لم يحدث أن انتهت حرب تدخَّلَ فيها حلفٌ عسكري كبيرٌ كتحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية؛ إلى النتيجة التي انتهت إليها حربُ هذا التحالف في اليمن، حيث تراكمت المكاسب السياسية والاستراتيجية لمن استهدفته تلك الحرب، وهي جماعة الحوثي الحليفة لإيران، بما لا يتفق مع الوقائع العسكرية التي قلَّصتْ من نفوذ الجماعة الجغرافي إلى حد كبير.



قبل أيام جمعت الإمارات، وهي الدولة الرئيسية الثانية في تحالف دعم الشرعية، طرفين سياسيين وعسكريين تابعين لها في أبو ظبي، وحددت لهذا الاجتماع هدفين مشتركين وهو محاربة الحوثي، ومكافحة الجماعات الإرهابية، لكن الأمر لا يعدو كونه جزءا من مخطط استدعاء الأدوات وتحريكها على خطوط التماس في حرب النفوذ الإقليمية التي تدور تحديدا بين السعودية والإمارات، وكلتا الدولتين تحرصان على إضافة المزيد من المزايا التي تعزز فرصهما في بناء تحالف أوثق مع واشنطن.

أقول ذلك لأنه لا شيء من هذين الهدفين حقيقي من الناحية الواقعية. فالحوثيون لم يعودوا هدفا عسكريا للمملكة العربية السعودية وهي قائدة التحالف، ولها دور أساسي في إقرار الأجندة السياسية والعسكرية للتحالف أو للتدخل المنفرد لكلتا الدولتين على الساحة اليمنية، ولا يمكن لحلفاء الإمارات أن يخوضوا حربا خارج الأجندة السعودية.

بقي البعضُ حريصا على حشر "الإرهاب" في خط الحرب لكي يغطي على أدواره التي أقل ما يقال فيها إنها تؤسس لمرحلة مستدامة من "إرهاب" جماعات ما دون الدولة المرتبطة بالأجندات الإقليمية
وفي الوقت نفسه لم يعد هناك من مبرر للاستمرار في الحديث عن الجماعات الإرهابية التي غاب أثرها وتلاشى، في خضم الحرب التي دارت على مدار السنوات التسع الماضية بأهداف سياسية وجيوسياسية لا تخفى على ذي بصيرة، في وقت بقي البعضُ حريصا على حشر "الإرهاب" في خط الحرب لكي يغطي على أدواره التي أقل ما يقال فيها إنها تؤسس لمرحلة مستدامة من "إرهاب" جماعات ما دون الدولة المرتبطة بالأجندات الإقليمية.

ولكن لماذا التقى عضوا مجلس القيادة الرئاسي؛ العميد طارق صالح واللواء عيدروس الزُّبَيدي، وهما زعيمان لفصيلين سياسيين وعسكريين تدعمها الإمارات (المكتب السياسي للمقاومة الوطنية، والمجلس الانتقالي الجنوبي)؟ وما هي الرسائل التي يمكن فهمها من هذا الاجتماع؟ علما بأن الغموض يسود التحركات الإماراتية كما هي السعودية في الساحة اليمنية، وما يُكشف عن هذه التحركات ليس سوى اليسير مما يتسرب عبر المقربين اليمنيين من هاتين الدولتين، ومرد ذلك في تقديري إلى الاستهانة المتعمدة التي توجهها هاتان الدولتان للشعب اليمني.

لفهم مغزى اجتماع أبو ظبي علينا أن نُمعن النظر في التطورات التي تجري في محافظة حضرموت، ففي هذه المحافظة يجري استدعاء الدور القبلي إلى الساحة السياسية، عبر ممارسات خشنة تتوسل التصعيد وقطع الطرقات وفرض الشروط المجحفة على السلطة الشرعية؛ ممثلة في مجلس القيادة الرئاسي وشخص رئيسه على وجه التحديد.

