لجريدة عمان:
2025-03-02@20:26:02 GMT

المأساة بدأت من بغداد

تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT

ظل العرب طوال عقود يتحدث ساستهم وإعلامهم عن القضية الفلسطينية باعتبارها قضيتهم الأساسية، وعلى الرغم مما بذلوه من جهود دبلوماسية وسياسية إلا أن ذلك كله لم يسفر عن نتائج إيجابية على أرض الواقع، وإن كانوا لم يتخلوا عن قولهم دائما بأن فلسطين هي قضيتهم الكبرى، أعتقد أن اجتياح القوات الأمريكية للعاصمة العراقية بغداد ( مارس ٢٠٠٣ ) كان البداية الفارقة ليس على مستقبل القضية الفلسطينية فقط، وإنما على مستقبل العالم العربي كله، فقد أستُبيح العراق أرضا وشعبا ودخل الصراع الإقليمي في المنطقة نحو مرحلة جديدة، بعدها سقطت أنظمة عربية وسقطت معها أوطان، ودخل العرب في أُتون أزمات متلاحقة كان صانعها ومخططها الولايات المتحدة الأمريكية، بدعم من بعض قادة أوطاننا العربية، وما تزال تلك الأزمات تتلاحق، وما يزال الصراع محتدماً على أشده، ولعل من بين ما نتج عن اجتياح القوات الأمريكية للعراق أن البعض من قادة دولنا العربية قد أصبحوا على يقين بأن الاستقواء بأمريكا هو الضامن الرئيس لبقائهم، مسيطرين على مقاليد الحكم، ومن الطبيعي أن تكون إسرائيل باعتبارها الوكيل الرسمي للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، لذا حرص قادتنا على دعم علاقتهم بهذا الوكيل وتطوير تلك العلاقات لكي تصبح علاقات إستراتيجية على حد تصريحهم.

لقد وجد الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية أن ظهورهم قد أصبحت عارية من أي دعم عربي حقيقي، وما حدث في ٧ أكتوبر الماضي كان بمثابة تعبير عن حالة اليأس، بعد أن فقد الفلسطينيون كل أمل في الحصول على حقوقهم بكل الطرق الدبلوماسية، رغم أن قرار الحرب جاء في وقت خطير، فقد كانوا يعيشون في ظل حصار أفقدهم كل وسائل الحياة من الغذاء والدواء، إلا أن المقاومة الفلسطينية لم تضع أي اعتبار لكل تلك المخاطر الكبيرة، لذا تسلحوا بإيمانهم العظيم وحقهم في وطن راح يتراجع المدافعون عنه بشكل ملحوظ، وقد تأكدوا بأن كل المحيط العربي قد تخلى عن قضيتهم، وعليهم أن يخوضوا وحدهم حربا شريفة دفاعا عن وجودهم، وقد مضى على تلك الحرب ما يقرب من العام خاض فيه الفلسطينيون حربا قاسية، وبصدور عارية استشهد ما يقرب من خمسين ألفا، وضعفهم من المصابين وهُدمت مدنهم ومساكنهم، وأصبحت غزة على حد تعبير المراقبين الأجانب بمثابة أطلال لا تصلح للحياة، ورغم ذلك فما يزال الفلسطينيون يواجهون عدوهم من خلف الأنقاض، إلا أنهم لم يفقدوا الأمل شعورا منهم بأن الأوطان الغالية تحتاج إلى تضحيات غالية، وقد تسلحوا بتجارب كثيرة عن أوطان مرت بتلك التجارب، وخاضت حروبا متواصلة في سبيل الحصول على حريتها، وهم على علم بأن قضيتهم وحدها هي القضية التي ما تزال تقع في دائرة النسيان، في الوقت الذي يحظى فيه عدوهم بدعم أمريكي وأوروبي غير مسبوق في تاريخ هذا الصراع.

لن يرحم التاريخ كل من تخلى عن القضية الفلسطينية، وكل من تسابق في تطوير علاقات استراتيجية مع العدو الأول للعرب، ولن يرحم التاريخ كل من طالبوا ودعموا اجتياح القوات الأمريكية للأرض العراقية واستباحتها وتفجير كل تناقضاتها الدينية والعرقية والسياسية، وانقسام العراقيين وصراعاتهم على قضايا كثيرة من قبيل الهوية وعلاقات العراق الإقليمية ونظام الحكم، وهو ما أدخل هذا البلد العربي الكبير في فوضى ما يزال العراقيون يدفعون ثمنها من دمائهم واقتصادهم وأمنهم وتعليم أبنائهم، ولن يغفر التاريخ كل من شارك في هذه المأساة الكبرى والرهان على سقوط النظام العراقي السابق، وتَعجل العرب في استقدام الجيوش الأمريكية وحلفائها لإسقاط النظام العراقي، أعتقد أنه كان في استطاعة العقلاء من العرب بذل المزيد من الدبلوماسية والجهد في سبيل تراجع صدام عن طموحاته، لكن القبول بضياع العراق وافتقاد استقلاله كان ثمّنا باهظا لم يستعد العراق إلى الآن عافيته بعد، ولم يتمكن العرب حتى اليوم من استعادة روحهم المسلوبة.

