تعد نيجيريا أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان، إذ يبلغ عدد سكانها زهاء 230 مليون نسمة، نصفهم على الأقل من المسلمين؛ مما يجعلها صاحبة أكبر عدد من المسلمين في أفريقيا. ورغم أنه لا يوجد دين رسمي للدولة في نيجيريا، فإن الأغلبية المسلمة في البلاد تستدعي قدرا من مواءمة السياسات بما يتوافق مع القضايا ذات الأهمية للمسلمين.

وهكذا تناصر نيجيريا القضية الفلسطينية علنا وتوجه الانتقادات للاحتلال الإسرائيلي، لكن خلف تلك المواقف الرسمية هناك علاقة معقدة تجمع أبوجا وتل أبيب، وهو ما يجعل السياسة النيجيرية في هذا الملف تكتسي قدرا لا بأس به من التناقض، فهل نيجيريا هي الدولة الداعمة للحقوق الفلسطينية بشكل واضح كما تظهر عادةً في مواقفها الرسمية؟ أم هي الدولة التي تمد إسرائيل بالنفط لتستمر في حرب إبادتها للشعب الفلسطيني؟

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بعثر آبي أحمد الأوراق فوقّعت مصر اتفاقية دفاعية مع الصومالlist 2 of 2كافح الفرنسيين فتحالفوا مع الوثنيين.. ماذا تعرف عن "أمير المؤمنين" ساموري؟end of list نيجيريا وإسرائيل.. صداقة أم عداوة؟

على المستوى الرسمي، تتخذ نيجيريا مواقف دبلوماسية قوية في مناصرة حقوق الفلسطينيين خاصة مع حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

بادئ ذي بدء، أدانت الخارجية النيجيرية الحرب الإسرائيلية، معتبرة إياها "مجزرة غير مبررة تستهدف الفلسطينيين بأطفالهم ونسائهم"، كما تعلن أبوجا بشكل مستمر دعمها الواضح لحق الفلسطينيين في إنشاء دولتهم، بل وتدعو الخارجية النيجيرية القارة الأفريقية إلى موقف حازم وجماعي ممّا يحدث في قطاع غزة.

أبعد من ذلك، صرح وزير خارجية نيجيريا ميتما توغار بأن بلاده تدرس قطع العلاقات مع إسرائيل لكنها تفضل في النهاية أن تتخذ خطوات منظمة، كما سبق لأبوجا أن دعمت القرار الذي اتخذته جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية من أجل مقاضاة دولة الاحتلال.

وقد وصل الأمر إلى حد إلغاء السلطات النيجيرية لزيارة كان مقررًا أن يقوم بها رئيس وزراء التشيك بيتر فيالا للبلاد بسبب دعمه للحرب الإسرائيلية على المدنيين في غزة على خلفية تصويت التشيك لرفض مشروع وقف إطلاق النار في قطاع غزة بالجمعية العامة للأمم المتحدة في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

تبدو تلك المواقف شجاعة إلى حد بعيد ومثيرة للإعجاب خاصة إذا ما قورنت بمواقف العديد من الدول العربية المسلمة، لكن على جانب مقابل، تتمتع نيجيريا بعلاقات تجارية ضخمة مع دولة الاحتلال.

وأكثر من ذلك فإنها واجهت المظاهرات المؤيدة لفلسطين في بلادها بالعنف في بعض الأحيان، وقد قُتل شابّان في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أثناء مشاركتهما في مظاهرة منددة بالعدوان على غزة نتيجة إطلاق النار من الشرطة بحسب العديد من المصادر النيجيرية، لكن السلطات نفت قتلهما على يد الشرطة وأكدت أن تلك الاحتجاجات كانت مدعومة من جماعة محظورة موالية لإيران في البلاد.

بشكل عام، أصبح يُنظر إلى نيجيريا منذ بداية الحرب على أنها تحاول "إمساك العصا من المنتصف"، وتبحث عن موازنة صعبة بين إرضاء الشعب النيجيري الذي ترتبط قطاعات واسعة منه بالقضية الفلسطينية من دون الإضرار بعلاقاتها الوثيقة مع إسرائيل.

