لجريدة عمان:
2025-04-29@04:56:33 GMT

المأساة بدأت من بغداد

تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT

ظل العرب طوال عقود يتحدث ساستهم وإعلامهم عن القضية الفلسطينية باعتبارها قضيتهم الأساسية، وعلى الرغم مما بذلوه من جهود دبلوماسية وسياسية إلا أن ذلك كله لم يسفر عن نتائج إيجابية على أرض الواقع، وإن كانوا لم يتخلوا عن قولهم دائما بأن فلسطين هي قضيتهم الكبرى، أعتقد أن اجتياح القوات الأمريكية للعاصمة العراقية بغداد ( مارس ٢٠٠٣ ) كان البداية الفارقة ليس على مستقبل القضية الفلسطينية فقط، وإنما على مستقبل العالم العربي كله، فقد أستُبيح العراق أرضا وشعبا ودخل الصراع الإقليمي في المنطقة نحو مرحلة جديدة، بعدها سقطت أنظمة عربية وسقطت معها أوطان، ودخل العرب في أُتون أزمات متلاحقة كان صانعها ومخططها الولايات المتحدة الأمريكية، بدعم من بعض قادة أوطاننا العربية، وما تزال تلك الأزمات تتلاحق، وما يزال الصراع محتدماً على أشده، ولعل من بين ما نتج عن اجتياح القوات الأمريكية للعراق أن البعض من قادة دولنا العربية قد أصبحوا على يقين بأن الاستقواء بأمريكا هو الضامن الرئيس لبقائهم، مسيطرين على مقاليد الحكم، ومن الطبيعي أن تكون إسرائيل باعتبارها الوكيل الرسمي للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، لذا حرص قادتنا على دعم علاقتهم بهذا الوكيل وتطوير تلك العلاقات لكي تصبح علاقات إستراتيجية على حد تصريحهم.

لقد وجد الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية أن ظهورهم قد أصبحت عارية من أي دعم عربي حقيقي، وما حدث في ٧ أكتوبر الماضي كان بمثابة تعبير عن حالة اليأس، بعد أن فقد الفلسطينيون كل أمل في الحصول على حقوقهم بكل الطرق الدبلوماسية، رغم أن قرار الحرب جاء في وقت خطير، فقد كانوا يعيشون في ظل حصار أفقدهم كل وسائل الحياة من الغذاء والدواء، إلا أن المقاومة الفلسطينية لم تضع أي اعتبار لكل تلك المخاطر الكبيرة، لذا تسلحوا بإيمانهم العظيم وحقهم في وطن راح يتراجع المدافعون عنه بشكل ملحوظ، وقد تأكدوا بأن كل المحيط العربي قد تخلى عن قضيتهم، وعليهم أن يخوضوا وحدهم حربا شريفة دفاعا عن وجودهم، وقد مضى على تلك الحرب ما يقرب من العام خاض فيه الفلسطينيون حربا قاسية، وبصدور عارية استشهد ما يقرب من خمسين ألفا، وضعفهم من المصابين وهُدمت مدنهم ومساكنهم، وأصبحت غزة على حد تعبير المراقبين الأجانب بمثابة أطلال لا تصلح للحياة، ورغم ذلك فما يزال الفلسطينيون يواجهون عدوهم من خلف الأنقاض، إلا أنهم لم يفقدوا الأمل شعورا منهم بأن الأوطان الغالية تحتاج إلى تضحيات غالية، وقد تسلحوا بتجارب كثيرة عن أوطان مرت بتلك التجارب، وخاضت حروبا متواصلة في سبيل الحصول على حريتها، وهم على علم بأن قضيتهم وحدها هي القضية التي ما تزال تقع في دائرة النسيان، في الوقت الذي يحظى فيه عدوهم بدعم أمريكي وأوروبي غير مسبوق في تاريخ هذا الصراع.

