سودانايل:
2025-05-02@21:48:37 GMT

الحزب الشيوعي السوداني … مخترق أم مختطف؟ (8)

تاريخ النشر: 22nd, September 2024 GMT

مخترق أم مختطف؟ السؤال المؤرق!

في 10 مارس 2018 نشرت الميدان رسالة الحزب الموجهة إلى اجتماع نداء السودان الذي كان منعقداً بالعاصمة الفرنسية باريس، بعدها صدرت نشرة أخبار الحركة الجماهيرية التي يشرف على تحريرها المكتب الإعلامي للحزب، نافية صدور الرسالة من الحزب! وجاء رد الميدان في كلمة العدد الصادر في 20 مارس 2018 تأكيد صدور الرسالة من الحزب، ووضحت بأن النشرة الجماهيرية مخترقة!
هناك العديد من الشواهد أن الأجهزة الأمنية للنظام البائد قد اخترقت الأحزاب والكيانات السياسية كافة، ولم يسلم الحزب الشيوعي السوداني من كيدها ومكرها.

وقد تبجح بذلك رئيس الجهاز أمن النظام السابق صلاح قوش، وأمن على ذلك عضو اللجنة المركزية الأستاذ علي الكنين في لقاء له مع تلفزيون السودان. وعلى الرغم من تراجعه لاحقاً عن ذلك الإقرار، إلا أن تغيير أقواله لن يغير من حقيقة نجاح الأجهزة الأمنية في عمليات الاختراق، ولن تزيل الشك، بل تحيله إلى يقين. لو سلمنا بعملية الاختراق، هل جلس قادة الحزب لتحديد مداه، ومعالجة أثاره، وهل كان قاصراً فقط على الأجهزة الأمنية السودانية فحسب، أم أن هناك أجهزة أمنية واستخباراتية إقليمية ودولية على الخط؟ وهل حدوده أعمال تصنت وتجسس، وسرقة معلومات، أو وتزوير وفبركة بيانات باسم الحزب، أم العملية أكبر من كل ذلك بأن تم زرع أفراد داخل الحزب، أو جندوا أفراداً من القيادة كي تقوم بما عجزت عنه كل الأجهزة الأمنية الداخلية والخارجية منذ عهد الاستعمار حتى عهد الإنقاذ البائد القيام به؟! وهو هدم هذا الصرح من الداخل بدءاً من تصفيته من خيرة كوادره وأبناءه المخلصين، إلى ضرب قوى الثورة وشلّ حركتها بالانقسامات (الحرية والتغيير، تجمع المهنيين، ولجان المقاومة) وتبني خطاب ومواقف سياسية تخدم خط أعداء الثورة وسياسة منسجمة مع أهداف الفلول، وتصريحات وشعارات تتماهى مع الموقف الرسمي للحركة الإسلاموية بعد الثورة...
لست بحاجة لشواهد لإثبات أن خط الحزب الراهن يخدم الفلول، تكفي الإشادة المستمرة من الفلول بمواقف الحزب! ويكفي وقف العدائيات معه، يكفي المقترح الذي تداولوه في مؤتمرهم الذي عقدوه في رمضان المنصرم بتركيا بأن حال استعادتهم للحكم على الطريقة الطالبانية، أو الحوثية، أن يتحالفوا مع الحزب الشيوعي ليكسروا طوق العزلة الدولية المتوقع أن يضرب حولهم ... وفي ذلك هم محقون، حيث نشاهد هذه الأيام في العديد من المنابر والمنصات التي لا يمكن للفلول الوصول إليها، أو يجدوا لهم فيها موطئ قدم، تتم استضافة بعض قيادات اللوبي الشيوعي فيها (من المسموح لهم بالتحدث) يقومون بدور الفلول وأفضل في مهاجمة القوى المدنية الأخرى خاصة تقدم، والدول التي لها موقف جاد ضد الوجود الإسلاموي في المنطقة. لذا فلا عجب أن يؤجل الفلول معركتهم التاريخية وعداءهم الأيديولوجي ضد الحزب الشيوعي ليركزوا على الخطر الحقيقي الماثل أمامهم وهو القوي التي تعمل على تفكيك التمكين وتقود التحول المدني الديمقراطي وأعني قيادات قحت وتقدم.
وكذلك من الشواهد على الرضا التام من الفلول والإسلامويين على سياسة وخط الحزب هو أن قائمة الشرف التي أمر نائب عام الغفلة بالقبض عليهم من المدنيين، وكيلت لهم التهم بتقويض نظام البرهان الغير دستوري، وشن الحرب ضد دولة الانقلاب، قد شملت ستة عشر من خصومهم على رأسهم الدكتور عبدالله حمدوك، وآخرين من أبرزهم، إلى جانب حمدوك، رئيس حزب المؤتمر السوداني، المهندس عمر الدقير، ورئيس الحركة الشعبية، الأستاذ ياسر عرمان، وعضو مجلس السيادة السابق، الأستاذ محمد الفكي، ووزير مجلس الوزراء السابق، الأستاذ خالد عمر، بجانب وزيرة الخارجية السابقة، الكنداكة مريم الصادق المهدي.