إذا كانت القضية الفلسطينية قد امتدت ٧٦ عاماً وخلال هذه السنوات كان العرب يعتبرونها قضيتهم المركزية أما وقد وجدوا في حليفهم الكبير عوناً لهم بصرف النظر عن موقف شعوبهم مراهنين في كل سياساتهم على حليفهم الكبير، الذي تعد إسرائيل بمثابة أهم ركائزه، بل ربما أكثر من ذلك بعد أن صرح رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بايدن في خضم الصراع الدائر في غزة والضفة قائلا: «إذا لم تكن إسرائيل قد وُجدت فقد كنا سنسعى جاهدين إلى وجودها»، هذه هي الحقيقة التي كان يعرفها جمال عبد الناصر منذ خمسينيات القرن الماضي، إلا أن قادتنا الجدد قد أعلنوا تخليهم عنها تماما، مكتفين أحيانا بإمداد الجوعى والمحتاجين من فتات غذائهم، ووسط كل هذه المأساة الكبرى يخرج علينا بعض إعلام بني جلدتنا يلقون باللائمة على المقتول والجريح بدلا من إدانة القاتل، الذي ما يزال يواصل عدوانه في ظل دعم أمريكي وغربي لا نظير له في تاريخ هذا الصراع.

حينما تقوم بعض القوى الإقليمية بدورها للدفاع عن مأساة الفلسطينيين في غزة والقطاع لم يكتف البعض بالصمت والخجل وإنما تخرج علينا الكتائب الإلكترونية ووسائل الإعلام بالنيل من هذا الدعم، والاستخفاف والاستهانة بما تقدمه بعض القوى للدفاع عن الفلسطينيين، كان آخرها الصاروخ الذي أطلقه اليمنيون وطال قلب العاصمة تل أبيب، وجعل الشعب الإسرائيلي يهرع إلى الملاجئ وهو في حالة من الهلع والخوف، أليس ذلك دعما للفلسطينيين؟ وهل تستطيع إسرائيل البقاء في ظل ما تواجهه من مقاومة ربما تمتد إلى أماكن أخرى جميعها تنتفض غضبا بسبب ما يحدث في غزة والضفة الغربية من مآس نشاهدها في مشاهد حية على كل وسائل الإعلام.

القضية الهامة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو تخلي العرب وضعفهم وهوانهم على أعدائهم، وعدم رغبتهم في قراءة المشهد البائس الناجم عن استقوائهم بعدوهم الحقيقي، وكنت قد كتبت من قبل.. إذا نجحت إسرائيل في القضاء على الفلسطينيين فربما تنفرد بأوطان أخرى وبدعم أمريكي أيضا، الأمر خطير والمستقبل غامض وبائس.

د. محمد صابر عرب أكاديمي وكاتب مصري

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة ما یزال إلا أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

"فتح": الحكومة الإسرائيلية الحالية "حكومة حرب" تهدف لتصفية القضية الفلسطينية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أكد عبد الفتاح دولة المتحدث باسم حركة "فتح"، أن الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو، "حكومة حرب" تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وتستهدف وجود الشعب الفلسطيني ودائما ما تسعى إلى إفشال كل اتفاق من شأنه يوقف العدوان على الشعب الفلسطيني.
وقال "دولة" - في مداخلة هاتفية لقناة النيل للأخبار اليوم السبت، "إن حكومة الاحتلال كانت تريد من اتفاق وقف إطلاق النار استرداد أسراها وبعد ذلك تواصل عدوانها مرة أخرى على الشعب الفلسطيني، ولكن حالة الضغط من الأشقاء في مصر وقطر والموقف الأمريكي عمل على دفع حكومة الاحتلال باتجاه توقيع الاتفاق الذي نفذ مرحلته الأولى بالرغم من تنصل نتنياهو من جزء من هذه المرحلة والمتعلق بإدخال البيوت المتنقلة "الكرفانات" ولكن تم الانتهاء من تلك المرحلة".

وأضاف أن الاحتلال يريد فرض شروط جديدة على استمرار وشكل الاتفاق في مراحله القادمة وربما يريد التنصل من الاتفاق ويضغط باتجاه تمديد المرحلة الأولى حتى يحصل على الأسرى قبل الدخول في أي مرحلة أخرى وتقديم التزامات أخرى وهذا لا ينسجم مع الاتفاق الذي تم توقيعه.

وأكد أنه على الولايات المتحدة الأمريكية الدفع بجانب الوسطاء وتدعم جهود مصر وقطر لإتمام الاتفاق الذي تم التوقيع عليه والذي يجب أن يكون ملزما ويتم تنفيذه حتى نصل إلى مرحلة وقف العدوان وقفا شاملا وانسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة، حتى يتسنى لنا فلسطينيا أن نعيد الحياة والإعمار الى قطاع غزة بعد أكثر من 15 شهرا من الحرب والدمار والإبادة الجماعية.
 

مقالات مشابهة

  • متى شهدت جوائز الأوسكار دعم القضية الفلسطينية وانتقاد الاحتلال الإسرائيلي؟
  • شيخ الأزهر: القضية الفلسطينية كادت أن تنسى والكيان تعرض للهزيمة من وجهة نظري
  • باحث: القضية الفلسطينية تتجه إلى منطقة ضبابية
  • "فتح": الحكومة الإسرائيلية الحالية "حكومة حرب" تهدف لتصفية القضية الفلسطينية
  • فتح: الحكومة الإسرائيلية الحالية «حكومة حرب» تهدف لتصفية القضية الفلسطينية
  • أستاذ علوم سياسية: مصر بذلت جهودا كبيرة لمساندة الفلسطينيين ودعم قضيتهم العادلة
  • إسكات التاريخ.. القضية الفلسطينية في كتب التاريخ المدرسية المصرية
  • أستاذ علوم سياسية: مصر لعبت دورًا محوريًا في دعم القضية الفلسطينية
  • كيف ستناور بغداد؟.. العقوبات القصوى قد تشمل العراق: الحكومة والحشد تحت وطأة الضغوط الأمريكية
  • كيف ستناور بغداد؟.. العقوبات القصوى قد تشمل العراق: الحكومة والحشد تحت وطأة الضغوط الأمريكية - عاجل