بايدن: شي جين بينغ يسعى لشراء “مساحة دبلوماسية” رغم عدوانية الصين
تاريخ النشر: 22nd, September 2024 GMT
سبتمبر 22, 2024آخر تحديث: سبتمبر 22, 2024
المستقلة/- في تصريح لافت للنظر على هامش قمة “كواد” في ويلمنغتون، ديلاوير، أشار الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى أن نظيره الصيني شي جين بينغ يسعى إلى “شراء بعض المساحة الدبلوماسية”، مشيراً إلى أن الرئيس الصيني يبدو مهتماً بتركيز اهتمامه على التحديات الاقتصادية المحلية والحد من التوترات الدبلوماسية.
جاءت تصريحات بايدن خلال حديثه مع قادة اليابان، أستراليا والهند، ولم يكن يعلم أن الميكروفون كان مفتوحًا. قال بايدن: “نعتقد أن شي جين بينغ يتطلع إلى التركيز على التحديات الاقتصادية المحلية والحد من الاضطرابات في العلاقات الدبلوماسية، وفي رأيي، يسعى أيضًا لشراء بعض المساحة الدبلوماسية لمتابعة مصالح الصين بقوة”.
ورغم هذا السعي الظاهر من الرئيس الصيني لتخفيف التوترات، أكد بايدن أن الصين ما زالت تتصرف بعدوانية في العديد من المناطق الحساسة في المنطقة، مثل بحر الصين الجنوبي، بحر الصين الشرقي، ومضيق تايوان. وتواصل الصين سياساتها التي تعتبرها الدول المحيطة، بما في ذلك الولايات المتحدة، ممارسات قسرية ومزعزعة للاستقرار.
من جهته، رفض مجلس الأمن القومي الأمريكي التعليق على ما قيل بعد أن تم تسجيله عن غير قصد، فيما أكد مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، أن الصين ليست المحور الرئيسي لقمة “الرباعية”، لكن البيت الأبيض لم يخفي أن القضايا المتعلقة بسلوك الصين العدواني كانت ضمن جدول الأعمال. وفي بيان رسمي، أكد البيت الأبيض أن بايدن ناقش مع قادة اليابان وأستراليا مخاوفهم المشتركة حول أنشطة الصين في بحر الصين الجنوبي.
التوترات في المنطقة كانت واضحة في نقاشات قمة “كواد”، حيث أشار مستشار الأمن القومي جون كيربي إلى أن القادة تناولوا أيضًا التحديات الناشئة عن “العمل العسكري العدواني” للصين، بالإضافة إلى قضايا التجارة غير العادلة والتوترات حول مضيق تايوان.
منذ توليه منصبه، رفع بايدن قمة “كواد” إلى مستوى قادة الدول، لتصبح جزءًا أساسيًا من استراتيجيته في مواجهة تصاعد النفوذ الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ومع تزايد النفوذ الصيني في المنطقة، يبقى التعاون بين هذه الدول الأربع محورًا مهمًا لاستراتيجية الولايات المتحدة للحفاظ على التوازن الإقليمي.
تواصل الصين تحدي النظام الدولي القائم، مما يجعل من القمة الرباعية أداة حاسمة لمواجهة هذه التهديدات، في الوقت الذي يبدو فيه شي جين بينغ يحاول تحقيق توازن بين طموحاته الداخلية والحفاظ على نفوذ بلاده الخارجي.
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: شی جین بینغ
إقرأ أيضاً:
دبلوماسية الردع عن بُعد
السياسة الخارجية الأمريكية في عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب الثانية تعتمد على أسلوب الردع المحتمل عن بُعد. الرئيس ترامب، بهذه الدبلوماسية الغامضة يريد أن تمارس إدارته سياسة خارجية، بأقل التكاليف الممكنة، مع أجزل عائد ممكن. نهج رأسمالي لإدارة سياسة خارجية للدولة الأعظم في العالم.
الرئيس ترامب يظن أنه لا يحتاج في تطبيق نهج مثل هذا على السياسة الخارجية لبلده، لا إلى القوة الصلبة، بكل إمكاناتها الردعية الهائلة، ولا أيضاً قوتها الناعمة متعددة الإمكانات اللينة.
بعبارة أخرى: لا يريد الرئيس ترامب في إدارة السياسة الخارجية لبلده لا أن يستخدم لا العصا ولا الجزرة. هو لا يريد أن يبعث بجنوده إلى الخارج، حتى ولو تلويحاً بالعصا، لتحقيق أهداف السياسة الخارجية لبلده في الساحة الدولية، كما لا يرغب في إنفاق ولا حتى سنت واحد لدفع تكلفة تحقيق أهداف سياسته الخارجية، حتى ولو كان الأمر متعلقاً بفرض الهيمنة الكونية الحصرية لواشنطن، على النظام الدولي.
