#سواليف

كتب … #زياد_ابحيص

كشفت #الضربات المتتالية التي وجهها #الاحتلال ضد #المقاومة_اللبنانية عن خطة معدة مسبقاً قائمة على #اختراق عميق وبحثٍ عن عناصر المفاجأة التكتيكية أمام غياب إمكانية المفاجأة الاستراتيجية في ظل #الحرب التي فتحتها المقاومة أصلاً من #جبهة_لبنان منذ الثامن من أكتوبر 2023، وهذا يدفع بالضرورة لمحاولة فهم الهدف الصهيوني والأمريكي من هذا التصعيد، ويمكن هنا أن يقرأ هدفان أساسيان وهدف ثانوي:

الهدف الأول: وهو هدف الحد الأدنى، هو إجبار المقاومة على الخروج من الحرب وترك غزة والضفة الغربية لوحدهما في المشهد، بما يسمح بالتخلص من حالة الاستنزاف التي تشكلها والتفرغ للحسم على جبهتي الضفة الغربية وغزة، وهذا الهدف عبر عنه الصهاينة علناً بعد ضربة البيجر الأولى، ونقله الأمريكان للأطراف اللبنانية صراحة، وهو ما يرجح أنه ليس الهدف الحقيقي للتحرك العسكري الحالي، فمختلف الأطراف تدرك أن حرب المقاومة قائمة على منع الطرف الآخر من تحقيق أهدافه، وهو ما يجعل إعلان هذه الأهداف كفيلاً بإفشالها، وهو ما تم بالفعل في خطاب أمين عام حزب الله بإعلان قطعي بعد هذه الضربات بأن جبهة الإسناد اللبنانية لن تخرج من الحرب قبل الوصول لوقف العدوان على غزة.

مقالات ذات صلة ما سبب عودة عمليات القسام في رفح؟ الدويري يجيب 2024/09/21

الهدف الثاني: الذهاب نحو حرب يتحكم الاحتلال فيها بسلم التصعيد، بما يفقد المقاومة المبادرة، ويجرها إلى توسيع الحرب في ظل حالة من الضغط وفقدان المباغتة التكتيكية وفي ظل خرق الأمني لم يغلق أبوابه ولم تعالج آثاره، وبالتالي يجعل الاحتلال هو المتحكم بوقائع الحرب بشكلٍ يذهب بها إلى الحرب الشاملة السريعة، وهو ما سيضطر المقاومة اللبنانية في المحصلة للخروج من الجبهة بناء على وقائع حربها وبعيداً عن ما يحصل على جبهة قطاع غزة.

الهدف الثالث: هو تحقيق صورة النصر التي لم يتمكن الاحتلال من تحقيقها في غزة، وقد حصل عليها خمس مراتٍ حتى الآن في اغتيال الشهداء إسماعيل هنية وفؤاد شكر ثم في عملية البيجر واللاسلكي وأخيراً بعملية اغتيال قيادة فرقة الرضوان، غير أن هذا الهدف حتى يتحقق يتطلب القدرة على استدامته على جميع الجبهات باعتباره مشهد النهاية، ومع غياب هذه الإمكانية فإن هذا الهدف لا يغدو عن كونه تحقيق إنجازات معنوية مؤقتة، ويجعل الهدفين الأول والثاني هما المتعلقان بمصير الحرب.

انطلاقاً من ذلك يمكن القول بأن هدف العمليات الصهيونية المتتالية هو أن تجبر المقاومة اللبنانية على الخروج من المعركة إما بالردع أو بالحسم، وبما أنها قد يئست من إمكانية إخراجها من المعركة بالردع فقد اتخذته هدفاً تضليلياً معلناً لكنها في الغالب ذاهبة نحو محاولة إخراجه من المعركة بالحسم، أي بتصعيد كبير في الحرب يجبر جبهة لبنان على أن تنتهي بحساباتها لا بحسابات جبهة غزة.