فلطالما كانت الجامعات النيجيرية مزينة بالأعلام الفلسطينية وصور رموز حركة التحرير والمقاومة الفلسطينية منذ عقود، ومن ثم أعلنت نيجيريا على المستوى الدبلوماسي موقفها الرسمي المؤيد لإنهاء الصراع عبر تنفيذ حل الدولتين، وفي نفس الوقت ظلت في أغلب الأوقات تستخدم نبرة غير مبالغة في انتقاد دولة الاحتلال، لكن تقريرًا لصحيفة الغارديان البريطانية في أغسطس/آب الماضي، كشف عن حقائق مفصلية على صعيد العلاقة بين أبوجا وتل أبيب.

تعد نيجيريا من الدول النفطية الهامة وهي عضو في منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك منذ عام 1971، وبحسب بيانات هيئة تنظيم البترول النيجيرية لعام 2024 فقد بلغ الاحتياطي المجمع من النفط الخام والمكثفات في البلاد 37.50 مليار برميل، في حين يبلغ احتياطي الغاز بها 209.26 تريليونات قدم مكعب، وهي الأرقام التي تجعل نيجيريا في المرتبة العاشرة على مستوى العالم والثانية في أفريقيا في قائمة أكبر الدول المالكة للاحتياطات النفطية.

المفاجأة التي كشفتها الغارديان هي أن نيجيريا هي إحدى الدول التي عملت على توفير النفط لدولة الاحتلال، وهو مادة لازمة لاستمرار تشغيل آلة الإبادة الصهيونية في غزة؛ مما يجعل تلك الدول بحسب الصحيفة متورطة في الجرائم الإسرائيلية ضد المدنيين، حيث يستخدم هذا النفط في تحريك المقاتلات الحربية وتشغيل الدبابات التي تقصف الفلسطينيين وتبيدهم في غزة وتجرف بيوتهم في الضفة الغربية، علمًا بأن دولة الاحتلال تعتمد بشكل أساسي على واردات النفط الخام من تلك الدول لتشغيل ترسانتها العسكرية.

وهو ما جعل خبراء في الأمم المتحدة يدعون إلى فرض حظر على تصدير النفط لدولة الاحتلال، وفي هذا السياق تقول المقررة الخاصة للأراضي الفلسطينية المحتلة في الأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيز إنه لا يمكن لدولة أن تدعي عدم علمها بالانتهاكات التي ترتكب بسبب نفطها، بعد قرار محكمة العدل الدولية، الصادر في 26 يناير/كانون الثاني 2024 الذي يقضي بوقف دولة الاحتلال لحرب الإبادة التي تخوضها ضد قطاع غزة.

وبحسب الغارديان أيضا، فإن الدول الأفريقية المتعاونة مع إسرائيل في مجال الطاقة قد أمدتها بـ37% من احتياجاتها من النفط الخام في الشهور الماضية، وقد تصدرت تلك القائمة دولة الغابون التي صدرت لدولة الاحتلال 22% من النفط الخام الذي حصلت عليه، وتلتها نيجريا بنسبة 9%، ثم الكونغو بنسبة 6%.

وبحسب عمر البرغوثي المؤسس المشارك لحركة مقاطعة دولة الاحتلال وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (بي دي إس)، فإن الفلسطينيين يقدرون الدعم الدبلوماسي والخطابي من نيجيريا لقضيتهم لكن هذا لا يبرئ تواطؤها المباشر في تأجيج الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، بتقديم النفط لنظام الفصل العنصري الاستيطاني الاستعماري، بحسب تعبيره.

 

العلاقات النيجيرية الإسرائيلية.. الأمن أولا

يعد الصراع في فلسطين، ذا صلة واضحة بالداخل النيجيري، إذ تخشى السلطات دائمًا من أن تستخدم الجماعات الإسلامية المسلحة التي تعتبرها الدولة خصمًا لها القضية الفلسطينية أداةً لجذب وتجنيد أتباع جدد.

كما يجعل الوضع الديموغرافي في البلاد المسألة أكثر حساسية، فنيجيريا كما ذكرنا هي دولة ذات أغلبية مسلمة طفيفة وبحسب بيانات وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي أي إيه) لعام 2018 فإن 53.5% من سكان البلاد مسلمون، ويمثل الروم الكاثوليك 10.6%، والمسيحيون الآخرون 35.5%، والنسبة القليلة الباقية تمثلها ديانات أخرى.

