ظل العرب طوال عقود يتحدث ساستهم وإعلامهم عن القضية الفلسطينية باعتبارها قضيتهم الأساسية، وعلى الرغم مما بذلوه من جهود دبلوماسية وسياسية إلا أن ذلك كله لم يسفر عن نتائج إيجابية على أرض الواقع، وإن كانوا لم يتخلوا عن قولهم دائما بأن فلسطين هي قضيتهم الكبرى، أعتقد أن اجتياح القوات الأمريكية للعاصمة العراقية بغداد ( مارس ٢٠٠٣ ) كان البداية الفارقة ليس على مستقبل القضية الفلسطينية فقط، وإنما على مستقبل العالم العربي كله، فقد أستُبيح العراق أرضا وشعبا ودخل الصراع الإقليمي في المنطقة نحو مرحلة جديدة، بعدها سقطت أنظمة عربية وسقطت معها أوطان، ودخل العرب في أُتون أزمات متلاحقة كان صانعها ومخططها الولايات المتحدة الأمريكية، بدعم من بعض قادة أوطاننا العربية، وما تزال تلك الأزمات تتلاحق، وما يزال الصراع محتدماً على أشده، ولعل من بين ما نتج عن اجتياح القوات الأمريكية للعراق أن البعض من قادة دولنا العربية قد أصبحوا على يقين بأن الاستقواء بأمريكا هو الضامن الرئيس لبقائهم، مسيطرين على مقاليد الحكم، ومن الطبيعي أن تكون إسرائيل باعتبارها الوكيل الرسمي للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، لذا حرص قادتنا على دعم علاقتهم بهذا الوكيل وتطوير تلك العلاقات لكي تصبح علاقات إستراتيجية على حد تصريحهم.
لقد وجد الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية أن ظهورهم قد أصبحت عارية من أي دعم عربي حقيقي، وما حدث في ٧ أكتوبر الماضي كان بمثابة تعبير عن حالة اليأس، بعد أن فقد الفلسطينيون كل أمل في الحصول على حقوقهم بكل الطرق الدبلوماسية، رغم أن قرار الحرب جاء في وقت خطير، فقد كانوا يعيشون في ظل حصار أفقدهم كل وسائل الحياة من الغذاء والدواء، إلا أن المقاومة الفلسطينية لم تضع أي اعتبار لكل تلك المخاطر الكبيرة، لذا تسلحوا بإيمانهم العظيم وحقهم في وطن راح يتراجع المدافعون عنه بشكل ملحوظ، وقد تأكدوا بأن كل المحيط العربي قد تخلى عن قضيتهم، وعليهم أن يخوضوا وحدهم حربا شريفة دفاعا عن وجودهم، وقد مضى على تلك الحرب ما يقرب من العام خاض فيه الفلسطينيون حربا قاسية، وبصدور عارية استشهد ما يقرب من خمسين ألفا، وضعفهم من المصابين وهُدمت مدنهم ومساكنهم، وأصبحت غزة على حد تعبير المراقبين الأجانب بمثابة أطلال لا تصلح للحياة، ورغم ذلك فما يزال الفلسطينيون يواجهون عدوهم من خلف الأنقاض، إلا أنهم لم يفقدوا الأمل شعورا منهم بأن الأوطان الغالية تحتاج إلى تضحيات غالية، وقد تسلحوا بتجارب كثيرة عن أوطان مرت بتلك التجارب، وخاضت حروبا متواصلة في سبيل الحصول على حريتها، وهم على علم بأن قضيتهم وحدها هي القضية التي ما تزال تقع في دائرة النسيان، في الوقت الذي يحظى فيه عدوهم بدعم أمريكي وأوروبي غير مسبوق في تاريخ هذا الصراع.
لن يرحم التاريخ كل من تخلى عن القضية الفلسطينية، وكل من تسابق في تطوير علاقات استراتيجية مع العدو الأول للعرب، ولن يرحم التاريخ كل من طالبوا ودعموا اجتياح القوات الأمريكية للأرض العراقية واستباحتها وتفجير كل تناقضاتها الدينية والعرقية والسياسية، وانقسام العراقيين وصراعاتهم على قضايا كثيرة من قبيل الهوية وعلاقات العراق الإقليمية ونظام الحكم، وهو ما أدخل هذا البلد العربي الكبير في فوضى ما يزال العراقيون يدفعون ثمنها من دمائهم واقتصادهم وأمنهم وتعليم أبنائهم، ولن يغفر التاريخ كل من شارك في هذه المأساة الكبرى والرهان على سقوط النظام العراقي السابق، وتَعجل العرب في استقدام الجيوش الأمريكية وحلفائها لإسقاط النظام العراقي، أعتقد أنه كان في استطاعة العقلاء من العرب بذل المزيد من الدبلوماسية والجهد في سبيل تراجع صدام عن طموحاته، لكن القبول بضياع العراق وافتقاد استقلاله كان ثمّنا باهظا لم يستعد العراق إلى الآن عافيته بعد، ولم يتمكن العرب حتى اليوم من استعادة روحهم المسلوبة.
