كيف تشحن أفران سنار هواتف أهلها؟
تاريخ النشر: 22nd, September 2024 GMT
في اليوم التاسع والعشرين من يونيو الماضي، حطت أجنحة الحرب على مدينة سنجة بولاية سنار، بعد أن اجتاحت قوات الدعم السريع المدينة إثر قصف مدفعي وجوي مدمر، تاركةً وراءها مدينة غارقة في الظلام.
ومع انقطاع الكهرباء، توقفت عجلة الحياة تمامًا، فأصبح المواطنون معزولين وكأن العالم الخارجي قد أُغلق أمامهم، وغدا التواصل بين الناس مجرد حلم بعيد.
في حين أصبحت الهواتف المحمولة بمثابة طوق نجاة، ليس فقط للتواصل، بل أيضًا لتحويل الأموال من المغتربين، وهي الشريان الذي يغذي الأسر ويمنحها بصيصًا من الأمل.
لكن مع غياب الكهرباء، تحول شحن الهواتف إلى معضلة يومية تعاني منها كل أسرة في مدينة سنار، ما دفع السكان إلى البحث عن أي مصدر للطاقة، ولو كان ذلك عبر الأفران ” المخابز “، حسبما أكد الصحفي نصر الدين عبد القادر الذي نزح إلى المدينة منذ عدة أشهر، فارًا من جحيم الحرب في الخرطوم
الأفران.. نقطة التجمع والنجاة
فمنذ ساعات الفجر الباكرة، يصطف الناس حاملين أجهزتهم وشواحنهم في انتظار فرصة شحنها أمام الأفران.
إذ تحولت تلك الأماكن التي كانت سابقا مصدرًا لرغيف العيش، إلى محطة أساسية لتغذية هواتفهم بالطاقة.
مع ذلك، يضع نقص الوقود مزيدًا من الضغوط، إذ يضطر البعض إلى قطع مسافات طويلة بحثًا عن فرن يعمل.
ورغم الظروف القاسية، بدا أن السكان قد اعتادوا على هذا الوضع، حيث أصبحت تلك الطوابير أمام الأفران مشهدًا يوميًا.
الفلافل والخبز
في الوقت ذاته، تحول الانتظار الطويل أمام المخابز إلى فرصة لمزيد من التبادل التجاري، إذ انتعشت مبيعات الفلافل والخبز على الرغم من تضاعف الأسعار، حيث وصل سعر الرغيف إلى 200 جنيه سوداني أي مايعادل 60 سنتا أمريكيا تقريبًا مما أضاف عبئًا آخر إلى كاهل المواطنين.
لكن هذه الحلول المؤقتة لم تأتِ دون مخاطر، فالمولدات الكهربائية الرديئة التي يعتمد عليها البعض شحنت الهواتف بثمن باهظ، حيث أدى التيار غير المستقر إلى تلف العديد من البطاريات.
لكن رغم ذلك، لم يكن أمام الناس من خيار سوى الاستمرار في هذه العملية رغم المخاطر، وباتوا بين نارين: البقاء على اتصال بالعالم أو فقدان هواتفهم.
مدينة مظلمة
إذ يتجول العديد من السودانيين ليلًا ونهارًا، بحثًا عن بصيص أمل، عن فرن أو مؤسسة تتيح لهم شحن هواتفهم وإعادة الحياة إليها مرة أخرى.
لاسيما أن انقطاع التيار الكهربائي لم يقتصر على مشكلة شحن الهواتف فقط، بل ضرب كل نواحي الحياة في سنار والقرى المحيطة.
إذ توقفت الثلاجات عن العمل، وتعطلت الأجهزة الكهربائية التي كانت جزءًا من الروتين اليومي، لتعيد الحياة في المدينة إلى ما قبل عصر اكتشاف الكهرباء.
أما اللحظات النادرة التي يعود فيها التيار الكهربائي إلى السوق أو المستشفى، فتشكل محطة تهليل من الناس وكأنهم استعادوا جزءًا من حضارتهم المفقودة.
