المنح الثقافية.. تعزيز للذاكرة الحضارية
تاريخ النشر: 22nd, September 2024 GMT
محمد عبدالسميع
أكّد كُتَّاب وأكاديميون أهمية المنح البحثية في مجال الثقافة بدولة الإمارات العربية المتحدة، معددين المزايا الكبيرة لها، من خلال وزارة الثقافة ومؤسسات الدولة ومتاحفها الوطنية، وكل الجهات العاملة في هذا الاتجاه، قائلين، إنّ الإمارات تُعدّ نموذجاً مهماً في هذا المجال، مركزين على مواضيع حيويّة، منها: الهوية الثقافية، والدراسات النقدية والأدبية والفنية، وموضوع الذكاء الاصطناعي وإعادة قراءته محلياً وعربياً، ودور الثقافة في بناء السلام والتنمية المستدامة، كذلك استراتيجيات الإدارة الثقافية، وإبداعات الشباب، وموضوع الدبلوماسية الثقافية، وقراءة المناهج المدرسية، واللغة العربية وتكنولوجيا المعلومات، والتراث المعماري الإماراتي، ودمج التكنولوجيا الحديثة في مجال الثقافة، وقراءة جانب الحراك الثقافي الإنساني، والاهتمام بالبحث العلمي والتاريخ والفلسفة، والذاكرة الإماراتية والتراث، وحركة النشر، وغيرها من الموضوعات.
تؤمن الإمارات بأهمية الثقافة والتراث، باعتبارهما قوة ناعمة ومؤثرةً في رقيّ المجتمعات، وفي الوقت ذاته بوصفهما عاملاً مهمّاً من عوامل التنمية الشاملة في الدولة، والتي تدخل في كلّ قطاعات الحياة، وهذا الإيمان لم يكن تنظيراً فحسب، وإنما انسحب على إجراءات فاعلة وخطط استراتيجية معروفة للجميع عربياً وعالمياً، وباتت محلّ قدوة فيما يعرف بالإدارة الثقافية، أو إدارة المؤسسة الثقافية في الدولة. هذه المرة، نحن أمام جزءٍ مهم من هذه الاستراتيجية هو موضوع المِنَح البحثيّة الموجهة للثقافة وما يتصل بها من أعمال وخطط وأهداف، باعتبار الثقافة هي وجه الدولة الناصع، وتعطي صورةً عن فكرها ورؤيتها المستقبلية.
بدايةً، علينا أن ندرك أنّ معنى أن تَدْخل الدولة عبر مؤسساتها الثقافية شريكاً فاعلاً مع المؤسسات والأفراد وكلّ من له علاقة بالعمل الثقافي والبحث التنظيري والتطبيقي، هو تدَخّلٌ إيجابي، ومعناه أنّ التحدي المالي أو التكلفة التي يستصعبها العاملون في هذا القطاع هو تحدٍّ يزول أو في طريقه إلى الزوال، طالما أنّ هناك صناديق موجهة لدعم الثقافة والقضاء على ما يعترضها من عراقيل، بسبب أهمية شرط التمويل الذي دائماً ما يأخذه الباحث ومنفّذ المشروع الثقافي والإبداعي بعين الاعتبار عند القيام بأيّ مشروع بحثي له أثره في بنيان المجتمع الثقافي للدولة.
وقد فتح العديد من المؤسسات في الإمارات الأبواب لتقديم المنح الثقافية وفق بنود معينة وشروط وأحكام تراعي حالة المشروع وأهميته واستدامة أثره، بما يتماشى مع خطة الدولة ورؤيتها في هذا المجال.