هذه التحركات تتوسل من الناحية الظاهرية حججا من قبيل سوء الخدمات الأساسية التي تعاني منها حضرموت، لكنها وهذا هو الأهم، ترفع شعارات سياسية لها علاقة بفرض "حلف قبائل حضرموت" وواجهته السياسية "مؤتمر حضرموت الجامع" ممثلا شرعيا للمحافظة، وهو أمر يخصم من الحصة السياسية للمجلس الانتقالي، تواجه الإمارات صعوبة حقيقية في التحكم بأدواتها وإعادة توجيهها وفق أولوياتها، الجيوسياسية بسبب العوائق التي تضعها السعودية. ويُعزى ذلك إلى أن بناء هذه الأدوات لم يكن ليحدث ابتداء بدون الإسهامات السعودية السخية، وبدون الضغوط التي مارستها الرياض ويوجه ضربة قاصمة للمجلس الذي مُنح في العام 2019 فرصة من قبل الإمارات للظهور الاستعراضي كقوة عسكرية وسياسية قادرة بالفعل على ملء الفراغ في هذه المحافظة المترامية الأطراف والمنتجة للنفط.

لطالما شكَّل حلفُ قبائل حضرموت ومؤتمره الجامع استثمارا سياسيا سعوديا إماراتيا مشتركا، لكن السعودية تعمل وعبر خيارات عديدة ومنها "مجلس حضرموت الوطني"؛ على تضييق الخيارات على المشروع الانفصالي الجنوبي الذي يعتبر المجلس الانتقالي رافعته الرئيسة ومن خلفه الإمارات.

تواجه الإمارات صعوبة حقيقية في التحكم بأدواتها وإعادة توجيهها وفق أولوياتها، الجيوسياسية بسبب العوائق التي تضعها السعودية. ويُعزى ذلك إلى أن بناء هذه الأدوات لم يكن ليحدث ابتداء بدون الإسهامات السعودية السخية، وبدون الضغوط التي مارستها الرياض على الرئيس هادي ومن بعده مجلس القيادة الرئاسي من أجل التمكين السياسي الكبير للمجلس الانتقالي الجنوبي وللمقاومة الوطنية، وهما مكونان يعملان باتجاه معاكس بالنسبة للوحدة اليمنية.

وكان واضحا أن دور هذين المجلسين ينحصر في تقاسم النفوذ في الفراغ الجغرافي الذي خلفه الانقلابيون، في الجزء الكبير من جنوب البلاد وشرقها وغربها، وتقاسم السلطة التي من الواضح أن مجلس القيادة الرئاسي على وشك أن يفقدها.

السعودية والإمارات اللتين تراهنان على ثروة صندوقيهما السياديين، في تمويل فوضى طويلة الأمد في اليمن، ليستا جاهزتين للتعامل مع ساحة تتهيأ لمزيد من تشابك الإرادات الدولية، ولا أدل على ذلك من الصاروخ الروسي الفرط صوتي الذي أُطلق على فلسطين المحتلة ونُسب للحوثيين
وحينما يتعلق الأمر بالنتيجة التي آلت إليها حربُ التحالف في اليمن، فإن الأمر لا يتعلق بانتفاء القدرة لدى التحالف على الحسم، أو الوصول إلى أهدافه العسكرية، بقدر ما تتعلق بالفهم الخاص لهذه الأهداف من قبل التحالف، وهو فهمٌ لطالما استغفل الشعبَ اليمني وخدعه واستهان به وتعامل مع اليمن باعتبارها جغرافية مستباحة ومفتوحة عمليا على خيار "الملشنة" والتفكيك.

التحالف رغم هشاشة بنيانه وتفككه تقريبا إلا أن دولتيه الرئيستين تدفعان باتجاه تسوية تعوِّمُ الشرعيةَ الوطنية والدستورية على كل أطراف الحرب الوطنية وغير الوطنية، وتُبقي الجميع على خطوط التماس، وتحيل اليمن إلى ساحة حرب مفتوحة ومجال للنفوذ الخارجي.