كيف تنتشر الشائعات؟
إلى ذلك، ومع غياب وسائل الإعلام التقليدية بسبب انقطاع الكهرباء، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي النافذة الوحيدة للمعلومات، لكنها شكلت أيضًا بابًا واسعًا لانتشار الشائعات. إذ في غياب المصادر الموثوقة، انتشرت الأخبار المضللة كالنار في الهشيم، وصارت الحكايات الخيالية تُتداول في الأسواق والمجالس، حيث يقسم البعض بصدقها قبل أن تتكشف الحقيقة لاحقًا، تاركةً خلفها حالة من الإرباك والتشتت.
يشار إلى أن مدينة سنار، تقع جنوب شرق السودان على بعد حوالي 300 كيلومتر من العاصمة الخرطوم، وتعد مهدًا لأول دولة إسلامية موحدة في السودان (1504-1821م).
كما جعلها موقعها الجغرافي جسرًا يربط بين وسط البلاد وجنوبها الشرقي، الذي يسيطر عليه الجيش.
كذلك تتميز ولاية سنار التي تحمل اسم المدينة نفسها بمشاريع زراعية ضخمة تعتمد على الري من خزان سنار، أحد أكبر وأقدم السدود في السودان، الواقع على ضفاف النيل الأزرق، ما يجعلها منطقة زراعية مهمة على الرغم من الأزمات المتلاحقة
ومنذ أواخر يونيو الماضي، تعاني تلك الولاية من أوضاع إنسانية كارثية بسبب الصراع المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
كما تسببت الاشتباكات الأخيرة في نزوح حوالي 726 ألف شخص، وفقًا لتقارير المنظمة الدولية للهجرة، ما جعل عدد النازحين في سنار يفوق المليون، إذ كانت الولاية تستضيف بالفعل أكثر من نصف مليون نازح قبل اندلاع المعارك.
العربية نت
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
تعلمها ضرورة.. مفتي الجمهورية: اللغة العربية تعاني من جناية أهلها عليها
استضاف مركز عبد الله بن ماجد في سفارة سلطنة عمان بالقاهرة احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، بحضور الدكتور نظير عيَّاد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، والدكتور عمرو موسى، الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، والدكتور عبد الحميد مرعي، رئيس مجمع اللغة العربية.
وشهدت الاحتفالية حضور العديد من الشخصيات الثقافية والدبلوماسية، حيث تم التأكيد على أهمية الحفاظ على اللغة العربية باعتبارها جزءًا أساسيًّا من الهُويَّة الثقافية والدينية للعالم العربي.
في بداية الاحتفال، رحَّب السفير عبد الله بن ناصر الرحبي، سفير سلطنة عمان في القاهرة، بفضيلة المفتي وبالحضور، مشيدًا بِدَور اللغة العربية في ربط الشعوب العربية بحضارتها ودينها. كما أشار إلى أن اللغة العربية، التي تمثل هوية مشتركة للأمة العربية، تعتبر وسيلة للحفاظ على الموروث الثقافي والتاريخي للأمة.
ثم ألقى الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، كلمة أكد خلالها على أهمية اللغة العربية في فهم الدين، مشيرًا إلى أن اللغة العربية ليست مجرد وسيلة للتواصل فحسب، بل هي أداة لفهم القرآن الكريم ومقاصده. وقال: "إن الله سبحانه وتعالى اختار اللغة العربية ليتنزل بها القرآن الكريم، وهذه حقيقة لا يمكن لأحد أن يغيرها. فاللغة العربية هي أداة لفهم وتفسير القرآن الكريم، ولا يمكن لأي شخص أن يفهم الإسلام بشكل كامل دون أن يتقن اللغة العربية. من هنا، فإن تعلم اللغة العربية ليس فقط ضرورة دينية، بل هو شرف لا يدانيه شرف."
