«مدرسة أبدية».. فيلم وثائقي عن النساجين بمركز رمسيس ويصا واصف بالجيزة
تاريخ النشر: 22nd, September 2024 GMT
يوم الأربعاء الماضي، ومع دقة عقارب الساعة معلنة السابعة مساءً، انطفأت أنوار المسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية، لتعلن بدء عرض الفيلم الوثائقي «مدرسة أبدية» لأول مرة في مصر، للمخرجة نانسي كمال، والذي يدور حول حياة النساجين أو الفنانين في مركز المهندس الراحل رمسيس ويصا واصف بقرية الحرانية بالجيزة.
ويتناول الفيلم العلاقة الإنسانية التي جمعت بين جيلين تعاقبا على المركز، وكيف كان كل من أبنائهما سندًا ودعمًا للآخر، ليظل الحضور في حالة خاصة من التركيز والانسجام طوال 65 دقيقة هي عمر الفيلم، الذي بمجرد انتهاءه اختلطت حرارة الدموع والتصفيق من الجميع في مشهد إنساني مهيب.
«زرت المركز زمان أيام الجامعة ومن وقتها كانت الفكرة في دماغي».. قالتها نانسي كمال، مخرجة فيلم «مدرسة أبدية» الوثائقي، موضحة أن اختيار اسم الفيلم جاء تعبيرًا عن استمرار نجاح فكرة المهندس رمسيس ويصا واصف رغم رحيله، ورغم تعاقب أجيال مختلفة على المركز، إلا أنه ترك فكرة راسخة تتلخص في أن كل إنسان إذا نال ما يستحقه من تقدير وحرية يمكنه التحليق في سماء الإبداع دون حدود أو قيود مهما كانت درجة بساطته.
كان المهندس رمسيس ويصا واصف قد وصل قبل نحو 75 عامًا إلى قرية الحرانية بالجيزة، ليجد أغلب أهلها كما هو معتاد في القرى، يعتمدون فقط على النشاط الزراعي للحصول على الرزق اليومي وقوت أولادهم، فقرر تنفيذ تجربة جديدة تعتمد على فكرة مفادها أن منح الحرية للشخص هي بمثابة منحه صك الإبداع، وكانت تجربته التي نوى تنفيذها هي تعليم أهالي القرية فن رسم لوحات النسيج بواسطة الخيط والنول.
تأسيس مركز رمسيس ويصا واصففتح رمسيس ويصا منزله الواسع أمام أطفال القرية يلهون فيه كيفما شاءوا، وبدأ يلفت نظرهم إلى الرسم بالخيوط على النول، وبعدما خاض الأطفال التجربة وجدوها ممتعة، فأخبرهم أنه بإمكانهم الاستمتاع بهذا الفن، وفي الوقت ذاته تحقيق ربح جيد، ثم راح بعدها يمنحهم مبلغ مالي مناسب لكل لوحة بسيطة ينجزوها، واضعًا قاعدة واحدة للعمل في المركز وهي «عدم وجود قاعدة»، لتتوالى السنون ويكبر هؤلاء الأطفال حتى يشيخون، ويستقبل المركز جيلًا جديدًا يتعلم على أيدي من سبقوه، وهكذا أصبح كل مَن في هذا المكان أسرة واحدة يجمعها الحب ويميزها الإبداع.
ومع هذا التميز الواضح والنجاح الشديد، أصبح المركز قِبلة كل المهتمين بالفن المقدرين للإبداع، بل ومادة خصبة للقائمين على إنتاج الأعمال الفنية المكتوبة والمصورة في مصر وخارجها، وهو ما وضع تحديات كثيرة أمام المخرجة نانسي كمال قبل خوض تجربة التصوير، وهي البحث عن زاوية جديدة وقوية تتميز بها عمن سبقوها، حتى وجدت ضالتها في تسليط الضوء على العلاقة الإنسانية التي جمعت بين جيلين تعاقبا على المركز.
استمتاع حقيقي خلال تصوير الفيلم«كنت مستمتعة جدًا خلال تصوير الفيلم، ولمست قد أيه الناس دي فنانين وبسطاء جدًا وبيحبوا شغلهم ومتعلقين به»، وفقًا لـ«نانسي»، وأن الفيلم تضمن مشاهد وحكايات مؤثرة في حياة أبطاله من فناني المركز، كانت سببًا في أن تضج قاعة المسرح الصغير بالتصفيق الحار من جميع الحاضرين بمجرد انتهاء العرض: «الحمد لله اللي حضروا العرض كانوا مستمتعين جدًا لدرجة إنهم محبوش يمشوا بعد انتهاء الفيلم قبل ما ياخدوا صور تذكارية مع أبطال الفيلم ويسلموا عليهم»، وكل ذلك شَكّل مشهدًا ولقاءً أسريًا مميزًا.
لم يكن عرض فيلم «مدرسة أبدية» الوثائقي في دار الأوبرا هو الأول له بشكل عام، بل في مصر فقط؛ إذ سبق عرضه في النمسا قبل سنوات، وجاء عرضه بدار الأوبر ضمن النشاط الثقافي والفكري بالدار برئاسة الدكتورة لمياء زايد، حسب توضيح «نانسي» التي أوضحت أن أبطال الفيلم من الجيل الأول في المركز هم «لطفية شعبان، وعلي سليم»، ومن الجيل الثاني «رضا أحمد، بسيمة محمد، تحية إبراهيم، ثريا حسن، محروس عبده، وصباح علي».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: رمسيس ويصا واصف رمسيس ويصا قرية الحرانية فيلم مدرسة أبدية مدرسة أبدية النسيج اليدوي دار الأوبرا مدرسة أبدیة
إقرأ أيضاً:
وثائقي لـعربي21 يروي شهادات حصرية عن جرائم نظام الأسد المخلوع في صيدنايا (شاهد)
في قلب سوريا، على بُعد ثلاثين كيلومتراً شمال دمشق، تقبع صيدنايا، مدينةٌ تُعرف بديرها التاريخي، لكن اسمها ارتبط بمأساةٍ إنسانيةٍ لا تُمحى من الذاكرة. سجن صيدنايا، الذي وصفه الناجون بـ"المسلخ البشري"، هو محور الفيلم الوثائقي الجديد الذي أنتجته شبكة "عربي 21" بعنوان: "صيدنايا: حيث تُسحق العظام".