في مقابل ذلك يواجه حزب الله ومن حوله من قوى المـ.ـقـ.ـاومة في لبنان تحدياً ثلاثياً: أولاُ في إدارة المعركة بما يحافظ على وحدة الساحات ويمنع إخراجها من المعركة إلا بوقف تام للعدوان الصهيوني على جبهة غزة باعتبارها قلب هذه الحرب، والثاني هو في التقدير الحقيقي لحجم الاختراق الأمني الصهيوني وتداعياته والعمل الحازم والمتأني على إغلاق بابه ومعالجة تداعياته لأنه مكن الصهاينة حتى الآن من اغتيال نخبة الصف الأول من القيادة وجزءاً من القيادات الصف الثالث الميدانية وصلاً إلى 400 عنصر تقريباً، علاوة عن محاولة هز الثقة وفرض انهيار إدراكي على المـ.ـقـ.ـاومة بضربات مباغتة كبيرة ومتتالية، والتحدي الثالث يكمن في توجيه ضربات تستعيد المبادرة والتوازن لكنها لا تسمح بنقل زمام المبادرة للاحتلال بما يجعله متحكماً في سلم التصعيد.

لا شك أن التحدي الثاني المتعلق بالاختراق الأمني هو التحدي المفاجئ والأكثر خطراً وإلحاحاً لمعالجته في المرحلة الحالية، لكن التحدي النهائي للحرب هو الأول: أن لا تخرج جبهات الإسناد من الحرب إلا بوقف شامل للعدوان عن غزة وعلى مبدأ وحدة الساحات، وهو المحك الفعلي لإحباط الإرادة الصهيونية والأمريكية ولتكريس معادلة استراتيجية جديدة في المنطقة. انطلاقاً من ذلك، يمكن تصور الاحتمالات التالية أمام المقاومة اللبنانية:

الاحتمال الأول: الذهاب نحو الحرب الشاملة وهو خيار إن وقع الآن فإنه يأتي في أسوأ الظروف منذ بداية الحرب، إذ أنه يأتي بعد تفرغ الاحتلال النسبي من جبهة غزة، وبعد ضربات كبيرة متتالية من الاحتلال وفي ظل اختراق أمني لم يجري تقدير حجمه ومعالجته بما يسمح عملياً بالاستفادة القصوى من تبعاته، ورغم أن هذا الخيار ربما يكون الأجدى في ظروفٍ أخرى، فإن منطق الحرب يفرض استبعاده في هذه المرحلة مهما كان حجم الضغوط الصهيونية والأمريكية للذهاب إليه.

الاحتمال الثاني: المحافظة على الوتيرة السابقة لجبهة الإسناد: أي بعمق متوسطه 15 كم يتجاوز إلى 20 كم أحياناً مع التركيز على المواقع العسكرية والتجهيزات التجسسية لتحقيق عمىً نسبي لدى الجيش الصهيوني مع الحفاظ على حجم التهجير الحالي الذي يعترف الاحتلال أنه في حدود 60 ألف مستوطن مهجر مع أن التقديرات الصحفية أن عدد المستوطنين المهجرين يصل إلى 100 ألفاً، وهذا الخيار قد يكون أسلم أمنياً لكنه سيعبر عن ضعف ويغري الاحتلال بالتصعيد كما أنه سيزيد من إحباط حاضنة المـ.ـقـ.ـاومة ومن التشكيك في جدوى جبهة الإسناد اللبنانية وهو تشكيك قائم أصلاً، بعضه ينطلق من نقاشٍ موضوعي ومعظمه يندفع من ثأر داخلي أو من أجندة دول التطبيع العربي.

الاحتمال الثالث: التصعيد النسبي بتوسيع نطاق النار والتهجير لكن بما يحافظ على طبيعة جبهة الإسناد ويمنع الانجرار للحرب الشاملة قبل إغلاق مصادر الاختراق ومعالجة آثار الاختراق على كل المستويات، وهو الخيار الأكثر ملاءمة مع طبيعة التحديات المركبة التي تواجهها المقاومة اللبنانية.