وفي الطليعة من ذلك، كان «البرنامج الوطني لمِنَح الثقافة والإبداع»، و«متحف زايد الوطني» الذي أطلق صندوق تمويل الأبحاث في مجال ثقافة الإمارات وتراثها وتاريخها، وكذلك منحة صندوق معرض الشارقة الدولي للكتاب للترجمة والحقوق، وهي نماذج ناجحة في هذا الموضوع، وتؤكد أهمية التمويل في العمل الثقافي واستدامته وترسيخه في أكثر من حقل وموضوع. أخبار ذات صلة النباتات.. مرويات بصرية إبراهيم ملحم: الاعتراف بشعر الشباب ضرورة نقدية
محور أساسي
ينطلق الدكتور محمد حمدان بن جرش السويدي، المستشار الثقافي لجمعية الإمارات للإبداع، من أنّ المنح البحثية الثقافية محور أساسي لدعم وتطوير المشهد الثقافي، فلم تعد مجرد أدوات تمويل، بل أصبحت شرايين حيوية تغذي الفكر والإبداع، وتفتح آفاقاً جديدة للأبحاث والدراسات الثقافية.
وطرح ابن جرش مجموعة من المواضيع البحثية والدراسات المقترحة التي يمكن الاستفادة منها لتطوير مواضيع بحثية جديدة: ومنها: متحف الأدب الإماراتي، ومعجم أدباء الإمارات، والدراسات النقدية والأدب الإماراتي، والتمكين الثقافي في استراتيجيات تعزيز دور الثقافة في المجتمع الإماراتي، واستراتيجيات رعاية المواهب الإبداعية من التكوين إلى التمكين، ودور الفنون في التعليم والتعلم، والتبادل الثقافي عبر الحدود، والتكنولوجيا والإبداع ودراسة الذكاء الاصطناعي ودوره في تشكيل المشهد الفني في العالم العربي.
وأضاف ابن جرش إلى ذلك موضوع الاقتصاد الثقافي وتقييم تأثير الثقافة على الاقتصاد المحلي، وكذلك دراسة أثر الفعاليات والمهرجانات الثقافية الكبرى على المشهد الثقافي المحلي، وقراءة موضوع الحوكمة الثقافية وإدارة الثقافة وتأثير المنح البحثية على تطوير سياسات واستراتيجيات الإدارة الثقافية، واستراتيجيات التنمية الثقافية المستدامة، والتمكين الثقافي للشباب وجودة الحياة الثقافية، وكذلك موضوع القيادة الثقافية الرائدة في أساليب الإدارة الحديثة لتعزيز الإبداع والتنوع.
الذكاء الاصطناعي
من جانبها، اقترحت الهنوف محمد، أمين السر العام لمسرح دبي الوطني، مواضيع بحثية عدة بحاجة إلى توسع بحثي لإيجاد حلول وفرضيات وتوصيات لها، مثل: تراجع دور الأديب في ظل الذكاء الاصطناعي، وموضوع هل الصياغة الأدبية الحالية تتماشى مع عقول الشباب والأطفال، أم أننا بحاجة إلى تجديد نمط الصياغة الأدبية لتكون أكثر ملاءمة لعقلية الجيل الجديد؟ وكيف يكون بإمكان المؤسسات الثقافية في الدولة تصدير مواهب شعرية أو أدبية جديدة؟ وكذلك موضوع إشكالية المزج بين العامية والفصحى في بعض الكتابات الأدبية، خاصة الرواية والمسرح، وتأثير الإلقاء الشعري على المتلقي، في ظل إشكالية ضعف بعض الشعراء في إيصال المعنى المراد به إلى متذوق الشعر، والتركيز على خلق جيل ثانٍ من كتاب المسرح، وموضوع ضعف الإقبال على كتابة السيناريو، وتسليط الضوء بشكل مكثف على الدبلوماسية الثقافية.
وتحدث الناقد والأكاديمي السوري بجامعة أم القيوين، د. أحمد العقيلي عن الدور الريادي لدولة الإمارات العربية المتحدة في مجال المنح الثقافية البحثية، في العديد من الموضوعات، ذاكراً أنّ من مواضيع المنح الثقافية التي ينبغي الحديث فيها، موضوعات بحثية تتناول المعجم العربي، وكذلك المناهج الدراسية وما يخص العملية التعليمية على الصعيد المحلي والعربي والعالمي، وموضوعات بحثية تتناول قضايا النقد والأدب، وقضايا اللسانيات وعلوم اللغة وسيميائية النص، وقضايا اللغة العربية وتعليمها للناطقين بغيرها، وقضايا التقانة الحديثة وتكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي.
