مسؤولون: تفجيرات البيجر نصر استخباراتي بعواقب غامضة
تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT
لا يزال الغموض يحيط بالكيفية التي تمكنت بها إسرائيل من دس المتفجرات في آلاف أجهزة الاستدعاء (البيجر) ووضعها في أيدي عناصر حزب الله، ولكن الأمر الواضح للغاية هو أن العملية الاستخباراتية ستذكر باعتبارها واحدة من أكثر العمليات جرأة في التاريخ الحديث، وفقا لصحيفة "واشنطن بوست".
وهذه ليست المرة الأولى التي تحول فيها إسرائيل أجهزة اتصال لأسلحة، فقد كانت تمكنت من قتل صانع القنابل البارز في حركة حماس يحيى عياش عام 1996 بعد تفخيخ هاتفه المحمول.
ومع ذلك يرى خبراء أن عملية تفجير أجهزة الاتصال هذا الأسبوع في جميع أنحاء لبنان كانت أكثر تعقيدا بمراحل، لأنها استدعت إقناع حزب الله بشراء الأجهزة وتوزيعها على عناصره من دون أن يعلم أنها كانت مفخخة.
ووفقا لمسؤولين أميركيين مطلعين على الأمر فإن إسرائيل، التي لم تعلن مسؤوليتها عن الهجمات وكذلك لم تنكرها، لم تُبلغ أهم حلفائها في واشنطن مسبقا بطبيعة الهجوم.
وتشير الصحيفة إلى أن عددا من هؤلاء المسؤولين أعربوا في أحاديث خاصة عن إعجابهم الكبير بقدرة إسرائيل على تنفيذ خطة بهذه الدهاء، وفي الوقت ذاته عن القلق من أن هذه العملية الجريئة قد تثير حربا إقليمية أوسع.
يقول الضابط السابق بالمخابرات الأميركية مارك بوليمروبولوس إن "هذه هي العملية الحركية الأكثر إثارة للإعجاب التي يمكنني تذكرها في مسيرتي المهنية.. لقد كان نطاقها مذهلا."
ويضيف بوليمروبولوس: "ربما لم تكن كبيرة من ناحية الابتكار في التكنولوجيا، لكنها كانت بالفعل إنجازا لوجستيا وإبداعيا".
وبحسب الصحيفة فإن العملية تشير إلى أن أي دولة أو مجموعة تمتلك الموارد والصبر المناسبين يمكنها تكرار ما فعلته إسرائيل وتحويل الأجهزة العادية إلى أسلحة.
وتلفت الصحيفة إلى أن انتشار مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي للحظة تفجير أجهزة البيجر، شكّل إذلالا علنيا لحزب الله، خصم إسرائيل اللدود.
نجاحات استخباراتية إسرائيلية في الخارج.. فلماذا فشلت في أكتوبر؟ تسلط سلسلة الانفجارات التي طالت أجهزة اتصال يستخدمها عناصر في حزب الله في لبنان خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، الضوء على القدرات الاستخباراتية والتكنولوجية والعسكرية المتطورة التي تمتلكها إسرائيل في مواجهة خصومها في الخارج، لكنها تطرح في الوقت ذاته أسئلة عدة حول الكيفية التي فشلت فيها في تفادي هجوم حماس في السابع من أكتوبر.وأعرب مسؤولون في البيت الأبيض عن إعجابهم بالعملية، وفقا لمسؤول كبير في الإدارة الأميركية تحدث للصحيفة بشرط عدم الكشف عن هويته أثناء الحديث عن مناقشات خاصة.
ومع ذلك لا يزال بعض كبار المساعدين في البيت الأبيض يرون أنه من غير الواضح ما هي استراتيجية إسرائيل الأوسع في لبنان، وعبر بعضهم عن إحباطهم من أن العملية جاءت وسط جهود حثيثة تبذلها واشنطن لمنع التصعيد في المنطقة.
وتساءل بعض المسؤولين إلى أي مدى يجب على الولايات المتحدة دعم إسرائيل إذا تحول هذا الصراع إلى حرب أوسع قد تؤدي بالنهاية لانخراط الولايات المتحدة فيه بشكل أكبر.
وقال مستشار أميركي، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لمناقشة محادثات حساسة إن "على الولايات المتحدة أن تقرر مقدار ما تريد فعله لمساعدة إسرائيل، ولا أعرف ما هو الجواب على ذلك".
