لخنق الاقتصاد الفلسطيني.. إسرائيل تسعى لإلغاء الورقة النقدية فئة 200 شيكل
تاريخ النشر: 22nd, September 2024 GMT
دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ومحافظ بنك إسرائيل أمير يارون ورؤساء سلطة الضرائب وهيئة مكافحة الجريمة في المجتمع العربي إلى عقد جلسة نقاش حول إلغاء ورقة الـ200 شيكل، ما يضع مليارات الشواكل في الأراضي الفلسطينية أمام خطر تعنت البنوك الإسرائيلية في استقبال الشيكل من البنوك العاملة بها.
وذكرت صحيفتا غلوبس وجيروزاليم بوست الإسرائيليتان أن الخطوة من شأنها أن تساعد في مكافحة المال الأسود، ووفق مؤيديها فإنها ستضيف أكثر من 20 مليار شيكل (5.28 مليارات دولار) إلى خزينة إسرائيل.
والمال الأسود هو المكتسب من أنشطة غير قانونية كما يشمل الدخل القانوني الذي لا يتم تسجيله لأغراض ضريبية.
ونقلت صحيفة غلوبس عن مصادر مطلعة على الأمر، لم تسمها، قولها إن ثمة دعما واسع النطاق من كبار المسؤولين الحكوميين، بما في ذلك رئيس سلطة الضرائب، شاي أهرونوفيتش، لإلغاء الورقة النقدية.
وقال مصدر إن ضغط هؤلاء المسؤولين في هذا الأمر هو على الأرجح السبب وراء التقدم السريع في الخطة؛ فقد كانت السلطة تدفع منذ سنوات نحو الحد من استخدام النقد، كما أن رئيسة سلطة مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب الإسرائيلية إيليت أوستروفيتش ليفي تدعم هذا الأمر، في حين أعرب كبار المسؤولين في وزارة المالية عن دعمهم كذلك.
تحذيراتويعتقد الخبير في الشأن الإسرائيلي، الدكتور أحمد البهنسي أن هذه الخطوة تأتي ضمن خطة إسرائيلية يقودها وزير المالية لخنق الاقتصاد الفلسطيني لا سيما السلطات المالية والاقتصادية.
وثمة أصوات من داخل إسرائيل تحذر من خروج الأوضاع عن السيطرة أمنيا في الضفة الغربية جراء الضغوط الاقتصادية، وهي الأمور التي لا يكترث بها وزير المالية ولا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يدفع باتجاه إلغاء الـ200 شيكل الأمر الذي يصعّب على البنوك الفلسطينية والأفراد إيداع أموالهم لدى البنوك الإسرائيلية في ظل القيود الحالية وبالتالي تعريضهم لفقدان ما لديهم من قيمة النقد، يضيف البهنسي للجزيرة نت.
مشكلة تكدس الشيكل بالبنوك الفلسطينيةيشار إلى أن سلطة النقد الفلسطينية (البنك المركزي الفلسطيني) حذرت من تداعيات استمرار امتناع إسرائيل عن استقبال الشيكل المتراكم لدى البنوك العاملة في الأسواق الفلسطينية.
وبحسب بيانات تعود لسلطة النقد الفلسطينية، فإن الكميات التي تتكدس سنويا لدى القطاع المصرفي الفلسطيني تفوق 18 مليار شيكل (ما يعادل 5 مليارات دولار)، بينما تجاوزت في السنوات القليلة الماضية حاجز 22 مليار شيكل (ما يعادل 6 مليارات دولار).
وحتى عشية حرب إسرائيل على غزة، كانت سلطة النقد الفلسطينية وبنوك إسرائيلية، تنسقان لتحويل الكتلة النقدية الفائضة، بمتوسط ربع سنوي يبلغ تقريبا 4 مليارات شيكل (1.05 مليار دولار).
ويعتبر الشيكل أداة الدفع والأجور الرئيسية في السوق الفلسطينية، وهو العملة المعتمدة إلى جانب الدولار الأميركي والدينار الأردني، وفق بروتوكول باريس الاقتصادي الموقع عام 1994 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل.