الاحتمال الرابع: البحث عن أبواب ردود نوعية مؤلمة، وهنا أمام المقاومة احتمالات متعددة لتحقيق فكرة الضربات النوعية، بدءاً من ضرب الأهداف العسكرية العاملة بما يخرجها من الخدمة ويضعف قدرة الصهاينة على توظيفها في العدوان الشامل على لبنان، والذي يبدو أن قرار الاحتلال به قد اتخذ لكن ظروف الجبهة تؤجله حتى الآن، وبالذات بالمس بالقواعد الجوية وإمكانات الأسطول البحري الصهيوني، أو بضربات أمنية ضد شخصيات كبرى وهي عمليات تحقق أهدافاً نفسية لكن إمكانيتها قد تكون متعذرة، أو بالذهاب لضرب الأهداف شبه العسكرية مثل منشآت التصنيع العسكري الصهيونية.

في الخلاصة، أمام هذه القراءة فإن الخيار الأجدى للمقاومة في لبنان ربما يكون مزيجاً بين الاحتمالين الثالث والرابع: بتوسيع جبهة الإسناد بما يزيد دائرة التأثير والتهجير ويتجنب الانجرار للحرب الشاملة في الظرف الحالي، مع عمل دؤوبٍ ومتأنٍّ على إغلاق الخرق الأمني ومعالجة آثاره على كل المستويات، والمبادرة إلى ردودٍ نوعية تحقق التكافؤ وتستعيد المبادرة وتمس على المدى البعيد بقدرة الجيش الصهيوني على شن عدوان شامل على لبنان باتت سحبه تتراكم.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: سواليف زياد ابحيص الضربات الاحتلال المقاومة اللبنانية اختراق الحرب جبهة لبنان المقاومة اللبنانیة جبهة الإسناد من المعرکة وهو ما

إقرأ أيضاً:

خير صديق (2).. سامح قاسم يكتب: "الحرب والسلام"..  ملحمة إنسانية عابرة للتاريخ

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

إبداع تولستوي الخالد.. الحب في مواجهة الصراع.. ورسائل عديدة عن السلام رغم التركيز على الحرب

رصد أسباب وراء فشل نابليون في غزو موسكو.. وإبراز الحياة الأرستقراطية والواقع القاسي للفلاحين بعيون الكاتب

 

تعد رواية «الحرب والسلام» للكاتب الروسي ليو تولستوي من أهم الأعمال الأدبية في تاريخ الأدب الذي أنتجته البشرية. تتناول الرواية، الصادرة عام ١٨٦٩م، حقبة تاريخية مفصلية في تاريخ روسيا والعالم، وهي الحروب النابليونية التي امتدت من أواخر القرن الثامن عشر إلى أوائل القرن التاسع عشر. كانت هذه الحقبة تعكس صراعًا معقدًا بين القوى الأوروبية، حيث سعى نابليون بونابرت لتوسيع إمبراطوريته، ووجدت روسيا نفسها في مواجهة مباشرة معه. تميزت هذه الفترة باضطرابات داخلية في روسيا، حيث كان المجتمع يعاني من التفاوت الطبقي، والعبودية، والصراعات السياسية التي انعكست بوضوح في الرواية.

الحملة الفرنسية على روسيا عام ١٨١٢

يشكل غزو نابليون لروسيا في عام ١٨١٢ العمود الفقري للأحداث التاريخية في الرواية. هذه الحملة العسكرية، التي عُرفت باسم "الحملة الروسية"، بدأت بطموح نابليون للسيطرة على الأراضي الروسية، لكنها انتهت بكارثة عسكرية.

تُبرز الرواية بشكل دقيق معاناة الجيشين الفرنسي والروسي، والتحديات التي واجهها كل منهما في ظل قسوة الطبيعة الروسية، والمقاومة الشعبية، والانقسامات الداخلية. هذا السياق التاريخي لا يقدم فقط خلفية للأحداث، بل يشكل أيضًا انعكاسًا لفلسفة تولستوي حول العبثية والكارثة المرتبطة بالحرب.

