الحروب السيبرانية والتقنية وأبعادها الجديدة القاتلة
تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT
لم نعتد أن نرى مشاهدَ عنيفة وقاتلة -بشكل مباشر- يمكن أن تحدث بسبب الحروب المرتبطة بأجهزتنا الإلكترونية والرقمية أو الاختراقات السيبرانية؛ إذ تكون أبعاد مثل هذه الحروب -في غالبها- التي تُستعمل فيها الأنظمة الرقمية في حدود التعطيل العسكري والاقتصادي عبر الولوج غير القانوني للبيانات واختراقها لهدف السرقة أو التعطيل المباشر وإحداث الخلل الفني أو الاقتصادي الذي يتردد بعض الخبراء أن يصفها بأنها جزءٌ من العمليات الحربية المباشرة، ولكن ما شاهدناه يوم الثلاثاء الماضي بتاريخ 17/9/2024 من هجوم -وُصفَ بدايةً بالسيبراني- استهدف -في مجمله- عناصر تابعة لحزب الله اللبناني نتج عنه بشكل مباشر استشهاد ما يقرب من12 شخصا من بينهم أطفال، وجرح ما يزيد عن 3000 نتيجة انفجار جهاز الاتصال اللاسلكي «البيجر» -من نوع «الووكي توكي» المعتمد لدى حزب الله نظرا لصعوبة اختراقه مقارنة بأجهزة الهاتف المحمولة سهلة الاختراق والهجوم السيبراني، وتبعه تفجيرات على أجهزة اتصال أكبر حجما يوم الأربعاء بتاريخ 18/9/2024م نتج عنه ما يزيد عن 20 شهيدا ومئات الجرحى.
سبق أن شهدنا هجمات سيبرانية كثيرة منها ما استعمل في الحروب الباردة بين الدول، ومنها عدة هجمات عبر فيروسات رقمية هاجم بها الكيانُ الصهيوني أجهزةَ الطرد المركزي في المفاعلات النووية الإيرانية الخاصة بتخصيب اليورانيوم، ولكن نتائج مثل هذه الهجمات لم تتعدَ -بصورة عامة- الخسائر المادية وتعطيل النشاط النووي بشكل جزئي، ويمكن أن نعتبر مثل هذه الهجمات السيبرانية جزءا من عمليات الحروب سواء المباشرة أو غير المباشرة -الباردة-، ولكن مظاهر الهجوم الذي وقع في لبنان الأسبوع الماضي -الذي تبيّن بأنه هجوم يغلب عليه الطابع الاستخباراتي والتلاعب التقني المتعمّد- مختلفة عن أيّ هجوم سابق تقني بشكل عام أو سيبراني بشكل خاص، ويستدعي هذا أذهاننا إلى التساؤل عن مغزى هذا التوقيت وآلية الهجوم؛ فيراه بعضُ المحللين -من حيث البعد السياسي والعسكري- أنه مقدمات إلى حرب شاملة بين الكيان الإسرائيلي وحزب الله، ولكن التساؤل الذي يهمنا ويهم المهتمين بالشأن الرقمي يتمثّل في توقعاتنا عن ما يخفيه المستقبل القريب من صدامات قاتلة يُستعمل فيها التقنيات الرقمية والهجمات السيبرانية، وما هي التقنيات وأشكال عنفها المتوقعة التي يُحتمل وجودها ولم تستعمل بعد؟! لا نملك أجوبة قاطعة لهذه التساؤلات، ولكن من السهل أن نستوعب معادلة سهلة برهن التاريخ صحتها، وهي أن كثيرا من التطويرات التقنية بما فيها الرقمية لا تظهر علنا إلا بعد حين من الزمن، والأرجح بعد استنفاد استعمالاتها سرا وتطوير أنظمة أكثر تقدما، ولنا أمثلة واقعية في مشروعات تقنية مثل الإنترنت الذي طُوّرَ في ستينيات القرن المنصرم وظل استعماله حتى بداية تسعينيات القرن العشرين حكرا على الجيش الأمريكي، وكذلك الحال بالنسبة إلى نظام الملاحة -التموضع- العالمي «GPS» الذي كان أيضا بيد الجيش الأمريكي والمؤسسات الأمنية الأمريكية منذ سبعينيات القرن العشرين، ولكن بدأ بروزه الفعلي للعالم في تسعينيات القرن الماضي، وهكذا يكون الحال مع أنظمة الذكاء الاصطناعي التي خاضت تجربة الاحتكار العلمي من قبل المؤسسات العسكرية -خصوصا الأمريكية- ولم تظهر للعالم المفتوح إلا قبل سنوات قليلة. تستفز هذه الحقائق وأحداثها القديمة والحديثة -المرتبطة بالعلم وتفرعاته التقنية وأساليب احتكارها واستعمالها- أفكارنا المتضاربة بين التأثيرات المفاجئة التي تحدثها هذه التقنيات وبين ما هو قادم من أشكال هجومية غير متوقع حجم تأثيرها وزمنها، والأهم الذي نرغب في تحققه أن تستفز عقولنا المعطّلة؛ فنحن بحاجة ماسة إلى ثورة علمية تخرجنا من هذه المآزق التي تؤكد في كل مرة حجم مشكلاتنا الحضارية المتعلقة بالاستقلال المعرفي بكل تفرعاته؛ فنحن بحاجة عاجلة إلى تحقيق استقلالية علمية نصنع بواسطتها تقنياتنا بأنفسنا، ولهذه القضية سرد طويل لا تكفيه هذه السطور، وسبق أن تناولتها في مقال نشرته بجزءين -في جريدة عُمان- بعنوان «تأملات في محاكمة العقل العربي»، وحتى ذاك اليوم الذي يستفيق فيه العقل العربي وينهض؛ سنحتاج إلى ممارسة المزيد من الفطنة في تعاملاتنا مع التقنيات المستوردة بما في ذلك التي تتعلق بأمن البيانات والأنظمة الإلكترونية الدقيقة.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذه الأجهزة
إقرأ أيضاً:
فيلم اللّذة القاتلة.. إجازة عائلية تكشف عن أزمة الذات والتصدع الاجتماعي
ما بين دراما العائلات واستكشاف الأماكن يمكن النظر إلى العديد من الأفلام التي تستعرض تلك اليوميات الخاصة بأفراد العائلة في إطار من الروتين اليومي أو الفعاليات اليومية.
