صحيفة الاتحاد:
2024-09-21@23:38:52 GMT

«المعهد الثقافي العربي».. المعنى والرسالة

تاريخ النشر: 22nd, September 2024 GMT

د. عزالدّين عناية

أخبار ذات صلة يوفنتوس «غارق» في «دوامة التعادلات»! إيطاليا تعلن حالة الطوارئ في منطقتين بسبب الفيضانات

الجالية العربية في إيطاليا جالية فتيّة، مقارنة بجاليات عربية أخرى في المجتمعات الغربية، وهي جالية لا يتعدّى عمرها الأربعة عقود ونيف. وإن تكن أعداد تلك الجالية تناهز المليون ونصف المليون نسمة، فهي تتشكّل أساساً من شرائح عمالية ومن صِبية لا تتخطى أعدادهم نصف مليون صبي وصبية، لا يزالون في طور التمدرس الإجباري.


 رافقتُ أوضاع تلك الجالية منذ ثلاثة عقود، أي منذ أن قدمت من «جامعة الزيتونة» في تونس بغرض دراسة اللاهوت المسيحي في روما، إلى أن استقرّ بي المقام في جامعة روما، بعد تجارب تدريس في «معهد إيسياو» في روما وفي «جامعة الأورينتالي» في نابولي. كان شغف الثقافة هو ما شدّني إلى إيطاليا، فقد اكتشفتُ بحراً زاخراً أنساني وطأة المهجر، ولم أستبدل إيطاليا بمهاجر أخرى على غرار رفقاء عرب عديدين مكثوا بإيطاليا ردحاً من الزمن ثم رحلوا عنها نحو بلدان غربية أخرى. أغوتني إيطاليا بفنونها وآدابها ومعارفها، فلم أجد عنها محيصاً، حتى بتُّ أرى إيطاليا جزءاً من عالمي العربي ومن حضارتي الممتدّة من الماء إلى الماء.
في رحلة المثاقفة تلك، ظلّ ما يحزّ في النفس حين أخلو إلى نفسي وأتأمّل رحلتي من قرطاج إلى روما شحّ استثمار العرب الثقافي في إيطاليا، وتاريخ صقلية وباري وكالابريا العريق شاهد على ذلك، ولعل الأمر أبعد من ذلك، وهو يمتدّ من أوغسطين الأفريقي وإلى غاية أحفاد الإدريسي الجدد. ما كنت أجد تفسيراً مقنعاً لشحّ استثمار العرب في إيطاليا ثقافياً، مع أن المجتمع في حاجة ماسة إلى منارة ثقافية عربية، وإلى معْلم مرجع بشأن آداب العرب وفنونهم يأخذ بأيدي المبتدئين ويشفي غليل المتطلّعين. وحين أقدمت إمارة الشارقة على هذا الخيار الواعي والرصين، وبعثت المعهد الثقافي العربي في ميلانو، فكأنها أزاحت غبناً ثقيلا عنّي وعن صدور شتات المثقفين العرب والمستعربين الإيطاليين في هذا البلد الجميل. كان ينتابني حزن مشوب بمرارة كلّما سألني طلابي أين أنشطة الدول العربية الثقافية في إيطاليا؟ يتكرر هذا السؤال كلّما عُقدت مهرجانات للثقافات الشرقية، الصينية والكورية واليابانية والإيرانية والهندية وغيرها في أروقة الجامعة، ولا سيما في أقسام الدراسات الشرقية.
مهد النهضة الأوروبية
ربما لا يعير كثيرون كبير اهتمام إلى إيطاليا على مستوى ثقافي، ويدرجونها في هامش الفكر الغربي، والحال أن هؤلاء يغفلون عن أن إيطاليا هي مهد النهضة الأوروبية. فقد ظلّ بلد دانتي، وإلى غاية التاريخ الحالي، مجهولاً ثقافياً من قِبل العرب رغم القرب الجغرافي والتاريخ المشترك. فالعناية بتعلّم اللسان الإيطالي محدودة في أوساط العرب، وبالمثل الترجمة من الإيطالية قليلة جداً، والدارسون العرب في هذا البلد فئة قليلة، والمتابعون للشأن الإيطالي والشأن الفاتيكاني لا أثر لهم، ولا تحضر إيطاليا بقوة سوى في مجال كرة القدم. وعموماً عانت الثقافة من الجانبين، العربي والإيطالي، غربة مركّبة، الأمر الذي خلّف آراء مغلوطة، وأحكاماً مسبقة، وتشوهات شائعة بين كثيرين.
كان «مشروع كلمة للترجمة» في أبوظبي، بإشراف الدكتور علي بن تميم، سبّاقاً من حيث التنبه إلى ضرورة تفادي هذا النقص، وحرص منذ سنوات تأسيسه على إنشاء نواة من المترجمين لنقل أعمال من شتى مشارب الثقافة الإيطالية. كان خياراً واعياً بتخطي الترجمة الوسيطة عبر الفرنسية والإسبانية واعتماد الترجمة من الإيطالية إلى العربية مباشرة، أنجز المشروع خلال تلك المسيرة ما يناهز المئة عمل، وهو تقريباً ربع ما أنجزه العرب على مدى تاريخ اللغتين العربية والإيطالية. كانت ثورة خفية في عالم الترجمة بين اللغتين بأتمّ معنى الكلمة.
