لم نعتد أن نرى مشاهدَ عنيفة وقاتلة -بشكل مباشر- يمكن أن تحدث بسبب الحروب المرتبطة بأجهزتنا الإلكترونية والرقمية أو الاختراقات السيبرانية؛ إذ تكون أبعاد مثل هذه الحروب -في غالبها- التي تُستعمل فيها الأنظمة الرقمية في حدود التعطيل العسكري والاقتصادي عبر الولوج غير القانوني للبيانات واختراقها لهدف السرقة أو التعطيل المباشر وإحداث الخلل الفني أو الاقتصادي الذي يتردد بعض الخبراء أن يصفها بأنها جزءٌ من العمليات الحربية المباشرة، ولكن ما شاهدناه يوم الثلاثاء الماضي بتاريخ 17/9/2024 من هجوم -وُصفَ بدايةً بالسيبراني- استهدف -في مجمله- عناصر تابعة لحزب الله اللبناني نتج عنه بشكل مباشر استشهاد ما يقرب من12 شخصا من بينهم أطفال، وجرح ما يزيد عن 3000 نتيجة انفجار جهاز الاتصال اللاسلكي «البيجر» -من نوع «الووكي توكي» المعتمد لدى حزب الله نظرا لصعوبة اختراقه مقارنة بأجهزة الهاتف المحمولة سهلة الاختراق والهجوم السيبراني، وتبعه تفجيرات على أجهزة اتصال أكبر حجما يوم الأربعاء بتاريخ 18/9/2024م نتج عنه ما يزيد عن 20 شهيدا ومئات الجرحى.

تباينت التأويلات المفسّرة لهذا الهجوم ذي الطابع الإلكتروني والسيبراني الاستثنائي الذي لم يسبق أن يحدث من قبل بهذه الكيفية والتزامنية التي أوقعت خسائر كبيرة من حيث عدد القتلى والجرحى، وذهبت الاحتمالات الأولية إلى حدوث اختراق سيبراني من قبل الكيان الإسرائيلي قاد إلى التسبب في رفع درجة حرارة بطاريات أجهزة الاتصال المستهدفة وانفجارها، ولكن سرعان ما تبيّن عدم واقعية هذا التحليل بشكل جزئي من الناحية الفنية؛ فكانت درجة الانفجارات الموثّق بعضها توحي بوجود مادة متفجّرة وضعت داخل هذه الأجهزة، وأوضح بعدها حزب الله أنه حصل على هذه الأجهزة قبل عدة شهور؛ لتتضح خيوط الجريمة التي لم تكن تتطلب مهارة سيبرانية عالية لإحداث هذه الانفجارات لوجود مواد متفجرة صغيرة وضعت بجانب بطاريات أجهزة الاتصال، وأن جلّ ما قام به الكيان الصهيوني إما ببرمجة مسبّقة لتوقيت زمن الانفجارات في هذه الأجهزة، أو قيامهم بقرصنة سيبرانية لهذه الأجهزة عبر ترددات الراديو وإعطاء أمر الانفجار للنظام الإلكتروني المرتبط بالمادة المتفجرة، وبتعدد هذه الأساليب؛ فإن هدف الكيان يكمن بشكل رئيس في ممارسة حرب نفسية، ويحاول أن يُعيد عبر هذه العملية شيئًا من هيبته الاستخباراتية التي أسقطت المقاومة الفلسطينية هيبتها الزائفة وعرّتها أمام العالم. تتصاعد مع مشاهد الحروب السيبرانية مثل التي حصلت في لبنان مخاوف كثيرة يمكن لأي إنسان أن يتفاعل معها، وتستفيض منها عدّة أسئلة مثل: ماذا عن الأجهزة الإلكترونية الأخرى مثل الهواتف -التي بحوزة الجميع- وأجهزة التلفاز وغيرها من الأجهزة؟ أيمكن أنها أيضا من ضمن الأهداف القابلة للتفجير التي وضعها الكيان الإسرائيلي وحلفاؤه في الغرب، وأنها تنتظر زمنها المناسب في أعمال تفجيرية مشابهة لحادثة تفجير «البيجر»؟

