العظة الـ 25 من زمن الصوم العادي لبطريرك اللاتين بالقدس
تاريخ النشر: 22nd, September 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال بطريرك القدس للاتين الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا اليوم في عظته الصباحيه الأحد الخامس والعشرون من الزمن العادي للصوم إن المقطع الإنجيلي (مرقس 8: 27-35) يشكّل حدثاً مفصلياً في إنجيل مرقس: فقد اعترف بطرس بأن يسوع هو المسيح المنتظر، بعد تأنيبه (مرقس 8: 32)، خاصة وأنه لم ينتظر شيئاً مختلفاً عن باقي الشعب، فقد كان بانتظار المسيح القوي والمحرِّر والقادر على تحريرهم من الرومان.
في المقطع الثاني من الإنجيل، الذي يبدأ بهذا الحدث، يركز يسوع كل اهتمامه على شيء واحد فقط: تعليم تلاميذه عن هويته الحقيقية ومهمته. تقل المعجزات، ويقضي يسوع وقته مع تلاميذه، وهو في طريقه إلى القدس.
وهكذا يبدأ مقطع اليوم (مرقس 9: 30-37): يعبر يسوع والتلاميذ الجليل، لكن يسوع يتجنب أن يعرف أحد بوجوده "لأنه لم يكن يريد أن يعلم أحد" (مرقس 9: 30)، لأنه بحاجة لأن يكون مع تلاميذه ويكشف لهم ما لم يفهموه بعد، وهو أمر سيكون من الصعب جداً فهمه وقبوله: موته وقيامته.
محور تعليم يسوع يرتكز حول: الفصح. ستكون تلك هي الطريقة التي سيتحمل بها يسوع على عاتقه شرور البشر، وسيكون شفاءً وخلاصاً للجميع. هذه ستكون طريقته في أن يكون المسيح المنتظر، راعي شعب الله.
سيتناول يسوع هذا الموضوع علناً ثلاث مرات، وفي كل مرة ستكون ردة فعل التلاميذ كمن لا يريد أو لا يستطيع الفهم. اليوم نشهد المحاولة الثانية ليسوع، بعد أن رأينا الأولى الأحد الماضي، مع ردة فعل بطرس.
يكرر يسوع إعلان آلامه وقيامته "سيسلم ابن الإنسان إلى أيدي الناس، فيقتلونه، وبعد ثلاثة أيام يقوم" (مرقس 9: 31). لا يفصل أبداً بين هذين الحدثين، الموت والقيامة، وهذا هو التعليم العظيم والحقيقي: لا مجد بدون بذل ذات، ولا تقديم ذات دون مجد.
لكن بالنسبة للتلاميذ، هذه الكلمات غير مفهومة (مرقس 9: 32): ليس لأنها لغة معقدة أو صعبة، بل لأنها تتحدث عن حقيقة غير مقبولة، حقيقة بعيدة جداً عن أفكارهم وخيالهم.
التلاميذ لا يريدون الفهم، والدليل أنهم، رغم عدم فهمهم، لم يسألوا عن تفسير "لكنهم لم يفهموا هذه الكلمات وكانوا خائفين من أن يسألوه" (مرقس 9: 32).
بدلاً من طلب التفسير، يتحدث التلاميذ عن أمور أخرى. إنه أسلوب لإسكات كلمة الصليب، لإخفائها بكلمات أخرى، كيلا تأخذ مكاناً، لينسوها، فلا تدخل حياتهم. الكثير من كلماتنا قد تكون لها أحياناً هذا الغرض، ليس لمساعدتنا على الدخول في سر الفصح الذي يسكن حياتنا، بل للبقاء خارجه، للإلهاء، لتخدير أنفسنا قليلاً.
ما يتحدث عنه التلاميذ هو عكس تماماً كلمة الصليب. يتحدثون عن العظمة، عن القوة، عمن هو الأعظم "تجادلوا فيما بينهم من هو الأعظم" (مرقس 9: 34): يعبرون عن الرغبات العميقة التي توجه حياتهم.
لكن يسوع، على عكس التلاميذ، لا يخاف من أن يسألهم، فهو يسألهم عما كانوا يتحدثون عنه، "سألهم: «عمَّ كنتم تتجادلون في الطريق؟»" (مرقس 9: 33).
وجواب التلاميذ على سؤال يسوع هو الصمت "فصمتوا" (مرقس 9: 34): لأنهم لم يستمعوا إلى كلمة الصليب، فلم يكن لديهم كلمات حقيقية وصحيحة، والتي نطق بها الرجل معقود اللسان بعد شفائه، كما ورد في إنجيل (مرقس 7: 35) والذي تلي على مسامعنا قبل أسبوعين.
قلوب التلاميذ لم تُشفَ بعد: فهي تسعى عبثاً وراء أحلام العظمة التي لا علاقة لها بالمجد الحقيقي.
الخبر السار اليوم هو أن يسوع لا يتوقف عند صمتنا، ولا حتى عند خوفنا.