 وتكلّلت تلك المسيرة الثقافية الإماراتية المؤمنة بدور الثقافة بإنشاء المعهد الثقافي العربي في الجامعة الكاثوليكية في مدينة ميلانو. إدراكاً للظمأ الهائل بين المهاجرين العرب العاملين في حقل الثقافة في إيطاليا، وربما بما يفوق ذلك بين أحباء الثقافة العربية والفنون العربية واللسان العربي من الإيطاليين. وما انتشار تدريس العربية والآداب العربية، في شمال إيطاليا وجنوبها، في رحاب مؤسساتها الجامعية، سوى دليل واضح على الحرص على تفادي النقص الحاصل بين ثقافتين عريقتين. أذكر الخطوات الأولى التي كنا نعمل فيها فرادى في تطوير الثقافة العربية في إيطاليا، وهي مرحلة عسيرة وشاقة، ولكن اليوم بتنا نشهد تحولاً مهمّا حيث يتّسع العمل من الفرد إلى الجماعة، ومن شخص بعينه إلى فريق بمجمله، وهذا مؤشر إيجابي واعد.
جاء المعهد الثقافي العربي في ميلانو في وقت يحتاج فيه العاملون في حقل الثقافة العربية في إيطاليا، إلى منصّة وإلى بوصلة. فالاستعراب الإيطالي في حاجة إلى فضاء حاضن، والمشتغلون على تطوير العربية وإلحاقها بركب اللغات المتقدمة في حاجة إلى فضاء تواصل، وبالمثل واقع الثقافة العربية وآفاقها في إيطاليا في حاجة إلى حديث صريح ومعمّق. وبكلمة مختصرة، الثقافة العربية في إيطاليا، الأكاديمية منها وغير الأكاديمية، في أمسّ الحاجة إلى منارة تصلها بالثقافة الأمّ داخل البلاد العربية حتى لا تعاني العزلة ووحشة الطريق. وفي زمن الاضطراب الذي نعيشه، ثمة تعويل على الثقافة لتقلّد مهمّة الخروج بالوعي من المتاهات المتراكمة. أتى المعهد الثقافي العربي بميلانو - في هذا الظرف التاريخي- انتصاراً للخيار المؤمن بفاعلية الثقافة، بوصفها الحاضنة التي تضمّ الجميع، والتي لا تعرف الحواجز اللغوية أو القومية أو الدينية أو ما شابه ذلك، فالثقافة حقل مشرع على الكونية والجمال والسلام.
مهمة حضارية
غالباً ما يشكو لفيفٌ من الكتّاب العرب غيابهم أو تغييبهم في الساحة الثقافية العالمية، ولا سيما في الساحة الغربية، وأنهم لا يجدون سبيلاً إلى الحضور المقدّر لإسهاماتهم على المنصات العالمية، ويفسرون ذلك بالتآمر عليهم وغمط حقهم، وبأن أطرافاً تعمل على طمس إبداعهم وتغييبه. الأمر ليس بهذه البساطة والسهولة، فالساحة الثقافية العالمية هي سوق مشرّعة على التنافس، ومن لا يدرك آلية اشتغالها وكيفيات عملها فسيجد في النحيب عزاء على ما فاته. لقد خرجت الشارقة بقيادتها الثقافية الواعية والمؤمنة برسالتها من طور الخمول، الذي عانته الثقافة العربية، إلى طور المبادرة والفعل خارج فضائها التقليدي، وهو الخيار الصائب لتوسيع رقعة الثقافة العربية، وترسيخ تواصلها مع الآخر. وكما نعلم ليس الاستشراق والاستعراب الإيطاليين وليديْ اللحظة، بل هما خلاصة أطوار من الانشغال بالثقافة العربية. تكللت تلك المسيرة بمنجزات معرفية باهرة، ظلّ جلّها منحصراً في اللسان الإيطالي، ولم ينقل منها إلى «العربية» سوى النزر القليل. ربما المتابع للاستشراق الإيطالي بشأن الثقافة العربية خلال القرن الأخير، يدرك حجم الإنجازات في شتى المجالات. وهو ما حاول مؤلف «الحضور العربي الإسلامي في المطبوعات الإيطالية» الذي أعدته وزارة الثروة والأنشطة الثقافية الإيطالية، حصره ورصده. وهي منجزات قيّمة في شتى المجالات، العلمية والأدبية والتاريخية والقانونية والدينية والعمرانية. ظل هذا الكم الهائل من المنجزات محتاجاً إلى جسر وإلى قناة تعرّف به وتردّد صداه بين الضفتين وبين الحضارتين. لهذا مثل إنشاء المعهد الثقافي العربي همزة وصل لا غنى عنها بين ثقافتين عريقتين. ولعلّ حرص صاحب السمو حاكم الشارقة على افتتاح هذا المعهد بنفسه إدراكٌ لعظم هذه المهمة الحضارية التي تتطلع إلى إشاعة الخير والنفع.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: المعهد الثقافي العربي في ميلانو ميلانو نابولي إيطاليا المعهد الثقافی العربی العربیة فی إیطالیا الثقافة العربیة حاجة إلى فی حاجة