منذ متى خلت قائمة المطلوبين لدى الأنظمة الإسلاموية من شيوعيين؟ وكانت بيوت الأشباح وسجونهم ومعتقلاتهم طوال عقود حكمهم المشئوم لا تخلو من الشيوعيين، كأنها شيدت وصممت خصيصاً لهم ومن أجلهم. فلماذا تبدل الحال الآن؟!
كما أن من علامات التماهي بين خط الحزب والإسلامويين والفلول نجده في الادعاء الكذوب بأن تنسيقية تقدم تمثل الغطاء السياسي للدعم السريع. وقد ألمحت الكثير من كلمات الميدان ومقالات لكتاب شيوعيين إلى ذلك دون أي مسوغات أو ذكر لوقائع وقرائن أحوال يمكن أن تثبت ذلك. وهي دراما كيزانية سيئة التأليف والإخراج والتمثيل لتبرير نشاطهم المحموم لتأجيج الحرب ودورهم كغطاء سياسي لذراعهم العسكري ممثلا في الجنة الأمنية التي تسيطر على الجيش. فكيف لطرف يمثل الغطاء السياسي للطرف الذي ما زال حتى الآن يحقق النصر تلو النصر، يدعو إلى وقفها؟! وهو موقف ظلَّ ثابتاً قبل قيام الحرب إلى يومنا هذا، وعلى الرغْم من ذلك ظل الحزب الشيوعي (الرسمي) مصمما على الترويج للدعاية الكيزانية بأن تقدم تمثل غطاء" سياسيا للجنجويد دون خجلّ أو وجلّ!
هناك ظاهرة أخرى مستجدة سنها السكرتير السياسي محمد مختار الخطيب، وأقول مستجدة ودخيلة على الحزب حيث لم نشهدها في السكرتيرين السياسيين السابقين له عبد الخالق محجوب أو محمد إبراهيم نقد، كما لم نشهدها من أي من قيادات الحزب، أو خطبائه في المنابر الرسمية في السابق. والظاهرة تتمثل في الهجوم غير المبرر على دول الخليج عامة والعداء السافر لدولة الإمارات العربية المتحدة، التي تقف بصلابة ضد التمدد الإسلاموي في المنطقة، والتي ظلت تدعم جهود المعارضة السودانية بسخاء خلال حكم الإنقاذ. يمكن للمرء أن يتفهم موقف الإسلامويين العدائي لها وسعيهم الحثيث لشيطنتها، لكن لا أفهم سبب عداء الحزب الشيوعي لها، وما المنفعة التي تعود للحزب من جرّاءِ استعداء معظم دول الخليج ذات الوجود السوداني المميز فيها، وبينهم عدد لا يستهان به من الشيوعيين والديمقراطيين وأصدقاء الحزب! هذا الأمر ليس وليد تداعيات الحرب العبثية التي يدور رحاها الآن، بل هو موقف يجري بثبات منذ أن تولت هذه المجموعة مقاليد الحزب. ولقد شهدنا السكرتير السياسي في ندوة بميدان مدرسة أمدرمان الأهلية قبل عدة سنوات من نشوب الحرب، وربما كان الظهور الجماهيري الأول له بعد الثورة، قد أخذ يكيل الهجوم على العديد من الدول في المحيط الإقليمي، وقال في دولة الإمارات ما لم يقله مالك في الخمر، فانطبق عليه القول "سكت دهراً ونطق كفراً"، دون مراعاة لوضع فروع الحزب في تلك الدول ودور الشيوعيين والديمقراطيين في أنشطة الجاليات السودانية، ودورهم في دعم الحزب، والتصدي لسياسات وأنشطة الإسلامويين والفلول في أوساط الجالية والأندية الاجتماعية السودانية في تلك الدول. فلمصلحة مَنّ يتم ذلك؟ إن لم يكن لمصلحة الفلول والحركات الإسلاموية.
يجب التحري والاستقصاء بطرق جادة وصارمة للتحقق من مسألة اختطاف الحزب من المجموعة أو الأقلية التي تسيطر الآن على قراره، لكن حتى لو افترضنا أن الحزب غير مختطف، فالقيادة الراهنة غير كفؤه سياسياً أو نظرياً لقيادة الحزب، وفي ظل استمرار وجودها ستنتج قيادات شبيهة بها ضعفاً وفقراً وتكتلاً وتآمراً في الهيئات والمكاتب والمناطق والمدن، وفي ظلها صار الحزب كياناً طارداً، وستقود لا محالة لتصفية وجوده تماما مثلما تمت تصفية كثير من المنظمات الديمقراطية مثل اتحاد الشباب والجبهة الديمقراطية للطلاب بالوصاية والتدخلات وسوء التدبير.
وللحديث بقية ...