سبق أن شهدنا هجمات سيبرانية كثيرة منها ما استعمل في الحروب الباردة بين الدول، ومنها عدة هجمات عبر فيروسات رقمية هاجم بها الكيانُ الصهيوني أجهزةَ الطرد المركزي في المفاعلات النووية الإيرانية الخاصة بتخصيب اليورانيوم، ولكن نتائج مثل هذه الهجمات لم تتعدَ -بصورة عامة- الخسائر المادية وتعطيل النشاط النووي بشكل جزئي، ويمكن أن نعتبر مثل هذه الهجمات السيبرانية جزءا من عمليات الحروب سواء المباشرة أو غير المباشرة -الباردة-، ولكن مظاهر الهجوم الذي وقع في لبنان الأسبوع الماضي -الذي تبيّن بأنه هجوم يغلب عليه الطابع الاستخباراتي والتلاعب التقني المتعمّد- مختلفة عن أيّ هجوم سابق تقني بشكل عام أو سيبراني بشكل خاص، ويستدعي هذا أذهاننا إلى التساؤل عن مغزى هذا التوقيت وآلية الهجوم؛ فيراه بعضُ المحللين -من حيث البعد السياسي والعسكري- أنه مقدمات إلى حرب شاملة بين الكيان الإسرائيلي وحزب الله، ولكن التساؤل الذي يهمنا ويهم المهتمين بالشأن الرقمي يتمثّل في توقعاتنا عن ما يخفيه المستقبل القريب من صدامات قاتلة يُستعمل فيها التقنيات الرقمية والهجمات السيبرانية، وما هي التقنيات وأشكال عنفها المتوقعة التي يُحتمل وجودها ولم تستعمل بعد؟! لا نملك أجوبة قاطعة لهذه التساؤلات، ولكن من السهل أن نستوعب معادلة سهلة برهن التاريخ صحتها، وهي أن كثيرا من التطويرات التقنية بما فيها الرقمية لا تظهر علنا إلا بعد حين من الزمن، والأرجح بعد استنفاد استعمالاتها سرا وتطوير أنظمة أكثر تقدما، ولنا أمثلة واقعية في مشروعات تقنية مثل الإنترنت الذي طُوّرَ في ستينيات القرن المنصرم وظل استعماله حتى بداية تسعينيات القرن العشرين حكرا على الجيش الأمريكي، وكذلك الحال بالنسبة إلى نظام الملاحة -التموضع- العالمي «GPS» الذي كان أيضا بيد الجيش الأمريكي والمؤسسات الأمنية الأمريكية منذ سبعينيات القرن العشرين، ولكن بدأ بروزه الفعلي للعالم في تسعينيات القرن الماضي، وهكذا يكون الحال مع أنظمة الذكاء الاصطناعي التي خاضت تجربة الاحتكار العلمي من قبل المؤسسات العسكرية -خصوصا الأمريكية- ولم تظهر للعالم المفتوح إلا قبل سنوات قليلة. تستفز هذه الحقائق وأحداثها القديمة والحديثة -المرتبطة بالعلم وتفرعاته التقنية وأساليب احتكارها واستعمالها- أفكارنا المتضاربة بين التأثيرات المفاجئة التي تحدثها هذه التقنيات وبين ما هو قادم من أشكال هجومية غير متوقع حجم تأثيرها وزمنها، والأهم الذي نرغب في تحققه أن تستفز عقولنا المعطّلة؛ فنحن بحاجة ماسة إلى ثورة علمية تخرجنا من هذه المآزق التي تؤكد في كل مرة حجم مشكلاتنا الحضارية المتعلقة بالاستقلال المعرفي بكل تفرعاته؛ فنحن بحاجة عاجلة إلى تحقيق استقلالية علمية نصنع بواسطتها تقنياتنا بأنفسنا، ولهذه القضية سرد طويل لا تكفيه هذه السطور، وسبق أن تناولتها في مقال نشرته بجزءين -في جريدة عُمان- بعنوان «تأملات في محاكمة العقل العربي»، وحتى ذاك اليوم الذي يستفيق فيه العقل العربي وينهض؛ سنحتاج إلى ممارسة المزيد من الفطنة في تعاملاتنا مع التقنيات المستوردة بما في ذلك التي تتعلق بأمن البيانات والأنظمة الإلكترونية الدقيقة.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه الأجهزة

إقرأ أيضاً:

الإسكان: إجراء القرعة السابعة على الأراضي التي تم توفيق أوضاعها بالعبور الجديدة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