وأضاف: "من المرجح أن تستمر في تزويد إسرائيل بما تحتاجه للدفاع عن نفسها، لكن هناك أصوات جادة داخل الإدارة تقول إن إسرائيل فعلت ذلك لوحدها، فلماذا يجب علينا مساعدتها؟".
وأقر الأمين العام لميليشيا حزب الله، حسن نصر الله في كلمة متلفزة، الخميس، بتلقي حزبه ضربة "أمنية وعسكرية وإنسانية كبيرة وغير مسبوقة"، غداة سلسلة تفجيرات غير عادية نسبت إلى إسرائيل واستهدفت أجهزة اتصال تابعة للحزب.
وقتل في هذه التفجيرات التي وقعت يومي الثلاثاء والأربعاء، 37 شخصا وأصيب نحو ثلاثة آلاف آخرين، ونعى حزب الله عددا من مسلحيه في هذه الهجمات.
وأثار تفجير الآلاف من أجهزة الاتصال اللاسلكي (البيجر) التي يحملها مقاتلو حزب الله ومسعفون وآخرون حالة من الارتباك والذعر في صفوف الجماعة، فألقى البعض أجهزته في الوقت الذي تردد فيه دوي الانفجارات في المناطق الخاضعة لسيطرته في بيروت ومناطق أخرى من لبنان فيما دفنها آخرون.
إسرائيل تنشر صورة لحصيلة "ضربة القادة".. ولبنان يعلن ارتفاع عدد القتلى أعلن الجيش الإسرائيلي، السبت، أسماء مجموعة من قادة حزب الله قال إنهم قتلوا في الضربة الإسرائيلية التي استهدفت الضاحية الجنوبية في بيروت، الجمعة.والجمعة، واصلت إسرائيل توجيه ضرباتها لحزب الله عندما قتلت مجموعة من قادته العسكريين، وعلى رأسهم قائد وحدة الرضوان إبراهيم عقيل، في غارة استهدفت اجتماعا للوحدة في طابق تحت الأرض في حي الجاموس في منطقة حارة حريك بالضاحية الجنوبية ببيروت.
وبلغت آخر حصيلة للغارة 37 قتيلا على الأقل، بينهم ثلاثة أطفال وسبع نساء وفق وزارة الصحة اللبنانية. وقالت الوزارة إن "أعمال رفع الانقاض مستمرة وبشكل متواصل حتى الساعة".
وإبراهيم عقيل هو ثاني قائد عسكري بارز في حزب الله تقتله إسرائيل في بيروت، بعد فؤاد شكر، منذ أن فتح الحزب جبهة في جنوب لبنان ضد الجيش الإسرائيلي قبل عام تقريبا.
وكانت الولايات المتحدة عرضت مكافأة مقدارها سبعة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن إبراهيم عقيل الذي كانت تلاحقه لتورطه المفترض في تفجيرين في بيروت استهدفا مقر السفارة الأميركية والمارينز عام 1983 وأسفرا عن مقتل مئات الأميركيين.
والسبت، أعلن الجيش الإسرائيلي شن ضربات جوية جديدة على مواقع لحزب الله في جنوب لبنان، فيما قال الحزب إنه قصف ثكنتين إسرائيليتين بصواريخ كاتيوشا.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة حزب الله فی بیروت
إقرأ أيضاً:
كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟
منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان في 26 نوفمبر 2024، لم تهدأ جبهة المواجهة بين الطرفين، حيث تستمر الضربات المتبادلة بينهما دون أن تتسبب في انهيار الاتفاق، وإن كانت تشكل تهديداً له على المدى المنظور. وينبع هذا التهديد من عدة مصادر، منها بنود الاتفاق ذاته، والتي اتسم بعضها بعبارات فضفاضة يمكن تأويلها بشكل متناقض من الجانبين، كما أنها أوكلت مهام للدولة اللبنانية لا يمكنها عملياً تنفيذها. أيضاً كان هناك اتفاق موازٍ بين إسرائيل والولايات المتحدة يتعلق بضمانات من جانب واشنطن لحق إسرائيل في كسر الاتفاق في حالات معينة. وأخيراً، فإن الإطاحة بنظام بشار الأسد في سوريا ربما تؤثر في تطبيق هذا الاتفاق؛ بسبب التداخل بين الجبهتين السورية واللبنانية بالنسبة لإسرائيل، التي تعتقد أن حزب الله وإيران يستخدمان الأراضي السورية لتصنيع السلاح وتخزينه في بعض المواقع التابعة لهما هناك.
