إخوان مصر.. مسار سياسي جديد ومراجعات لم تكتمل
تاريخ النشر: 22nd, September 2024 GMT
جانب مهم من مراجعات جماعة الإخوان المسلمين (مصر) هو إدراكها لتغييرات المشهد السياسي المحلي والإقليمي والدولي عما كان عليه لحظة وقوع الانقلاب العسكري في 2013، أو بعده بسنوات. أجرت الجماعة تقديرا موضوعيا للمشهد السياسي سواء وضع الجماعة وحلفائها وأنصارها، أو وضع النظام وحلفائه، أو وضع المجتمع المصري بطبقاته وفئاته وتكويناته، أو الوضع الإقليمي وتحالفاته وتجاذباته، أو المشهد الدولي أيضا.
ضمن هذا المشهد الجديد أصبح أعداء الأمس للنظام أصدقاء اليوم (تركيا وقطر في الخارج) وأصدقاء الأمس معارضي اليوم (أحزاب الحركة المدنية، وأحزاب وتجمعات ونقابات أخرى، وقطاعات شعبية في الداخل)، وضمن هذا المشهد دعم إقليمي ودولي متصاعد للنظام تقديرا لدوره بعد طوفان الأقصى، بعد أن كان يواجه لحظات صعبة قبله؛ حتى أن صندوق النقد تشدد في مفاوضاته معه، وتوقفت بعض الدول الداعمة عن تقديم المزيد من الدعم، وتصاعدت حدة الانتقادات الدولية للملف الحقوقي المصري. وكل هذا تغير 180 درجة بعد طوفان الأقصى، لكن في الوقت نفسه فإن الطوفان قدم حتى الآن بارقة أمل جديدة لقوى التغيير، استلهاما لتجربة المقاومة الفلسطينية التي استطاعت مواجهة الحصار الممتد لستة عشر عاما، وتمكنت من تطوير قدراتها، وحققت المفاجأة الكبرى باقتحام مستوطنات وثكنات الاحتلال يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ولا تزال صامدة طيلة عام كامل في مواجهة جيش الاحتلال المدعوم بالإمكانيات العسكرية الأمريكية والأوروبية عموما.
لم يكن هذا الإعلان موجها للسيسي والطغمة الحاكمة القريبة منه، بل إنه موجه لأطراف عديدة داخل مؤسسات الدولة، وداخل الوطن
في الوقت نفسه، فإن حالة الغضب الشعبي تتصاعد منذرة بانتفاضات شعبية محتملة نتيجة تصاعد الغلاء، وتزايد البطالة، وانهيار قيمة الجنيه، وإلغاء الدعم عن معظم السلع الأساسية، بينما لا يكفي الراتب حتى بعد تحسينه لمواجهة أعباء الحياة، وفقدان الأمل في المستقبل، واضطرار الكثير من الشباب المصري للهجرة عبر الحدود البرية أو البحرية، وموت الكثيرين منهم خلال رحلات الهروب تلك، غرقا في البحر أو موتا في الصحراء، كما أن النظام لم يتوقف عن اعتقال المزيد من المصريين حتى اكتظت السجون بنزلائها، واضطر لبناء المزيد منها، مع استمرار المعاملة غير الإنسانية فيها، التي تسببت في وفاة الكثيرين، وإصابة الكثيرين بأمراض خطرة.
على مدى سنوات خلت بعد انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013 كان الشعار المرفوع هو إسقاط الانقلاب، كانت النوايا صادقة، وبُذلت جهود مقدرة على مستوى الحراك الميداني، والضغط السياسي والإعلامي والحقوقي والقانوني، لكن النظام نجح في تصوير المعركة باعتبارها معركة مع الإخوان، رغم أنها لم تكن كذلك، ونجح النظام في استقطاب العديد من النخب والقوى العلمانية، وبعض السلفيين إلى جانبه، لكن المشهد تغير منذ العام 2016 عقب تنازل النظام عن جزيرتي تيران وصنافير، وتعزز ذلك بالموقف المتخاذل تجاه سد النهضة وحقوق مصر من المياه، وتعويم الجنيه مرتين، وهو ما أغضب قسما كبيرا من أنصاره، وأحدث شرخا راسيا في معسكر 30 يونيو، فأصبح شطر منه معارضا بدرجات متفاوتة، وتعرض الكثير من قادته وكوادره للاعتقال، كما اضطر الكثيرون منهم للهرب خارج مصر.
