طبول حرب بين إسرائيل وحزب الله...أين إيران؟
تاريخ النشر: 22nd, September 2024 GMT
قال الكاتب الإسرائيلي، راز زيميت، إن النظام الإيراني يرفض الرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، موضحاً أن هناك عدداً من الأسباب والعوامل التي جعلته يؤجل أو يتجنب خطته الأصلية للانتقام.
وأضاف زيميت في مقال بصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، تحت عنوان "إسرائيل تصعد ضد حزب الله.. أين إيران"، أنه بعد أيام قليلة من اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية، إسماعيل هنية، في قلب طهران، تم التقدير بأن إيران قد تنفذ هجوماً عسكرياً آخر على إسرائيل.
وقال الكاتب إنه رغم تلك التهديدات، فإن الرد لم يصل بعد، ويبدو أن القيادة الإيرانية تراجعت، على الأقل حتى الآن، عن نيتها لتكرار أحداث أبريل (نيسان).
توصيات إسرائيلية بتحويل "هجوم البيجر" إلى نقطة تحول https://t.co/VMkE1cJQ3h pic.twitter.com/u2lFarO0l4
— 24.ae (@20fourMedia) September 19, 2024عوائق أمام إيران
وفقاً للكاتب، فإن تعزيز القوات الأمريكية في المنطقة، والهجوم الإسرائيلي على ميناء الحديدة في اليمن، والذي أظهر قدرة إسرائيل على إلحاق أضرار جسيمة بالبنى التحتية الاقتصادية الحيوية، ودخول إدارة جديدة في طهران تسعى جاهدة إلى تجديد المحادثات النووية وحل الأزمة الاقتصادية، كلها أمور لعبت دوراً في قرار تجنب تنفيذ خطتها الأصلية.
معادلة صعبة
وأضافت أن الفجوة الملحوظة بين الالتزام الإيراني بالرد بقوة على اغتيال إسماعيل هنية، والتنفيذ الفعلي، تثير بعض الرؤى المُحتملة، أولها، أن في مثل هذا الواقع الديناميكي، هناك حاجة إلى درجة أكبر من الحذر في تقييم نوايا وخطط الجانب الآخر، الذي يُجري عملية مستمرة لتقييم الوضع واتخاذ قرارات متغيرة، مستطرداً: "مهما كان سبب التأخير في تحقيق الوعد بالانتقام لاغتيال هنية، فمن الواضح أن إيران تجد صعوبة في تحقيق المعادلة الجديدة التي أرستها بنفسها قبل بضعة أشهر فقط، عندما تعهد قائد الحرس الثوري بالرد بقوة، ومهاجمة إسرائيل من الأراضي الإيرانية لأي اعتداء إسرائيلي على مصالح إيران وكبار مسؤوليها أو مواطنيها، إن القيود التي تواجه إيران، وكذلك حزب الله، تتطلب أحياناً التراجع عن القرارات التي تم اتخاذها بالفعل، نظراً لتغيرات الوضع"، مشيراً خصوصاً إلى أن سلسلة التفجيرات في لبنان، التي كشفت الاختراق الاستخباراتي والأمني لحزب الله، تثير قلقاً كبيراً في إيران أيضاً.
دراسة البدائل
أما عن الرؤية أو الافتراض الثاني الذي تحدث عنه الكاتب، فمن الممكن التأثير على الطرف الآخر، سواء أثناء مرحلة اتخاذ القرار أو بعدها، لافتاً إلى أن الانزلاق إلى حرب شاملة ليس عملية حتمية ويمكن إيقافه أو تأخيره على الأقل.
وأضاف أنه يمكن الافتراض أن التهديدات التي وجهت إلى إيران خلال شهر أغسطس (آب)، ورافقها انتشار عسكري أمريكي غير مسبوق، لعبت دوراً مهماً في قرارها بدراسة بدائل الرد العسكري المباشر، مشيراً إلى أن النشاط الذي قام به الجيش الإسرائيلي خلال الأيام الأخيرة، والذي كان يهدف إلى تقليص قدرات حزب الله، قد يؤثر على رد التنظيم على تفجيرات وسائل الاتصال في لبنان واغتيال القيادي الكبير في المنظمة إبراهيم عقيل.