ومع تصاعد أزمة تكدس الشيكل لدى البنوك، تصبح المصارف في وضع يجعلها بشكل متباين غير قادرة على استقبال ودائع من عملائها بالعملة الإسرائيلية.
تكاليف الحرب على غزةوتأتي هذه الخطوة في وقت يتسع فيه عجز الميزانية الإسرائيلية جراء تصاعد النفقات الحربية مع تعدد جبهات الحرب.
وسجّلت إسرائيل عجزًا في الميزانية قدره 12.1 مليار شيكل (3.24 مليارات دولار) في أغسطس/آب الماضي، وفق وزارة المالية الإسرائيلية التي أشارت إلى أن نسبة العجز إلى الناتج المحلي الإجمالي ارتفعت خلال 12 شهرا حتى أغسطس/آب الماضي إلى 8.3% مقابل 8% في يوليو/تموز السابق عليه، ومقارنة بهدف 6.6% لعام 2024 بأكمله.
وبلغ الإنفاق على الحرب في غزة وتداعياتها التي اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي نحو 97 مليار شيكل (26 مليار دولار).
وفي أغسطس/آب نمت الإيرادات الضريبية 8.1%، و1.9% خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري.
ويقول أحمد البهنسي إن الخطوة الإسرائيلية المقترحة لا يمكن قراءتها بمنأى عن التصريحات الإسرائيلية المتواترة بشأن كلفة الحرب التي تخطت 200 مليار شيكل (52.9 مليار دولار) إلى الآن، فضلا عما سيتعين على إسرائيل دفعه من تعويضات للمتضررين الذين تم إجلاؤهم أو تضررت منازلهم أو ممتلكاتهم جراء الحرب.
ويضيف البهنسي أن ثمة تململا أميركيا ومن بعض الدول الأوروبية من استمرار الدعم المالي لإسرائيل في حرب لا تنتهي ولا أفق سياسيا لها حتى تتوقف.
وبموجب الاقتراح بإلغاء الورقة النقدية ذات الـ200 شيكل، تم اقتراح خطوات رئيسية كالتالي:
إلغاء الورقة: الخطوة الأولى والأكثر إثارة للجدل هي إلغاء أوراق النقد من فئة 200 شيكل، والتي تشكل وفقًا لبنك إسرائيل ما يقرب من 80% من قيمة الأوراق النقدية في السوق.ويقول مؤيدو الخطة إن هذه الخطوة من شأنها أن تسمح بخفض كبير في حجم النقد المتداول، وتجبر المتهربين من الضرائب على الإبلاغ عن أنفسهم ودفعهم إلى خزائن الدولة من أجل استبدال الأوراق النقدية أو إيداعها ـ أو خسارتها. الكشف الطوعي
الخطوة التالية هي عملية الكشف الطوعي، والتي من شأنها أن تسمح لأولئك الذين يحتفظون بمبالغ نقدية كبيرة بإيداعها على الفور، مع "الحصانة من التهم الجنائية المتعلقة بعدم الإبلاغ عن الدخل، ودفع ضريبة مخفضة دون عقوبات".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات ملیارات دولار ملیار شیکل
إقرأ أيضاً:
مقترح بلا ضمانات… لماذا ترفض المقاومة الفلسطينية المقترحات “الإسرائيلية”؟
في الوقت الذي تتصاعد فيه الدعوات الدولية لاستئناف الهدنة في قطاع غزة، تبدو الفجوة بين طروحات الاحتلال الإسرائيلي ومطالب المقاومة الفلسطينية أوسع من أي وقت مضى، فالمقترح الإسرائيلي الأخير، الذي رُوّج له إعلاميًا باعتباره خطوة نحو التهدئة، لا يحمل في طياته سوى شروط تعكس أهدافًا استراتيجية تسعى لتفكيك قوة حماس وسحب أوراقها التفاوضية، في مقابل تقديم تنازلات شكلية لا تلبّي الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية.