ينبش العمل الاستقصائي المؤثر في دهاليز واحدة من أبشع فصول الإجرام التي شهدها التاريخ الحديث، مُسلطًا الضوء على جرائم نظام الأسد المخلوع ضد الشعب السوري.
شهاداتٌ من قلب الجحيم
يروي الوثائقي شهادات حيّة من ناجين وشهود، بينهم سجانٌ سابق من الطائفة العلوية تحدث، بشرط عدم الكشف عن هويته، عن تفاصيل مروعة، منها إدارة عدد من الضباط العلويين الأجنحة الحمراء، مثل أوس سلوم ويزن سلمان، الذين اشتهروا بساديتهم في تعذيب المعتقلين. "كانوا يستمتعون بالتعذيب، يضربون بالعصي الكهربائية، ويتركون المعتقلين يتعفنون في زنازين لا تصلح للحيوانات"، يقول السجان السابق، مُعربًا عن ندمه على صمته حيال تلك الجرائم.
من جهة أخرى، يروي أدهم العبسي، قصة الشهيد مازن حمادة، الذي نجا من صيدنايا في وقت سابق، لكنه استُدرج لاحقًا من قبل مخابرات نظام الأسد، ليُعثر على جثته بعد تحرير السجن. ويتحدث في شهادته التي عرضت في الفيلم الوثائقي: "كان مازن يكتب على جدران زنزانته، يوثّق تاريخه ومعاناته بقطعة جبن ملفوفة بالقصدير"، ويستطرد أدهم بألم، مُشيرًا إلى إنسانية المعتقلين التي حاول السجانون سحقها.
أرقام الرعب: إحصاءات الموت
تشير تقديرات المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن أكثر من 3000 معتقل أُعدموا داخل صيدنايا، إلى جانب آلاف آخرين قضوا تحت وطأة التعذيب. مئات المفقودين ما زال مصيرهم مجهولًا، بينما تكشف الشهادات عن أساليب تعذيبٍ وحشية، من "الدولاب" الذي يُقلَب فيه المعتقل حتى يُسحق، إلى غرف الأسيد والمكابس التي كانت تُستخدم لتصفية المعارضين. "رأيت أشخاصًا مُعلقين بسلاسل، أصابع أقدامهم تكاد تلمس الأرض، وجثثًا متفسخة تُترك في الممرات"، يروي أحد الناجين، مُشيرًا إلى أن الأطباء كانوا يشاركون في سرقة أعضاء المعتقلين قبل قتلهم.
محاكماتٌ صورية وعدالةٌ مُغيَّبة
يفضح الوثائقي دور القضاء السوري الفاسد في شرعنة الجرائم، ويروي القاضي ميزر يونس، الذي عمل في محاكم "الإرهاب"، كيف كانت المحاكم الميدانية تُصدر أحكام إعدام خلال دقائق، دون تحقيق حقيقي. ويؤكد قائلاً: "كان القضاة مجرد أدوات لتنفيذ أوامر النظام". ويستطرد أن بعض المعتقلين أُعدموا دون عرضهم على القضاء، بينما سُجّلت وفاتهم بمحاكماتٍ وهمية.
أملٌ معلقٌ وصدمةٌ مستمرة
مع تحرير السجن في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، هرع السوريون إلى صيدنايا بحثًا عن ذويهم، متمسكين بأملٍ واهٍ. "كانت الشائعات تتحدث عن أبواب سرية تحت الأرض، فحفر الناس بحثًا عن أحبائهم"، يروي هشام نجار، شقيق أحد المفقودين. لكن الصدمة كانت أقسى: لا أبواب سرية، ولا ناجين جدد. ظلت وجوه الباحثين تروي حكاية ألمٍ لا ينتهي، بينما تبقى الآثار النفسية للمعتقلين - من اكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة - تحديًا يواجه المجتمع السوري.
دعوةٌ للعدالة
ينتهي الوثائقي بدعوةٍ لتحقيق العدالة، مع مطالبات بإنشاء محاكم خاصة على غرار نورنبرغ لمحاسبة المسؤولين عن جرائم صيدنايا. "لن نسامح القتلة، ستنالهم يد العدالة مهما طال الزمن"، يؤكد أحد الناشطين الحقوقيين، مشيرًا إلى أن جرائم الإبادة الجماعية لا تسقط بالتقادم، حتى لو لجأ المجرمون إلى روسيا أو غيرها.
وثائقيٌ يكتب التاريخ
"صيدنايا: حيث تُسحق العظام" ليس مجرد فيلم وثائقي، بل وثيقة تاريخية تُخلّد صمود الشعب السوري وتُعرّي إجرام نظام الأسد. بأسلوبه البليغ وصوره المؤثرة، ينجح العمل في إيصال رسالةٍ واضحة: الحقيقة قد تُغيَّب، لكنها لن تُمحى.
ومع استمرار البحث عن أسرار هذا المسلخ البشري، يبقى الأمل في أن تُشفى جراح سوريا يومًا، وأن ينال الضحايا عدالتهم.