لجريدة عمان:
2024-09-21@21:34:41 GMT

الرعاية السامية للحماية الاجتماعية

تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT

منذ أن ظهر مصطلح الحماية الاجتماعية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وهو يرتكز على مجموعة من المفاهيم الأساسية مثل المساواة وتكافؤ الفرص والتوزيع العادل للثروات وغيرها، بهدف تهيئة أفراد المجتمع لمواجهة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، وتمكين قدرتهم على مواكبة التحولات والتغيرات التي تحدث في المجتمع في ظل التطورات التنموية المختلفة.

فالحماية الاجتماعية تُعد – حسب اليونسكو – (ضرورة اجتماعية واقتصادية وسياسية)؛ لأنها توفِّر ضمانا لمستقبل أفضل وأكثر استدامة لأفراد المجتمع، وتقدِّم لهم مناخا من الأمان الاجتماعي والاقتصادي، الذي يمكن أن يعيشوا ضمنه في رفاهية، وبالتالي فإن أنظمة الحماية الاجتماعية تتمحور حول الإنسان باعتباره الأساس الذي تقوم عليه المجتمعات، بُغية تحقيق أهداف التنمية البشرية وضمان التطوُّر المستدام لأنماط الحياة الاجتماعية والاقتصادية، لذا فإن رعاية الإنسان انطلاقا من ذلك يقوم على قدرة الدولة على تقديم الخدمات الأساسية (الصحة والتعليم والأمن وغيرها) من ناحية، وإتاحة الفرص المتنوعة التي تمنحه إمكانات تحسين حياته المعيشية وتحقيق رفاهه الاجتماعي.

إن عناية الدول ببرامج الحماية الاجتماعية لا تقوم على دعم الفئات الهشة في المجتمع (كبار السن، والأطفال، والنساء، وذوي الإعاقة) وحسب، بل أيضا على فتح فرص التعليم والعمل، وتطويرها بما يضمن حصول الأفراد على ما يستحقون من فرص تُسهم في تحسين حياتهم، ولهذا فإن برامج الحماية التي تقدمها المجتمعات تعتمد على مدى وعيها بمفهوم الحماية من الناحية التنموية، وبالتالي قدرتها على تقديم برامج ونُظم ملائمة ومستدامة ومتكيِّفة مع التطورات الحالية وقادرة على تحقيق الأهداف المستقبلية التي تصبو إليها.

ولقد اعتنت سلطنة عمان بالحماية الاجتماعية بوصفها الأساس التنموي الذي يدعم النمو الاجتماعي القائم على مبادئ المساواة والعدالة وصون كرامة الإنسان وحقوقه في إطار شامل ومستدام، ولعل إصدار قوانين الحماية الاجتماعية منذ السبعينيات وحتى إصدار قانون الحماية الاجتماعية في عام 2023، يكشف التطوُّر الذي مرَّت به الحماية الاجتماعية في عُمان من حيث المفهوم ومدى الوعي بإمكاناته التنموية المرتبطة بتنمية أفراد المجتمع وتغيير أنماط الحياة ليكونوا مستعدين وقادرين على مواكبة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها الدولة، إضافة إلى تحسين مستوى مشاركتهم في تحقيق التنمية المستقبلية.

إن تطوُّر مفاهيم الحماية الاجتماعية في عُمان باعتبارها أنظمة وسياسات راسخة في التشريع الوطني، يقدِّم نموذجا شاملا يغطي جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمواطن؛ سواء على مستوى دعم الحصول على الدخل المعيشي الملائم الذي يحفظ كرامته، أو على مستوى حفظ حقوق وواجبات العاملين في القطاعات المختلفة، وضمان تحقيق الأمان الوظيفي الذي ينشدونه.

ينطلق الفهم الحديث للحماية الاجتماعية من تمكين إشراك أفراد المجتمع كلهم في العمل التنموي للدولة، وتعزيز قدرتهم على التعاون والتشارك الفاعل والإيجابي، لذا فإن هذا الفهم والوعي المتطلِّع يفسح المجال أمام أفراد المجتمع للعطاء والتفاؤل والعمل المتواصل من أجل تحسين أنماط الحياة وتنظيم مستويات الحماية الاجتماعية الذاتية التي تتبناها الأسرة نفسها بُغية حماية أفرادها اجتماعيا واقتصاديا.

والمتتبع لخطابات جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- سيجد مدى الحرص على حماية شعبه اجتماعيا واقتصاديا، انطلاقا من الرعاية السامية للمواطنين والاهتمام الكبير بكل ما من شأنه أن يُعزِّز تحقيق رفاهيتهم، ويمكِّنهم من المشاركة الفاعلة في تنمية الوطن، ولهذا فإن ما تفضَّل به جلالته أثناء رئاسته لاجتماع مجلس الوزراء بقصر المعمورة العامر بصلالة؛ يكشف تلك الرعاية الشمولية التي يحظى بها أفراد المجتمع العماني.