الإمبراطورية الروسية: الهيكل السياسي والاجتماعي

عندما كتب تولستوي «الحرب والسلام»، كان المجتمع الروسي يمر بتحولات اجتماعية كبيرة. نظام القنانة، الذي كان يشكل العمود الفقري للاقتصاد الروسي، كان يُنظر إليه بشكل متزايد على أنه نظام ظالم وغير مستدام.

الرواية تعكس بوضوح البنية الطبقية للمجتمع الروسي، من النبلاء الذين يعيشون حياة مرفهة، إلى الفلاحين الذين يعانون من الفقر والاستغلال.

أبرزت الرواية أيضًا طبيعة السلطة السياسية في روسيا تحت حكم القيصر ألكسندر الأول، الذي واجه تحديات داخلية وخارجية هائلة.

العلاقات الدولية وتأثيرها على الرواية

في زمن الرواية، كانت العلاقات الدولية في حالة اضطراب مستمر. التحالفات والمعاهدات التي أبرمتها روسيا مع الدول الأوروبية لعبت دورًا حاسمًا في تشكيل الأحداث التاريخية.

تتناول الرواية بالتفصيل الديناميكيات المعقدة بين روسيا وفرنسا، مع التركيز على تأثير هذه العلاقات على الأفراد والمجتمع الروسي.

الحرب كمعضلة فلسفية

من خلال تصوير الحروب النابليونية، لا تقدم الرواية فقط سردًا تاريخيًا، بل تعكس أيضًا رؤية تولستوي الفلسفية للحرب. يرى تولستوي أن الحرب ليست سوى عبثية مدمرة، حيث تُستخدم السلطة والقوة لتحقيق أهداف شخصية أو وطنية، على حساب الإنسان. في الرواية، يظهر هذا التأمل في الشخصيات التي تعاني من الحيرة والصراعات الداخلية حول معنى الحرب ودورها في حياة الأفراد.

دور المقاومة الشعبية

ركزت الرواية على دور المقاومة الشعبية في مواجهة الغزو النابليوني، حيث لم تكن الحرب مجرد معركة بين جيوش نظامية، بل كانت أيضًا صراعًا شارك فيه الفلاحون والمواطنون العاديون.

يسلط تولستوي الضوء على شجاعة الشعب الروسي وصموده في وجه جيش نابليون القوي، مما يعكس إحساسًا عميقًا بالهوية الوطنية.

تأثير الأحداث على الشخصيات

جاء السياق التاريخي ليكون أكثر من مجرد خلفية للأحداث، بل أصبح جزءًا لا يتجزأ من تطور الشخصيات.

الشخصيات الرئيسية في الرواية مثل الأمير أندريه، وبيير بيزوخوف، وناتاشا روستوف، تتأثر بشكل مباشر بالأحداث التاريخية الكبرى، سواء من خلال مشاركتهم في الحرب، أو تجاربهم الشخصية خلال هذه الفترة المضطربة.

تميزت «الحرب والسلام» بالدقة في تصوير الأحداث التاريخية. اعتمد تولستوي على مصادر تاريخية موثوقة، مما أضفى على الرواية طابعًا واقعيًا.

في الوقت نفسه، لم يكن هدفه مجرد تقديم سرد تاريخي، بل استخدام الأحداث لتقديم رؤى أخلاقية أعمق.

تأثير السياق التاريخي على الحبكة

يُعد السياق التاريخي أحد العوامل الرئيسية التي تشكل تطور الحبكة في الرواية. الحروب والصراعات السياسية تضيف تعقيدًا للأحداث، وتعكس كيفية تأثير القوى الكبرى على حياة الأفراد.

على سبيل المثال، تُظهر الرواية كيف تؤثر قرارات القيصر والمعارك الكبرى على مصير الشخصيات، مما يبرز العلاقة الجدلية بين الفرد والمجتمع.

تقدم الرواية الحرب كحالة تتجاوز مفهوم العنف المادي لتصل إلى صراعات حول الإرادة الحرة وقدرة الإنسان على التأثير في التاريخ. يعبر تولستوي عن رؤيته من خلال شخصياته التي تعيش حالات من التأمل العميق في معنى الوجود والقدر. فمثلًا، يعاني الأمير أندريه من أزمة وجودية خلال معركة بورودينو، حيث يتأمل السماء الواسعة ويفكر في عبثية الحرب وقيمة الحياة.