وبحسب دراسة نشرتها مجلة الدراسات الفلسطينية عام 2004 بعنوان "نيجيريا وإسرائيل: من الاقتصاد إلى الأمن والهدف واحد" فإن بين القوميات الثلاث الرئيسية في نيجيريا توجد قوميتان على عداء واضح مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وتتكثف المعارضة للعلاقة مع إسرائيل في شمال البلاد تحديدا، وهو ما يعني أن الخصومة لإسرائيل حاضرة على البعدين الديني والقومي كليهما.

لكن نيجيريا ربما تكون منقسمة داخليا أكثر مما يبدو في الظاهر. خلال الحرب الحالية مثلا، انتقد المجلس الأعلى للشريعة في نيجيريا ورئيسه عبد الرشيد هدية الله دولة الاحتلال الإسرائيلي معتبرًا إياها "قاتلة للأبرياء ومنتهكة لحقوق الإنسان"، ودعا المجلس السلطات النيجيرية إلى مراجعة العلاقات مع إسرائيل، كما دعت الحركة الإسلامية (وهي حركة شيعية) في نيجيريا إلى قطع العلاقات مع دولة الاحتلال احتجاجًا على الحرب.

وعلى الجانب الآخر دعت الجمعية المسيحية في البلاد إلى أن تحافظ الدولة على حيادها بين دولة الاحتلال وفلسطين، وهو ما يوضح الانقسام داخل البلاد حول القضية، إذ لم تنجح الجماعات الدينية المختلفة في نيجيريا في التوافق على صيغة محددة تطالب الحكومة باتباعها في التعامل مع الصراع الدائر بين المقاومة الفلسطينية ودولة الاحتلال.

ربما يوضح هذا طرفًا من أسباب لماذا تبقى علاقة إسرائيل ونيجيريا علاقة معقدة تتسم بالتعاون والتوتر في نفس الوقت دائمًا، إذ إنه حتى على الصعيد الداخلي النيجيري نجد مواقف متباينة للغاية بسبب التنوع الديني والعرقي في البلاد، وهو ما يجعل هناك اتجاهات متعددة كبيرة تدفع في سبل مختلفة.

تاريخيًّا أقامت نيجيريا ودولة الاحتلال علاقات دبلوماسية رسمية منذ عام 1960 بعد استقلال البلاد، تزامنا مع المحاولات المبكرة لإسرائيل للتغلغل في أفريقيا من أجل احتواء المد المصري في القارة، وقد حاولت تل أبيب آنذاك أن تتقرب من نيجيريا من خلال إقناعها بإرسال الخبراء والمساعدات من أجل تحديث قطاعات الزراعة والتعليم والطب.

لكن نيجيريا باعتبارها عضوًا في الاتحاد الأفريقي بقيت داعمة تقليديًّا للقضية الفلسطينية على الرغم من العلاقات مع إسرائيل، وقامت بقطع علاقتها معها أثناء حربها مع الجيش المصري في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973، ولم تستعد نيجيريا علاقتها الرسمية مع إسرائيل إلا في عام 1992، وخلال تلك الفترة من المقاطعة رفضت نيجيريا عرض التعاون الاقتصادي الذي تقدمت به دولة الاحتلال للعديد من الدول الأفريقية في بداية الثمانينيات، رغم موافقة بعض جيرانها.

مع نهاية القرن المنصرم وبداية القرن الجديد بدأت العلاقات تأخذ شكلًا مختلفًا، فقد استطاعت دولة الاحتلال أن تعبر إلى مرحلة جديدة في علاقتها بنيجيريا عبر بوابة تقديم المساعدات الأمنية.

وبعد فترة طويلة من الحكم العسكري للبلاد، وتزامنا مع صعود الرئيس أولوسيغون أوباسونجو إلى الحكم عام 1999 بدأت نيجيريا إرسال وحدات من الضباط للتدرُّب على مهام مكافحة الإرهاب في إسرائيل.

وبحلول موعد تنصيب أوباسونجو رئيسا لولاية ثانية عام 2003، كان الضباط المسؤولون عن تأمين المراسم قد تدربوا مدة عام على مكافحة الإرهاب في دولة الاحتلال، ويبدو أن ما تلقاه هؤلاء الضباط قد أعجب السلطات النيجيرية بشكل واضح، فسرعان ما أبرموا اتفاقا مع إسرائيل يقضي بتوفير الحماية الشخصية المتواصلة للرئيس النيجيري ولكبار المسؤولين في البلاد.