في مواجهة هذا المشهد المعقد، أنجز الإخوان قبيل وفاة القائم بأعمال المرشد العام إبراهيم منير؛ رؤية سياسية للتعامل مع المرحلة الراهنة، بكل زواياها المحلية والإقليمية والدولية، اعتمدت خطابا جديدا قائما على طمأنة الأطراف الخائفة من الإخوان في الداخل أو الخارج. وضمن ذلك الخطاب ما أعلنه إبراهيم منير قبل 3 سنوات عبر وكالة رويترز عن تجنب الإخوان للصراع على السلطة (والمقصود سلطة الحكم أي الرئاسة تحديدا).
يوقن الإخوان في أدبياتهم بدءا من رسائل المؤسس حسن البنا وغيرها من الكتابات؛ أن الصراع أو التنافس على السلطة حق مشروع شرعا ودستورا، ولكنهم ارتأوا التنازل عن هذا الحق في ظل هذه الظروف المضطربة التي تمر بها مصر، تسهيلا لمسار التغيير أو الإصلاح السياسي الذي تعود فائدته على الجميع. لم يكن هذا الإعلان موجها للسيسي والطغمة الحاكمة القريبة منه، بل إنه موجه لأطراف عديدة داخل مؤسسات الدولة، وداخل الوطن (قوى سياسية- قوى اجتماعية- نخب– قطاعات شعبية.. إلخ).
التسوية السياسية هي إذن جديد الخطاب الإخواني، فقد غابت إلى حد كبير عن الخطاب المؤسسي للجماعة من قبل، وإن ظهرت بين الحين والآخر في خطابات للأستاذ إبراهيم منير ويوسف ندا، اللذين عبرا أكثر من مرة عن استعداد الجماعة للاستماع لأي حل ومناقشته بكل موضوعية. وقد حرص الجزار في حديثه الأخير على تأكيد أن الإخوان لن يتحركوا بشكل منفرد في هذا الإطار
تكرر إعلان هذا القرار على لسان رئيس القسم السياسي للجماعة حلمي الجزار، في حديثه مؤخرا لقناة بي بي سي، لكن البعض تعامل معه بفهم ضيق باعتباره مبادرة للتصالح مع النظام، وهو ما نفاه الجزار في حديثه بشكل واضح، وإن أوضح أن الجماعة تفتح الباب لتسوية سياسية تنهي الأزمة المصرية، وتعيد لكل ذي حق حقه بتعبير الجزار في الحوار نفسه، كما أوضح بشكل حاسم أن تجنب التنافس على السلطة لا يعني تجنب العمل السياسي بمفهومه الواسع، والذي مارسه الإخوان عبر تاريخهم الطويل، والذي يشمل طيفا واسعا من الأنشطة والممارسات التي لا تعد تنافسا على السلطة.
التسوية السياسية هي إذن جديد الخطاب الإخواني، فقد غابت إلى حد كبير عن الخطاب المؤسسي للجماعة من قبل، وإن ظهرت بين الحين والآخر في خطابات للأستاذ إبراهيم منير ويوسف ندا، اللذين عبرا أكثر من مرة عن استعداد الجماعة للاستماع لأي حل ومناقشته بكل موضوعية. وقد حرص الجزار في حديثه الأخير على تأكيد أن الإخوان لن يتحركوا بشكل منفرد في هذا الإطار، بل ضمن شراكة وطنية.
لم يطرح الإخوان في رؤيتهم الجديدة التسوية السياسية فقط، بل إنهم يطرحون مسارا ذا ساقين؛ إحداهما مواصلة كل الضغوط الممكنة ضد النظام، والثانية فتح الباب لتسوية سياسية، ليلقوا بالكرة في ملعب النظام وداعميه في الداخل والخارج، وليقطعوا الطريق على من يتهمونهم بالتحجر، وبتجاهل الحلول السياسية. لم يضف إذن حلمي الجزار جديدا لما قاله منير وندا، وإن أعاد التأكيد عليه بعد وفاة الأول تأكيدا لاستقرار هذا المسار لدى الجماعة.