في المقابل، تقدم شخصية بيير بزوخوف تجربة أخرى للحرب، حيث يجد نفسه مدفوعًا بالمصادفة إلى قلب الأحداث. لكن من خلال هذه التجارب، يكتشف بيير قيمًا جديدة تتعلق بالمحبة والتضحية والإيمان بقدرة الإنسان على التغيير.

المرأة ورمزية السلام 

رغم أن الرواية تركز بشكل كبير على الأحداث التاريخية والمعارك، إلا أن تولستوي يولي اهتمامًا خاصًا للنساء كرمز للسلام والقوة الكامنة. تُظهر شخصيات مثل ناتاشا روستوفا وسونيا أبعادًا إنسانية عميقة تتعلق بالحب، والأمل، والاستمرار في وجه الأزمات. تعبر ناتاشا، ببراءتها وتطلعاتها العاطفية، عن رغبة الإنسان في حياة تتجاوز العنف والصراع.

الحب كقوة إنسانية عليا

يقدم تولستوي الحب إحديي الثيمات المحورية في الرواية. الحب ليس مجرد عاطفة رومانسية، بل هو قوة إنسانية تتجاوز الحروب والألم. يظهر هذا في علاقات مثل الحب العذري بين ناتاشا والأمير أندريه، أو الحب المتجدد الذي يعيشه بيير في النهاية.

في «الحرب والسلام»، ينظر تولستوي إلى الحرب بوصفها انعكاسًا للفوضى البشرية، حيث تمتزج البطولات الفردية بالمعاناة الجماعية. يرى تولستوي أن التاريخ ليس مجرد سلسلة من الأحداث التي يخطها القادة العظماء، بل هو نتيجة لتفاعلات معقدة بين الأفراد، والظروف، والمصادفات. الحرب، في نظره، تكشف عن ضعف الإنسان أمام قوى أكبر منه، وتبرز هشاشة السلطة والقرارات العسكرية في وجه الإرادة الشعبية.

تُظهر الرواية أيضًا الجانب الإنساني للحرب، من خلال معاناة الجنود، وعلاقاتهم الشخصية، وتأثير الحرب على عائلاتهم. تولستوي يضع القارئ في قلب الصراع، ويجعل من شخصياته وسيلة لفهم المعاناة الإنسانية في أوقات الشدة.

دور القيادة والشعب في تشكيل التاريخ

من النقاط البارزة في الرواية أن تولستوي يتحدى المفهوم التقليدي للقيادة العسكرية والسياسية. على عكس السرديات التاريخية التي تمجد القادة كصانعي التاريخ، يركز تولستوي على دور الأفراد العاديين، ويبرز كيف أن القرارات الكبرى غالبًا ما تكون محكومة بالمصادفة أو القوى التي لا يمكن التحكم فيها.

في وصفه لمعركة بورودينو، يعكس تولستوي هذا المنظور من خلال تصوير نابليون كقائد عاجز أمام قوة الأحداث، والقيصر ألكسندر الأول كشخصية بعيدة عن الواقع. بدلًا من ذلك، تبرز الرواية الجنود والمزارعين والشعب العادي بوصفهم القوة الحقيقية التي تشكل مسار التاريخ.

الهوية الوطنية الروسية

تشغل الهوية الوطنية الروسية حيزًا كبيرًا في "الحرب والسلام". من خلال شخصيات مثل الأمير أندريه وبيير بيزوخوف، يعبر تولستوي عن فخره بالشعب الروسي وإرادته القوية في مواجهة الغزو النابليوني. تجسد الرواية الروح الوطنية التي انتصرت في النهاية على أعظم قوة عسكرية في ذلك الوقت.

تُظهر الرواية كيف أن الغزو الأجنبي وحدّ الروس من جميع الطبقات الاجتماعية، وخلق شعورًا مشتركًا بالمصير. تولستوي يقدم صورة مؤثرة عن الفلاحين الروس، الذين رغم بساطتهم، أظهروا شجاعة وصمودًا كبيرين في مواجهة الجيوش النابليونية.