إذا كانت القضية الفلسطينية قد امتدت ٧٦ عاماً وخلال هذه السنوات كان العرب يعتبرونها قضيتهم المركزية أما وقد وجدوا في حليفهم الكبير عوناً لهم بصرف النظر عن موقف شعوبهم مراهنين في كل سياساتهم على حليفهم الكبير، الذي تعد إسرائيل بمثابة أهم ركائزه، بل ربما أكثر من ذلك بعد أن صرح رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بايدن في خضم الصراع الدائر في غزة والضفة قائلا: «إذا لم تكن إسرائيل قد وُجدت فقد كنا سنسعى جاهدين إلى وجودها»، هذه هي الحقيقة التي كان يعرفها جمال عبد الناصر منذ خمسينيات القرن الماضي، إلا أن قادتنا الجدد قد أعلنوا تخليهم عنها تماما، مكتفين أحيانا بإمداد الجوعى والمحتاجين من فتات غذائهم، ووسط كل هذه المأساة الكبرى يخرج علينا بعض إعلام بني جلدتنا يلقون باللائمة على المقتول والجريح بدلا من إدانة القاتل، الذي ما يزال يواصل عدوانه في ظل دعم أمريكي وغربي لا نظير له في تاريخ هذا الصراع.
حينما تقوم بعض القوى الإقليمية بدورها للدفاع عن مأساة الفلسطينيين في غزة والقطاع لم يكتف البعض بالصمت والخجل وإنما تخرج علينا الكتائب الإلكترونية ووسائل الإعلام بالنيل من هذا الدعم، والاستخفاف والاستهانة بما تقدمه بعض القوى للدفاع عن الفلسطينيين، كان آخرها الصاروخ الذي أطلقه اليمنيون وطال قلب العاصمة تل أبيب، وجعل الشعب الإسرائيلي يهرع إلى الملاجئ وهو في حالة من الهلع والخوف، أليس ذلك دعما للفلسطينيين؟ وهل تستطيع إسرائيل البقاء في ظل ما تواجهه من مقاومة ربما تمتد إلى أماكن أخرى جميعها تنتفض غضبا بسبب ما يحدث في غزة والضفة الغربية من مآس نشاهدها في مشاهد حية على كل وسائل الإعلام.
القضية الهامة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو تخلي العرب وضعفهم وهوانهم على أعدائهم، وعدم رغبتهم في قراءة المشهد البائس الناجم عن استقوائهم بعدوهم الحقيقي، وكنت قد كتبت من قبل.. إذا نجحت إسرائيل في القضاء على الفلسطينيين فربما تنفرد بأوطان أخرى وبدعم أمريكي أيضا، الأمر خطير والمستقبل غامض وبائس.
د. محمد صابر عرب أكاديمي وكاتب مصري
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة ما یزال إلا أن فی غزة
إقرأ أيضاً:
هل يوشك الصراع على الاشتعال؟ إيران تهدد بشن هجمات على إسرائيل وأمريكا قبيل الانتخابات الرئاسية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
وسط تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل، وجه المرشد الإيراني علي خامنئي تحذيرًا شديد اللهجة لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل، مهددًا برد "ساحق" على ما وصفه باعتداءاتهما المتكررة على بلاده وداعميها في المنطقة. وفي منشور عبر منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، أكد خامنئي أن "الشعب الإيراني وقيادته لن يترددوا في الرد على أي تحرك عدائي".
هجوم إسرائيلييأتي هذا التصعيد بعد هجوم إسرائيلي استهدف مواقع عسكرية إيرانية في 26 أكتوبر، مما أدى إلى مقتل خمسة أشخاص على الأقل.
وأعقب الهجوم دعوات من قادة إيرانيين، من بينهم محمد كلبايجاني، رئيس مكتب خامنئي، وقائد الحرس الثوري حسين سلامي، بالرد "بشكل غير مسبوق" على إسرائيل، ووصفوا الهجوم بـ"اليائس" وأكدوا أن الرد الإيراني سيجعل إسرائيل "تندم".