لن يرحم التاريخ كل من تخلى عن القضية الفلسطينية، وكل من تسابق في تطوير علاقات استراتيجية مع العدو الأول للعرب، ولن يرحم التاريخ كل من طالبوا ودعموا اجتياح القوات الأمريكية للأرض العراقية واستباحتها وتفجير كل تناقضاتها الدينية والعرقية والسياسية، وانقسام العراقيين وصراعاتهم على قضايا كثيرة من قبيل الهوية وعلاقات العراق الإقليمية ونظام الحكم، وهو ما أدخل هذا البلد العربي الكبير في فوضى ما يزال العراقيون يدفعون ثمنها من دمائهم واقتصادهم وأمنهم وتعليم أبنائهم، ولن يغفر التاريخ كل من شارك في هذه المأساة الكبرى والرهان على سقوط النظام العراقي السابق، وتَعجل العرب في استقدام الجيوش الأمريكية وحلفائها لإسقاط النظام العراقي، أعتقد أنه كان في استطاعة العقلاء من العرب بذل المزيد من الدبلوماسية والجهد في سبيل تراجع صدام عن طموحاته، لكن القبول بضياع العراق وافتقاد استقلاله كان ثمّنا باهظا لم يستعد العراق إلى الآن عافيته بعد، ولم يتمكن العرب حتى اليوم من استعادة روحهم المسلوبة.

إذا كانت القضية الفلسطينية قد امتدت ٧٦ عاماً وخلال هذه السنوات كان العرب يعتبرونها قضيتهم المركزية أما وقد وجدوا في حليفهم الكبير عوناً لهم بصرف النظر عن موقف شعوبهم مراهنين في كل سياساتهم على حليفهم الكبير، الذي تعد إسرائيل بمثابة أهم ركائزه، بل ربما أكثر من ذلك بعد أن صرح رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بايدن في خضم الصراع الدائر في غزة والضفة قائلا: «إذا لم تكن إسرائيل قد وُجدت فقد كنا سنسعى جاهدين إلى وجودها»، هذه هي الحقيقة التي كان يعرفها جمال عبد الناصر منذ خمسينيات القرن الماضي، إلا أن قادتنا الجدد قد أعلنوا تخليهم عنها تماما، مكتفين أحيانا بإمداد الجوعى والمحتاجين من فتات غذائهم، ووسط كل هذه المأساة الكبرى يخرج علينا بعض إعلام بني جلدتنا يلقون باللائمة على المقتول والجريح بدلا من إدانة القاتل، الذي ما يزال يواصل عدوانه في ظل دعم أمريكي وغربي لا نظير له في تاريخ هذا الصراع.

حينما تقوم بعض القوى الإقليمية بدورها للدفاع عن مأساة الفلسطينيين في غزة والقطاع لم يكتف البعض بالصمت والخجل وإنما تخرج علينا الكتائب الإلكترونية ووسائل الإعلام بالنيل من هذا الدعم، والاستخفاف والاستهانة بما تقدمه بعض القوى للدفاع عن الفلسطينيين، كان آخرها الصاروخ الذي أطلقه اليمنيون وطال قلب العاصمة تل أبيب، وجعل الشعب الإسرائيلي يهرع إلى الملاجئ وهو في حالة من الهلع والخوف، أليس ذلك دعما للفلسطينيين؟ وهل تستطيع إسرائيل البقاء في ظل ما تواجهه من مقاومة ربما تمتد إلى أماكن أخرى جميعها تنتفض غضبا بسبب ما يحدث في غزة والضفة الغربية من مآس نشاهدها في مشاهد حية على كل وسائل الإعلام.

القضية الهامة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو تخلي العرب وضعفهم وهوانهم على أعدائهم، وعدم رغبتهم في قراءة المشهد البائس الناجم عن استقوائهم بعدوهم الحقيقي، وكنت قد كتبت من قبل.. إذا نجحت إسرائيل في القضاء على الفلسطينيين فربما تنفرد بأوطان أخرى وبدعم أمريكي أيضا، الأمر خطير والمستقبل غامض وبائس.

د. محمد صابر عرب أكاديمي وكاتب مصري

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة ما یزال إلا أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

إلى أين يتجه مسار الصراع المتصاعد بين واشنطن والحوثيين؟

صنعاء- يشهد الصراع بين أميركا والحوثيين تصعيدا ملحوظا بعد نحو 6 أسابيع من استئناف هجمات واشنطن على اليمن بأمر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وخلال الأسبوع الأخير، شنت المقاتلات الأميركية 260 غارة على اليمن، ما يرفع إجمالي الضربات منذ 15 مارس/آذار الماضي إلى 1200 غارة، بحسب كلمة زعيم جماعة أنصار الله عبد الملك الحوثي مساء الخميس.

وقلّل الحوثي -في كلمته المصورة التي استمرت أكثر من ساعة- من جدوى غارات واشنطن، قائلا إنها "فشلت في الحد من قدراتنا العسكرية أو منع عمليات اليمن"، متوعدا بأن قوات الجماعة "في مسار تصاعدي".