وأضاف: "فهم القرآن الكريم ومعرفة مضامينه والوقوف على أسراره، من أهم مقاصد تعلم اللغة العربية. إنها ليست فقط وسيلة لفهم النصوص الدينية، بل هي أيضًا أداة لحسن العبادة ولعرض الدين بشكل صحيح، منوها أن اللغة العربية كانت ولا تزال هي التي استعان بها العلماء لفهم ما يشار إليه في القرآن والسنة."
وتابع: "وفي وقتنا الحالي، تتزايد الأصوات التي تنادي بطمس اللغة العربية والقضاء عليها، وهو أمر يتطلب منا التصدي له بكل قوة. إن العناية باللغة العربية هي عناية بالحضارة الإسلامية نفسها. فهذه اللغة تشجع على الحضارة والتمدن، وهي وسيلة لفهم الدين والحفاظ على الهوية الثقافية."
وأردف: "في الوقت الذي نجد فيه تحولًا عالميًّا كبيرًا في النظرة إلى اللغة العربية، إذ تُعتبر لغة فكر مرنة ومتجددة بما يواكب العصر، نلاحظ أن اللغة العربية تعاني من جناية أهلها عليها، والتشبع بغيرها من اللغات، وهو ما يجعل من الضروري أن نواصل العناية بها وحمايتها من التهميش."
وأشار إلى أن اللغة العربية كانت ولا تزال هي اللغة التي استعان بها العلماء في فهم القرآن وتفسيره، لافتًا النظر إلى أن العلماء الأوائل كان لهم دَور عظيم في الحفاظ على اللغة العربية ورفع مكانتها في العالم الإسلامي، موضحا أن الدين الإسلامي قد انتشر في مختلف أنحاء العالم بفضل اللغة العربية، وأن هذه اللغة لا تقتصر على المسلمين فقط، بل هي لغة ثقافية وعلمية لكل من يهتم بالعلوم والفنون.
كما أضاف: "اللغة العربية ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي جزء من هويتنا وحضارتنا. فخلال التاريخ، كانت اللغة العربية هي أداة الفهم والانتقال للمعرفة في جميع المجالات، من العلوم والفلسفة إلى الفنون والأدب."
وفي إطار التأكيد على دَور القرآن الكريم في الحفاظ على اللغة العربية، قال المفتي: "إن القرآن الكريم كان له دور كبير في الحفاظ على اللغة العربية، فقد ساعد في تعزيز مكانة اللغة عبر العصور. فلم يكن القرآن مجرد نص ديني فقط، بل كان مرجعية لغوية أساسية حافظت على اللغة العربية من الاندثار، وساهمت في إبرازها في مختلف مجالات الفكر والعلم، مما جعلها أداة قوية للتواصل في جميع الأزمنة."
من جانبه، أكد الدكتور عمرو موسى، الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، أهميةَ الحفاظ على اللغة العربية في مواجهة اللغات الأخرى التي تحاول أن تحل محلها في مجالات الإعلام والتعليم. وقال: "إن اللغة العربية هي جزء أساسي من هويتنا، وهي الرابط القوي بيننا وبين ديننا وثقافتنا، من الضروري أن نواصل العمل على إحياء اللغة وتعزيز حضورها في جميع المجالات." وأضاف أن الدول التي تحترم لغتها، مثل فرنسا، تفرض استخدامها في كافة المجالات مما يعكس التزامها العميق بهويتها الثقافية.
وفي مداخلة له، تحدث الدكتور عبد الحميد مرعي، رئيس مجمع اللغة العربية، عن إنجازات المجمع في الحفاظ على اللغة العربية وتطويرها. وأشار إلى أن المجمع أصدر معجمًا شاملًا للغة العربية يضم المعارف الإسلامية والعلوم التي تم تعريبها على مر العصور.
وأضاف أن المجمع قام بمراجعة العديد من المصطلحات العلمية وتحديثها لتواكب التطورات الحديثة، مؤكدًا على ضرورة إحياء اللغة العربية في جميع المجالات، بما في ذلك الوثائق والمحافل الرسمية والإعلانات والمكاتبات.