وأضاف "لاشك أن حزب الله ملتزم برد ساحق على إسرائيل، لكن الضربة التي تلقاها قد تؤثر على طريقة الرد، ويمكن الافتراض أن سلسلة التفجيرات في لبنان، التي كشفت اختراق حزب الله استخبارياً وأمنياً، تثير قلقاً كبيراً في إيران التي فوجئت بعمق الاختراق عندما تم اغتيال إسماعيل هنية في مجمع آمن للحرس الثوري الإيراني في قلب طهران".
إسرائيل تتساءل: هل يفقد حسن نصر الله عقله؟https://t.co/GzoOpmiQd8
— 24.ae (@20fourMedia) September 20, 2024تأثير جبهة غزة
ثالثاً، يشير الكاتب إلى أن التطورات الأخيرة في المعركة بقطاع غزة تؤثر أيضاً على تقييم الوضع ونمط عمل اللاعبين الإقليميين، وعلى رأسهم إيران وحزب الله، حيث إنه تم التوصل في بيروت وطهران إلى اقتناع مفاده أن وقف إطلاق النار في غزة، والذي سيسمح لحزب الله بوقف القتال في الشمال، لن يتحقق قريباً، وبالتالي فإن ما هو على المحك الآن هو حرب استنزاف طويلة الأمد لا يعرف متى وكيف ستنتهي.
واختتم الكاتب مقاله "بعد ما يقرب من عام من الحرب، يتعين على الجانبين إعادة تقييم الافتراضات الأساسية التي ارتكزت عليها قراراتهما وسياساتهما في المراحل الأولى من الحملة. إن الانتقال إلى حملة عسكرية مستمرة، يفرض تحديات كبيرة ليس فقط على إسرائيل، ولكن أيضاً على إيران ووكلائها، ويتطلب منهم إعادة النظر في استراتيجيتهم ومجموعة الاعتبارات وأساليب العمل، ومن المناسب أن يتم فحص هذا الواقع الجديد وتداعياته في تل أبيب أيضاً، وليس فقط في طهران وبيروت فقط".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: تفجيرات البيجر في لبنان رفح أحداث السودان الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية تفجيرات البيجر في لبنان لبنان حزب الله إسرائيل إسماعیل هنیة على إسرائیل حزب الله
إقرأ أيضاً:
هندسة الانتصار الرمادي: صراع إيران والولايات المتحدة وإسرائيل
في الأدبيات التقليدية للعلاقات الدولية، ارتبط مفهوم النصر بالقدرة على تحقيق تغيير جوهري في ميزان القوى عبر الوسائل العسكرية أو الاقتصادية المباشرة، إلا أن التطورات الأخيرة التي شهدها الصراع الإيراني-الأمريكي-الإسرائيلي تفرض إعادة التفكير في هذا المفهوم.
لقد استطاعت إيران، بقيادة هيكل سياسي مركب، أن تحقق مكاسب استراتيجية صلبة دون أن تدخل حربا مباشرة أو أن تتعرض لانهيار داخلي. لم ينتج هذا الإنجاز من "مواجهة" كما تفترض الأدبيات الكلاسيكية، بل من عملية أعقد وهي هندسة مستمرة للبيئة الاستراتيجية بطريقة جعلت الحرب خيارا مكلفا أكثر من أي تسوية أخرى.
في هذا الإطار، يتحتم علينا أن نقرأ ما جرى كـ"انتصار رمادي"، ليس انتصارا عسكريا صريحا ولا هزيمة سياسية واضحة لخصوم إيران، بل حالة وسطى تميزت بقدرة طهران على إعادة تعريف حدود اللعبة دون الحاجة إلى كسر القواعد القائمة. ما نفعله هو معرفة محددات السياسة الخارجية الإيرانية في الأزمات وليس تمجيدها، وهذا ما يجعلنا قادرين على تفسير المشهد الإقليمي في الشرق الأوسط من التهديدات الإسرائيلية باستهداف المنشآت النووية الإيرانية إلى طاولة المفاوضات التي يقودها ترامب مع الإيرانيين.
من الخطأ اختزال الأداء الإيراني في مواجهة إدارة ترامب بأنه مجرد "صبر استراتيجي"؛ ما فعلته إيران كان أكثر تعقيدا، لقد مارست إدارة الشك بين خصومها، أي جعلت النوايا الإيرانية ضبابية إلى درجة أضعفت الحسابات الغربية
من الخطأ اختزال الأداء الإيراني في مواجهة إدارة ترامب بأنه مجرد "صبر استراتيجي"؛ ما فعلته إيران كان أكثر تعقيدا، لقد مارست إدارة الشك بين خصومها، أي جعلت النوايا الإيرانية ضبابية إلى درجة أضعفت الحسابات الغربية.
