الأوبرا تحيي ذكرى رحيل المؤلف الإسباني خواكين رودريجو "صور"
تاريخ النشر: 22nd, September 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قدمت دار الأوبرا برئاسة الدكتورة لمياء زايد، أمسية آسرة تألق خلالها أوركسترا القاهرة السيمفوني تحت قيادة المايسترو أحمد الصعيدى، المدير الموسيقى للأوركسترا، وحملت عنوان "رودريجو... روح إسبانيا".
هذا العرض الاستثنائي، على خشبة المسرح الكبير ، جاء ليخلد الذكرى الخامسة والعشرين لوفاة المؤلف الموسيقى الإسباني خواكين رودريجو، أحد أبرز مؤلفى الموسيقى الكلاسيكية في القرن العشرين.
أبهرت النجمة السوبرانو داليا فاروق، بصوتها الآسر الذي يمزج بين الرقة والقوة، جمهور الحضور الكبير، بأدائها الرائع لـ "أربع مادريجالات للحب" وترافقها الأوركسترا في انسجام تام، مما أضاف بعداً ساحراً إلى تلك الأعمال الغنية بالحب والشجن.
أما عازف الجيتار الإسباني خوسيه لويس موريلياس، فقد خطف الأنظار بأدائه المبهر
لـ فانتازيا إلى رجل نبيل"الشرير والريسركار،الاسبانية وفانفار فرسان نابولى،رقصة الفؤوس،كنارى" حيث أبدع في نسج ألحان إسبانية أصيلة بنكهة معاصرة، ليرسم لوحة موسيقية نابضة بالحياة بمصاحبة الأوركسترا ومعبرة عن التاريخ والفولكلور الإسباني.
وما زاد من ثراء الأمسية، كان أداء الأوركسترا لأعمال خالدة أخرى، من بينها السيمفونية الأولى لـ بيتهوفن، التي نقلت الجمهور الى قلب الفنون الموسيقية الراقية.
مثلت أعمال رودريجو جسر بين الماضى والحاضر، مستحضرة النغمات التي ارتبطت بروح إسبانيا.
لقد كان حفل "رودريجو... روح إسبانيا" أكثر من مجرد عرض موسيقى، بل كان تجربة إنسانية عميقة، حُفرت في ذاكرة كل من حضرها، مؤكدة أن الموسيقى لغة عالمية تتجاوز الحدود، وتربط بين الثقافات بروح واحدة نابضة بالحياة.
جدير بالذكر أن خواكين رودريجو وُلد عام ١٩٠١ في مدينة ساغونتو، فالنسيا، إسبانيا، وفقد بصره في سن الثالثة بسبب اصابه ، بدأ تعلم الموسيقى في سن مبكرة، حيث درس البيانو والسولفاج فى سن الثامنة والتلحين في سن السادسة عشرة. اشتهر عالميًا بأعماله التي أدخل فيها الغيتار الإسباني، وكتب ألحانه بطريقة بريل للنشر لاحقًا.
درس رودريجو الموسيقى على يد فرانسيسكو انتيك في فالنسيا ثم في باريس على يد بول دوكا. حصل على جائزة إسبانيا الوطنية عام ١٩٢٥ عن عمله "قطع الأطفال الخمسة". أصبح بروفيسورًا فى تاريخ الموسيقى في جامعة كمبلوتنسى بمدريد عام ١٩٤٧.
أشهر أعماله "كونشرتو دي آرانخويث" التى لحنها في باريس عام ١٩٣٩، وهو عمل مميز للغيتار والأوركسترا وتعتبر قمة في الموسيقى الأسبانية وواحدة من مراجع كونشيرتات الجيتار.
حصل رودريجو على العديد من التكريمات، منها لقب "ماركيز دي لوس جاردينيس دي آرانخويث" من الملك خوان كارلوس عام ١٩٩١، ووسام جائزة "أمير أستورياز" عام ١٩٩٦. توفي في مدريد عام ١٩٩٩ عن عمر ٩٧ عامًا .