فبدءا من تخصيص خمسين مليون ريال إضافية لبرامج ومسارات تشغيل الباحثين عن عمل، وما يسهم به ذلك من فتح آفاق التوظيف أمام الشباب، وتخصيص اثنين وسبعين مليون ريال لتمويل برنامج منفعة دعم الأسرة؛ الذي سيمثِّل رافدا مهما لتحسين المستويات المعيشية للكثير من الأسر العمانية، ويمكِّنهم من تحقيق العيش الكريم، إضافة إلى تخصيص مبلغ إضافي بقيمة أربعين مليونا ضمن الخطة الخمسية الحالية لتسريع بناء المدارس، الأمر الذي سيكون له الأثر الكبير في تحقيق الأهداف التنموية الرامية إلى تعزيز جودة التعليم.

إن ذلك الدعم كله يسهم مباشرة في تعزيز مبادئ الحماية الاجتماعية والقدرة على تحقيق برامجها، ويتيح المجال للقدرات الوطنية لتحقيق مستويات أعلى من التنمية البشرية؛ فبرامج توظيف الباحثين عن عمل لا ينعكس نجاحها على حماية المستفيدين منها اقتصاديا وحسب، بل أيضا حمايتهم على المستوى الاجتماعي والثقافي، فكلما كان المستوى الاقتصادي للأفراد مستقرا كان أكثر صحة وأمنا على المستويين النفسي والاجتماعي، وبالتالي أكثر قدرة على المساهمة الفاعلة في التنمية المجتمعية.

إضافة إلى أن بدء صرف منفعة دعم الأسرة، وما عكسه من اطمئنان على مستوى المجتمع، يمثِّل تعزيزا لذلك الدعم المستحق للمواطنين المشمولين بهذه المنفعة، وهي الفئة المجتمعية التي تشغل الدول عادة، والتي تحرص دوما على رعايتها وحمايتها، ولهذا فإن الرعاية السامية لهذه الأسر والاهتمام المتزايد بها، دفع إلى زيادة مخصصات هذه المنفعة بما يضمن استدامة هذا الدعم وشموليته، تحقيقا للأمن الاجتماعي، ورفاه تلك الأسر.

إن شمولية الرعاية والحماية الاجتماعية تتأسَّس وفق مجموعة من المحددات التي تضمن قدرة الدولة على تقديم إطار متكامل من الرعاية التي تضمن تطوُّر المجتمع تطورا قائما على توفُّر برامج حماية صحية وتعليمية واقتصادية وحتى بيئية، لكي ينمو أفراد المجتمع نموا صحيا وفكريا ونفسيا، يمكِّنهم من الاستقرار الاجتماعي والمشاركة في التنمية الوطنية بإيجابية.

ولذلك فإن الأفق الرشيد الذي تنطلق منه الرعاية السامية للمواطن العماني، يحث دوما على التربية الاجتماعية التي تعزِّز دور الأسرة والتكافل الأسري القائم على الأخلاق الأصيلة والمبادئ التي رسختها الحضارة العمانية عبر تاريخها الممتد. إن التربية الوالدية في المجتمع العماني تنضوي ضمن آفاق الحماية الاجتماعية باعتبارها أساسا من أُسس التربية والتنشئة خاصة في ظل الانفتاح والمشتتات التقنية المتعددة، التي أصبحت تمثِّل خطرا كبيرا على الناشئة والشباب إذا لم يحسنوا التعامل معها والاستفادة منها بما يخدم مجتمعهم.

إن الرعاية السامية التي يحظى بها المواطن العماني، والاهتمام السامي بتعزيز برامج الحماية الاجتماعية تقدِّم نموذجا للاهتمام بتوسيع آفاق الحماية وأنماطها وتمكين دورها في التنمية الاجتماعية من ناحية، وتعزيز دور المواطنين بكافة شرائحهم لضمان مشاركتهم في التنمية الوطنية، وفتح الفرص أمامهم لتحسين مستويات عيشهم وتغيير أنماط حياتهم نحو الأفضل، وهي رعاية تدفعنا جميعا إلى العمل الجاد الذي يُسهم في دعم أهداف هذه الحماية.

فالتعاون والمشاركة الفاعلة بين أفراد المجتمع والمؤسسات الحكومية والخاصة والمدنية، سيُسهمان في دعم الأهداف الوطنية لبرامج الحماية الاجتماعية، إضافة إلى أن فرص التعليم والعمل تتيح لجميع أفراد المجتمع مجالات مفتوحة لتحسين المستوى المعيشي للأسر، لذا فإن برامج الحماية الاجتماعية تمثِّل أساسا يمكن الانطلاق منه نحو مجتمع متعاون ومتكافل.