صرح المهندس شريف الشربيني، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، بأنه تم إجراء القرعة العلنية اليدوية السابعة لتسكين العملاء الذين قاموا بسداد المقدمات المطلوبة للمساحات التي تم توفيق أوضاعهم بها حتى يوم الخميس 12 سبتمبر 2024، وذلك في نطاق جمعية الأمل "سابقاً" بمدينة العبور الجديدة.
وأشار وزير الإسكان إلى أن ذلك يأتي في إطار تكثيف الجهود المبذولة لتسريع إجراءات تقنين الأراضي المضافة لأحوزة عددٍ من المدن الجديدة، وضمان إتمام عمليات التقنين بسلاسة وفقاً للمعايير القانونية، ضمن خطة الدولة التي تهدف إلى تلبية احتياجات المواطنين من الأراضي السكنية، وتوفير المسكن الملائم وفقاً لرؤية التنمية المستدامة.
وأوضح الدكتور مهندس أحمد إسماعيل جبر، رئيس جهاز تنمية مدينة العبور الجديدة، أن هذه القرعة تأتي كخطوة هامة لتسكين العملاء ضمن شرائح المساحات المتاحة التي تشمل (209م2 - 276م2 - 350م2 - 400م2 - 450م2 - 500م2 )، وتمثل جزءاً من الجهود المتواصلة التي يبذلها الجهاز لتحقيق العدالة والشفافية في توزيع الأراضي على المواطنين، وحرص الجهاز على تسليم الأراضي للمواطنين المستحقين بأسرع وقت ممكن.
ولفت رئيس جهاز تنمية مدينة العبور الجديدة إلى أنه تم توفير جميع المتطلبات الأساسية لضمان جاهزية الأراضي وتسليمها للمواطنين في أسرع وقت ممكن.
ومن الجدير بالذكر أن القرعة أقيمت في مقر جهاز مدينة العبور الجديدة بحضور المحاسب إيهاب المراكبي، مساعد نائب رئيس الهيئة لقطاع الشئون العقارية والتجارية، والمهندسة عزة رمضان، رئيس الإدارة المركزية لقطاع الشئون العقارية والتجارية، والمحاسب محمد عبد الحميد، رئيس الإدارة المركزية لقطاع الشئون العقارية والتجارية، والمستشار مؤمن محمود، ممثل مجلس الدولة، والدكتور أحمد رضا عمارة، مدير عام العقود وتسوية المنازعات، والمحاسب  محمد خيري معروف، معاون نائب رئيس الهيئة لقطاع الشئون العقارية،  وعدد من المسئولين والعاملين في القطاع العقاري برئاسة الهيئة.
وشهدت القرعة حضور عددٍ كبيرٍ من العملاء الذين تابعوا عملية السحب وتلقوا إخطارات التخصيص بعد انتهاء القرعة في أجواء مليئة بالفرحة والتفاؤل، حيث أشاد المواطنون بالجهود التي بذلها الجهاز لتنفيذ القرعة بهذا المستوى من الشفافية والعدالة، معبرين عن رضائهم وثقتهم في أداء الهيئة.

مقالات مشابهة

  • السيطرة على حريق داخل مصنع بالمنطقة الصناعية بسوهاج الجديدة
  • طريق الشعب .. المنارة التي لن تخفيها البنايات الشاهقة وناطحات السحاب الجديدة ..!
  • برلمانية: مصر من أوائل الدول التي تبنت الأجندة التنموية الحضرية الجديدة
  • القاعدة تشن هجومًا مفاجئًا على عدن: هل تكون هي البداية الجديدة التي يسعى اليها التحالف؟
  • كاتب صحفي: أمريكا تتأهب لصد الهجمات السيبرانية على الانتخابات
  • القوات دان الحملة على الجيش: محاولة للانقضاض على آخر المؤسسات التي تعطي أملا للبنانيين
  • كارثة لم يسبق لها نظير في تاريخ البلاد.. اسعار الصرف تهوي بشكل مدوي مع اعلان محلات الصرافة الاسعار الجديدة اليوم
  • إجراء القرعة السابعة على الأراضي التي تم توفيق أوضاعها بالعبور الجديدة
  • الإسكان: إجراء القرعة السابعة على الأراضي التي تم توفيق أوضاعها بالعبور الجديدة
  • سماحة المفتي يشيد بالمقاطعـة الصامدة للشركات التي تدعم الكيـان الصهيــوني.. عاجل