وهنا بوسعنا اليقين بأن السعودية والإمارات اللتين تراهنان على ثروة صندوقيهما السياديين، في تمويل فوضى طويلة الأمد في اليمن، ليستا جاهزتين للتعامل مع ساحة تتهيأ لمزيد من تشابك الإرادات الدولية، ولا أدل على ذلك من الصاروخ الروسي الفرط صوتي الذي أُطلق على فلسطين المحتلة ونُسب للحوثيين، دون يقين بأنه أطلق بالفعل من الأراضي اليمنية.

كما لن يحتمل البلدان علاقة متوترة مع اليمن الذي يضم أكبر كتلة سكانية في شبه الجزيرة العربية، وإن أثقلته الصراعات والحروب في هذه المرحلة.

x.com/yaseentamimi68

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السعودية اليمن الإمارات المجلس الانتقالي السعودية اليمن الإمارات الحوثيين المجلس الانتقالي مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مجلس القیادة الرئاسی فی الیمن

إقرأ أيضاً:

على خطى السعودية.. أمريكا في اليمن إجرام وتخبط وهزيمة [الحقيقة لا غير]

يمانيون../
تتزايد البراهين والأدلة يومًا بعد يوم على مدى الارتباك والعجز الذي يعيشه العدو الأمريكي في مواجهته للشعب اليمني العظيم، الذي يتميز بقوة إيمانه وثباته وإرادته القوية.

العدوان الأمريكي المستمر على العاصمة صنعاء ومختلف المحافظات اليمنية لا يعكس سوى حقيقة واحدة، هي الفشل الكبير الذي يدفع العدو الأمريكي إلى الوقوع في مأزق حقيقي أمام هذا الشعب، الذي يجسد من خلال موقفه الديني والأخلاقي والإنساني تجاه غزة موقفًا ومثالًا فريدًا في تاريخ الإنسانية.

وبسبب جهل العدو الأمريكي لطبيعة الشعب اليمني وقوة عزيمته وصمود أبنائه، يواصل شن غاراته العدوانية على الأحياء السكنية في صنعاء، مستهدفًا منازل المدنيين الأبرياء الذين لا علاقة لهم بالأهداف الأمريكية المعلنة في اليمن.

لذا، فإن العدوان الأمريكي، خاصة في ظل إدارة المجرم ترامب، يمر بنفس الظروف التي واجهها العدو السعودي في عام 2015، عندما شن عدوانًا غاشماً جائرًا على الشعب اليمني، متجاهلًا صمود اليمنيين ومطمئنًا إلى تفوقه العسكري وقدرته الاقتصادية وعلاقاته الدولية.

وفي الوقت الحالي، يرتكب العدو الأمريكي نفس الخطأ الذي ارتكبه العدو السعودي سابقًا، والذي سيؤدي إلى عواقب وخيمة، وهو الخطأ المتمثل في التقليل من شأن الشعب اليمني وتضحيات أبنائه، والاعتقاد الخاطئ بأن طرق القوة والتصلب والوحشية، إلى جانب الغارات العدوانية والتدمير، ستكسر إرادة الشعب اليمني وتجبر أبنائه على الخضوع ورفع راية الاستسلام أمام العدوان الأمريكي والإسرائيلي.

تشكل الجرائم التي يرتكبها العدوان الأمريكي في العاصمة صنعاء وكافة المحافظات اليمنية جانبًا آخر من مظاهر الإجرام الوحشي الأمريكي، وتعكس حالة الفوضى والتخبط التي تعاني منها الولايات المتحدة، والتي لا تؤدي إلا إلى المزيد من الفضائح والانكسارات. ولا شك أن دماء الشهداء لن تذهب سدى، حيث تواصل قواتنا المسلحة تقويض هيبة هذه الإمبراطورية الظالمة، وتعليمها دروسًا قاسية في البحر وفي جميع الاشتباكات مع قطعها البحرية والعسكرية، حتى بلغت مرحلة الانهيار والفشل، وهو ما يؤكده الواقع على أرض الميدان. وهذا ما يشهد به جميع الخبراء المهنيين في العالم، بما فيها تقييمات العدو الأمريكي نفسه، حول نتائج العدوان الأمريكي على اليمن.

