وداعاً الأمدرماني الساخر الفاتح جبرا
تاريخ النشر: 22nd, September 2024 GMT
الدكتور الفاتح جبرا، الذي رحل عن دنيانا تاركاً خلفه إرثاً أدبياً وصحافياً كبيراً، كان شخصية متعددة الجوانب وموهوبة في تقديم السخرية بأسلوب يجمع بين الفكاهة والوعي الاجتماعي. من خلال عموده الشهير "ساخر سبيل" في صحيفة الجريدة السودانية، استطاع جبرا أن يلامس قضايا الناس اليومية بشكل ساخر، مما جعله من أبرز كتاب الصحافة السودانية خلال العقود الأخيرة.
حياة شخصية فريدة ومؤثرة
وراء الكاتب الساخر كان هناك رجل يعيش قصة حب فريدة من نوعها. الفاتح جبرا كان متزوجاً من السيدة وفاء كامل جرجس، وهي مسيحية قبطية، وقد جمعت بينهما علاقة قوية مبنية على الحب والتفاهم رغم اختلاف الديانة. قصة زواجهما بدأت في عام 1999 بزفاف تم في المسجد والكنيسة، ليكونا أسرة تعيش في وئام وتسامح نادر في المجتمع. وفاء كانت مثالاً للتعايش والتسامح الديني، فهي، ورغم مسيحيتها، كانت تشارك زوجها في طقوسه الإسلامية، من تحضير إفطار رمضان إلى مشاركته في العبادات اليومية.
الخلفية العائلية
وفاء، التي نشأت في بيت مسيحي عريق، تعود إلى عائلة كانت نموذجاً للتعايش الديني في أم درمان. جدها، السيد بولس، كان يدير خلوة لتحفيظ القرآن، ووالدها كامل جرجس حفظ القرآن الكريم كاملاً، مما يعكس التعايش العميق بين المسلمين والمسيحيين في السودان. هذا الانسجام بين الأديان والثقافات انعكس على حياتهما الزوجية، حيث كانت وفاء تشارك جبرا في كل تفاصيل الحياة الدينية.
الأثر الأدبي والفني
كان جبرا يتمتع بحس فني مميز، إلى جانب موهبته في الكتابة، حيث كان يعزف على العود والمندلين، ويحب الاستماع إلى أغاني الحقيبة السودانية القديمة. هذا الجانب الفني أضفى على شخصيته عمقاً آخر، حيث كان يجد في الموسيقى متنفساً للهروب من ضغوط الحياة اليومية.
أما عن كتاباته، فقد ترك جبرا وراءه مجموعة من المؤلفات الساخرة مثل "لبس جماعي" و"واحد في المليون" و"زيادة دخل"، التي تناول فيها قضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية بنبرة ساخرة ومباشرة. في هذه الأعمال، كان يوجه نقده للظواهر السلبية في المجتمع بأسلوب يجذب القراء ويجعلهم يعيدون التفكير في واقعهم. أهدي كتابه "لبس جماعي" لزوجته وفاء، وكتب في الإهداء: "إلى التي تقرأني ولا تقرأ لي"، في إشارة إلى علاقتها الخاصة والمميزة معه.
التعايش والتسامح
ما يميز حياة الفاتح جبرا وزوجته وفاء هو التعايش الفريد الذي جسداه بين الإسلام والمسيحية. هذا التعايش لم يكن فقط على مستوى الاحتفالات الدينية المشتركة، بل أيضاً في كل تفاصيل حياتهما اليومية. وفاء كانت تشارك في إعداد الطعام خلال شهر رمضان، وتحتفل مع زوجها بالأعياد الإسلامية، بينما كانت تحظى بحريتها في ممارسة شعائرها المسيحية.
إرث إنساني وأدبي
برحيل الفاتح جبرا، فقد السودان ليس فقط كاتباً ساخراً، بل إنساناً يمثل نموذجاً للتعايش بين الأديان والثقافات المختلفة. ترك وراءه إرثاً غنياً من الكتابات التي جمعت بين النقد الاجتماعي والفكاهة، ليكون قدوة للأجيال القادمة في كيفية معالجة القضايا المجتمعية بروح ساخرة ولكن بناءة.
يبقى اسم الفاتح جبرا خالداً في ذاكرة الصحافة السودانية، وسيظل مثالا للصحفي الذي استطاع أن يجمع بين الفكاهة والجدية في تناول المواضيع التي تهم الشعب السوداني. نرجو من الله أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يلهم أسرته ومحبيه الصبر والسلوان.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الفاتح جبرا
إقرأ أيضاً:
العكاري: مشاريع ما قبل فبراير كانت موزعة بعدالة ويجب إحياؤها
ليبيا – علّق عضو لجنة تعديل سعر الصرف مصباح العكاري على النقاشات المتعلقة بعدالة توزيع الثروة، وإعمار البلاد، وتقليص الفجوة السكانية، متسائلًا: “هل يدرك المسؤولون في البلاد أن ما قبل فبراير كان هناك مشروع تنموي ضخم جدًا موزع بعدالة على كامل التراب الليبي؟”
دعوة لاستكمال المشاريع التنموية السابقة
العكاري طالب، في منشور عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك“، بضرورة استكمال المشاريع التنموية السابقة وعدم الانخراط في مشروعات جديدة قبل الانتهاء منها. وأكد على أهمية إعطاء الأولوية لهذه المشاريع لتعزيز التنمية والاستقرار.
استبدال الشركات غير الراغبة في العودة
وأضاف العكاري: “أي شركة لا ترغب في العودة لاستكمال مشاريعها يتم استبدالها، لتنطلق مرحلة بناء ضخمة في البلاد تؤدي إلى تحقيق الاستقرار وتوفير السكن والمرافق الحيوية.”
جلسة وطنية لبحث تمويل المشاريع
وأشار العكاري إلى توفر مصادر تمويل المشاريع التنموية، مشددًا على أن الأمر يحتاج فقط إلى جلسة تجمع أبناء الوطن المخلصين للاستماع إلى آرائهم وخططهم، من أجل تحقيق التنمية المستدامة في ليبيا.