في اللقاء القادم (9) ضعف فكري أم سوء تقدير

عاطف عبدالله

atifgassim@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الأجهزة الأمنیة الحزب الشیوعی

إقرأ أيضاً:

المراحل العشر التي قادت فيتنام إلى عملية الريح المتكررة ضد أميركا

في ظهيرة يوم شديد الصعوبة من أبريل/ نيسان عام 1975، بثت إذاعة الجيش الأميركي خبراً مفاده أن "درجة الحرارة في سايغون تبلغ 105 درجات وترتفع"، كانت تلك رسالة مشفرة تعني أن الوضع قد وصل إلى حد الانفلات التام في أعقاب هجوم واسع لقوات حكومة فيتنام الشمالية، وأنه قد بدأ الإجلاء الفوري لجميع الأميركيين المتبقين في فيتنام، بعدما كانت الولايات المتحدة قد سحبت قواتها القتالية من فيتنام وفقا للاتفاقية الموقعة في باريس عام 1973، تاركة نحو 5000 أميركي في مهام دبلوماسية واستخباراتية.

وخلال ساعات؛ وثقت الكاميرات مشهد عشرات الأميركيين والجنود الفيتناميين الجنوبيين واقفين على سطح مبنى في سايغون (عاصمة فيتنام الجنوبية)، أعينهم معلقة بطائرة هليكوبتر أميركية تهبط على عجل. رجال ونساء وأطفال يصطفون على درج معدني ضيق، يتدافعون بحذر وخوف نحو الطائرة التي لا تسع إلا عدداً قليلاً.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نصف مليون جندي و8 ملايين طن من القنابل.. لماذا هُزمت أميركا في فيتنام؟list 2 of 2في حال وقع المحظور النووي هل ستنحاز أميركا للهند أم باكستان؟end of list

كان ذلك المشهد ذروة عملية الإجلاء السريع التي عُرفت باسم "عملية الريح المتكررة" (Operation Frequent Wind)، وأصبحت رمزًا مريرًا لنهاية أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة في القرن العشرين.


لكن كيف وصلت فييتنام إلى هذه اللحظة؟ وكيف تحوّل بلد زراعي صغير على هامش خريطة آسيا إلى ساحة صراعٍ دوليّ دمويّ، وإلى اختبارٍ عسير لطموحات القوى الكبرى ومرآة لانكساراتها؟ ولفهم هذه التحولات التي باتت تمثل واحدة من أهم المعارك العسكرية في القرن العشرين؛ لا بد من العودة إلى البدايات؛ إلى الحسابات الجيوسياسية لحقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية وماقبل ذلك في زمن الاستعمار القديم، تلك الحسابات التي تجاوزت حدود فيتنام الضيقة وجعلت منها ساحةً لصراع استمر أكثر من عقدين من الزمن.

منذ القرن التاسع عشر؛ كانت فيتنام جزءًا من المستعمرات الفرنسية (الفرنسية) المحطة الأولى: فيتنام تحت الظل الاستعماري

منذ القرن التاسع عشر؛ كانت فيتنام جزءًا من المستعمرات الفرنسية، إلى جانب لاوس وكمبوديا (كانت الدول الثلاث تعرف باسم الهند الصينية). وكانت البلاد أشبه بساحة خلفية للإمبراطورية الفرنسية، حيث نُهبت ثرواتها الطبيعية، وقُمعت حركاتها الشعبية، وزُرعت فيها بذور الانقسام الطبقي والثقافي.