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: أوركسترا القاهرة السيمفوني إسبانيا الدكتورة لمياء زايد خوان كارلوس دار الاوبرا داليا فاروق
إقرأ أيضاً:
وقفات مع ذكريات ومذكرات ابو منقة ١ / ٢
بقلم: خالد محمد فرح
وصلت إلى طرفي ، بصحبة شاب قدم علينا من القاهرة في الأسبوع الماضي، نسخة من كتاب " ذكريات في مذكرات " ، الذي صدر حديثاً لاستاذنا وصديقنا البروفيسور الامين ابو منقة محمد، استاذ اللغات واللغويات الأفريقية بمعهد الدراسات الأفريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم، والمدير الأسبق لهذه المؤسسة البحثية والأكاديمية المرموقة لدورتين متتاليتين 2002 - 2010م، والباحث والمؤلف غزير الانتاج مع التميز والتجويد، الذي لا يشق له غبار في علوم: اللغة والتاريخ والأنثربولوجيا والفولكلور والتراجم وغيرها من العلوم الإنسانية بصفة عامة.
انه كتاب يتألف من اثني عشر فصلاً، ويقع في نحو 420 صفحة من القطع المتوسط، وهو من اصدار ات دار جامعة الخرطوم للطباعة والنشر في العام المنصرم 2024م.
هو كتاب في السيرة الذاتية بشكل أساسي، سرد فيه المؤلف وقائع ومحطات تاريخ حياته منذ ميلاده مرحلة اثر مرحلة، انتهاء بلحظة كتابة آخر فصل فيه، ودون فيه ذكريات طفولته الباكرة والمتأخرة، وصباه وشبابه، مروراً بجميع مراحل دراسته داخل السودان وخارجه، مستعرضاً أهم الاحداث التي كان طرفاً فيها، والتي وقعت في مسقط رأسه بلدة " مايرنو " بولاية سنار خلال تلك الفترة المعنية، بين اواخر الخمسينيات ومنتصف الثمانينيات من القرن الماضي.
هذا، وعلى الرغم من ضخامة حجم هذا الكتاب نسبياً، وغزارة المعلومات التي حواها، إلا أنني الفيته - مع ذلك -.سائغاً سلساً، في غاية المتعة والفائدة في بابه، وذا أسلوب ناصع ولغة رصينة، زانتها أريحية واضحة وخفة روح، وهو ما مكنني من التهام سطوره وصفحاته في غضون فترة وجيزة جدا، من دون ان انصرف عنه إلى اي مصنف آخر غيره، حتى اتيت عليه كله مرة واحدة.
بسط البروفيسور ابو منقة في هذا الكتاب ايضاً، الحديث عن بعض العادات والتقاليد الخاصة بقبيلة الفولاني التي ينتمي اليها المؤلف نفسه، والتي كانت سائدة في منطقة انتشار افراد هذه القبيلة بتلك المنطقة من ضفتي جنوبي النيل الأزرق بالسودان، في ستينات وسبعينات القرن العشرين، وقد اثبت الكاتب معلومة تاريخية مفادها ان اسلافه قد قدموا مهاجرين إلى السودان، من شمال نيجيريا في عام 1903م ، في صحبة أمير المؤمنين الطاهر الاول، حفيد الداعية والمجاهد الشهير الشيخ عثمان دان فوديو 1754- 1817م، فرارا بدينهم من عسف الاحتلال البريطاني، الذي استولى على دولتهم سلطنة سوكوتو الإسلامية، التي كان قد اسسها هناك، الشيخ عثمان دان فوديو في عام 1804م.
وقد أشار المؤلف إلى معظم تلك العادات والتقاليد الفولانيةِ العتيدة، قد اندثر الان كما قال. وهنا لعل المرء يتذكر على سبيل المقارنة والتمثيل، عنوان المقال الطويل الذي نشره العلامة عبد الله الطيب بالإنجليزية في مجلة السودان في رسايل ومدونات SNR في خمسينيات القرن الماضي تحت عنوان: Changing Customs in the Riverain Sudan ، اي العادات المتغيرة في السودان النهري، والشاهد هو اشتراك الموضوعين في ثيمة او معطى التغيير الحتمي في العادات والتقاليد، بوصفه ظاهرة تعتري اي مجتمع بشري صغر او كبر، خصوصا تبعا لتغير البيئات والظروف المحيطة.