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: برامج الحمایة الاجتماعیة الاجتماعیة والاقتصادیة الحمایة الاجتماعیة فی أفراد المجتمع فی التنمیة إضافة إلى

إقرأ أيضاً:

سياسيون: تعزيز الهوية الوطنية مفتاح التنمية الاجتماعية وتحقيق الاستقرار

أكد عدد من الخبراء السياسيين، أنّ تعزيز الهوية الوطنية يمثل ركيزة أساسية لتحقيق التنمية الاجتماعية، حيث إن غرس قيم الانتماء والتعاون والعمل الجماعي يمكن أن يدفع المجتمعات نحو تجاوز التحديات وتحقيق الاستقرار والازدهار، كما شددوا على أن تعزيز الهوية الوطنية ليس مجرد مفهوم نظري، بل عاملا حاسما يُسهم في بناء مجتمع متماسك قادر على مواجهة الصعوبات والنهوض بعملية التنمية، مما يعزز من قدرة الدولة على تحقيق أهدافها الاجتماعية والاقتصادية على حد سواء.  

تعزيز الهوية الوطنية مفتاح التنمية الاجتماعية

وأكد اللواء رضا فرحات، نائب رئيس حزب المؤتمر، أستاذ العلوم السياسية، أن الهوية الوطنية تشكل أساس التماسك الاجتماعي، وهي العامل الرئيس في تعزيز القيم المشتركة بين أبناء الوطن، مؤكدا أنّ الحفاظ على الهوية الوطنية يعزز من قدرة المجتمع على مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية، فضلا عن أن الانتماء للوطن وقيمه هو ما يدفع الأفراد للعمل بجدية والتفاني في خدمة مجتمعهم.

وأضاف نائب رئيس حزب المؤتمر، لـ«الوطن»، أنّ الهوية الوطنية لا تعني فقط الانتماء الجغرافي، بل تشمل القيم والتقاليد والثقافة المشتركة التي تشكل الوعي الجماعي للأمة،  فعندما يشعر المواطنون بالاعتزاز بوطنهم وبقيمه، فإنّهم يصبحون أكثر استعدادًا للمشاركة الفعالة في مشروعات التنمية ودعم الجهود الحكومية لتحقيق التقدم

وتابع: «الاهتمام بغرس قيم الهوية الوطنية يجب أن يبدأ من المؤسسات التعليمية والدينية والثقافية، كما أن وسائل الإعلام يجب أن تلعب دورًا كبيرًا في ترسيخ هذه القيم من خلال برامج توعوية وإيجابية تسلط الضوء على قصص النجاح الوطنية وأهمية الوحدة والتعاون بين أفراد المجتمع».

تعزيز الهوية الوطنية يساهم في التنمية الاجتماعية

من جهته، أوضح الدكتور حسين أبو العطا، رئيس حزب المصريين، أن تعزيز الهوية الوطنية له تأثير مباشر على التنمية الاجتماعية، حيث يشجع الأفراد على الانخراط في العمل المجتمعي والمشاركة في الأنشطة التنموية التي تعود بالنفع على المجتمع بأسره، مؤكدًا أنّ التنمية الاجتماعية تحتاج إلى تماسك مجتمعي قوي، وهو ما لا يمكن تحقيقه دون تعزيز الهوية الوطنية وقيم الانتماء.

وأشار رئيس حزب المصريين، في تصريحات لـ«الوطن»، إلى أنّ الأزمات والتحديات التي يمر بها المجتمع المصري تتطلب وحدة الصف وتعزيز القيم الوطنية لمواجهتها، موضحًا أنّ الهوية الوطنية تشكل الدرع الحامي للمجتمع من التأثيرات السلبية التي قد تنجم عن التطرف الفكري أو الثقافات الدخيلة.

وأضاف رئيس حزب المصريين أن تعزيز الهوية الوطنية لا يقتصر فقط على المناهج التعليمية، بل يجب أن يكون جزءًا من خطط التنمية الاستراتيجية للدولة، كما دعا دعم المبادرات المجتمعية التي تهدف إلى تعزيز الانتماء الوطني وتشجيع الشباب على المشاركة الفعّالة في بناء الوطن، مؤكدًا أن التنمية الاجتماعية تعتمد على شعور كل فرد بمسؤوليته تجاه وطنه.

مقالات مشابهة

  • العُزلة والشبكات الاجتماعية
  • الأسرة والمسؤولية التربوية.. من وحي التوجيهات السامية
  • برلماني: مبادرة «بداية جديدة» تعكس رؤية شاملة لتعزيز التنمية الاجتماعية
  • بالخطوات.. رابط الاستعلام عن اسماء الرعاية الاجتماعية الوجبة الأخيرة في العراق 2024
  • سياسيون: تعزيز الهوية الوطنية مفتاح التنمية الاجتماعية وتحقيق الاستقرار
  • لبنى خليفة: مبادرة «بداية» تدعم التعليم وتعزز الحماية الاجتماعية للأسر المصرية
  • متحدث الحكومة عن الدعم النقدي: نسعى لتقديم حزم مختلفة للحماية الاجتماعية
  • ضمن برامج الرعاية الاجتماعية.. قرار حكومي مهم يسعد مصابي وأسر الشهداء والحالات العاجلة
  • "التنمية الاجتماعية" تقدم إغاثة عاجلة للنازحين في بيت حانون