كعادة أي مسار جديد فقد رحب البعض من أنصار الجماعة، واعترض البعض، كما رحبت به بعض القوى والرموز السياسية الليبرالية أو اليسارية وتشكك البعض. تركزت حجة الرافضين لهذا المسار من داخل الصف الإسلامي على وضع الجماعة الحالي، وضعفها، ورغم أن هذا صحيح إلا أن الجماعة رغم ما تمر به لا تزال هي القوة الأكبر في المشهد السياسي، والأكثر صمودا، وهو ما يدركه النظام جيدا، وتأكيدا لذلك فقد شن النظام وحلفاؤه الإقليميين حملة جديدة منظمة ضد الإخوان، سواء عبر المزيد من الاعتقالات، أو عبر حملات إعلامية مكثفة لقنوات النظام وقنوات الدول الداعمة له.
الفجوة الواسعة بين الإخوان وبعض القوى السياسية تضيق مع الخطاب الجديد شيئا فشيئا، وأزمة الثقة لدى قطاعات شعبية التي صنعها النظام عبر إعلامه، ودعايته السوداء، تتحسن تدريجيا أيضا مع هذا الخطاب، خاصة مع اكتشاف الشعب لأكاذيب وأوهام النظام، وممارساته
يقولون أيضا إن النظام لو كان راغبا في الحل فإن أمامه قادة الجماعة الكبار المرشد العام ونوابه في السجون، ومرة أخرى فإن الذي يطرح هذه الحجة لا يزال محشورا في فهم المسار الجديد باعتباره فقط مبادرة للصلح مع النظام، بينما هو مسار متشعب الاتجاهات، ويحتاج لمن يمتلكون حرية الحركة والحديث لعرضه. وإذا كان النظام رافضا له فإن هناك من أبدوا رضاهم عنه، لكن الأمر لا يزال في بداياته، وليس متوقعا لهكذا مسار أن ينتج ثمارا على الفور.
حسب بعض التقديرات فإن الفجوة الواسعة بين الإخوان وبعض القوى السياسية تضيق مع الخطاب الجديد شيئا فشيئا، وأزمة الثقة لدى قطاعات شعبية التي صنعها النظام عبر إعلامه، ودعايته السوداء، تتحسن تدريجيا أيضا مع هذا الخطاب، خاصة مع اكتشاف الشعب لأكاذيب وأوهام النظام، وممارساته، ومع ظهور براءة الإخوان مما ألصقته بهم الدعاية السوداء من قبل؛ مثل بيع قناة السويس أو الأهرامات، أو برج القاهرة، أو التسبب في أزمة سد النهضة، أو التنازل عن جزء من سيناء، ودعم الجماعات الإرهابية فيها.. إلخ.
المراجعات التي أعلنت عنها الجماعة قبل عام لا تزال مستمرة وفق أسلوب علمي، ومن خلال كوكبة من الأكاديميين والخبراء، ولم تكتمل حتى الآن، وقد أعلن الجزار في حديثه لمحطة بي بي سي أن الإخوان سينظمون فعالية كبرى بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس الجماعة؛ يعلنون فيها نتائج مراجعاتهم، ولن يخجلوا من ذكر أي أخطاء، بل سيسعون لمعالجتها، يبقى أن تراجع الجماعات والأحزاب الأخرى ممارساتها وأخطائها ليفتح الجميع صفحة جديدة من أجل الوطن.
x.com/kotbelaraby
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مراجعات الإخوان مصر الانقلاب مصر انقلاب الإخوان مراجعات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إبراهیم منیر هذا المشهد على السلطة المزید من
إقرأ أيضاً:
أنواع الشائعات التي يروج لها جماعة الإخوان الإرهابية.. «وهمية وعنيفة»
يشكل تاريخ جماعة الإخوان الإرهابية في مصر سلسلة متصلة من أعمال العنف والتطرف، منذ تأسيسها في عام 1928، إذ استغل أعضاء تنظيم الجماعة الإرهابية الدين كواجهة لتحقيق أهدافها السياسية، ما أثار القلاقل وزعزع الأمن والاستقرار في المنطقة، ولطالما اتسمت جماعة الإخوان الإرهابية بسجل حافل بالعنف والتطرف، فضلًا عن دورها في نشر الشائعات التي تسببت في زعزعة الثقة في المؤسسات الحكومية، وتأجيج الصراعات الطائفية والمذهبية، ونشر الكراهية والفتنة.