وهنا سوف تتفاوت دراميا الأهداف من وراء تلك الدراما التي سوف تتطور تدريجيا إلى نوع من الرضا والتسامح والتعاطي مع الأمر الواقع، مع أن الواقع يتكشف عن مشكلات وتعقيدات ما تلبث أن تتفجر وتنعكس على الشخصية الدرامية.
هذه المقدمة تنطبق على العديد من الأفلام التي تنتمي إلى هذا النوع، نذكر منها، فيلم "الطريق الذي سلكناه- 2009" وفيلم "السمكة الكبيرة 2003"، وفيلم "دان في حياته الحقيقية -2007"، وفيلم "صخرة العائلة – 2005"، وفيلم "هانا وأخواتها -1986"، وفيلم "بيت من أجل العطلة – 1996"، وفيلم "قابل الوالدين -2000"، وفيلم "راتشيل تتزوج – 2008"، وفيلم "حياة لا نهائية -2005" وغيرها من الأفلام...
واقعيا نحن أمام فيلم "اللذة القاتلة" للمخرجة نيل ستوفين وهو من إنتاج ألماني - فرنسي، وقد افتتح عرضه العالمي الأول في مهرجان برلين السينمائي الدولي الذي اختتم قبل أقل من شهر من الآن، وهو يحاكي إلى حد ما ذلك النوع من أفلام العائلات، كما انه من جهة أخرى يمزج ما بين الفانطازيا والرعب والجريمة في شكل سينمائي، يبني من جانب آخر على ما يمكن أن نسميه اختلاف الثقافات.
وإذا توقفنا عند هذه النقطة الأخيرة قبل أن نغوص عميقا في أحداث الفيلم، فإن سلسلة من الإحالات يمكن التوقف عندها، فالعائلة الألمانية ميسورة الحال قادمة لقضاء إجازتها في منطقة بجنوب فرنسا، وما أن تصل إلى ذلك البلد حتى تجد نفسها وسط موجات من التظاهرات في ذلك الوقت وكلها بالطبع تتعلق بتحسين الأحوال المعيشية.
هذا التمهيد وفيما العائلة محاصرة في داخل السيارة والمصادمات بين المتظاهرين ورجال الشرطة الفرنسية والضرب واستخدام الغازات تجري من حولهم، كلها صور ومشاهد تبدو وكأنها المرة الأولى التي تشاهدها العائلة وهو ما سوف تؤكده مرة أخرى في علاقتها مع طبقة صغار الموظفين التي تنظر إليها من الأعلى حتى تتسلط على العائلة فتاة تدعى تيودورا - الممثلة الإسبانية كارلا دياز التي سوف تتمكن من فرض الأمر الواقع على العائلة وتعيش في وسطهم بصفة مدبرة منزل ومن ثم تبدأ التسلل إلى حياة تلك الأسرة وصولا إلى تداعيات خطيرة لم تكن في الحسبان.
واقعيا نحن أمام قصة درامية تتكشف من خلالها شخصيات نستطيع أن نقول إنها تائهة وشبه منقطعة عن الواقع، فضلا عن تصدعات كانت متوارية وسرعان ما تتكشف تباعا، سواء في طبيعة العلاقة بين الزوجين والتي تتجلى من خلال العديد من المشاهد التي تجمع الزوجين القادمين من تلك الطبقة الموسرة، وهما اللذان يشعران كأن العائلة أصبحت مثل سمكة خارج الماء عندما وجدت نفسها على تماس مع طبقة الخدم ومشاهدة المتظاهرين ولاحقا انضمام تيدورا إلى العائلة من خلال الحادث المدبر الذي لفقته بحجة أنها صدمت بسيارة جون وفقدت وظيفتها بعد ذلك ومن ثم أصبح تسللها إلى العائلة في حكم الأمر الواقع.