هذا وزير خارجية المجرم ترامب، الذي يعاني من خيبة أمل وإحباط مماثل لرئيسه، أشار إلى أن العدوان على اليمن يُعتبر خدمةً للعالم. هذا التصريح يعكس محاولة ليّ ذرائع المجتمع الدولي واستعطافه للوقوف بجانب العدو الأمريكي، ويُذكرنا ذلك بخطاب العدو السعودي الذي كان يبرر عدوانه على اليمن بحجة الدفاع عن العالم.

لقد كشفت دولة العدوان أمريكا من خلال عدوانها على الشعب اليمني للعالم فشلاً ذريعًا يفوق توقعات الكثيرين. فكلما ارتكب العدو الأمريكي جريمةً ضد المدنيين أو استهدف منشأةً مدنيةً أو مؤسسةً حكوميةً في اليمن، انكشفت حقائقه أكثر وتهاوت مكانته، ليس فقط من الناحية الأخلاقية، بل أيضًا من الناحية العسكرية والأمنية. وبفضل الله تعالى، فإن تصرفات هؤلاء المجرمين والإرهابيين الأمريكيين تدل على أنهم لا قيمة لهم، وهي حقًا كما وصفها الشهيد القائد -رضوان الله عليه– “أن أمريكا قشة”.

لكن عندما يقف أصحاب الحق بثباتٍ وإيمانٍ وقرارٍ حازم، يصبح الباطل ضعيفًا أمامهم، كما هو حال أمريكا اليوم في مواجهة الشعب اليمني. فالباطل لا يستمر ولا يثبت، على عكس أصحاب الحق والقضايا العادلة الذين هم سند القوة والديمومة.

كان المجرم ترامب، الذي يُعتبر مجرمًا، يسخر من إدارة بايدن وينعتها بالفشل، أما اليوم فقد أصبح المجرم ترامب نفسه موضوع سخرية أكثر منه، وذلك بسبب كثرة تهديداته. إذ تحول المجرم ترامب إلى مجرم وقاتل وفاشل في نظر العالم، الذي يشاهد يوميًا جرائمه ضد النساء والأطفال في غزة واليمن.

وكان يُقال إن المجرم ترامب كان يطمح للفوز بجائزة نوبل للسلام، راغبًا في جعل ولايته الأخيرة، أو ولايته هذه، رمزًا للحضارة الغربية والإنسانية، متعهدًا بإنهاء النزاعات والحروب. لكنه سقط في بداية ولايته الرئاسية الثانية، التي لم تمضِ عليها إلا بضعة أشهر قليلة، حيث يعيش حالة من الارتباك واليأس، ما دفعه إلى استهداف المنازل والأسواق والموانئ، وحتى السفينة “جلاكسي” في عرض البحر.

تشير الجرائم التي ارتكبها العدوان الأمريكي في العاصمة صنعاء بحق المدنيين إلى فشل العدوان الأمريكي المستمر وتخبطه المتواصل، كما تُبرز حجم الحقد الذي يكنّه العدو الأمريكي الذي يسعى للانتقام من الشعب اليمني، الذي لا تزيده هذه الجرائم إلا صلابة وعزيمة وإصرارًا على المواجهة والثبات والصمود. ولن يثنيه ذلك عن مواقفه الإنسانية والدينية والتاريخية تجاه غزة.