وتؤدي كل هذه العناصر، بالإضافة إلى أن انتهاكات الجانبين للاتفاق التي تواصلت بعد توقيعه، دوراً كبيراً في إثارة الشكوك حول إمكانية صموده، وتطبيقه فعلياً قبل الموعد المحدد للانتهاء من تنفيذه يوم 26 يناير المقبل. ومع ذلك، هناك عوامل مضادة يمكن أن تسهم في بقاء الاتفاق وعدم انهياره.
ملاحظات على الاتفاق:
يتكون الاتفاق الموقع بين إسرائيل والحكومة اللبنانية (الجهة الشرعية في الاتفاق بالتفاهم مع حزب الله) من 13 بنداً تعكس أغلبها أسباب وصفه بالاتفاق الهش، ويمكن تلخيصها فيما يلي:
1- بنود غامضة: من بين هذه البنود في الاتفاق ما يلي:
أ- البند الثالث الذي ينص على أن “تعترف إسرائيل ولبنان بأهمية قرار مجلس الأمن رقم 1701”. فلا تدل هذه الصياغة على معنى محدد لتعبير “أهمية القرار الأممي”، وهي جاءت على هذا النحو للتغلب على الخلاف الذي لم يتم حله بين الجانبين أثناء عملية التفاوض، حيث فسرت إسرائيل القرار بأنه يشمل منع سكان جنوب لبنان الذين نزحوا من ديارهم أثناء الحرب من العودة إليها بدعوى أن سكان المناطق الحدودية ينتمون لقوات حزب الله، بينما تمسك المفاوض اللبناني بأن القرار تحدث فقط عن الوجود العسكري لحزب الله؛ ومن ثم يجب حماية حق السكان المدنيين في العودة إلى أماكنهم السابقة على النزوح دون قيد أو شرط.
ب- البند الرابع الذي ينص على “احتفاظ الطرفين بحق الدفاع عن النفس وفقاً للمواثيق الدولية”. وجاءت تلك الصياغة، المتعارضة جوهرياً مع مفهوم اتفاقات وقف إطلاق النار بصفة عامة، للتغلب على إصرار إسرائيل بأن يكون من حقها، ومن دون الرجوع إلى أي طرف، شن الهجمات على المواقع التي يُشتبه في وجود تجمعات أو تحركات من جانب حزب الله بها، يمكن أن تشكل تهديداً لتل أبيب أثناء فترة تطبيق الهدنة. وبالرغم من حصول لبنان على نفس الحق؛ فإنه من الناحية العملية كان في صالح إسرائيل وحدها، حيث فقد حزب الله أعداداً كبيرة من قادته ومقاتليه أثناء الحرب؛ ما يعني أنه لم يعد قادراً من الناحية الفعلية على تشكيل خطر كبير على الداخل الإسرائيلي، بينما تبقى إسرائيل قادرة على شن عمليات عسكرية في كل الأراضي اللبنانية.
2- بنود تفتقر إلى آلية التنفيذ: افتقرت البنود من الخامس إلى الثامن، والتي تتعلق بعملية إخلاء الجنوب اللبناني من قوات حزب الله، ومن أي جماعات أخرى متحالفة معها، إلى آلية واقعية لتنفيذها، حيث أوكلت للدولة اللبنانية مهمة الإشراف على عمليات بيع أو توريد أو إنتاج للأسلحة أو المواد الداخلة في تصنيعها، ومنع أي جهة أخرى داخل لبنان من المشاركة في مثل هذه الأنشطة. وغني عن القول إن الدولة اللبنانية، التي تعاني من أزمات متعددة اقتصادية وعسكرية وسياسية، قد لا يمكنها النهوض بمثل هذه المهمة؛ بسبب ضعف إمكاناتها من ناحية، وبسبب ما يشكله هذا الالتزام من تهديد للسلم الاجتماعي، بالدخول في مواجهة مباشرة مع حزب الله وحاضنته الاجتماعية الكبيرة من ناحية أخرى.