للتلاميذ، الذين لا يعرفون بعد كيف يستمعون إلى كلمة الفصح، يقدم يسوع رمزاً معبراً عن العظمة الحقيقية. الرمز هو العناق الذي يستقبل به يسوع طفلاً (مرقس 9: 36)، ليقول إن العظمة الحقيقية تكمن في القدرة على استقبال
الآخرين كما هم، بأن نصير خبزاً للجياع من الصغار.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: أقباط أقباط الإرثوذكس
إقرأ أيضاً:
الشيخ ياسر مدين يكتب: في الصوم
قال سيدُنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدِنا جبريلَ عليه السلام حين سأله عن الإسلام: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيمَ الصلاة، وتُؤتي الزكاة، وتصومَ رمضان، وتحجَّ البيت إن استطعتَ إليه سبيلا». سبقت الإشارة إلى أن قَصْر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام فى هذه الخمس ليس معناه أنّ الإسلام عبادات فقط، فقد سبق أن أشرنا إلى أثر الشهادة والصلاة والزكاة في حياة المسلم، وما تستلزمه منه.
وسوف نشير -إن شاء الله تعالى- إلى أثر الصيام والحج، فالحديث إذن لا يدل على انحصار الإسلام في العبادات فقط، وإنما هو ذِكرٌ للأركان الكبرى التي تُؤصّل لحياة مستقيمة في العبادات والمعاملات. وبدَيهيٌّ أن يبدأ الحديث بشهادة «أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم» لأنها إعلان الإسلام والالتزام به عقيدة وسلوكا.
وقد سبقت الإشارة إلى أنّ الواو العاطفة بين الصلاة والزكاة والصيام والحج تقتضي الجمع بدون ترتيب؛ أي: صار المرء بمجرد إسلامه مطالبا بهذه العبادات كلها، إلا إذا سقطت عنه لعدم القدرة. فالواو إذن لا تقتضي ترتيبا، لكن هذا لا ينفي أن يكون لترتيب هذه الأركان حِكمةٌ، وذلك ليس من حيثُ اقتضاء الواو ترتيبا معينا، ولكن من حيث إن المتكلم بها قدَّم بعضها على بعض وأخّر بعضها عن بعض.
وإذا نظرنا سنجد أنّ الزكاة والصيام لا يفرضان كل عام، بخلاف الصلاة التي تتكرر خمس مرات في اليوم والليلة، فتقديم الصلاة تقديم لما يكثر تكراره، والزكاة والصيام يسقطان عن غير القادر، فالذي لا يملك النِصاب يسقط عنه أداء الزكاة، وغير القادر على الصيام لا يصوم، هذا بخلاف الصلاة التي يؤديها المسلم ولو بالإشارة إن لم يقدر على الركوع والسجود، وهذا داعٍ ثانٍ لتقديمها عليهما.
ثم تأتي الزكاة بعد الصلاة، وهي كذلك في كتاب الله جاءت تالية للصلاة في ستة وعشرين موضعا، ومن الجهة الاجتماعية نجد أن الصلاة شأنها أن تجمع المسلمين خمس مرات فى اليوم والليلة فيقترب بعضُهم من بعض، ويعرف بعضهم بعضا، وهذا يُوقفهم على أصناف مستحقي الزكاة بينَهم، وهنا يأتي دور الزكاة لمساعدة أولئك المحتاجين، وهذا يقتضي أن تأتي الزكاة بعد الصلاة.
ثم إن الزكاة رِفْدٌ بالمال [أي عطاء وصِلة]، وهذا العطاء هو الذي يعين المحتاج على ضروريات حياته، فيقدرُ على شراء الطعام الذي يتسحر به ويُفطر عليه إذا صام، وبعض مصارفه قد يُجعل لحج بعض المحتاجين، فسبق الزكاة للصيام والحج أمر منطقى.
وإذا كانت الزكاة قد عوّدت المسلم الواجد أن يُخرج قدرا من ماله للمحتاجين، فإنّ ما يذوقه في الصيام من سَغَبٍ [أي: جوعٍ] يحمله على مزيد من الجود والإطعام، وكما طهّرته الزكاة من البخل وحب المال والاستئثار به، يأتي الصيام ليرقى به مرتبة أعلى فيجعله يستغني في يومه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس عن الطعام والشراب والشهوة، وهذه الأمور هي أسباب استمرار الحياة، وطغيان شهوتي البطن والفرج سبب لارتكاب الموبقات والاعتداء على الحرمات، فالصيام يجعل الإنسان يستعلى عن أن تسوقه الشهوات، فهو قادر على قمعها وتوجيهها وفق ما أمر الله تعالى به، وباستقامة هذا الشأن يستقيم أمر الإنسان في سائر حياته في العبادات والتعاملات.
والصيام إذن عبادة تؤصّل لاستقامة شأن الحياة في جميع مناحيها، حيثه إنه يرجى من وراءه تحقيق التقوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، والتقوى هى أن يقي الإنسان نفسه من الوقوع فيما حظره الشرع الشريف، فبها يستقيم شأن الحياة وفق مراد الله تعالى.
ثم بعد ذلك يأتي الحج، فهو عبادة مالية بدنية، يحتاج فيها المرءُ إلى مالٍ كافٍ للذهاب والعودة وترك ما يكفي لأهله حتى عودته، كما يحتاج إلى قوة بدنية يستطيع بها أداء مناسك الحج المختلفة، وهو بهذا لا يتهيأ لكل مسلم، ولذا قيده سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستطاعة فقال: «وتحجَّ البيت إن استطعتَ إليه سبيلا»، وهذا يقتضي تأخره عما قبله.
ثم إنه عبادة تجب مرةً في العمر، وهذا الوجه أيضا يقتضي تأخره عما قبله.