إن تضحيات وصبر الشعب اليمني في هذه المرحلة الحاسمة سيكون لهما أثر يعود بالنصر على المظلومين، وبالهزيمة والخسران على الظالمين. وتداعيات وأثر العدوان الأمريكي على اليمنيين تظهر كيف أن هذه الجرائم تعود بالسوء والخسارة على من يقترفها، كما حدث مع العدوان السعودي في جولة العدوان الأمريكية السابقة التي لم تحقق أي هدف، رغم ما ارتكبه من قتل النساء والأطفال وتدمير المنازل والمنشآت المدنية والحكومية.

وعلى الرغم من ذلك العدوان، تحوّل اليمنيون إلى بركان من الغضب في صدورهم، وزاد من وعيهم وحماسهم ونشاطهم للبحث عن وسائل القوة والمواجهة مع أولئك الأعداء والمجرمين، الذين لا يردعهم إلا الشجاعة والقوة والثبات والحضور الدائم في ساحات وميادين الجهاد في سبيل الله.

هناك فرق جوهري بين أن تتلقى الأذى من عدوك، وبين أن تضحّي وتواجه الألم بينما يُدمّر بيتك أو مصدر رزقك وأنت في موقع الجهاد ومواجهة العدو، تهاجمه بكل قوتك وتُعلّمه دروساً في الشجاعة والكرامة، تسقط هيبته أمام الأنظار، وتُلحِق به خسائر كبيرة على الأصعدة العسكرية والمادية والمعنوية.

بينما الاستسلام والخنوع لا يضمنان لك الحماية من العدو، فالتضحية في سبيل الجهاد هي فترة تكون مليئة بالصبر والكفاح، يتبعها النصر المؤزر، حينئذ يفرح المؤمنون بنصر الله. أما إذا رضيت بالهروب من تحمل المسؤولية، فستخسر بلا نهاية، وضحاياك ستكون دون فائدة أو تحقيق أهداف.

كيف تؤثر مشاهد الطفولة والشهداء والجرحى على شعوب العالم كله، وهم يدركون أن اليمني يقدم هذه التضحيات نتيجة مواقفه الداعمة لغزة، ونتيجة إصرار شعب اليمن على تثبيت هذا الموقف مهما بلغت التضحيات وقسوة العدوان الأمريكي؟.

هذا الموقف له أثر عميق في نفس ووجدان الملايين من شعوب العالم، ولذلك تنطبق على جرائم العدوان الأمريكي بحق الشعب اليمني الآية الكريمة: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.

المجرم ترامب ومن يقف خلفه من المنافقين من أبناء الأمة يعتقدون أن جرائم العدوان الأمريكي بحق المدنيين ستعوض إخفاقاتهم العسكرية، وأن هذه الجرائم ستساعدهم في تحقيق أهدافهم، من بينها إرهاب الشعب اليمني وإجباره على الاستسلام ورفع راية الهزيمة أمام العدوان الأمريكي والإسرائيلي وعملائهم وأدواتهم ومرتزقتهم، وهذا تصور خاطئ تمامًا.

ومن لا يعرف طبيعة الشعب اليمني، عليه أن يعود للدراسة الدقيقة لتجربة العدوان السعودي على اليمن التي دامت تسع سنوات، والتي لا تزال حية في الذاكرة وقريبة الوقت، كما بيّن ذلك الشهيد القائد ـــ رضوان الله عليه ـــ إذا كنت تسير في طريق الحق، حتى عدوك حين يتصرف ضدك بأي فعل، رغبةً في إيذائك، قد ينتهي به الأمر إلى إفادتك من حيث يعتقد أنه يضرك، وبطريقة غير مقصودة.

لذلك، لنتأمل حجم الدعم والوقوف الشعبي العربي، الإسلامي والدولي تجاه اليمن في المراحل السابقة، حيث لم يكن موقف اليمن إلى جانب غزة آنذاك قد بلغ هذه الدرجة من التضحية والعطاء. فقد كان الشعب اليمني حينها لا يزال في طور المشاركة بالمظاهرات والمواكب الجماهيرية الكبيرة، إضافة إلى العمليات العسكرية التي تشكل الركيزة الأساسية لهذا الموقف.