3- بنود تفتقر إلى الجدوى عملياً: يشير البندان التاسع والعاشر إلى تشكيل لجنة مراقبة للاتفاق، يقتصر دورها على تلقي شكاوى الجانبين عند حدوث انتهاكات للاتفاق من أي منهما، دون ذكر الإجراءات التي ستُتخذ بحق من يخل به، وهو ما لا يُعد رادعاً حقيقياً لأي من الطرفين للامتناع عن خرق الاتفاق، حيث برهنت اللجنة السابقة التي شُكلت بعد حرب عام 2006 بين الطرفين أن أنشطتها في تسجيل الانتهاكات لم تقلل من ارتكابها بواسطة الجانبين.
التعهدات الأمريكية لإسرائيل:
هناك سبب إضافي لوصف اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان بالهش، وهو التعهدات التي قطعتها الولايات المتحدة لإسرائيل، والتي تناقض التزامات الأخيرة في الاتفاق. فوفقاً للعديد من التقارير المتداولة في الإعلام الأمريكي، تنطوي هذه التعهدات على ما يلي:
1- ستتبادل الولايات المتحدة وإسرائيل معلومات استخباراتية حساسة حول الانتهاكات، بما في ذلك تلك المتعلقة بتسلل عناصر حزب الله لمواقع الجيش اللبناني.
2- قد تشارك الولايات المتحدة المعلومات التي تقدمها إسرائيل مع أطراف ثالثة، بما في ذلك لجنة المراقبة والحكومة اللبنانية، لحثهما على ضمان تنفيذ الاتفاق.
3- ستتعاون الولايات المتحدة لمنع نقل الأسلحة والأفراد من إيران إلى لبنان.
4- تعترف الولايات المتحدة بحق إسرائيل في الرد على التهديدات من لبنان.
5- يمكن لإسرائيل التصرف في أي وقت ضد الانتهاكات في جنوب لبنان.
6- يمكن لإسرائيل التصرف في أي مكان في لبنان؛ إذا كان لبنان غير راغب أو غير قادر على وقف الانتهاكات، بما في ذلك العبور غير القانوني من الأسلحة إلى لبنان.
7- سيكون لإسرائيل الحق في إجراء طلعات جوية استطلاعية في الأجواء اللبنانية.
وكما هو واضح، تُعد تلك الضمانات أو التعهدات بمثابة تفويض مطلق لإسرائيل لانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار؛ بل أيضاً يمكن اعتبارها تعهداً من جانب الولايات المتحدة بالمشاركة في العمليات العسكرية الإسرائيلية في الأراضي اللبنانية (مثل البند الثالث).
الضغوط الداخلية في إسرائيل:
على الرغم من حصول اتفاق وقف إطلاق النار على موافقة الأغلبية في مجلس الوزراء الإسرائيلي، فقد عارض وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، القرار، وطالب بالاستمرار في الحرب لتجريد حزب الله من سلاحه بالقوة، وعدم الاكتفاء بإبعاده حتى نهر الليطاني. وهدد بن غفير بانسحاب كتلته المشاركة في الائتلاف وإسقاط حكومة بنيامين نتنياهو، حال فشل الاتفاق في تحقيق الهدف الرئيسي منه، وهو تمكين سكان مدن شمال إسرائيل، الذين اضطرّوا لمغادرتها منذ اندلاع الحرب، من العودة لأماكنهم.
وفي نفس الاتجاه تسبب الاتفاق في أزمة اجتماعية، فالداخل الإسرائيلي يطالب بالمساواة في تعامل الحكومة مع سكان الجنوب (على الحدود مع غزة) وسكان الشمال (على الحدود مع لبنان) في إطار أن أهداف الحرب على الجبهتين تتضمن تمكين السكان الذين غادروا مدنهم أثناء الحرب من العودة الآمنة لها مجدداً. فبينما قاومت الحكومة الإسرائيلية ضغوط أهالي الرهائن ومؤيديهم، ورفضت إيقاف إطلاق النار مع حركة حماس مقابل الإفراج عن الرهائن، مفضلة تحقيق هدف استعادة الأمن وإعادة سكان الجنوب إلى مدنهم على هدف تحرير الرهائن؛ فإنها (أي الحكومة) سارعت بقبول اتفاق لوقف إطلاق النار مع حزب الله لا يضمن عودة سكان الشمال إلى مدنهم في ظل الانتهاكات المتواصلة من الجانبين للاتفاق، وهو ما اُعتبر تمييزاً واضحاً ضد سكان الشمال.