التحولات الاجتماعية كخلفية للرواية

إلى جانب الحرب، تعكس الرواية التغيرات الاجتماعية التي كانت تشهدها روسيا في تلك الحقبة. من خلال شخصيات مثل ناتاشا روستوف وآنا بافلوفنا، يعبر تولستوي عن الطبقات الأرستقراطية التي كانت تتصارع بين تقاليدها القديمة ومتطلبات العصر الحديث. كما أن الرواية تسلط الضوء على الحياة اليومية والطقوس الاجتماعية التي كانت سائدة آنذاك، مما يجعلها شهادة حية عن الحياة الروسية في أوائل القرن التاسع عشر.

يُعد البناء الروائي لرواية "الحرب والسلام" واحدًا من أعقد الهياكل السردية في الأدب العالمي. تتألف الرواية من أربعة أجزاء رئيسية، تضم حوالي ٦٠٠ شخصية تتنوع بين الشخصيات المحورية والثانوية. يتنقل السرد بين مشاهد الحرب والسلام، وبين الحياة الشخصية والسياسية، ما يخلق توازنًا بين التفاصيل الدقيقة والرؤية العامة. يتسم السرد بقدرته على الانتقال السلس بين الأحداث الكبرى، مثل المعارك التاريخية، والحياة اليومية لشخصيات الرواية. يتيح هذا الهيكل لتولستوي استكشاف التناقضات بين الحرب والسلام، وبين الخاص والعام، مما يمنح الرواية طابعًا إنسانيًا شاملًا.

التعددية في وجهات النظر

من أبرز ملامح البناء الروائي هو تعددية وجهات النظر. لا يقتصر السرد على شخصية واحدة أو وجهة نظر واحدة، بل يقدم تولستوي الأحداث من خلال منظور شخصيات متعددة، مما يمنح القارئ فهمًا أعمق للأحداث. على سبيل المثال، يُظهر لنا تولستوي الحرب من خلال عيون القادة والجنود والفلاحين، ما يجعل السرد أكثر شمولًا وإنسانية.

دمج الواقعية بالرمزية

رغم أن الرواية تُعد عملًا واقعيًا بامتياز، إلا أن تولستوي يدمج فيها عناصر رمزية عميقة. على سبيل المثال، تُستخدم الطبيعة كرمز للتغيير والاستمرارية. كما أن الشخصيات الرئيسية، مثل بيير وأندريه وناتاشا، تعكس جوانب مختلفة من النفس البشرية وتجاربها في مواجهة الحياة والموت.

تداخل التاريخ بالخيال

يُظهر تولستوي براعة استثنائية في دمج الأحداث التاريخية مع القصص الخيالية. يجعل هذا التداخل القارئ يشعر وكأن الشخصيات الخيالية مثل بيير وناتاشا وأندريه كانت جزءًا حقيقيًا من تلك الحقبة التاريخية. كما أن استخدام شخصيات تاريخية مثل نابليون والقيصر ألكسندر الأول يعزز من مصداقية الرواية.

الشخصيات كمحركات للسرد

تُعد الشخصيات محور الرواية، حيث يعتمد تولستوي على تطورها لتقديم رؤيته حول الحياة والتاريخ. يُظهر السرد تعقيد الشخصيات وتناقضاتها، ما يجعلها واقعية وإنسانية للغاية. على سبيل المثال، بيير بيزوخوف يبدأ الرواية كشاب ضائع يبحث عن معنى لحياته، لكنه يتحول تدريجيًا إلى شخصية أكثر نضجًا وروحانية.

الشخصيات المحورية والثانوية

بيير بيزوخوف.. البحث عن الذات

يُعد بيير بيزوخوف واحدًا من أكثر الشخصيات تعقيدًا في الرواية. يبدأ حياته كشاب ثري ولكنه غير ناضج، يبحث عن معنى لحياته وسط صراعات المجتمع الأرستقراطي. من خلال رحلته، يعبر تولستوي عن أسئلة وجودية حول الهوية، والمعنى، والمصير.

