لجريدة عمان:
2024-09-21@20:27:15 GMT

المأساة بدأت من بغداد

تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT

ظل العرب طوال عقود يتحدث ساستهم وإعلامهم عن القضية الفلسطينية باعتبارها قضيتهم الأساسية، وعلى الرغم مما بذلوه من جهود دبلوماسية وسياسية إلا أن ذلك كله لم يسفر عن نتائج إيجابية على أرض الواقع، وإن كانوا لم يتخلوا عن قولهم دائما بأن فلسطين هي قضيتهم الكبرى، أعتقد أن اجتياح القوات الأمريكية للعاصمة العراقية بغداد ( مارس ٢٠٠٣ ) كان البداية الفارقة ليس على مستقبل القضية الفلسطينية فقط، وإنما على مستقبل العالم العربي كله، فقد أستُبيح العراق أرضا وشعبا ودخل الصراع الإقليمي في المنطقة نحو مرحلة جديدة، بعدها سقطت أنظمة عربية وسقطت معها أوطان، ودخل العرب في أُتون أزمات متلاحقة كان صانعها ومخططها الولايات المتحدة الأمريكية، بدعم من بعض قادة أوطاننا العربية، وما تزال تلك الأزمات تتلاحق، وما يزال الصراع محتدماً على أشده، ولعل من بين ما نتج عن اجتياح القوات الأمريكية للعراق أن البعض من قادة دولنا العربية قد أصبحوا على يقين بأن الاستقواء بأمريكا هو الضامن الرئيس لبقائهم، مسيطرين على مقاليد الحكم، ومن الطبيعي أن تكون إسرائيل باعتبارها الوكيل الرسمي للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، لذا حرص قادتنا على دعم علاقتهم بهذا الوكيل وتطوير تلك العلاقات لكي تصبح علاقات إستراتيجية على حد تصريحهم.

لقد وجد الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية أن ظهورهم قد أصبحت عارية من أي دعم عربي حقيقي، وما حدث في ٧ أكتوبر الماضي كان بمثابة تعبير عن حالة اليأس، بعد أن فقد الفلسطينيون كل أمل في الحصول على حقوقهم بكل الطرق الدبلوماسية، رغم أن قرار الحرب جاء في وقت خطير، فقد كانوا يعيشون في ظل حصار أفقدهم كل وسائل الحياة من الغذاء والدواء، إلا أن المقاومة الفلسطينية لم تضع أي اعتبار لكل تلك المخاطر الكبيرة، لذا تسلحوا بإيمانهم العظيم وحقهم في وطن راح يتراجع المدافعون عنه بشكل ملحوظ، وقد تأكدوا بأن كل المحيط العربي قد تخلى عن قضيتهم، وعليهم أن يخوضوا وحدهم حربا شريفة دفاعا عن وجودهم، وقد مضى على تلك الحرب ما يقرب من العام خاض فيه الفلسطينيون حربا قاسية، وبصدور عارية استشهد ما يقرب من خمسين ألفا، وضعفهم من المصابين وهُدمت مدنهم ومساكنهم، وأصبحت غزة على حد تعبير المراقبين الأجانب بمثابة أطلال لا تصلح للحياة، ورغم ذلك فما يزال الفلسطينيون يواجهون عدوهم من خلف الأنقاض، إلا أنهم لم يفقدوا الأمل شعورا منهم بأن الأوطان الغالية تحتاج إلى تضحيات غالية، وقد تسلحوا بتجارب كثيرة عن أوطان مرت بتلك التجارب، وخاضت حروبا متواصلة في سبيل الحصول على حريتها، وهم على علم بأن قضيتهم وحدها هي القضية التي ما تزال تقع في دائرة النسيان، في الوقت الذي يحظى فيه عدوهم بدعم أمريكي وأوروبي غير مسبوق في تاريخ هذا الصراع.

لن يرحم التاريخ كل من تخلى عن القضية الفلسطينية، وكل من تسابق في تطوير علاقات استراتيجية مع العدو الأول للعرب، ولن يرحم التاريخ كل من طالبوا ودعموا اجتياح القوات الأمريكية للأرض العراقية واستباحتها وتفجير كل تناقضاتها الدينية والعرقية والسياسية، وانقسام العراقيين وصراعاتهم على قضايا كثيرة من قبيل الهوية وعلاقات العراق الإقليمية ونظام الحكم، وهو ما أدخل هذا البلد العربي الكبير في فوضى ما يزال العراقيون يدفعون ثمنها من دمائهم واقتصادهم وأمنهم وتعليم أبنائهم، ولن يغفر التاريخ كل من شارك في هذه المأساة الكبرى والرهان على سقوط النظام العراقي السابق، وتَعجل العرب في استقدام الجيوش الأمريكية وحلفائها لإسقاط النظام العراقي، أعتقد أنه كان في استطاعة العقلاء من العرب بذل المزيد من الدبلوماسية والجهد في سبيل تراجع صدام عن طموحاته، لكن القبول بضياع العراق وافتقاد استقلاله كان ثمّنا باهظا لم يستعد العراق إلى الآن عافيته بعد، ولم يتمكن العرب حتى اليوم من استعادة روحهم المسلوبة.