عوامل صمود الاتفاق:
على الرغم من العناصر التي تجعل اتفاق وقف إطلاق النار هشاً وقابلاً للانهيار، ثمة عوامل عكسية قد تدعم بقاءه، وتتمثل في الآتي:
1- حالة الضعف التي يمر بها حزب الله اللبناني، بعد فقدان أهم قادته الميدانيين وما يقرب من نصف مخزون أسلحته. فحسب التقديرات الإسرائيلية، فقد الحزب 2500 شخص من مقاتليه على أقل تقدير معظمهم من قوات النخبة؛ لذلك سيكون من مصلحته عدم تهديد الاتفاق.
2- محدودية قدرة إيران على تعويض حزب الله عن السلاح والرجال الذين فقدهم في الحرب، خاصةً بعد تدمير إسرائيل للمعابر الحدودية بين لبنان وسوريا التي كانت الممر الأهم لشحنات السلاح القادمة من طهران لتمر عبر الأراضي السورية إلى حزب الله.
3- الضغوط من جانب القوى المناوئة لحزب الله في لبنان، والتي تطالب بتجريده من أسلحته، حيث سبق أن استثنى اتفاق الطائف عام 1989 حزب الله من نزع سلاحه مثل باقي المليشيات بحجة أنه حركة مقاومة ضد إسرائيل. وقد تسببت الحرب الحالية مع إسرائيل في تدمير الشرعية السياسية لخطاب حزب الله في أوساط اللبنانيين، خاصةً بعد أن تسبب في كارثة التهجير الواسع لسكان الجنوب، والضغط على مناطق الوسط والشمال اللبناني التي اضطرت لاستيعاب هذا الكم الضخم من اللاجئين من أبناء البلاد في وقت يعاني فيه لبنان من أزمة اقتصادية خانقة.
3- الانتقاد المتوقع شعبياً ضد حزب الله، بسبب فشل استراتيجية الردع الخاصة به والتي حاول ترويجها على النطاق الشعبي في لبنان، والتي تقوم على افتراضين ثبت خطؤهما وهما: عدم قدرة إسرائيل على تحمل حروب طويلة خاصةً لو كانت في مواجهة جبهات متعددة، والردع المتبادل الذي يحققه امتلاك الحزب لأسلحة قادرة على ضرب العمق الإسرائيلي، وهو ما سيمنع إسرائيل بدورها من مهاجمة العمق اللبناني.
4- رحيل نظام بشار الأسد في سوريا، والذي استثمر حزب الله في حمايته موارد بشرية وتسليحية كبيرة منذ عام 2014، وهو ما يُعد خسارة كبيرة لما يُسمى بـ”محور المقاومة”. ويشير عدم تدخل إيران وحزب الله لإنقاذ نظام الأسد، ومن قبل ذلك تخلي الحزب عن شرطه لقبول وقف إطلاق النار مع إسرائيل بوقف الحرب بشكل متزامن في غزة؛ إلى أن الحزب بات يركز على حماية نفسه في ظل مخاوف حقيقية من أن تتمكن إسرائيل من زيادة الضغط العسكري عليه عبر تقديم الدعم المادي السري للتنظيمات الجهادية التي تسيطر على أجزاء كبيرة من الأراضي السورية، وهي المعروفة بعدائها للشيعة عامةً ولأذرع إيران في المنطقة خاصةً. أو بمعني آخر، سيكون على حزب الله الحفاظ على وقف إطلاق النار مع إسرائيل، تحسباً للمواجهة المحتملة بينه وبين التنظيمات الجهادية التي باتت منتشرة في الأراضي السورية بشكل واسع.
خلاصة القول إنه بين العناصر التي تهدد بقاء اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان (نيابةً عن حزب الله)، وبين العناصر المضادة التي يمكن أن تسهم في بقائه؛ من المُرجح أن يصمد الاتفاق خاصةً أن التقديرات الإسرائيلية تذهب في اتجاه أن أهداف الفصائل المسلحة في سوريا حالياً هي إحكام سيطرتها على الحكم هناك، وتصفية النظام السابق وكذلك الوجود العسكري لإيران وحزب الله. وفي هذا السياق، سيكون من مصلحة إسرائيل تخفيض الضغط المُحتمل على الاتفاق، بحصر الهجمات ضد حزب الله لغرض منع تهريب السلاح له، تاركة مهمة احتمالية تصفية الحزب وإزالة خطره على الأمن الإسرائيلي بصورة نهائية إلى خصومه في الداخل اللبناني وفي سوريا ما بعد الأسد.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”