هدنة مؤقتة لا تلبي الشروط الأساسية
الموقف الفلسطيني الرافض لمقترح الاحتلال لم يكن وليد رغبة في التصعيد، بل جاء كرد طبيعي على بنود تحمل نوايا خفية أكثر من كونها مبادرات سياسية، فحسب مصدر بارز في المقاومة، فإن جوهر الطرح الإسرائيلي لا يستجيب للمطالب الجوهرية المعلنة، وعلى رأسها وقف شامل ودائم لإطلاق النار، وانسحاب كامل لقوات الاحتلال من القطاع، وبدلًا من ذلك، يقترح الاحتلال “هدنة مؤقتة” مدتها 45 يومًا، يُسمح خلالها بمرور المساعدات الإنسانية عبر المعابر، ولكن بشروط يحددها الجانب الإسرائيلي، ما يُبقي قبضة الحصار مفروضة ولو بصيغة جديدة.
الهدف غير المعلن: نزع أوراق القوة من يد حماس
القراءة التحليلية لبنود المقترح تشير إلى أنه لا يُراد له أن يكون اتفاقًا لإنهاء الحرب، بل أداةً لفرض وقائع سياسية جديدة، فتركيز المقترح على استعادة تسعة أسرى إسرائيليين، بينهم جندي يحمل الجنسية الأمريكية، يعكس رغبة الاحتلال في استعادة “ورقة الأسرى” كأولوية تفوق أي اعتبار إنساني يتعلق بأهالي غزة، بل إن المصدر ذاته يؤكد أن الطرح يهدف إلى سحب هذه الورقة تدريجيًا من يد حماس، باعتبارها أحد أهم عناصر الضغط التي تملكها الحركة.
ويُضاف إلى ذلك، تضمّن المقترح بندًا ينص على إعادة تموضع الجيش الإسرائيلي في غزة على نحو ما كان عليه قبل الثاني من مارس، وهي صيغة تعني استمرار الاحتلال الفعلي، سواء عبر التمركز العسكري المباشر أو السيطرة على المجالين الجوي والبحري، بما يفرغ أي حديث عن “التهدئة” من مضمونه الحقيقي.
استراتيجية “التهدئة المشروطة”.. إعادة إنتاج الحصار
من الناحية السياسية، يبدو أن “إسرائيل” تسعى لإعادة صياغة مفهوم الحصار عبر أدوات جديدة، فبدلًا من الحصار العسكري الصريح، يُطرح الآن “فتح مشروط للمعابر” لفترة مؤقتة، بما يُبقي مصير غزة بيد الاحتلال، وهذه الاستراتيجية تُعيد إلى الأذهان سيناريوهات التهدئة السابقة التي فشلت لأنها لم ترتكز على ضمانات دولية ملزمة، ولم تُحقق أي تغيير جوهري في حياة الفلسطينيين، بل إن هذا النوع من التهدئة المشروطة يُستخدم عادة لكسب الوقت، وإعادة التموضع، وتفكيك المقاومة من الداخل عبر خلق حالة إنهاك وإرباك سياسي وأمني.
إعادة التمركز لا تعني الانسحاب
البند المتعلق بـ”التمركز العسكري قبل الثاني من مارس” لا يمثل سوى عودة إلى مرحلة تصعيدية سابقة، فهذا التاريخ يُمثل ذروة العمليات البرية التي شنّها جيش الاحتلال داخل القطاع، وبالتالي فإن العودة إلى تلك الوضعية تُعدّ بمثابة تثبيت لواقع الاحتلال وليس العكس، كما أن المقترح لا يشير إلى أي نية للانسحاب الكامل من غزة، وهو مطلب جوهري لدى المقاومة، ما يُفقد المقترح أي جدية في تحقيق تهدئة حقيقية.
الرهان على الزمن.. تكتيك إسرائيلي مألوف
ما تقوم به “إسرائيل” ليس جديدًا؛ فالرهان على عامل الزمن، عبر مقترحات مؤقتة، هو جزء من تكتيكها المعروف لإدارة الصراع وليس حله، وقد استخدمت هذه الاستراتيجية في جولات سابقة من المواجهة، حيث تسعى لتجميد الوضع الميداني لفترة محددة، تسمح لها بإعادة ترتيب أوراقها العسكرية والسياسية، دون أن تُقدّم أي التزامات حقيقية للفلسطينيين، وفي هذا السياق، فإن ما يُطرح اليوم لا يختلف في جوهره عن مبادرات سابقة فشلت لأنها لم تكن سوى محاولات لفرض الاستسلام بغطاء دبلوماسي.