ويأتي خطاب زعيم الحوثيين بعد أيام من تهديد رئيس المجلس السياسي الأعلى للجماعة مهدي المشاط "باستهداف شركات النفط والأسلحة الأميركية"، كما أعلنت الجماعة عن "فرض عقوبات على 15 شركة أسلحة أميركية، وأدرجتها ضمن قائمة الداعمين للاحتلال الإسرائيلي".

وأثارت التهديدات الحوثية انتباه الرأي العام في اليمن، بين ساخر من مدى إمكانية فرض عقوبات على أميركا، ومن يعتقد أن الجماعة قد تبدو جادة في استهداف مصالح واشنطن بالمنطقة، بغض النظر عن "حديث العقوبات".

في المقابل، تجاهلت الولايات المتحدة هذه التهديدات، وواصلت أمس الجمعة شن غاراتها على أكثر من منطقة خاضعة لسيطرة الحوثيين باليمن، حسب رصد الجزيرة نت.

إعلان

بدورها، نقلت وكالة "أسوشيتد برس"، أمس الجمعة، عن مسؤولين بوزارة الدفاع الأميركية أن إسقاط 3 مسيّرات أميركية الأسبوع الماضي يشير إلى تقدم باستهداف المسيّرات فوق اليمن، وقال هؤلاء المسؤولون إن الحوثيين أسقطوا 7 مسيّرات أميركية بقيمة 200 مليون دولار خلال 6 أسابيع.

"يا غزة يا جند الله .. معكم حتى نلقى الله"
أمثل هذا الهتاف المليوني المزلزل قد شاهدتم مواساة هي أصدق ونصرة هي أشجع لغزة؟
مليونية " ثابتون مع غزة.. رغم أنف الأمريكي وجرائمه " #صنعاء #ميدان_السبعين pic.twitter.com/v6TI2TZyWF

— قناة المسيرة (@TvAlmasirah) April 25, 2025

التصعيد بالتصعيد

سبق أن أكدت جماعة الحوثي مرارا أن وقف عملياتها في البحر الأحمر مشروط بوقف "العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة". بينما تشدد الولايات المتحدة على أن هجماتها ضد الحوثيين ستتوقف إذا "عادت حرية الملاحة وتوقفت هجمات الجماعة".

وبشأن مسار هذا الصراع، يقول القيادي الحوثي البارز حميد عاصم "ليس لدى قواتنا إلا الدفاع عن الوطن ومقدراته وبناه التحتية، وقصف الأهداف الأميركية الإستراتيجية والحيوية أينما وجدت وأينما طالتها أيدينا، لأن ذلك حق مشروع لنا، سواء كانت أهدافا نفطية أو غيرها".

وفي تصريحات للجزيرة نت أوضح عاصم -الذي سبق أن شارك في فريق الحوثيين المفاوض- "ما نقوم به يأتي في إطار حق الدفاع وإلحاق الضرر بالعدو الأميركي، لأنه معتد على اليمن، وهو من جاء إلى مياهنا الإقليمية لشن العدوان، محاولا ثني اليمن عن إسناد أهلنا في غزة وفي كل فلسطين".

وشدد على أن "اليمن اليوم لا يزال في المرحلة الخامسة من التصعيد، وهي مراحل مدروسة وإستراتيجية لقواتنا"، مرجحا حدوث تصعيد خلال الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة حتى وقف العدوان في غزة ورفع الحصار عنها وإدخال كل مستلزمات الحياة للقطاع.

وتابع أنه "يجب أن يعرف العالم أن الحرب مشتعلة بين اليمن والإدارة الأميركية منذ 6 أسابيع، استخدم فيها العدو الأميركي الصواريخ والطيران والبوارج في قصف اليمن".

إعلان

وأضاف "نحن نقوم باستخدام قواتنا في الدفاع عن وطننا، ونقصف البوارج والمدمرات الأميركية، ونرسل الصواريخ للأراضي العربية المحتلة، وسنقابل التصعيد بالتصعيد".

وفي رسالته للإدارة الأميركية، قال عاصم "الفعل اليوم قد تجاوز مراحل التهديدات، وما تم إسقاطه من طائرات التجسس الأميركية في سماء اليمن وقصف حاملات الطائرات خير دليل على ذلك".