الدكتور عدنان زهران في كتابه «الشائعة.. أداة حرب على الإسلام والمسلمين»، كشف عن أنواع الشائعات التي يتخذ أصحابها مثل جماعات الإخوان الإرهابية أشكالًا كثيرة وأنواع مختلفة تلائم كل غرض يريدون الوصول إليه، ويمكن تصنيف الشائعة كما يلي:
الشائعة الزاحفةوهي الشائعة التي تصنع ببطء وتروج ببطء وتتناقل من قبل الناس همسًا وبطريقة سرية وتنتهي في نهاية المطاف إلى أن يعرفها الناس جميعًا، وتنمو مثل هذه الشائعات عادة في الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية التي تضيق فيها فسحة الحقوق والحريات.
الشائعة العنيفةوهي الشائعة التي يكثر حدوثها ووجودها أثناء الحروب والكوارث والأزمات والهزيمة، ومثل هذه الشائعات تستند عمومًا على العواطف الجياشة كالذعر والخوف وقد شهدت الحربين العالميتين الكثير من أنواع هذه الشائعات.
الشائعة الغاطسةوهي الشائعة التي تظهر ثم تغوص لتظهر مرة أخرى عندما تتهيأ الظروف الملائمة والمساعدة للظهور، ويكثر هذا النوع من الشائعات في القصص المتشابهة التي يعاد ظهورها في كل الظروف المتشابهة، فالعدو الصهيوني حاول أن يعاود نشر العديد من الشائعات في حرب أكتوبر 1973م ضد المصريين، وذلك معتمدًا على شائعات مماثلة ظهرت في يونيو عام 1967.
ولعل قصة اللسان وطابع البريد المشهور تلقى المزيد من الضوء على هذا النوع من الشائعات وتتخلص القصة في أنّ أسير أمريكي عند الألمان في الحرب العالمية الأولى كتب خطابًا وأرسله إلى أسرته، ولم يكن الخطاب يحوي شيئًا غير عادي إلا ملحوظة كتبها الأسير وطلب فيها من أسرته أن تحتفظ بطابع البريد الملصق على الظرف، ولما كانت أسرته تعرف أن ابنها لم يكن يومًا من الأيام من هواة جمع الطوابع، فقد دهشوا لهذا الطلب وقرروا أن يتأكدوا من الأمر. فنزعوا الطابع ليجدوا تحته جملة تقول، إن الأعداء قطعوا لسانه، لقد انتشرت هذه الشائعة أثناء الحرب العالمية الأولى والثانية بالرغم أن القصة يعوزها الدليل المادي حيث إن خطابات الأسرى لا تحمل عادة طوابع، كما أن قطع اللسان من الناحية العملية يؤدي إلى الموت بكل تأكيد ما لم يقم خبير بإجراء عملية ناجحة.
الشائعة الوهميةوهي الشائعة التي تنتج عن الخوف وليس عن الرغبة، لذا فإن مسألة كهذه ضرورة يجب النظر فيها حتى نتفادى هذه القوة وشرها.
إشاعة الكراهيةومثل هذه الشائعة تنتشر من جراء الشعور بالكراهية لنظام أو لحزب سياسي ما، وأسباب هذا النوع من الشائعات هو الصراع السياسي بين الكتل والأحزاب ، خاصة وقت الانتخابات فيطلقها مرشح ضد مرشح آخر، وقد تشحن هذه الشائعات بأنواع من الشتم وتشويه السمعة لزرع الكراهية في نفوس الناخبين إزاء هذا المرشح المقصود بالشائعة.
الشائعة الورديةوتسمى أيضًا الشائعة المتفائلة أو إشاعة التوقع، وغالبًا ما تحتوي هذه الشائعات وعودًا إيجابية بتحقيق مصلحة للوسط الذي تنتشر فيها.