حماس بين الضغط والتريث
المعطى الجديد في المشهد هو موقف حماس، التي لم تُعلن رفضها الرسمي للمقترح لكنها لم تُقدّم ردًا نهائيًا أيضًا، ما يدل على أن الحركة تدير الموقف بتأنٍ شديد، في ظل توازن معقد بين الضغوط العسكرية والسياسية والإنسانية، فالحركة تدرك أن أي خطوة نحو قبول مقترح هشّ قد يُفقدها دعمًا شعبيًا واسعًا، وخاصة في ظل تصاعد الغضب الفلسطيني والعربي نتيجة استمرار العدوان الإسرائيلي، وفي الوقت ذاته، فإن التريث يسمح لحماس بقراءة المشهد الإقليمي والدولي، وخاصةً في ظل تنامي الأصوات المطالبة بوقف فوري للحرب، وارتفاع منسوب الإدانة للجرائم الإسرائيلية.
غياب الضمانات الدولية.. مأزق أي اتفاق محتمل
ما يفاقم هشاشة المقترح الإسرائيلي هو غياب أي آلية دولية تضمن تنفيذ بنوده. فحتى في حال قبول حماس بوقف مؤقت لإطلاق النار، فإن التجربة السابقة تُظهر أن الاحتلال لا يلتزم بأي تفاهمات ما لم تُقيدها قوة دولية قادرة على المحاسبة، وفي ظل تواطؤ بعض القوى الكبرى مع الرؤية الإسرائيلية، وتراجع فعالية المؤسسات الدولية، تبدو أي ضمانات مجرد وعود شفوية لا تلبث أن تنهار تحت ضغط التغيرات الميدانية.
الخشية من فخ النزع التدريجي للسلاح
أخطر ما في الطرح الإسرائيلي هو ما بين السطور.. فتح الطريق أمام مرحلة جديدة من الضغط السياسي والعسكري لنزع سلاح المقاومة، دون خوض معركة مباشرة، فالمقترح يُمهّد لحالة من التفكيك التدريجي لقدرات حماس، عبر إدخالها في مسارات تفاوض طويلة، تُستنزف خلالها سياسيًا وعسكريًا، ويُعاد فيها تشكيل البيئة الأمنية في غزة وفقًا للرؤية الإسرائيلية، وهذا ما يُفسر إصرار المقاومة على التمسك بشروطها الأساسية، ورفضها لأي صيغة تُعيد إنتاج الاحتلال أو تُفرّغ انتصاراتها الميدانية من مضمونها.
في النهاية، في ضوء ما تقدّمه “إسرائيل” من مقترحات ظاهرها التهدئة وباطنها الهيمنة، تبرز معادلة جديدة تُختبر فيها صلابة الموقف الفلسطيني وقدرته على الصمود السياسي بعد الصمود الميداني، فالعرض الإسرائيلي الأخير ليس سوى حلقة في سلسلة طويلة من المحاولات التي يسعى من خلالها الاحتلال لتفكيك بنية المقاومة، ليس عبر الحرب المفتوحة فقط، بل من خلال ما يُروّج له كمساعٍ دبلوماسية وإنسانية.
تركيز الاحتلال على استعادة الأسرى، وإصراره على فتح المعابر بشروطه، وتحديده لفترة تهدئة مؤقتة، ثم الإبقاء على وجوده العسكري بطريقة أو بأخرى، كلها مؤشرات على أن المقترح يفتقر لأي نية حقيقية لإنهاء العدوان، بل يُراد له أن يكون وسيلة ضغط مركبة: استنزاف سياسي لحماس، وإنهاك مجتمعي لسكان غزة، وتلميع لصورة “إسرائيل” دوليًا على أنها تسعى لـ”السلام”، لكن ما يغفله الاحتلال أن المقاومة الفلسطينية، وبعد سنوات من المواجهة والخبرة، لم تعد أسيرة الأوهام الدبلوماسية، فقراءة الحركة للمقترح تعكس نضجًا في فهم أبعاد الصراع، وتؤكد أن الميدان ليس وحده من يحسم المعركة، بل الوعي بطبيعة الخصم وأدواته السياسية.