الأمير أندريه بولكونسكي.. المثالية والتضحية

يمثل أندريه بولكونسكي الوجه الآخر للصراع الداخلي. كجندي ونبيل، يبحث أندريه عن المجد، لكنه يجد نفسه في النهاية متأملًا في قيمة الحياة والحب. تعكس شخصيته التحولات التي يمر بها الإنسان في مواجهة الحرب والموت.

ناتاشا روستوف.. الحب والحياة

تمثل ناتاشا رمز الحياة والطاقة الشبابية. رغم أنها تبدأ الرواية كشابة متهورة، إلا أنها تنضج تدريجيًا من خلال تجاربها في الحب والخيانة والخسارة. تعتبر ناتاشا شخصية محورية في تقديم البعد الإنساني للرواية.

الحرب كإفراز للإنسانية الهشة

رغم أن عنوان الرواية يُقسمها إلى "الحرب" و"السلام"، إلا أن تولستوي يجعل الحرب محورًا لطرح تساؤلات عميقة عن العنف والدمار والرغبة البشرية في السيطرة. يصور الحرب ليس فقط كأداة للدمار، بل كمرآة تعكس ضعف الإنسان، وكيف أن قرارات القادة لا تكون دائمًا نتيجة حكمة أو منطق، بل في أحيان كثيرة نتيجة لطموحاتهم الشخصية أو مصادفات غير متوقعة.

تُظهر مشاهد المعارك، مثل معركة بورودينو، كيف أن الحرب تخضع لعوامل تتجاوز سيطرة القادة والجنود على حد سواء. في هذا الإطار، يقدم تولستوي رؤية نقدية للتاريخ الرسمي الذي يُمجد القادة العظماء، مشيرًا إلى أن النتائج التاريخية تتشكل بفعل الظروف الاجتماعية والاقتصادية وتفاعلات الأفراد العاديين.

البحث عن المعنى

تتمحور الرواية حول سؤال مركزي: ما معنى الحياة؟ تقدم شخصيات مثل بيير بيزوخوف والأمير أندريه بولكونسكي رحلات داخلية مليئة بالصراع والتأمل. يبحث بيير عن معنى أعمق لحياته وسط فوضى المجتمع الأرستقراطي، بينما يواجه الأمير أندريه التناقضات بين طموحه الشخصي وسلامه الداخلي.

على الرغم من اختلاف مسارات الشخصيات، إلا أن الرواية تجمع بينها في استكشافها للأسئلة الوجودية: ما الذي يجعل الحياة جديرة بأن تُعاش؟ وكيف يمكن للإنسان أن يجد السلام وسط الفوضى؟ في النهاية، يبدو أن تولستوي يشير إلى أن الحب، والرحمة، والتواصل الإنساني هي المفاتيح لفهم المعنى الحقيقي للحياة.

مقالات مشابهة

  • أستاذ علوم سياسية: الاحتلال الإسرائيلي يمارس كل أنواع الكذب في حرب غزة
  • صابر حارص يكتب: كسر إرادة الاحتلال
  • عادل الباز يكتب: سياسة ترمب تجاه السودان
  • في الجولان..موالون للأسد في سوريا يفتحون النار على الجيش الإسرائيلي
  • خير صديق (2).. سامح قاسم يكتب: "الحرب والسلام"..  ملحمة إنسانية عابرة للتاريخ
  • أمريكا تضغط لإقصاء حزب الله من الحكومة اللبنانية..ما السبب؟
  • ترحيل 1835 أسرة لمحلية جنوب الجزيرة من المناقل
  • مُسيّرة لحزب الله تجتاز الحدود اللبنانية للمرّة الأولى منذ وقف النار
  • أسامة شعث: استهداف الضفة الغربية يؤكد استمرار الاحتلال في عملية التهويد
  • أستاذ علاقات دولية: استهداف الضفة الغربية يؤكد استمرار الاحتلال في عملية التهويد