إعلان

لم تكن فيتنام تحديدا مجرد مستعمرة بعيدة، بل كانت عقدة حيوية في خريطة النفوذ الفرنسي في آسيا. ميناء "هايفونغ" التجاري الأهم في فيتنام، والمزارع التي كانت تنتج الأرز والمطاط، وخطوط السكك الحديدية التي تربط الهضاب بالمرافئ، كلها كانت تُدار لخدمة باريس، وليس لخدمة هانوي.

المحطة الثانية: فرصة خاطفة للاستقلال

في منتصف القرن العشرين، ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية؛ بدأ التوازن الاستعماري القديم يتصدع. اجتاحت اليابان الهند الصينية عام 1940، تاركة الإدارة الاسمية لفرنسا الفيشية، لكنها عمليًا أضعفت القبضة الفرنسية وأفسحت المجال لنمو تيارات المقاومة المحلية. من بين هذه التيارات، برزت شخصية استثنائية ستغيّر وجه آسيا، ويحمل الفيتناميون صورته اليوم وهم يحتفلون بالذكرى الخمسين لتوحيد بلادهم: هو تشي منه.

أسّس هو تشي منه "رابطة استقلال فييتنام" أو "الفييت مينه"، وهي حركة قومية شيوعية، مزجت بين الكفاح المسلح والتحريض الشعبي. وعندما انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945، وإعلان استسلام اليابان، كانت الفرصة سانحة أمام هو تشي منه، فأعلن استقلال فيتنام عن الامبراطورية اليابانية في ساحة "با دينه" بهانوي.

جنود فيتناميين خلال حرب الهند الصينية الأولى (غيتي) المحطة الثالثة: عودة الاحتلال الفرنسي

لم يعمر حلم الاستقلال طويلًا. فرنسا، التي خرجت مدمّرة من الحرب العالمية الثانية، أرادت استعادة "هيبتها" من خلال إعادة بسط نفوذها على مستعمراتها القديمة. تجاهلت إعلان الاستقلال في هانوي، ونزلت قواتها مجددًا إلى الأراضي الفيتنامية، لتبدأ بذلك حربًا دموية جديدة. وبذلك؛ وُلدت حرب الهند الصينية الأولى، والتي ستُشكّل الأساس لحرب فيتنام القادمة.

لم يكن الاستعمار هذه المرة مثل الاستعمار القديم منحصرا فقط في استغلال الموارد؛ بل برز في قلبه صراع أيديولوجي ناشئ حول رؤيتين للعالم: فرنسا التي تمثّل الغرب الرأسمالي الإمبريالي، وفيتنام التي بدأت تتجه نحو الفكر الشيوعي، مدفوعة بإرث الاحتلال، وبحلم العدالة الاجتماعية.

إعلان

كانت التربة الفيتنامية قد تشبعت بما يكفي من الغضب، وكان المشهد الإقليمي والعالمي مهيأً لانفجار طويل الأمد، لن ينتهي إلا بعد ثلاثة عقود من الدم والنار.

المحطة الرابعة: "ديان بيان فو" حيث دفنت فرنسا رايتها وورثت أمريكا عبء الإمبراطورية

في وادٍ بعيد تحيط به التلال شمالي غرب فيتنام، خسرت فرنسا آخر رهاناتها الاستعمارية الكبرى. بدأت المعركة في مارس 1954، واستمرت 57 يومًا من القصف والحصار والنار. حاصرت المقاومة الفيتنامية بقيادة  فو نغوين جياب الجنود الفرنسيين. واعتبرت المعركة لاحقا  أحد الدروس التاريخية المذهلة في فنون وتكتيكات حرب العصابات وقدرتها على التفوق على الجيوش النظامية.