قفزات عالية
أكّد الكاتب والشاعر د. عبد الرزاق الدّرباس، دور الإمارات في موضوع المنح الثقافية في العديد من المجالات، وما حققته من قفزات عالية في مجال البعثات وتفريغ الباحثين في مجال الثقافة والتراث والتاريخ والمنح الثقافية، ذاكراً أنّ الحاجة ملحّة لتسليط الاهتمام بموضوعات مهمة، منها: التراث المعماري في البيئة الجبلية والبحرية لدولة الإمارات، والعلاقات التجارية بين الإمارات والإقليم المحيط بها قبل قيام الاتحاد.. وغيرها.
وترى الكاتبة حنان النعيمي أنّ المنح البحثية الثقافية تمثل فرصة جوهرية لدعم الدراسات التي تسهم في تطوير المشهد الثقافي المحلي، وقالت إنّ من أبرز الموضوعات التي يمكن تسليط الضوء عليها موضوع توظيف التكنولوجيا والابتكار للحفاظ على التراث الثقافي وتعزيزه، ودراسة تأثير الفن الرقمي والفنون التفاعلية على المجتمع، وكيفية فتح آفاق جديدة للتفاعل الثقافي، والبحث في تعزيز الهوية الثقافية الإماراتية وسط الانفتاح العالمي، وهو ما يتطلب بحوثاً معمقة في مجالات اللغة والتراث والتقاليد.
أما الكاتب والإعلامي وليد المرزوقي، فيقول إنّ التحدي الأبرز الذي تواجهه المؤسسات الثقافية اليوم هو كيفية دمج التكنولوجيا الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي والابتكارات التكنولوجية، في مجال الثقافة، والانتقال من الطرق التقليدية، كالاعتماد على الكتب الورقية، إلى استخدام تقنيات حديثة تعزز الاستفادة من هذا التقدم التكنولوجي، إذ يجب أن تركز الأبحاث والدراسات على كيفية تطويع هذه الأدوات لخدمة الثقافة، وتقديمها بطرق تفاعلية وجذابة، ذاكراً من أبرز الأمثلة على ذلك مكتبة محمد بن راشد في دبي، كنموذج متكامل للاستفادة من التكنولوجيا لتقديم تجربة ثقافية متطورة ومختلفة.
وتؤكد الناقدة والأديبة د. مريم الهاشمي، أنّ للمنح الثقافية دوراً كبيراً في حفز العلم والعلماء وأصحاب المشاريع الرائدة والتي تخدم الإنسانية، وتسهم في تكوين الحضارات، حيث أدركت دولة الإمارات العربية المتحدة أنّ المنح الثقافية هي إحدى الطرق والمبادرات الناجعة من أجل الوصول إلى أهدافها الثقافية باتزان وحكمة، ولذا تتنافس المؤسسات الثقافية المختلفة في تقديم منح تختلف مسمياتها، إلا أنها في ذاتها تحمل معنى العطاء والتقدير والتحفيز العلمي والبحثي والفني والأكاديمي والفكري بما يعزز الحراك الإنساني. وتحدثت الهاشمي عن أهميّة مثل هذه المبادرات، كالمنح العلمية والبحثية والتشجيع على الكتابة العلمية والبحثية الموضوعية، وإعطاء الحق للأقلام الجادة في سبيل الحراك الثقافي في عصر باتت الممارسة الحياتية فيه أكثر قلقاً وتعقيداً، لتأتي المبادرات الواعية كالمنارات أمام التغيرات المجتمعية في سبيل إرساء القيم الإنسانية والعلمية الجادة التي أصبحنا بحاجة ملحة لها أكثر من أي وقت مضى، وكذلك الاهتمام بالبحث العلمي، باعتباره ذاكرة كتابية لحفظ الهوية الإنسانية، حيث العلوم هي السلاح للوصول إلى التكيف المادي والأخلاقي والاجتماعي مع ما نواجهه مع الذاكرة أمام التكنولوجيا المتسارعة، إذ تلعب المنح الثقافية دورها في حفظ الذاكرة الحضارية التي هي بمثابة قاعدة للفكر والوعي، وأمام كل النتاج الأدبي والثقافي لا بد أن نلتفت إلى علوم اللسان والمنطق والنقد والفلسفة التي يحصل بها تحسين ملكتين أساسيتين في الإنسان وهما الكلام والتفكير، وكلاهما يعتمد على الذاكرة.