الرئيس النيجيري السابق أولوسيغون أوباسونجو (الفرنسية)

وقد روجت إسرائيل للأمر باعتبارها تشارك في الحرب على الإرهاب على المستوى الدولي، وتحاول حماية التجربة الديمقراطية الوليدة في نيجيريا، وعرضت مساعداتها في هذا المجال على أي بلد أفريقي يريد تكرار تجربة التعاون الأمني، وقد كان ذلك أول تعاون أمني رسمي معلن بين نيجيريا ودولة الاحتلال.

وحين زار الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان دولة الاحتلال الإسرائيلي في حدث كان هو الأول من نوعه عام 2013 لم ينس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يضفي صبغة دينية على الزيارة مستغلا طبيعة التقسيم الديني المعقد في نيجيريا، حيث قال: "يسرني استضافة جوناثان في الأرض المقدسة بأورشليم"، مستغلا شوق الحجاج المسيحيين لزيارة القدس، ومن ثم كان من ضمن الاتفاقات التي وقعها جوناثان مع نتنياهو آنذاك اتفاقية لتسهيل الخدمات الجوية لنقل الحجاج النيجيريين المسيحيين إلى القدس الشرقية المحتلة، الذين بلغ عددهم زهاء 51 ألف عام 2011.

لكن الغرض الرئيسي من الزيارة آنذاك كان طلب الرئيس النيجيري من دولة الاحتلال تكثيف المساعدات الأمنية لبلاده في حربها على الإرهاب وجماعة بوكو حرام، علمًا بأن نيجيريا في المقابل قدمت نفسها لدولة الاحتلال باعتبارها حامية لمصالحها في أفريقيا، إذ اعتقلت قبل تلك الزيارة الرسمية ثلاثة أشخاص قالت إنه جرى تدريبهم في إيران للقيام بأعمال تخريبية ضد مصالح أميركية وإسرائيلية في أفريقيا، ثم اعتقلت ثلاثة لبنانيين بعد ذلك بمدينة كانو في شمال نيجيريا قالت إنها اشتبهت في تورطهم في أعمال تخريبية ضد مصالح إسرائيلية في نيجيريا.

بحلول عام 2014، شهدت العلاقات الأمنية تطورًا آخر حين عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مكالمة هاتفية على رئيس نيجيريا تقديم المساعدة من أجل البحث عن 200 تلميذة نيجيرية في شمال شرق البلاد اختطفتهن جماعة بوكو حرام، وهو العرض الذي قبله حينها الرئيس غودلاك جوناثان مؤكدًا أن نيجيريا يسرها دائمًا أن تتلقى المساعدة من دولة مشهود لها عالميًّا بقدراتها على مكافحة الإرهاب.

وفي عام 2016، وبعد جولة أفريقية لنتنياهو، وسعت أبوجا وتل أبيب تعاونهما رسميا إلى المجال السيبراني، وقبلها كانت نيجيريا قد دفعت 40 مليون دولار أميركي عام 2013 لشركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية "إلبيت سيستمز"، من أجل الحصول على نظام اتصالات ومراقبة للإنترنت.

علاقات معقدة

وعلى الرغم من أن التوجه العام للعلاقات النيجيرية الإسرائيلية كان الفصل من جانب نيجيريا بين علاقتها مع إسرائيل وبين دعمها لما تراه حقوق الفلسطينيين العادلة، فإنه بحلول عام 2014 كان التوسع الملحوظ في العلاقات الأمنية قد أتى ثماره من الناحية الدبلوماسية أيضا، إذ امتنعت مندوبة نيجيريا في مجلس الأمن عن التصويت على قرار يطالب دولة الاحتلال بإنهاء احتلالها لقطاع غزة والضفة الغربية، وكان من المفترض أن تصوت نيجيريا لصالح القرار حينها اتساقًا مع تقاليدها الدبلوماسية لكنها كما كشفت المصادر الدبلوماسية آنذاك قد قامت بتغيير موقفها واختارت الامتناع عن التصويت في اللحظات الأخيرة.

وعلى المستوى الاقتصادي شهدت العلاقات طفرة نوعية منذ بداية القرن الحالي، إذ دخلت أكثر من 50 شركة إسرائيلية إلى الاقتصاد النيجيري لتستثمر في قطاعات البنية التحتية وتكنولوجيا الاتصالات والزراعة وإدارة المياه.