كذلك عمد المؤلف إلى القاء الضوء على بعض المفاهيم الاجتماعية والثقافية السائدة في عدد من البلدان التي زارها وعاش فيها، وخصوصاً نيجيريا وألمانيا، وقارنها مع المفاهيم الموازية لها في المجتمع السوداني. ثم تتبع الكاتب مجريات الاحداث بمعهد الدراسات الأفريقية والآسيوية منذ ان التحق به استاذا في بداية النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي، وحتى لحظة كتابته هذه المذكرات التي صرح هو نفسه بانه قد خطها اثناء الخلوة التي فرضتها عليه وعلى جميع البشر، جائحة كورونا في عام 2020م. والى جانب ذلك، عرض المؤلف تجربته عضواً بمجلس الشخصيات المرموقة في الالية الأفريقية لمراجعة النظراء التابعة للاتحاد الأفريقي، كما تطرق ايضاً إلى أنشطته البحثية، وإسهاماته في خدمة المجتمع من خلال عضويته في عدد من اللجان القومية، مثل ترؤسه المجلس القومي لتطوير وترقية اللغات القومية، ورئاسته المجلس القومي للتراث الثقافي وترقية اللغات القومية، وعضويته باللجنة القومية للأسماء الجغرافية وغير ذلك من الهيئات واللجان.
واختتم المؤلف هذا الكتاب بفصل استعرض فيه انطباعاته عن عدد من الدول التي حظي بزيارتها حتى الان، والتي يبلغ مجموعها 34 دولة، موزعة بين أوروبا والشرق الأوسط والشرق الأقصى وأفريقيا.
ان هذا الكتاب هو بكل تاكيد، كتاب في السيرة الذاتية للمؤلف في المقام الاول، ولكن القارئ الحصيف ،،وذو البصر ،،والواعي، والمهتم، سوف يجني منه قطعاً، فوائد جمة في مجالات ومعارف ومباحث اخرى عديدة، من بينها على سبيل المثال فقط، إضاءات وومضات كاشفة على جوانب مهمة من تاريخ السودان الحديث والمعاصر، وخصوصاً تاريخ صلاته الواشجة مع بلدان وشعوب وسط افريقيا المسلمة، وعلى وجهٍ أخص، تاريخ هجرات طوائف من قبايل الفولاني والهو سا والبرنو وغيرهم إلى أرض السودان، على غرار هجرة مجموعة كبيرة من الفولاني، رعايا سلطنة سوكتو الإسلامية بقيادة الأمير الطاهر مي ويرنو في عام 1903م في ظل اوائل سني حكومة الحكم الثنائي الاستعمارية، والتي تلتها في عام 1904 م ، هجرة لطائفة اخرى من الفولاني الغابيرو الناطقين بلغة الصونغى من مالي، والذين استقرت مجموعة منهم بجنوب كردفان بنواحي كادوقلي و البرداب وغيرها، وواصلت مجموعة منهم سيرها فاستقرت بجنوب النيل الأزرق بنواحي ود هاشم والحجيرات وغيرهما، كما اخبرني بذلك قبل سنوات ، صديقنا وابن دفعتنا في الجامعة، الاخ احمد حامد صالح نقلا عن اسلافه الذين كانوا جزءا من اوليك المهاجرين من مالي في ذلك التاريخ.
والى ذلك، فان هذا الكتاب يشتمل على ملامح وومضات لافتة للنظر في مباحث شتى في مجالات التاريخ الاجتماعي والثقافي، وحتى السياسي في تاريخ السودان الحديث والمعاصر، فضلا عن مباحث اخرى في علوم اللغة والاناسة والفلكلور والفوارق الثقافية بين مختلف الأقطار والشعوب، ثم داخل القطر الواحد والشعب الواحد، مما أتاح له المجال لاجراء جملة من المقارنات والمقابلات المفيدة حقا. وفي معرض تطرقه لمسيرته الشخصية مع الدراسة والعمل لاحقاً، وخاصة في جامعة الخرطوم، طالباً ومعيداً ومحاضراً ورئيس قسم ومديرا لمعهد الدراسات الأفريقية والآسيوية.، وفي هذا السياق، يوقفنا المؤلف على سبيل الاستطراد، على جانب من تاريخ جامعة الخرطوم منذ اوائل السبعينيات من القرن الماضي وحتى نهاية العشرية الاولى من الالفية الجديدة، حيث يطلعنا المؤلف على جوانب إنسانية مشرقة وأخرى سالبة بطبيعة الحال، مما يتصف به بعض البشر من لطف وذوق ونبل وحسن تعامل وكرم وانسانية، او ما يعلق بنفوس بعضهم في المقابل، من مثالب الانانية والأثرة والحسد والعنصرية والميل إلى الكيد والغدر و " الحفر " وهلم جرا. على ان المؤلف قد عرض لجميع ذلك بنفس راضية وواثقة، وعبر عنه بأسلوب أريحي سمح، يفيض بشراً ومسامحة، بل لا تنقصه روح الدعابة في كثير من المواضع.