إذا كانت القضية الفلسطينية قد امتدت ٧٦ عاماً وخلال هذه السنوات كان العرب يعتبرونها قضيتهم المركزية أما وقد وجدوا في حليفهم الكبير عوناً لهم بصرف النظر عن موقف شعوبهم مراهنين في كل سياساتهم على حليفهم الكبير، الذي تعد إسرائيل بمثابة أهم ركائزه، بل ربما أكثر من ذلك بعد أن صرح رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بايدن في خضم الصراع الدائر في غزة والضفة قائلا: «إذا لم تكن إسرائيل قد وُجدت فقد كنا سنسعى جاهدين إلى وجودها»، هذه هي الحقيقة التي كان يعرفها جمال عبد الناصر منذ خمسينيات القرن الماضي، إلا أن قادتنا الجدد قد أعلنوا تخليهم عنها تماما، مكتفين أحيانا بإمداد الجوعى والمحتاجين من فتات غذائهم، ووسط كل هذه المأساة الكبرى يخرج علينا بعض إعلام بني جلدتنا يلقون باللائمة على المقتول والجريح بدلا من إدانة القاتل، الذي ما يزال يواصل عدوانه في ظل دعم أمريكي وغربي لا نظير له في تاريخ هذا الصراع.

حينما تقوم بعض القوى الإقليمية بدورها للدفاع عن مأساة الفلسطينيين في غزة والقطاع لم يكتف البعض بالصمت والخجل وإنما تخرج علينا الكتائب الإلكترونية ووسائل الإعلام بالنيل من هذا الدعم، والاستخفاف والاستهانة بما تقدمه بعض القوى للدفاع عن الفلسطينيين، كان آخرها الصاروخ الذي أطلقه اليمنيون وطال قلب العاصمة تل أبيب، وجعل الشعب الإسرائيلي يهرع إلى الملاجئ وهو في حالة من الهلع والخوف، أليس ذلك دعما للفلسطينيين؟ وهل تستطيع إسرائيل البقاء في ظل ما تواجهه من مقاومة ربما تمتد إلى أماكن أخرى جميعها تنتفض غضبا بسبب ما يحدث في غزة والضفة الغربية من مآس نشاهدها في مشاهد حية على كل وسائل الإعلام.

القضية الهامة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو تخلي العرب وضعفهم وهوانهم على أعدائهم، وعدم رغبتهم في قراءة المشهد البائس الناجم عن استقوائهم بعدوهم الحقيقي، وكنت قد كتبت من قبل.. إذا نجحت إسرائيل في القضاء على الفلسطينيين فربما تنفرد بأوطان أخرى وبدعم أمريكي أيضا، الأمر خطير والمستقبل غامض وبائس.

د. محمد صابر عرب أكاديمي وكاتب مصري

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة ما یزال إلا أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

باحث سياسي: إسرائيل تبحث عن أي انتصار.. وتذهب لتوسيع رقعة الصراع بالمنطقة (فيديو)

أكد الكاتب والباحث السياسي، أسعد بشارة، إن ماحدث في لبنان كارثة حقيقية بكل المقاييس، ويعكس مدى قدرة إسرائيل في الإختراق المعلوماتي.

وزير الداخلية اللبناني: نقوم بجهد استخباراتي استباقي لكشف أي عميل أو خرق أمني عبدالعاطي: مصر ضد أى سياسة أحادية تنال من استقرار ووحدة لبنان (فيديو)

وأضاف "بشارة"، خلال مداخلة هاتفية عبر فضائية "إكسترا نيوز"، اليوم السبت، أن هناك حزام ناري تنفذه إسرائيل على بلدات جنوب لبنان، مؤكدًا أن الكيان المُحتل يستدرج حزب الله لحرب كبيرة ومفتوحة.

ونوه الكاتب والباحث السياسي، بأن الرد من قبل حزب الله قريب وسيكون قوي، مشيرًا أن حسن نصر الله أعلنها قبل ذلك أن للحزب القدرة على قصف العمق الإسرائيلي.

وتابع "بشارة"، أن إسرائيل تبحث عن أي إنتصار، فقد دمرت غزة بشكل كامل، وتذهب حاليًا على الجنوب اللبناني لتوسيع رقعة الصراع في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • الاتحاد الأوروبي: القضية الفلسطينية عادت للطاولة بعد أحداث 7 أكتوبر
  • آفة الصحراء تهاجم مناطق العراق.. تتغذى على الخضروات وتعيد تكوين قدراتها
  • آفة الصحراء تهاجم مناطق العراق.. تتغذى على الخضروات وتعيد تكوين قدراتها - عاجل
  • باحث سياسي: إسرائيل تبحث عن أي انتصار.. وتذهب لتوسيع رقعة الصراع بالمنطقة (فيديو)
  • تصرفات متهورة من إسرائيل.. برلماني: مصر حذرت مرارًا من عواقب التصعيد في المنطقة
  • دبلوماسي إيراني: إسرائيل بحالة هستريا وتتسابق مع الأساطيل الأمريكية
  • مناظرة هاريس وترامب: آراء متباينة حول الصراع بين إسرائيل وحماس
  • شركة دلتا إيرلاينز الأمريكية تعلن وقف رحلاتها بين نيويورك وتل أبيب
  • تطور مفاجئ بالانتخابات الأمريكية.. مرشحة جديدة تتصدر استطلاعات الرأي بسبب العرب