لجريدة عمان:
2025-01-30@13:36:40 GMT

المأساة بدأت من بغداد

تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT

ظل العرب طوال عقود يتحدث ساستهم وإعلامهم عن القضية الفلسطينية باعتبارها قضيتهم الأساسية، وعلى الرغم مما بذلوه من جهود دبلوماسية وسياسية إلا أن ذلك كله لم يسفر عن نتائج إيجابية على أرض الواقع، وإن كانوا لم يتخلوا عن قولهم دائما بأن فلسطين هي قضيتهم الكبرى، أعتقد أن اجتياح القوات الأمريكية للعاصمة العراقية بغداد ( مارس ٢٠٠٣ ) كان البداية الفارقة ليس على مستقبل القضية الفلسطينية فقط، وإنما على مستقبل العالم العربي كله، فقد أستُبيح العراق أرضا وشعبا ودخل الصراع الإقليمي في المنطقة نحو مرحلة جديدة، بعدها سقطت أنظمة عربية وسقطت معها أوطان، ودخل العرب في أُتون أزمات متلاحقة كان صانعها ومخططها الولايات المتحدة الأمريكية، بدعم من بعض قادة أوطاننا العربية، وما تزال تلك الأزمات تتلاحق، وما يزال الصراع محتدماً على أشده، ولعل من بين ما نتج عن اجتياح القوات الأمريكية للعراق أن البعض من قادة دولنا العربية قد أصبحوا على يقين بأن الاستقواء بأمريكا هو الضامن الرئيس لبقائهم، مسيطرين على مقاليد الحكم، ومن الطبيعي أن تكون إسرائيل باعتبارها الوكيل الرسمي للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، لذا حرص قادتنا على دعم علاقتهم بهذا الوكيل وتطوير تلك العلاقات لكي تصبح علاقات إستراتيجية على حد تصريحهم.

لقد وجد الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية أن ظهورهم قد أصبحت عارية من أي دعم عربي حقيقي، وما حدث في ٧ أكتوبر الماضي كان بمثابة تعبير عن حالة اليأس، بعد أن فقد الفلسطينيون كل أمل في الحصول على حقوقهم بكل الطرق الدبلوماسية، رغم أن قرار الحرب جاء في وقت خطير، فقد كانوا يعيشون في ظل حصار أفقدهم كل وسائل الحياة من الغذاء والدواء، إلا أن المقاومة الفلسطينية لم تضع أي اعتبار لكل تلك المخاطر الكبيرة، لذا تسلحوا بإيمانهم العظيم وحقهم في وطن راح يتراجع المدافعون عنه بشكل ملحوظ، وقد تأكدوا بأن كل المحيط العربي قد تخلى عن قضيتهم، وعليهم أن يخوضوا وحدهم حربا شريفة دفاعا عن وجودهم، وقد مضى على تلك الحرب ما يقرب من العام خاض فيه الفلسطينيون حربا قاسية، وبصدور عارية استشهد ما يقرب من خمسين ألفا، وضعفهم من المصابين وهُدمت مدنهم ومساكنهم، وأصبحت غزة على حد تعبير المراقبين الأجانب بمثابة أطلال لا تصلح للحياة، ورغم ذلك فما يزال الفلسطينيون يواجهون عدوهم من خلف الأنقاض، إلا أنهم لم يفقدوا الأمل شعورا منهم بأن الأوطان الغالية تحتاج إلى تضحيات غالية، وقد تسلحوا بتجارب كثيرة عن أوطان مرت بتلك التجارب، وخاضت حروبا متواصلة في سبيل الحصول على حريتها، وهم على علم بأن قضيتهم وحدها هي القضية التي ما تزال تقع في دائرة النسيان، في الوقت الذي يحظى فيه عدوهم بدعم أمريكي وأوروبي غير مسبوق في تاريخ هذا الصراع.