ووقعت دولة الاحتلال مع نيجيريا عام 2006 مذكرة تفاهم في مجال التجارة تأسست بموجبها غرفة التجارة الإسرائيلية النيجيرية، وفي عام 2021 كان حجم التجارة بين دولة الاحتلال ودول أفريقيا جنوب الصحراء قد وصل إلى 750 مليون دولار، إذ تصدر دولة الاحتلال لتلك الدول بشكل أساسي في تلك العلاقة الآلات والإلكترونيات والمواد الكيميائية، وقد احتلت نيجيريا المرتبة الثانية في العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل ودول أفريقيا جنوب الصحراء في ذلك العام.

وعلى الجانب المقابل، قفزت الصادرات النيجيرية مع دولة الاحتلال إلى مستوى غير مسبوق عام 2023 لتصل إلى 552.79 مليون دولار أميركي، وتضمنت بشكل أساسي الوقود والزيوت، وذلك وفق قاعدة بيانات الأمم المتحدة للتجارة الدولية، وربما تفسر تلك النقلة في العلاقات الاقتصادية لماذا تورطت نيجيريا في إرسال الوقود لشحن الآلات الحربية المستخدمة أثناء حرب الإبادة في قطاع غزة.

لكن على الرغم من تلك العلاقة التي تعمقت في الشؤون الأمنية والاقتصادية لا تزال نيجيريا تصوت في أغلب الأحيان لصالح فلسطين في الأمم المتحدة وتقدم الدعم المالي والإنساني للفلسطينيين، وتدعو بوضوح إلى حل الدولتين.

وربما يمكن القول إنه على الرغم من نجاحات دولة الاحتلال الواضحة في تدعيم علاقاتها الأمنية والاقتصادية بالعديد من الدول الأفريقية في السنوات الأخيرة، فإن هذه العلاقات لم تنعكس حتى اللحظة على نمط تصويت الدول السمراء في القرارات الأممية إلى حد كبير، إذ لا تزال الدول الأفريقية، ومنها نيجيريا، تميل إلى التصويت لصالح الحقوق الفلسطينية إلى حد بعيد.

إن عدم الاتساق بين مواقف نيجيريا الداعمة للقضية الفلسطينية وعلاقتها الوثيقة مع إسرائيل في السنوات الأخيرة، التي وصلت إلى أن تكون نيجيريا من ضمن قائمة الدول التي تزود دولة الاحتلال بالوقود لتشغيل آلتها الحربية على غزة، يكشف في طياته عن الصراع داخل نيجيريا نفسها، إذ للدولة تقليد دبلوماسي عريق في دعم الحقوق الفلسطينية ولديها قواعد شعبية ضخمة تؤيد الحقوق الفلسطينيين، لكنها في نفس الوقت لديها احتياجات أمنية وتكنولوجية تساعدها فيها دولة الاحتلال، ولديها أيضًا قطاعات شعبية ضخمة أخرى تؤيد الحفاظ على الحياد مع دولة الاحتلال والاستفادة من المكاسب الاقتصادية التي يمكن جنيها من تعميق العلاقات معها، ومن ثم تظهر العلاقة مع الكيان الاستيطاني على هذا النحو المعقد الذي يتسم بمزيج من التعاون المتين والتوتر الواضح في نفس الوقت.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات أبعاد الاحتلال الإسرائیلی مع دولة الاحتلال الدول الأفریقیة دولة الاحتلال ا لدولة الاحتلال الأمم المتحدة فی نفس الوقت على الرغم من على المستوى النفط الخام العلاقات مع مع إسرائیل فی أفریقیا إسرائیل فی نیجیریا من نیجیریا فی فی نیجیریا فی البلاد من الدول قطاع غزة فی قطاع ما یجعل فی غزة إلى حد وهو ما من أجل

إقرأ أيضاً:

كيف تستغل إسرائيل اللغة العربية من أجل طمس الهوية الفلسطينية؟

اعترفت قوانين الانتداب البريطاني على فلسطين المحتلة، باللغة العربية إلى جانب العبرية والانجليزية كلغات رسمية منذ عام 1922، وهو ما استمر لدى الاحتلال الإسرائيلي من بعدها لفترة طويلة.

ورغم أن دولة الاحتلال أقرت في تموز/ يوليو 2018 قانون أساس: "إسرائيل – الدولة القومية للشعب اليهودي"، الذي أحدث تغييرات واسعة ومنها اعتبار اللغة العبرية الرسمية والوحيدة، بينما تراجعت العبرية من رسمية إلى "لغة بمكانة خاصة".