وفي السابع من مايو 1954، استسلمت القوات الفرنسية في ديان بيان فو، بينما كانت قادة فرنسا يبحثون في جنيف عن مخرج مشرّف. وفي يوليو 1954، اجتمع القوى الكبرى في العالم في مؤتمر جنيف، حيث تقرر تقسيم فييتنام مؤقتًا على طول خط العرض 17، الشمال بقيادة هو تشي منه الشيوعي، عاصمته هانوي. والجنوب بقيادة نظام مدعوم من الغرب، برئاسة إمبراطور صوري ثم رئيس فعلي هو نغو دينه ديم. لكن الاتفاق نص أيضًا على إجراء انتخابات وطنية موحدة عام 1956، لكنها لم تحدث، لأن الولايات المتحدة خشيت من فوز الشيوعيين.

من هنا، بدأت واشنطن تتدخل في فييتنام. لم يكن هناك إنزال عسكري بعد، وكانت الولايات المتحدة آنذاك تخشى من ما يسمى "تأثير الدومينو": إذا سقطت فييتنام في يد الشيوعية، ستتبعها لاوس وكمبوديا وتايلاند، وربما تصل العدوى إلى أستراليا! وهكذا، تحوّلت فييتنام من ساحة استعمار قديم إلى مسرح للصراع الأيديولوجي العالمي الذي تصاعد بعد الحرب الباردة.

كانت الولايات المتحدة آنذاك تخشى من ما يسمى "تأثير الدومينو"، فإذا سقطت فييتنام في يد الشيوعية، ستتبعها لاوس وكمبوديا وتايلاند، وربما تصل العدوى إلى أستراليا (غيتي) المحطة الخامسة: تقسيم البلاد وصعود ديان دينه ديم

انتهى الوجود الفرنسي رسميًا في جنوب فييتنام في أبريل 1956، وبقيت البلاد منقسمة بحكم الواقع بين حكومة “جمهورية فييتنام” في الجنوب، وحكومة “جمهورية فييتنام الديمقراطية” بقيادة هو تشي منه في الشمال.

إعلان

دشن ديان دينه ديم (حليف أمريكي) سياسة أيديولوجية قومية وعنيفة ضد المعارضين داخليًا، معطياً امتيازات واسعة للكاثوليك وهو ما أشعل اضطرابات اجتماعية وانتفاضات بوذية ضد حكمه. عام 1960 تأسست «جبهة التحرير الوطني» المعروفة بـ"الفيت كونغ" لإعادة توحيد كل قوى المعارضة في الجنوب تحت قيادة الشمال​. اعتمدت الفيت كونغ على تكتيكات حرب العصابات وبنية تحتية سرية في الدول المجاورة من الهند الصينية لتأمين الإمداد اللوجيستي.

المحطة السادسة: خليج تونكين؛ الذريعة التي فتحت أبواب الجحيم

في أغسطس من عام 1964، زعمت البحرية الأمريكية أن مدمّرتها يو إس إس مادوكس تعرّضت لهجوم من زوارق طوربيد فيتنامية شمالية في خليج تونكين. لم تكن التفاصيل واضحة، والصور غير حاسمة، لكن الرئيس ليندون جونسون لم يحتج لأكثر من هذه الشرارة لطلب تفويض مطلق من الكونغرس لاستخدام القوة في فييتنام. وهكذا، صدر قرار خليج تونكين، الذي منح البيت الأبيض يدًا طليقة لشن الحرب دون إعلان رسمي.

كانت الحادثة التي لا يزال الجدل قائمًا حول صحتها الكاملة نقطة تحوّل فاصلة، إذ انتقلت أمريكا من دور المستشار والراعي في الظل إلى قوة محتلة، تمطر الأدغال الفيتنامية بعشرات الآلاف من الجنود والقنابل.

وبحلول عام 1965، بدأ التصعيد العسكري الكبير: إرسال أولى وحدات القتال، ثم القصف الجوي المكثف على شمال فييتنام في حملة سُمّيت "رعد متواصل" (Operation Rolling Thunder).

مع تصاعد عدد القتلى، وغياب أفق النصر، بدأ الرأي العام الأميركي ينقلب تدريجيًا على الحرب (أسوشيتد برس) المحطة السابعة: أميركا ضد نفسها

مع تصاعد عدد القتلى، وغياب أفق النصر، بدأ الرأي العام الأميركي ينقلب تدريجيًا على الحرب. اللحظة المفصلية جاءت عام 1968، بعد هجوم مفاجئ شنّه الفيتكونغ في رأس السنة القمرية (هجوم تيت) على عشرات المدن في الجنوب، بما فيها سايغون نفسها. ورغم أن الهجوم ألحق خسائر هائلة بالمقاومين الفيتناميين وربما يعتبر خسارة عسكرية، إلا أنه زلزل ثقة الأمريكيين بقدرتهم علي تحقيق النصر. فقد بدا لهم كأن العدو "المنهك" لا يزال قادرًا على الضرب بقوة في عمق المناطق الآمنة، سيظل كذلك.
المحطة الثامنة: "فتنمة الحرب".