يقول الناقد نيل بيثرو الناقد السينمائي في موقع سكرين رانت:" لا شك أن رسالة الفيلم تأتي هنا على شكل رمزية بصرية متميزة وحوارات متقنة، ولكن القصة والشخصيات تصبح تدريجيًا أقل تأثيرا للتعبير عن الفكرة الرئيسية للفيلم، رغم أن رسالته تبقى قوية ومؤثرة طوال الوقت.
القصة تأتي ثانوية مقارنةً برمزية الفيلم المتعددة الطبقات، والتي تُكرّر النقاط الواردة في المشهد الافتتاحي بطرق لافتة للنظر ويُعدّ هذا سلاحًا ذا حدين للفيلم. فبينما تُعدّ العناصر البصرية للفيلم مُكمّلًا مثاليًا للتعبير عن سردية الفيلم، إلا أن هذا المستوى نفسه من التفاعل لا يُترجم بشكل واحد من طرف الشخصيات".
أما الناقدة السينمائية كارينا بلوم في موقع ميت كريتيك فتقول: "على الرغم من أن الفيلم يُقدم على أنه دراما إثارة منزلية تقليدية، مدعومة بالمؤامرات، إلا أنه يصمد دراميا رغم بعض الحوارات غير المتقنة في مقابل المهارات الإخراجية التي تفوق النص المكتوب، ويمكن القول إن المخرجة قد نجحت في انتزاع أداء قوي من الممثلين، وإضفاء جو كثيف ومتوتر على القصة التقليدية، على خلفية براعة تصوير فرانك كريب".
لاشك أن تسلل تيدورا كان عبارة عن ثقب اسود كبير بدأت العائلة تدخله بالتدريج عندما استدرجت الزوجة تعبيرا عن سخطها من إخفاق زوجها وانضمامها إلى ثلة تيدورا من الشباب المنطلقين على دراجاتهم النارية ليلهم كنهارهم وخلال ذلك تفصح تيدورا بوضوح أنها تنتمي إلى جيل سوف يعجزون عن السيطرة عليه أو إدراك نواياه، وهو ما تشير من خلاله إلى الدوامة التي سوف يدخل فيها الجميع ولن يخرجوا منها بسلام.
إخراجيا عمدت المخرجة إلى بناء حلول جمالية وتعبيرية من خلال خطوط السرد المتعددة، إذ أتاحت لكل شخصية أن تعبر عن أزماتها الخاصة وحيث الصمت المطبق يخيم على الطفلين لكن شهادة الطفلة لوحدها التي لا تستمع إليها الأم كانت كفيلة بكشف نوايا تيدورا في التسلل إلى حياة العائلة سواء بسرقة هاتف الزوجة أو التفتيش في دولابها.
وهنا يمكننا التوقف عند التداعي المستمر للشخصيات ضمن نطاق السرد الفيلمي القائم على فكرتي الممكن والمتوقع والمبني على رغبات أكثرها يتميز بالأنانية وعدم الانفتاح على الآخر وهي ثغرات مهمة كانت كافية للكشف عن الشخصيات وهي في أشد أزماتها صعوبة حتى إذا انتقلنا إلى الحل الإخراجي وما رسمه السيناريو بأن تيدورا وأصحابها بالإضافة إلى التنسيق فيما بينهم للإيقاع بالضحايا إن هم إلا مجموعة من مصاصي الدماء وهو ما سوف يظهر في المشاهد الأخيرة، وفي الحقيقة إنه تفصيل لم يكن ذا قيمة مهمة على صعيد الدراما الفيلمية.
ومن جهة أخرى وجدنا أن جون وزوجته بما أوتيا من خبرات وتجارب وتاريخ مهني وطبقة أرستقراطية، إلا أنهما بديا شبه مغفلين وبالإمكان خداعهما والتلاعب بهما وخاصة من طرف تيدورا وأصدقائها وهو تضارب ملفت للنظر في بناء الشخصيتين، وربما كانت الطفلة أكثر يقظة من والديها اللذين سوف ينحدران تباعا في اللعبة التي يصنعها أصدقاء تيدورا وهي مفارقة درامية ملفتة للنظر واستثنائية.
لاشك أن الفيلم على بساطة الفكرة التي عالجها على صعيد هذا النوع من الدراما العائلية، إلا أنه امتزج بمعطيات كثيرة وتماهى مع فكرة فيلم الرعب والكوميديا السوداء وأفلام مصاصي الدماء في مزيج درامي جعل مسألة الاهتمام والمتابعة للأحداث مؤكدة ومثيرة للاهتمام لدى المشاهد.
...
سيناريو وإخراج/ نيل ستوفين
تمثيل/ فاليري باشنر في دور إستر، فخري يارديم في دور جون، كارلا دياز في دور تيودورا
مدير التصوير/ فرانك كريب
موسيقى/ فولكر برتيلمان
العرض الأول/ مهرجان برلين السينمائي الدولي - 2025
• اسم الفيلم تم تعديله من طرف نيتفليكس من اللذة إلى اللذة القاتلة.
• الفيلم ليس للمشاهدة العائلية.