يبدو أن الرئيس ترامب عنده مفهوم مختلف لحالة الهيمنة الكونية، التي حكمت من خلالها واشنطن النظام الدولي، عقب الحرب الكونية الثانية، وحتى بداية فترة ولايته الثانية، منذ العشرين من يناير الماضي. من أهم شروط الهيمنة الكونية لأي قوة عالمية تنافس على هذه المكانة الرفيعة (دفع تكلفة التزاماتها، بقدر ما هو الأمر في توقع جني عوائدها). لا هيمنة كونية لأي قوة عظمى دون دفع تكلفتها.. ولا توقع التمتع بعوائد امتيازاتها، دون الالتزام بالقيام بمسؤولياتها الأممية.
كل الدول العظمى، التي نافست على مكانة الهيمنة الكونية، في عصور الأنظمة الدولية الحديثة المتتالية، منذ نهاية القرن الخامس عشر، الذي شهد موجة الاكتشافات الجغرافية غرب الأطلسي، من الإسبان والبرتغاليين والفرنسيين، وحتى البريطانيين، وصولاً إلى نظام الأمم المتحدة الحالي، كان تبوؤ هذه المكانة الدولية الرفيعة والحفاظ عليها، يعتمد أكثر على «الكرم»، لا «البخل»، في دفع تكلفتها.
الولايات المتحدة، رغم الدعوات الصاخبة للعودة للعزلة، بعد الحرب العالمية الثانية، وعت حقيقة خطأها الجسيم في عدم دفع تكلفة مكانة الهيمنة الكونية، التي وجدت نفسها فيها بعد الحرب العظمى (1914-1919)، الذي تَمَثل في عدم انضمامها لعصبة الأمم (1919-1939)، رغم أنها من وضع ميثاقها، في ما عرف بمبادئ ويلسون الأربعة عشر. وكانت أن نشبت الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، بعد عقدين فقط من عمر نظام عصبة الأمم، غير المستقر.
خطأ لم ترد واشنطن أن تكرره، بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية بقيادتها، عندما تكفلت بإعمار أوروبا.. وكتبت ميثاق نظام الأمم المتحدة الحديث، ووضعت أسس ومؤسسات نظامه الاقتصادي، بموجب اتفاقية برتون وود (يوليو 1944)، التي اتخذت من الدولار عملة التبادل التجاري الوحيدة المقبولة في العالم، بعد أن كان الجنيه الإسترليني، الذي كان يعتمد على نظام الذهب، وحكم اقتصاد العالم لمائة عام (1815-1914)، بل وحتى اندلاع الحرب العالمية الثانية، في ما عرف بالعهد البريطاني (Pax Brittanica).
نفس الخطأ (الاستراتيجي)، الذي وقعت فيه الولايات المتحدة، بعد الحرب العظمى، يتكرر اليوم بعد ما يقرب من ثمانين سنة، من عهد نظام الأمم المتحدة الحالي. الولايات المتحدة، تريد اليوم أن تتحلل من التزاماتها تجاه حلفائها التقليديين في أوروبا، بل وتطالبهم بتكلفة حمايتهم تحت المظلة النووية الأمريكية، وبأثر رجعي، بما في ذلك المطالبة بتكاليف إعادة إعمار أوروبا، بعد الحرب، وبأثر رجعي أيضاً! بل حتى أنها تعمل على الانسحاب من عضوية الأمم المتحدة!
ليس هذا، فحسب؛ بل إن واشنطن تزمع التوسع شمالاً وشرقاً، على حساب حلفائها التقليديين، في أوروبا وجيرانها القاريين، في كندا والمكسيك وحِمَى حديقتها الخلفية، كما هو التهديد باستعادة قناة بنما... بل وتتطلع إلى ثروات حلفائها، في أوروبا، مثل ما هي عينها على ثروات أوكرانيا المعدنية، كثمن لوقف حرب روسيا عليها، دون أية التزامات أمنية لكييف.. بالإضافة: لدفع ثمن المساعدات العسكرية، التي قدمتها واشنطن لكييف، منذ نشوب الحرب، ولما لم تتضع الحرب أوزارها، بعد.
باختصار: واشنطن في ولاية الرئيس ترامب الحالية (الثانية)، تتبع سياسة خارجية تعتمد على عائدات استثماراتها الأمنية الممتدة، بحسابها (نقداً).. وإمكاناتها التكنولوجية المتقدمة، مع غناها الاقتصادي المتعدد، في فرض هيمنتها الكونية على العالم، بأدوات ردع تراها فعّالة، لا تعتمد بالضرورة على احتمال استخدام قوتها الصلبة ولا الناعمة، لفرض هيمنة كونية (منفردة) على العالم، دون تكلفة تذكر، لا دفاعية ولا اقتصادية، ولا حتى تكنولوجية. ردع يبدو لواشنطن فعّالاً، دون ما حاجة لأن تكون له مخالب وأنياب صلبة، ولا حتى قفازات مخملية ناعمة.
في عدم وجود قوة كونية حقيقية وفاعلة، على الساحة الدولية، تدخل مضمار المنافسة على مكانة الهيمنة الكونية الرفيعة، فإن الرئيس ترامب يبدو أنه سيواصل استراتيجية جديدة لمؤسسات النظام الدولي، كما هو منهجه في تغيير استراتيجية مؤسسات نظام بلاده الديمقراطي، وفي مقدمتها الدستور، بحجة تطهيرها من الفساد.