إعلان

حين تولّى ريتشارد نيكسون الرئاسة في الولايات المتحدة عام 1969، كانت فييتنام قد أصبحت كابوسًا سياسيًا وعسكريًا. أدرك نيكسون أن النصر الكامل مستحيل، لكنه لم يشأ الانسحاب فجأة. فطرح استراتيجية سمّاها: "فتنمة الحرب" (Vietnamization)، أي تحويل عبء القتال إلى الجيش الفيتنامي الجنوبي، بينما تبدأ القوات الأمريكية بالانسحاب التدريجي.

المرحلة التاسعة: رحيل آخر الجنود المقاتلين

لم تكن "فتنمة الحرب" أكثر من محاولة لتأجيل الهزيمة، لا تجنّبها. فالجيش الجنوبي كان ضعيف التدريب، ويفتقر للحافز القتالي، في حين كان الشمال يزداد صلابة. في الوقت نفسه، وسّع نيكسون الحرب عبر قصف كمبوديا ولاوس بحجة ضرب خطوط الإمداد الفيتنامية (طريق هو تشي منه)، ما أدى إلى توسيع رقعة الصراع، وخلق المزيد من الفوضى في المنطقة، وأشعل المعارضة داخل الولايات المتحدة.

لم يستجب الفيتناميون لرغبة الأمريكان في التفاوض مباشرة، واستمروا في إلحاق الخسائر بهم، حتى عام 1973 حين وقّعت أميركا اتفاقية باريس للسلام مع حكومة فيتنام الشمالية، معلنة انسحابها الرسمي من الحرب، بعد أن خسرت أكثر من 58 ألف جندي، وأبقت على نحو 5000 آلاف جندي فقط في مهام غير قتالية.

 

المحطة العاشرة: سقوط سايجون

في ربيع عام 1975، بدأ الجيش الشمالي الزحف النهائي نحو العاصمة الجنوبية سايغون. كانت القوات الفيتنامية الشمالية مدعومة بخبرة طويلة، وعقيدة قتالية متماسكة، بينما كان الجنوب، رغم الأسلحة الأمريكية المتروكة، منهارًا معنويًا. سقطت المدن الواحدة تلو الأخرى، بلا مقاومة تُذكر. أما واشنطن، فقد اكتفت بالمراقبة، بعد أن قطعت المساعدات العسكرية.

في 30 أبريل 1975، دخلت دبابات الشمال سايغون. لم تكن هناك معركة حقيقية. رفع الجنود علمهم الأحمر بنجمة صفراء فوق القصر الرئاسي، وانتهت الجمهورية الفيتنامية الجنوبية إلى الأبد. لم يُعلن عن هزيمة أمريكية رسميًا، لكنها بقيت محفورة ومستقرة في التاريخ العسكري والاستراتيجي: أن الفيتناميين هزموا الولايات المتحدة.

إعلان

 

مقالات مشابهة

  • وزير العدل يؤكد مواصلة ملاحقة كل الدول التي اجرمت في حق الشعب السوداني
  • هل معادن أوكرانيا النادرة التي أشعلت الحرب ستوقفها؟
  • السلطات الأمنية تقتحم مقر الحزب الشيوعي وتمنع قيام ندوة وتأمر بإغلاق الدار
  • ???? من أشعل الحرب في السودان ؟ الجيش السوداني أم الدعم السريع؟
  • المراحل العشر التي قادت فيتنام إلى عملية الريح المتكررة ضد أميركا
  • «من الحرب إلى الفوضى الأمنية».. ماذا يحدث في أشرفية صحنايا السورية؟
  • الوسائل الدعائية للحزب الشيوعي في الخمسينات والستينات
  • رسالة من قلب الخرطوم… حكاية الصامدين في زمن الحرب
  • 50 عاما على نهاية حرب فيتنام التي غيّرت أميركا والعالم
  • معاوية البرير: هذه فرص تعافي الاقتصاد السوداني في حال توقفت الحرب