لم تتصرف إيران كفاعل يسعى إلى الصدام، لكنها في ذات الوقت لم تقدم مؤشرات استسلام أو انكسار. كل عملية (مثل إسقاط الطائرة المسيرة أو الرد على اغتيال قاسم سليماني أو العمليات التي عرفت بالوعد الصادق ضد إسرائيل) كانت مصممة لإبقاء هامش الشك مفتوحا؛ هل سترد إيران برد شامل أم محسوب؟ هل ستغلق مضيق هرمز أم لا؟
هذا التردد المنهجي لم يكن علامة ارتباك، بل أداة استراتيجية أضعفت قدرة الولايات المتحدة وإسرائيل على اتخاذ قرارات حاسمة، حيث إن الخيارات باتت تقوم على تخمينات لا على معطيات صلبة. بالتالي، الانتصار الإيراني هنا لم يكن في امتلاك القوة، بل في إدارة إدراك الخصم لهذه القوة.
وبدلا من الرضوخ للعقوبات القصوى، اتبعت إيران سياسة تقوم على استثمار الزمن لإضعاف فاعلية العقوبات ذاتها. من خلال الصبر المدروس، سمحت إيران بأن تظهر التكاليف الثانوية للعقوبات (التضخم في الغرب من ارتفاع أسعار الطاقة، تآكل شرعية الحصار دوليا، نمو المقاومة الاقتصادية محليا).
مع مرور الوقت، لم تعد العقوبات أداة ضغط فاعلة، بل تحولت عبئا على من فرضها، مما أجبر بعض القوى الأوروبية على التراجع التدريجي أو البحث عن قنوات خلفية للحوار مع طهران. بكلمات أخرى، لم تسعَ إيران لإسقاط العقوبات فورا، بل لجعل استمرارها أكثر كلفة من رفعها، وهو منطق مختلف جذريا عن نماذج "المواجهة المباشرة" أو "التفاوض التقليدي".
وفي مقابل الرغبة الإسرائيلية في حسم عسكري سريع، والإصرار الأمريكي على فرض اتفاق استسلام اقتصادي، اتبعت إيران استراتيجية "التآكل البطيء"، فهي لم تهدف إلى كسر أعدائها بضربة مفاجئة بل إلى إنهاك إرادتهم على مدى زمني طويل عبر مجموعة مركبة من الضغوط النفسية، والدبلوماسية، والعسكرية المحدودة، والاقتصادية.
وهكذا، لم تحقق إيران نصرا عسكريا كلاسيكيا، لكنها فرضت تحولا استراتيجيا؛ خصومها وجدوا أنفسهم يتراجعون عن سقوفهم القصوى دون تحقيق أي مكسب جوهري.
بعيدا عن التصورات التقليدية للصراع، نجحت إيران خلال فترة المواجهة مع إدارة ترامب في إدارة بيئة معقدة من القوى المتنافسة، مستغلة ما يمكن تسميته بتشظي الأولويات الإقليمية. فقد كانت الأطراف المحيطة بالصراع تتباين في حساباتها بشكل حاد، إسرائيل تدفع باتجاه الحسم العسكري السريع مهما كان الثمن، مدفوعة بمخاوف وجودية، بينما بدا أن دول الخليج، رغم خصومتها التقليدية مع طهران، أكثر ميلا إلى تجنب سيناريوهات الحرب الشاملة التي قد تهدد استقرار أنظمتها الاقتصادية والسياسية. في الوقت ذاته، كانت أوروبا، من موقع مختلف، ترى أن الحفاظ على الاتفاق النووي، رغم تعثره، لا يزال الخيار الأقل كلفة لمنع الانزلاق إلى فوضى إقليمية أوسع.
هذا التباين في أولويات اللاعبين الأساسيين لم يمر دون أن تستثمره إيران ببراعة محسوبة، بل سعت ضمن استراتيجية مدروسة إلى إبراز التناقضات القائمة وتعميقها بطريقة تمنع بناء جبهة معادية موحدة. فبينما استمرت طهران في إرسال رسائل تطمينية لبعض دول الخليج عبر القنوات الخلفية، فإنها عمدت إلى توظيف التصعيد الإعلامي ضد إسرائيل بشكل مدروس، مما وضع الأخيرة في موقف المتشدد الوحيد أمام عواصم دولية باتت أكثر حذرا من مغامرات عسكرية مفتوحة. أما مع أوروبا، فقد حافظت إيران على الارتباط بالحد الأقل، مستخدمة الخطاب الدبلوماسي الرسمي كوسيلة للإبقاء على فكرة أن طهران ما تزال تؤمن بالحلول الدبلوماسية، ما وفر غطاء سياسيا ساعد في كبح جماح الضغوط التصعيدية الأمريكية.