ولم يأتِ تبني "إسرائيل" للقوانين البريطانية المتعلقة باستخدام اللغة العربية "احتراما" للسكان الفلسطينيين الأصليين المتبقين داخل الأراضي المحتلة عام 1948 جراء أحداث النكبة، إنما على ما يبدو من أجل استكمال مهمة التهجير وطمس آثارها، بحسب ما جاء في دراسة لمركز "أركان للدراسات والأبحاث".

جاءت قرارات المحكمة العليا الإسرائيلية بالاعتراف باللغة العربية كلغة رسمية إلى جانب العبرية والإنجليزية لتعمل على ترسيخ استخدام العربية وضرورة وجودها في الحيز العام، وظهر ذلك بشكل واضع عام 2012، عندما جرى إلزام بلدية تل أبيب بوضع أسماء الشوارع والمناطق والمرافق العامة باللغة العربية إلى جانب العبرية والإنجليزية.

 وبات قرار المحكمة العليا ملزما لجميع مؤسسات "إسرائيل" الرسمية والبلديات وكل ما يتبع لها، وذلك بنشر اللفتات العامة مثلا باللغات الثلاثة.



ومع حلول عام 2018 وإقرار قانون القومية، لم يعد إلزاميا وضع اللغة العربية في الأماكن العامة على اللافتات، إلا أن "إسرائيل" واصلت وضعها لأهداف أخرى، لعل أهمها هو "عبرنة" الأسماء العربية، من خلال كتابة لفظها واسمعا العبري بحروف عربية.

الفظ العبري 
تغيرت لافتات الشوارع التي تشير إلى الاتجاهات إلى مدينة عكا التاريخية إلى اسم "عكو أو "أكو"، وهو اللفظ والاسم الذي أقرته "إسرائيل" للمدينة بعد احتلالها وتهجير غالبية سكانها عام 1948.


ووضعت على اللافتات اسم "يافو"، مكان اسم يافا، و"لود" مكان اسم مدينة اللد، وذلك بهدف طبع هذه الأسماء في أذهان الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة عام 1948، الذين يمرون يوميًا على العشرات منها، وكذلك أمام السياح الأجانب وكل من يرى هذه اللافتات، بحسب ما ذكرت الدراسة.

وفي القدس، تقوم لجنة التسميات التابعة لبلدية الاحتلال في القدس بوضع الأسماء العبرية والتوراتية للمناطق، مثل "شمعون هتسديك" مكان الشيخ جراح، و"هجفورا" مكان طريق الواد التاريخي، كما حولت اللافتات الإرشادية لمدينة القدس من القدس إلى "أورشليم".

View this post on Instagram A post shared by Kharita ™ | خــــريـــــطة (@mykharita)
ورغم ذلك، بقيت مثلا قرية بذات الاسم رغم محاولات "إسرائيل" لتحويل اسمها لـ "تسيبوري"، وبقي الأسم الفلسطيني الأصلي على اللافتات الإرشادية بدل الاسم واللفظ العبري.

أصل المخطط
منذ أواخر القرن التاسع عشر، شرع "صندوق استكشاف فلسطين" بعملية مسح للأرض، وجمع خلالها أسماء عربية للمواقع، ثم ربطها بأسماء توراتية لتأكيد علاقة اليهود بالأرض، وأكد مسؤولون في هذا الصندوق أنهم "أعادوا البلاد إلى العالم" عبر الخرائط التي ربطت فلسطين بالتوراة، بحسب ما جاء في دراسة لمركز "بيت المقدس للدراسات التوثيقية".

وأوضحت الدراسة أنه قبل قيام "إسرائيل"، اعتُبرت "الهوية اليهودية" لفلسطين من المسلمات في الفكر الصهيوني الرافض لوجود شعب فلسطيني، وسط مزاعم أن العرب هم مهاجرون حديثون من الدول المجاورة.

وأكدت أن "الدعاية الصهيونية وسعت إلى تكريس فلسطين كأرض بلا شعب، وجعلت "إيرتس يسرائيل" (أرض إسرائيل) الاسم البديل لفلسطين.

وبعد النكبة مباشرة، جرى تأسيس "اللجنة الحكومية للأسماء" لتبديل الأسماء العربية بأخرى عبرية، ولا تزال فاعلة حتى الآن، وعملت على فرض الأسماء العبرية في المناهج التعليمية، وإجبار المعلمين والتلاميذ العرب على استخدامها.