إقرأ أيضاً:

دائرة الثقافة في الشارقة تطلق ملتقى الشعر العربي في غينيا

انطلقت أمس الجمعة في غينيا، النسخة الثالثة من ملتقى الشعر العربي الذي تنظمه إدارة الشؤون الثقافية في دائرة الثقافة في الشارقة بالتعاون مع إدارة دكتوراه اللغة والحضارة في جامعة لانسانا كونتي في العاصمة الغينية كوناكري على مدى يومين بمشاركة 13 مبدعاً.

وتأتي مبادرة الملتقيات الشعرية تحت رعاية الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وفي إطار حرصه على الاهتمام باللغة العربية وآدابها في إفريقيا.
وحضر الافتتاح، البروفيسور مانغا كيتا رئيس الجامعة، ومامادو يحيى صو عميد كلية الآداب، ورؤساء بعثات دبلوماسية عربية، إلى جانب أساتذة جامعات ومعاهد وطلاب ومحبي الشعر العربي ومتذوقيه.
وقال البروفيسور عمران كبا من جامعة لانسانا كونتي إن الملتقى "يمثّل الملتقى جسراً ثقافياً بين إفريقيا والدول العربية. ونثمّن في هذا الحدث الثقافي المهم في غينيا صاحب الأيادي البيضاء حامي اللغة العربية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة".
وأكد أن الملتقى وعلى مدى ثلاث دورات عزز اللغة العربية في المجتمعات الإفريقية، واستعاد حضورها المهم، مشيراً إلى أن الدورة الحالية رصدت زيادة ملحوظاة في أعداد المشاركين، وأن شعراء الملتقى اختيروا بعد مرور قصائدهم على لجنة تراعي سلامة اللغة.
من جانبه، ثمّن البروفيسور مانغا كيتا رئيس الجامعة، جهود الشارقة على المستوى الثقافي في إفريقيا، لافتاً إلى أن نتاج جهودها أصبح ملموساً من خلال ملتقى الشعر العربي في غينيا، حيث أبرز نتاجاً إبداعياً ملحوظاً باللغة العربية.
من جهتهم، قدّم الشعراء المشاركون أبياتًا شعرية قيمة أظهرت مواهبهم وإبداعهم في التعبيرعن الهوية الثقافية العربية، وجسّدت القراءات الشعرية جمال اللغة العربية، من جانب وثراء التراث الثقافي الغيني من جانب آخر.

مقالات مشابهة

  • المنح الثقافية.. تعزيز للذاكرة الحضارية
  • مسئولو"ثربانتس: لـ"البوابة نيوز": المعهد جسر ثقافي بين مصر و21 دولة ناطقة بالإسبانية
  • محمد عصمت يشارك في بطولة "فيلا رشدي بيه" بمهرجان المسرح العربي
  • دائرة الثقافة في الشارقة تطلق ملتقى الشعر العربي في غينيا
  • رابطة قنوبين تعلن عن تأجيل افتتاح واحة وزراء الثقافة العرب
  • احتفالية فنية لتكريم الفائزين بمسابقة الخط العربي بمركز طنطا الثقافي
  • ناقشا سبل تفعيل الحركة الثقافية.. محافظ مطروح يلتقي نائب رئيس هيئة قصور الثقافة
  • محافظ مطروح: تشغيل مسرح شاطئ الغرام لتنشيط الحركة الثقافية والسياحية
  • صالون الشارقة الثقافي ينظم “تحديات المسؤولية في القيادة الثقافية”