رسمت إيران معادلة جديدة للصراع الإقليمي والدولي، معادلة تحتم على كل من يفكر بمستقبل الشرق الأوسط أن يتعامل مع طهران لا باعتبارها مجرد لاعب عنيد، بل بوصفها مركز ثقل استراتيجي مستقل بذاته
في موازاة ذلك، برز سلوك إيران في إعادة تعريف معادلة القوة بعيدا عن النماذج التقليدية للردع. فعوضا عن الاعتماد على الحشود العسكرية التقليدية أو عرض عضلات مكشوف، لجأت إيران إلى ممارسة نوع من استعراض القوة الرمزية، قوامه الكشف التدريجي عن عناصر قوة غير مرئية بالكامل. بناء المدن الصاروخية تحت الأرض، والحديث عن برامج أسلحة متقدمة مثل أنظمة البلازما، كانا موجهان ليس لإشعال الحرب، بل لصناعة بيئة إدراكية مشوشة تجعل من حسابات الخصوم مليئة بالثغرات والاحتمالات غير المؤكدة. هذا التكتيك المدروس زاد من صعوبة بناء نماذج حاسمة للرد العسكري ضد إيران، مما ساعد في ترسيخ حالة ردع غير متوازن ولكن فعّال.
ولعل الأهم من ذلك، أن إيران استطاعت أن تحول هذه البيئة التي تتصف بالضبابية إلى منصة تفاوضية متقدمة. لم تذهب طهران إلى أي مفاوضات بوصفها الطرف المهزوم الباحث عن مخرج، بل دخلت المفاوضات غير المباشرة، وكأنها شريك قادر على فرض شروطه أو على الأقل التمسك بثوابته الأساسية. فلم يكن شعار العودة إلى الاتفاق النووي مجرد محاولة للعودة إلى الوراء، بل كان وسيلة لدفع الخصم إلى الاعتراف بالوقائع الجديدة التي فرضها صمود إيران: أن العقوبات لم تسقط النظام، وأن التهديدات العسكرية لم تكسر إرادته، وأن الجبهة الداخلية رغم كل الضغوط ما تزال قادرة على التكيف مع تحدياتها في الاقتصاد والمجتمع.
بهذه الطريقة، استطاعت إيران أن تتحول من موقع الدفاع إلى موقع الفعل. فعلى عكس الرهانات الغربية التي اعتبرت أن الضغوط القصوى ستدفع النظام الإيراني إلى تقديم تنازلات حيوية، بدا أن من اضطر إلى مراجعة حساباته هي الأطراف الأخرى، بدءا من واشنطن وانتهاء ببعض العواصم الأوربية.
هنا بالضبط تتجلى عبقرية الانتصار الرمادي الذي حققته طهران. لم يكن هذا الانتصار واضح المعالم بالمعنى الكلاسيكي؛ لم يرفع أحد رايات النصر، ولم ينهزم طرف بشكل معلن، ولكن في أعماق بنية القوة والسياسة في المنطقة، فرضت إيران نفسها لاعبا لا يمكن تجاهله أو فرض الإملاءات عليه. تحولت الحرب من خيار قائم إلى خيار مستبعد، وتحول الضغط الأقصى إلى ورقة مفاوضات بأثمان متناقصة.
في النهاية، ما أنجزته إيران لا يمكن اختزاله في مفردات "الصبر الاستراتيجي" أو "الممانعة"، بل هو حالة متقدمة من إدارة ديناميات القوة في بيئة معادية متعددة الأقطاب، قائمة على استثمار الزمن، والتلاعب بالإدراك، وصناعة الشكوك، وتكريس مفهوم أن التغيير الإقليمي لا يمكن أن يتم دون أخذ مصالح طهران بعين الاعتبار.
بهذا الإنجاز، رسمت إيران معادلة جديدة للصراع الإقليمي والدولي، معادلة تحتم على كل من يفكر بمستقبل الشرق الأوسط أن يتعامل مع طهران لا باعتبارها مجرد لاعب عنيد، بل بوصفها مركز ثقل استراتيجي مستقل بذاته.
x.com/fatimaaljubour