أما الآن، فإن العالم بأجمعه، شعوبًا وأممًا، يراقب اليمنيين الذين تطوروا في عطائهم وإخلاصهم وجديتهم بشكل واضح في موقفهم الراهن. بالرغم من تعرض منازلهم للقصف واستشهاد أطفالهم ونسائهم، يؤكدون تمسكهم بفداء غزة ولن يتراجعوا عن مواقفهم الثابتة.

قال تعالى: [وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ]، إنَّ التضحيات التي يقدمها الشعب اليمني، والتي عبر عنها الجرحى المتأثرون بالعدوان الأمريكي، ترتقي بمكانتهم عند الله فوق مكانة الذين يقتصر عطاءهم على مجرد مشاركة الطعام والشراب، وفق ما جاء في كتاب الله العزيز عن عظمة المُنفقين.

على مدار عام ونصف من الدعم والإسناد اليمني لغزة، حاول البعض التشكيك والتشويش، بل وتعمد بعضهم السخرية بالقول إن ما قدمه اليمن لغزة هو مجرد استغلال. هذا هو سلوك العملاء والمرتزقة الذين يسعون إلى تشويه الموقف اليمني الحقيقي.

لكن الجرائم الأمريكية، والمشاهد المروعة لقصف المنازل والأسواق والمقابر، وألم الضحايا والشهداء، قد صنعت صورة أوضح وأصدق عن الشعب اليمني في وعي الشعوب حول العالم، أكثر مما كان عليه قبل العدوان الأمريكي.

إن دولة العدوان أمريكا من خلال جرائمها تُثبت للعالم أن الشعب اليمني يتميز بالإخلاص والثبات والصدق والكرامة والنقاء، وأنه لا نظير له عبر التاريخ البشري. كما تؤكد أن اليمن لا يتاجر بمعاناة غزة كما يزعم العملاء والمنافقون.

لقد زاد احترام العالم وتقديره للموقف اليمني خلال عام ونصف، واليوم في خضم الجرائم الأمريكية، بات الناس أكثر إيماناً ومحبةً للشعب اليمني. ولهذا، فإن التضحيات التي يقدمها الشعب اليمني لها أثر كبير يتجاوز مجرد التعاطف، إذ أصبحت اليوم سبباً في إيقاظ واستنهاض أحرار الأمة وكافة شعوب العالم، وتوحيد صفوفهم حول اليمن وموقفه وقيادته، وأضحى الشعب اليمني، بصموده ودعمه لغزة، مصدر إلهام وحافز لمن لا يزال يملك نبض الحياة في جميع أنحاء العالم.

بعون الله تعالى وإرادته، يكون المذنب والمجرم قد أتم كامل ذنوبه وتراكمت عليه الذنوب، ونضجت جرائمه التي تؤدي إلى سقوطه، فلا يبقى سوى السبب الذي يهيئه الله لإسقاطه والقضاء عليه. لذا فإن الأبطال المؤمنين الثابتين الشجعان هم الذين يتحقق على أيديهم تنفيذ الوعد الإلهي بسقوط الطغاة والمجرمين، وهذا من السنن الإلهية الثابتة في هذا الكون.

لقد تصاعد ظلم أمريكا وارتكبت المزيد من الجرائم، وأصبحت مكروهة في نظر العالم، ولهذا فإن العدوان والجرائم الأمريكية بحاجة إلى موقف أبر هيمي مستوحى من موقف نبي الله إبراهيم عليه السلام، إذ قال لأبيه وقومه: “ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟” فقد كان قومه يعبدون الأصنام كما يعبد البعض أمريكا في يومنا هذا.

