر التشدد، ويجب على وسائل الإعلام كذلك تقديم محتويات تحقق التوازن بين الترفيه والتثقيف.
وعلى الحكومات أن تعمل على تعزيز الهوية الوطنية عبر سياسات التعليم والإعلام والثقافة، فالاهتمام بتنمية حس الانتماء الوطني لدى الشباب يقلل من فرص انجرافهم نحو الجماعات المتشددة، ويجب على الحكومة أيضًا وضع تشريعات صارمة لمكافحة التطرف والتحريض على العنف. هذه التشريعات يجب أن تشمل مراقبة الأنشطة التي تعزز التشدد في المجتمع.
والجمعيات والفرق المجتمعية والخيرية الرسمية يمكن أن تقوم بدور كبير في التوعية بخطر التشدد والتعصب، فيمكن لهذه الجمعيات تنظيم ورش عمل وحملات توعية تستهدف جميع شرائح المجتمع، لتوضيح أخطار التحزُّب والتطرف وضرورة تعزيز الوحدة الوطنية، وكذلك من خلال الفعاليات المجتمعية، يمكن تعزيز الحوار بين الثقافات والفئات المختلفة، مما يساهم في الحد من التعصب والتطرف.
وأخيرًا.. إنَّ تحصين المجتمع من التشدد والتعصب والتحزُّب يعتمد بشكل أساسي على دور الأسرة في تنشئة أبنائها على المبادئ السمحة، وكذلك على الدور المشترك للمؤسسات التعليمية والإعلام والمجتمع المدني، فالوعي الديني الصحيح والحوار المفتوح هما المفتاح لمجتمع متسامح ومتوازن. فقط من خلال العمل الجماعي والشامل يمكننا بناء مجتمع يحترم الآخر ويرفض الانزلاق في دوامة التشدد والتطرف.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وكيل وزارة الأوقاف: نهدف من الفعاليات تعزيز قيم التسامح بين أفراد المجتمع بالإسكندرية
أكد الدكتور عاصم قبيصي رئي هيئ الاوقاف بالإسكندري على أهمية هذه الاحتفالات بليلة الاسراء والمعارج التي تشهدها مختلف المساجد بالمحافظة والتي تتضمن جلسات للذكر، والابتهالات، واستعراض جوانب من السيرة النبوية، بهدف استحضار معاني الرحلة المباركة وتعريف المجتمع بجوانبها الروحانية والتربوية.
وأوضح وكيل الوزارة أن المناسبة ليست مجرد احتفال عابر، بل فرصة ثمينة لغرس القيم الإسلامية الأصيلة في قلوب الأجيال الصاعدة، خاصة الشباب والأطفال، وتعزيز الانتماء الديني والهوية الإسلامية.
وأضاف قبيصي أن الوزارة تهدف من خلال الفعاليات إلى نشر الوعي الديني وتعزيز قيم التسامح والمحبة والتعاون بين أفراد المجتمع، مشددًا على أن ذكرى الإسراء والمعراج تحمل في طياتها دروسًا عظيمة تدعو إلى التأمل والعمل بروح الإخاء والإنسانية.
جاء ذلك خلال احتفالية ليلة الإسراء والمعراج بمسجد مرسى ابو العباس بالإسكندرية الذي نظمته مديرية الأوقاف بالإسكندرية، في مسجد المرسي أبو العباس. وذلك بحضور فضيلة الدكتور عاصم قبيصي وكيل وزارة الأوقاف، وعدد من القيادات الدينية والتنفيذية والأمنية بالمحافظة.
وقدم الفريق أحمد خالد محافظ الإسكندرية التهنئة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية والشعب المصري والأمة العربية والإسلامية بصفة عامة ومواطني الإسكندرية بصفة خاصة بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج، تلك المعجزة الكبري الفريدة التي اختص بها الله _عز وجل_نبيه محمد صلي الله عليه وسلم. سائلاً المولى عز وجل أن يعيدها على شعب مصر وعلى شعوب الأمـتين العربيـة والإسلامية بالتقدم والرخاء.
بدأ الاحتفال بالاستماع إلى آيات من القرآن الكريم، ثم تسليط الضوء على أبرز الدروس المستفادة من تلك الذكرى العطرة، حيث الحديث عن الدروس المستفادة من رحلة الإسراء والمعراج وأهمية الاستفادة منها في حياتنا اليومية، والاقتداء بخلق وسنة سيدنا محمد أشرف الخلق أجمعين.
وشهدت الاحتفالية تلاوة القرآن الكريم والابتهالات الدينية التي قدمها العديد من الأئمة، وسط أجواء من الخشوع والتضرع، مما أضاف أجواء روحانية مفعمة بالإيمان والتأمل.