لن يرحم التاريخ كل من تخلى عن القضية الفلسطينية، وكل من تسابق في تطوير علاقات استراتيجية مع العدو الأول للعرب، ولن يرحم التاريخ كل من طالبوا ودعموا اجتياح القوات الأمريكية للأرض العراقية واستباحتها وتفجير كل تناقضاتها الدينية والعرقية والسياسية، وانقسام العراقيين وصراعاتهم على قضايا كثيرة من قبيل الهوية وعلاقات العراق الإقليمية ونظام الحكم، وهو ما أدخل هذا البلد العربي الكبير في فوضى ما يزال العراقيون يدفعون ثمنها من دمائهم واقتصادهم وأمنهم وتعليم أبنائهم، ولن يغفر التاريخ كل من شارك في هذه المأساة الكبرى والرهان على سقوط النظام العراقي السابق، وتَعجل العرب في استقدام الجيوش الأمريكية وحلفائها لإسقاط النظام العراقي، أعتقد أنه كان في استطاعة العقلاء من العرب بذل المزيد من الدبلوماسية والجهد في سبيل تراجع صدام عن طموحاته، لكن القبول بضياع العراق وافتقاد استقلاله كان ثمّنا باهظا لم يستعد العراق إلى الآن عافيته بعد، ولم يتمكن العرب حتى اليوم من استعادة روحهم المسلوبة.

إذا كانت القضية الفلسطينية قد امتدت ٧٦ عاماً وخلال هذه السنوات كان العرب يعتبرونها قضيتهم المركزية أما وقد وجدوا في حليفهم الكبير عوناً لهم بصرف النظر عن موقف شعوبهم مراهنين في كل سياساتهم على حليفهم الكبير، الذي تعد إسرائيل بمثابة أهم ركائزه، بل ربما أكثر من ذلك بعد أن صرح رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بايدن في خضم الصراع الدائر في غزة والضفة قائلا: «إذا لم تكن إسرائيل قد وُجدت فقد كنا سنسعى جاهدين إلى وجودها»، هذه هي الحقيقة التي كان يعرفها جمال عبد الناصر منذ خمسينيات القرن الماضي، إلا أن قادتنا الجدد قد أعلنوا تخليهم عنها تماما، مكتفين أحيانا بإمداد الجوعى والمحتاجين من فتات غذائهم، ووسط كل هذه المأساة الكبرى يخرج علينا بعض إعلام بني جلدتنا يلقون باللائمة على المقتول والجريح بدلا من إدانة القاتل، الذي ما يزال يواصل عدوانه في ظل دعم أمريكي وغربي لا نظير له في تاريخ هذا الصراع.

حينما تقوم بعض القوى الإقليمية بدورها للدفاع عن مأساة الفلسطينيين في غزة والقطاع لم يكتف البعض بالصمت والخجل وإنما تخرج علينا الكتائب الإلكترونية ووسائل الإعلام بالنيل من هذا الدعم، والاستخفاف والاستهانة بما تقدمه بعض القوى للدفاع عن الفلسطينيين، كان آخرها الصاروخ الذي أطلقه اليمنيون وطال قلب العاصمة تل أبيب، وجعل الشعب الإسرائيلي يهرع إلى الملاجئ وهو في حالة من الهلع والخوف، أليس ذلك دعما للفلسطينيين؟ وهل تستطيع إسرائيل البقاء في ظل ما تواجهه من مقاومة ربما تمتد إلى أماكن أخرى جميعها تنتفض غضبا بسبب ما يحدث في غزة والضفة الغربية من مآس نشاهدها في مشاهد حية على كل وسائل الإعلام.

القضية الهامة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو تخلي العرب وضعفهم وهوانهم على أعدائهم، وعدم رغبتهم في قراءة المشهد البائس الناجم عن استقوائهم بعدوهم الحقيقي، وكنت قد كتبت من قبل.. إذا نجحت إسرائيل في القضاء على الفلسطينيين فربما تنفرد بأوطان أخرى وبدعم أمريكي أيضا، الأمر خطير والمستقبل غامض وبائس.

د. محمد صابر عرب أكاديمي وكاتب مصري

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة ما یزال إلا أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

نهاية الأصنام

تكشفت كل عورات الدعم السريع و بدأت في التساقط المتسارع عسكريا و سياسيا .. في ميادين القتال بدأت قواته في الإنهيار منذ فقدهم الجزيرة و ولايات الوسط ثم الخرطوم التي تتقدم فيها القوات المسلحة بإنتصارات يومية متتالية.