فأجاب قوم إبراهيم: (جَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ)، لم يكن هناك مجال لتغيير النظام العالمي في ذلك الزمان، فأجابهم إبراهيم: (لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاوْكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ). وفي هذه الأيام، أيّ ضلال أعظم من طاعة أمريكا والولاء لها ولليهود، الذين يرتكبون أبشع الجرائم في غزة وغيرها.

كان موقف سيدنا إبراهيم حازماً وقوياً بلا تردد، حيث أعلن قاطعاً: (وَتَاللّٰهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) أي: سأقضي على أصنامكم. وهذا هو الموقف الإبراهيمي الذي يجسده شعب اليمن في وجه إمبراطورية الظلم والجرائم واستعباد البشر، أمريكا التي ورثت تاريخاً طويلاً من الإجرام والظلم.

لذا، فإن من يواجه دولة العدوان أمريكا في هذا العصر يحمل راية الحق التي تعتبر امتداداً لرسالات الأنبياء عبر التاريخ، وهذا ما يجسده الشعب اليمني كحامل لهذه الراية.

لا بد للشعوب العربية والإسلامية من اتخاذ موقف واضح تجاه جرائم ومجازر العدو في غزة، وإذا تأخرت في ذلك فإنها معرضة للخزي في الدنيا والعقاب في الآخرة. ولهذا، فإن هناك بعض التفسيرات الدينية المغلوطة التي ساهمت في ترسيخ موقف الضعف والهوان بين المسلمين، معتبرةً ذلك زهدًا في الدنيا وطاعةً لله، وهو فهم يرفضه القرآن الكريم.

والأمر نفسه كما قال الشهيد القائد -رضوان الله عليه- إن الذل والهوان في الدنيا الناتج عن التقصير يؤدي إلى عذاب في الآخرة، لأن المؤمن يجب أن يكون قويًا وكريمًا، فهو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. وعلى المؤمن أن يجسد في حياته قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.

في ظل ما نشهده حالياً من تخاذل عربي تجاه قضية غزة وفلسطين، يتضح حجم الأزمة الخطيرة التي تواجهها أمتنا، والتي قد تكون قد وصلت إلى نقطة نهايتها، وقد يُستبدل الله بها بأمة أخرى. وبناءً عليه، دخلت الأمة في مرحلة من العقاب الإلهي، حيث تُسَلَّط عليها أعداؤها ليعذبوها أشد العذاب.

لذا فإن ما يحدث في واقع المسلمين اليوم أمر غير طبيعي، فالشعوب التي تفتقر إلى الدين تعيش في حياتها بحرية، تدافع عن نفسها، وتبني اقتصادها ومستقبلها، بينما واقع المسلمين والعرب مخزٍ ومزرٍ إلى أقصى الحدود.

عباس القاعدي| المسيرة

مقالات مشابهة

  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • الصليب الأحمر: استهداف مركز إيواء بصعدة يسلط الضوء على المأساة التي يتعرض لها المدنيون في اليمن
  • الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
  • وزارة الداخلية السعودية تعلن عقوبات بحق مخالفي التعليمات التي تقضي بالحصول على تصريح لأداء الحج ومن يسهل لهم ارتكاب مخالفتهم
  • على خطى السعودية.. أمريكا في اليمن إجرام وتخبط وهزيمة [الحقيقة لا غير]
  • الرئيس العليمي مخاطبا سفراء الاتحاد الأوروبي: لا نجاح لأي مقاربة سياسية تحقيق الاستقرار الشامل إلا بإنهاء النفوذ الإيراني من اليمن
  • غرفة تجارة وصناعة أبوظبي تدشن أول مكتب تمثيلي لها في كاتوفيتشي لتعزيز العلاقات الإماراتية البولندية
  • هل تؤثر الضربات الأميركية على خريطة النفوذ والسيطرة في اليمن؟
  • وكيل وزارة «الصحة» لـ «الاتحاد»: إنجازات نوعية ومستقبل مستدام للمرأة الإماراتية بالقطاع الصحي
  • تحديثات أسعار الصرف اليوم في اليمن