وأكد الإعلامي أسامة طالب مرة، أهمية إجراء بحوث علمية حول واقع القراءة، والنهضة الإبداعية وأثر الثقافة على التنمية، وأهمية المتاحف، والآثار الإيجابية للنهضة الأكاديمية على الثقافة، وحركة النشر والترجمة، وغير ذلك من المواضيع التي تستوجب إنشاء مؤسسة متخصصة بالبحث الثقافي.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الثقافة الإمارات وزارة الثقافة الذكاء الاصطناعي التنمية المستدامة اللغة العربية تكنولوجيا المعلومات التكنولوجيا التراث الذکاء الاصطناعی فی مجال الثقافة المنح البحثیة فی هذا
إقرأ أيضاً:
وزير الري يبحث مع سفير هولندا تعزيز التعاون بين البلدين في مجال الموارد المائية
بحث الدكتور هاني سويلم وزير الموارد المائية والري، مع بيتر موليما سفير دولة هولندا لدى مصر، سبل تعزيز التعاون بين البلدين في مجال الموارد المائية.
وتم خلال اللقاء مناقشة موقف التعاون الفني بين مصر وهولندا في مجال الموارد المائية، والإعداد لتمديد مذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين للسنوات الخمس المقبلة، حيث أشار الدكتور سويلم إلى الشراكة الاستراتيجية والتعاون المثمر بين البلدين في هذا المجال منذ بدء أعمال المجلس الاستشاري المصري الهولندي في السبعينيات، والذي أثمر عن العديد من النجاحات وتبادل الخبرات في مجال إدارة المياه.
كما تم مناقشة الطرق الحديثة لحماية الشواطئ باستخدام مواد صديقة للبيئة في 9 مواقع ساحلية بالدلتا لمواجهة تأثيرات تغير المناخ، حيث سبق قيام مصر وهولندا في أكتوبر الماضي بتوقيع مذكرة تفاهم لدراسة البحث عن مصادر الرمال في البحر المتوسط، حيث أشار وزير الري إلى أهمية الاستمرار في هذه الدراسات الجارية مع الجانب الهولندي، خاصة مع التوجه لاستخدام طرق طبيعية صديقة للبيئة في حماية الشواطئ.
فيما تم أيضا مناقشة الموقف التنفيذي لمشروع تحديث تقنيات الري لتحسين سبل عيش صغار المزارعين في صعيد مصر الجاري تنفيذه بالشراكة مع حكومة هولندا ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة فاو، والتأكيد على الاستمرار في تنفيذ أنشطة المشروع طبقا للتصميم الموضوع وما تم التوافق عليه بوثيقة المشروع، والتأكيد على الالتزام بالبرنامج الزمني المقرر، وكذا استمرار التنسيق الفعال والمشترك بين أجهزة الوزارة ومنظمة فاو والجانب الهولندي لدعم وتنفيذ أنشطة المشروع.
كما تم استعراض الإنجازات التي تحققت في مجال التعاون الثنائي تحت مظلة برنامج البحوث التطبيقية بين مصر وهولندا JCAR والذي نتج عنه عدد من الدراسات المهمة، ومناقشة مقترح إطلاق مرحلة ثانية من البرنامج.
اقرأ أيضاًوزير الري يؤكد تعزيز التعاون مع الكونغو الديمقراطية في التنمية المستدامة للموارد المائية
وزير الري يبحث مع رئيس الوطنية للمقاولات مشروعات التعاون المشتركة
وزير الري: تنسيق مشترك مع وزارة الزراعة على كافة الأصعدة