وعملت اللجنة على إصدار خرائط جديدة باللغة العبرية تشمل تسميات جديدة، واستبعاد التسميات العربية من الخرائط البريطانية القديمة.

وأكدت الدراسة أن تغيير الأسماء يُعدّ جزءاً من استراتيجية "التشريش" (زرع الجذور) لإضفاء شرعية على الوجود الصهيوني، إذ تعمل "إسرائيل" على خلق هوية عبريّة جديدة تستمد شرعيتها من نصوص العهد القديم والتلمود، في تجاهل تام للهوية الفلسطينية.



ويظهر ذلك أيضا في مذكرات رئيس الوزراء التاريخي للاحتلال دافيد بن غوريون، التي قال فيها إنه خلال جولة إلى منطقة سدوم في النقب ثم إلى إيلات جنوبا، صادف أن كل الأسماء للحيز المكاني كانت عربية.

وأضاف بن غوريون: "اتجهت إلى إيلات بتاريخ 11 حزيران/ يونيو 1949 في يوم السبت، مررنا في منطقة العارابا، وصلنا إلى عين حاسوب، ثم إلى عين وهنة، لذا من الضروري إكساب هذه الأماكن أسماء عبرية قديمة، وإذا لم تتوفر أسماء كهذه، فلتعط أسماء جديدة".

المواجهة
وتُبذل في فلسطين جهود متعددة من قِبَل مؤسسات ومبادرات تهدف إلى الحفاظ على اللغة العربية وتعزيز الهوية الثقافية الفلسطينية، خاصة في مواجهة التحديات التي تفرضها السياسات الإسرائيلية. 

وفي 2021، جرى تأسيس جمعية حماية اللغة العربية في فلسطين "ضاد" بمبادرة من أدباء ونقّاد وأكاديميين فلسطينيين، وتهدف إلى أن تكون حلقة وصل بين المؤسسات والهيئات المختلفة، بالإضافة إلى كونها ملتقى للأفراد المهتمين باللغة العربية. 

وتسعى الجمعية إلى تعزيز البحث والدراسة في مجال اللغة، وتشجيع النقاد والمجددين على إغناء المكتبة الفلسطينية والعربية، وإيصال الجهود إلى المتلقين والمعنيين بوسائل وآليات فعّالة.

وفي داخل الأراضي المحتلة عام 1948، جرة إطلاق "مبادرة اللغة العربية في يافا" وهي برنامج شاملًا لتعليم اللغة العربية يستهدف الأطفال والشباب في المدينة، يهدف البرنامج إلى تعزيز الهوية الثقافية والحفاظ على اللغة كجزء من التراث الفلسطيني.


وجرى إطلاق أيضا مبادرة من قبل جمعية الثقافة العربية في مدارس الداخل الفلسطيني بهدف تعزيز استخدام اللغة العربية كلغة هوية في المدارس، خاصةً في ظل مناهج التعليم الإسرائيلية التي لا تتعامل مع العربية على هذا الأساس. 

وتسعى المبادرة إلى تعريف الجيل الشاب بالأدب الفلسطيني وباللغة العربية كجزء من هويتهم الثقافية.

مقالات مشابهة

  • أمين مساعد جامعة الدول: الدعم العربي للقضية الفلسطينية جيد جدا
  • حرائق إسرائيل تقضي على 2500 فدان في دولة الاحتلال
  • مرصد حقوقي: إسرائيل تنفذ تهجيرا قسريا للفلسطينيين بغزة وسط صمت دولي
  • بين غزة والضفة والقدس.. «أبو مازن» يستعرض أولويات السلطة الفلسطينية ويوجه رسالة لـ حماس
  • إسرائيل تلغي تأشيرات وفد فرنسي كان يعتزم زيارة الأراضي الفلسطينية
  • إسرائيل تتراجع عن التعزية في البابا فرنسيس.. ما علاقة موقفه من غزة؟
  • الصين تتوعد الدول التي تسير على خطى أمريكا لعزل بكين
  • مندوب الأردن بالجامعة العربية: لا استقرار دون حل عادل للقضية الفلسطينية
  • كيف تستخدم إسرائيل اللغة العربية في طمس الهوية الفلسطينية؟
  • كيف تستغل إسرائيل اللغة العربية من أجل طمس الهوية الفلسطينية؟