حطام طائرة أميركية تم إسقاطها في أغسطس/آب الماضي بمحافظة صعدة (الإعلام الحربي اليمني) مسار مرهون

ترى واشنطن أن الحوثيين يمثلون "ذراعا إيرانية في اليمن"، ففي مارس/آذار الماضي قال ترامب إن "طهران ستتحمل المسؤولية عن أي هجمات تنفذها جماعة الحوثيين"، كما يرهن متابعون للشأن موقف الجماعة بمسار المفاوضات الجارية بين إيران والولايات المتحدة، وكذلك بما يجري في قطاع غزة.

وفي السياق، يرى الباحث اليمني عادل دشيلة أن "الحوثي لا يريد أن يعكر الحوار الجاري بين طهران وواشنطن، لأن أي استهداف للمصالح الأميركية في المنطقة في الوقت الراهن سيلقي بظلاله على المفاوضات بين الطرفين".

وفي تعليق للجزيرة نت، أضاف دشيلة، وهو زميل ما بعد الدكتوراه بالمركز الشرق أوسطي للأبحاث التابع لجامعة كولومبيا، أنه "في حال وصلت أميركا وإيران إلى طريق مسدود في الحوار الجاري، وأصبح التصعيد العسكري عنوان المرحلة، فقد يستهدف الحوثي المصالح والشركات الأميركية، خصوصا إذا كان يمتلك أسلحة إستراتيجية إيرانية مخزنة لم تستهدفها الضربات الأميركية بعد".

3 سيناريوهات

مع استمرار التصعيد بين واشنطن والحوثي، يتوقع الصحفي عدنان الجبرني، المتخصص في الشؤون العسكرية وجماعة الحوثي، 3 سيناريوهات محتملة لمستقبل المواجهات بين الطرفين تحدث عنها للجزيرة نت:

السيناريو الأول يتمثل بتطوير الولايات المتحدة لأسلوبها الحالي ليصبح أكثر كفاءة وفهما لطريقة عمل وتكتيك الحوثي. وبالتالي الاستمرار حتى إضعاف الجماعة بشكل فعلي، مشيرا إلى أن "هذا يتطلب وقتا، وإن تم ستكون نتيجته مؤقتة، وستعود الجماعة لبناء بعض القدرات التي تشكل خطرا مستمرا". أما السيناريو الثاني، فيعتقد الجبرني أن واشنطن قد تعيد تقييم نتائج هجماتها مستخلصة ضرورة الذهاب نحو عملية جوية وبرية مدمجة، تشترك فيها القوات المحلية اليمنية التي تنتظر فرصة مثل هذه من قبل حرب غزة بـ9 سنوات. وفي السيناريو الثالث يتوقع الجبرني أن تتوقف العمليات بين الجانبين، بصفقة إقليمية تشمل وقف الحرب في غزة، وبالتالي نزع المبرر الأساسي بشكل يتيح للحوثي شكليا إعلان إيقاف عملياته. إعلان

ويواصل الجبرني شرح هذا السيناريو قائلا إن "أميركا قد تفضّل التوقف عن عملياتها لتعود لاحقا بشكل أكثر كفاءة"، لافتا إلى أن "هذا المسار يواجه عقبات، أهمها كيف ستفكر إسرائيل بتصفية حسابها الخاص مع الحوثي بمعزل عما يجري في غزة".

مقالات مشابهة

  • الغموض يكتنف مصير قائد القيادة المركزية الأمريكية بعد هجوم يمني على حاملة طائراته
  • في ذكرى ميلاده.. نور الشريف أيقونة الحب والفن الخالد مع بوسي
  • مصرع سيدة فى ضواحى محافظة بورسعيد
  • السودان.. الحرب المنسية وخطر الغياب الدولي
  • إعلامي: تجربة بيراميدز بدأت تؤتي ثمارها.. ويورشيتش يستحق الإشادة
  • عاجل. رغم الضربات الأمريكية... الحوثيون يعلنون إطلاق صاروخي باليستي على قاعدة نيفاتيم الجوية جنوب إسرائيل
  • باحث سياسي: الإدارة الأمريكية لا تضغط بجدية على إسرائيل لإنهاء حرب غزة
  • جهاد حرب: الإدارة الأمريكية ليست جادة في الضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب
  • سجن سياسي أمريكي بعد اعتدائه الجنسي على ابنته في عيد ميلادها
  • إلى أين يتجه مسار الصراع المتصاعد بين واشنطن والحوثيين؟