استعداد إيران لشن هجومفي السياق ذاته، أشارت تقارير أمريكية، نقلًا عن مصادر استخباراتية إسرائيلية، إلى استعداد إيران لشن هجوم باستخدام طائرات مسيرة وصواريخ باليستية قد يُنطلق من العراق قبل الانتخابات الأميركية المرتقبة في 5 نوفمبر.
ومن جانبها، حذرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن طهران من مغبة التصعيد، مؤكدة، أن الولايات المتحدة لن تستطيع كبح جماح إسرائيل إذا ردت إيران عسكريًا، وأن هذا التحذير نُقل مباشرة إلى القيادة الإيرانية. وفقًا لما نقله موقع "أكسيوس"
من ناحيته، دعا عضو الكنيست أفيجدور ليبرمان إلى اتخاذ خطوات استباقية لمواجهة التهديدات الإيرانية، مشددًا على ضرورة التحرك قبل أن تترجم إيران تهديداتها إلى أفعال.
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، يبدو أن المنطقة على شفا تصعيد غير مسبوق قد يؤدي إلى صراع إقليمي واسع، خاصة في ظل التوترات المستمرة في غزة ولبنان، ما ينذر بتداعيات خطيرة على استقرار الشرق الأوسط.
ويوم الجمعة، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن نشر جديد للسفن والطائرات الحربية في المنطقة.
وقال اللواء بات رايدر، السكرتير الصحافي للبنتاجون، إن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أمر بنشر طائرات مقاتلة ومدمرات دفاع صاروخي باليستي وقاذفات بعيدة المدى من طراز "بي-52" للمساعدة في تعزيز الدفاع عن إسرائيل والمصالح الأمريكية في المنطقة.
كما أكد رايدر أن "الوزير أوستن شدد على أنه إذا استخدمت إيران أو شركاؤها أو وكلاؤها هذه اللحظة لاستهداف أفراد أو مصالح أمريكية، فإن الولايات المتحدة ستتخذ كافة الإجراءات اللازمة للدفاع".
تجدر الإشارة إلى أن البنتاجون، في أواخر سبتمبر، قد نشر مجموعة حاملة طائرات ضاربة في المنطقة لردع الهجمات الإيرانية، ولإسقاط أي صواريخ باليستية قد تُطلق على إسرائيل. كما قامت الولايات المتحدة في الشهر الماضي بنشر نظام "ثاد" الصاروخي في إسرائيل، بالإضافة إلى طاقم عسكري أمريكي، لتعزيز قدرات الدفاع الجوي بعد الهجوم الصاروخي من إيران في 1 أكتوبر.
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، يبدو أن المنطقة على شفا تصعيد غير مسبوق قد يؤدي إلى صراع إقليمي واسع، خاصة في ظل التوترات المستمرة في غزة ولبنان، ما ينذر بتداعيات خطيرة على استقرار الشرق الأوسط.
بالتزامن مع تهديد إيراني بالرد على إسرائيل، أعلنت واشنطن التأهب بنشر حاملة طائرات حربية في منطقة الشرق الأوسط.
وأمر وزير الدفاع لويد أوستن، بنشر طائرات ومدمرات وقاذفات بعيدة المدى من طراز «بي - 52»، للمساعدة في الدفاع عن إسرائيل والمصالح الأميركية بالمنطقة.
وقال بات رايدر، السكرتير الصحافي للبنتاغون، «إذا استهدفت إيران أو وكلاؤها أفرادًا أو مصالح أميركية في المنطقة، فإن الولايات المتحدة ستتخذ كل الإجراءات للدفاع عنهما». في المقابل، نقل موقع أكسيوس عن مسؤول أميركي ومسؤول إسرائيلي سابق قولهما إن الولايات المتحدة حذرت إيران في الأيام القليلة الماضية من شن هجوم آخر على إسرائيل وذكرت أنها لن تكون قادرة على كبح إسرائيل إذا هاجمتها طهران مجددًا.
وتوعد المرشد الإيراني علي خامنئي، أمس، بالرد على «العدوين أميركا وإسرائيل بشكل ساحق وقاسٍ»، وقال: «كونوا واثقين من ذلك».
وفي العراق، تبنت «المقاومة الإسلامية» تنفيذ 4 هجمات بطائرات مسيّرة ضد «أهداف حيوية» في مدينة إيلات جنوب إسرائيل. وأعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض 3 طائرات مسيرة أطلقت من الشرق فوق البحر الأحمر.