فقد التمرد الآلاف من المقاتلين و من العتاد و القادة و كان أخرهم جلحة الذي سقط أمس و معه قادة منهم من أبناء الرشايدة .. بين نيران الجيش و فقد القادة سادت اتهامات التخوين و العنصرية صفوف التمرد حيث يُتهم الماهرية باستهداف أبناء المسيربة.

تقدم الجيش و المشتركة عزز موجة التهديدات الفطيرة التي تصدر عنهم باكتساح الفاشر و شندي و عطبرة و بورتسودان .

لم يكتفوا بأصوات البراميل الفارغة بل سدروا في موجة واسعة من الأكاذيب و نكران الإنتصارات و غياب تسجيلات تقدمهم المزعوم.

البؤس الذي يعيشه التمرد حاليا لم يكن عسكريا فقط بل سياسيا و في العلاقات الخارجية ..

غاب عنهم حليفهم السياسي “تقدم” و فشل في إسعافهم بنصح سياسي يغطي هزائمهم و تراجعهم المشين .

عجز الحليف أن يعينهم بعلاقات خارجية تكف عنهم ما يلحق بهم و هم يعانون سكرات الموت ..

عجزت “تقدم” لأنها ليست في حال أفضل منهم و هي مقبلة علي عزل سياسي شعبي لها جراء مواقفها الداعمة للجنجويد و تبريرها للقتل و النهب و الإغتصابات البينة..

فشلت “تقدم” و هي تعاني من علامات و بدايات التشظي بعد عجزهم عن الإتفاق حول حكومة المنفي..

منذ نشأنها الأولى بعد ديسمبر و عندما بدأت بلافتة الحرية و التغيير و “قحت” ثم “تقدم” لم تنجح في قيادة الثورة و لا في مقاومة الحكم الذي أنشاته حينها.

لم تنجح “تقدم” في الإفادة من الدعم الدولي و لم تحقق هدفاً من معارضة الحكم و محاربة الجيش و موالاة التمرد..

كما إنتهت تقدم ينتهي و يموت الدعم السريع بذات الخطي.

إحتضرت و هي تحكم بديكتاتورية و هيمنة علي السلطة و المال مع الفساد الواسع…

كان الدعم السريع شبيهاً بحليفه فاعتمد سلطة البندقية و القتل و حكم القبيلة و الأسرة و سرقة المال العام و احتكار توزيعه فضاع غالبه في فساد الأسرة و شراء الذمم ..

تنتهي معاناة الشعب السوداني بحكم إدارة الجيش للبلاد بخطط عسكرية محكمة و سياسة خارجية رشيدة و جمع كلمة الشعب كله..

تشاء إرادة الله الغالبة أن يقدر للسودان أن يجمع كل مسببات الحرب ليحتفل الشعب السوداني كله قريبا بالتحرر من سطوة الجنجويد و تقدم فيجمع الله أقذارهم جميعها ثم يركمها في جهنم و بئس المصير .

راشد عبد الرحيم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • نهاية الأصنام
  • استدرجتها للغسالة..برازيلية تقتل ابنة زوجها
  • د. محمد خفاجى: 6 مبادئ كفيلة بحل الصراع الأبدى بين إسرائيل وفلسطين
  • «الإسراء والمعراج» .. واحتفالية الصراع
  • كلاس إلى بغداد فالدوحة للمشاركة في اجتماعات وزارية
  • «المصري للفكر والدراسات»: الفلسطينيون أدركوا حرص مصر على دعم قضيتهم
  • سياسيون: إسرائيل عدونا الأكبر نوايا ترامب تصفية القضية الفلسطينية
  • عمرو خليل: إسرائيل مستمرة في هدفها لتصفية القضية الفلسطينية.. ومصر حائط الصد الأول
  • مصر صوت العقل ويد العون في حرب غزة
  • حزب التجمع: مصر بلد مفتوحة لكل العرب ونرفض تصفية القضية الفلسطينية