تداعيات الخروقات الأمنية في أجهزة اتصالات حزب الله
تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT
ترجمة: بدر بن خميس الظّفـري -
إن الهجوم الاستثنائي الذي وقع في السابع عشر من سبتمبر في لبنان باستخدام أجهزة النداء (البيجر)، والذي أعقبه هجوم وقع باستخدام أجهزة الاتصال اللاسلكية، يشكل أكبر خرق أمني يواجهه حزب الله في تاريخه. والواقع أن هذه الهجمات، التي يتهم بتنظيمها جهاز الموساد الإسرائيلي على نطاق واسع، وإن لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها رسمياً عنها بعد، تشكل معضلة خطيرة بالنسبة لحزب الله.
لم يعد بإمكان حزب الله أن يدعي أنه منيع عندما يتعلق الأمر بأمنه. على مدى عقود، قدمت المجموعة حجة مراعاة السرية في عملياتها وشبكة اتصالاتها باعتبارها ضرورية لدورها في دعم دفاع لبنان. ولهذا السبب يُصِرُّ الحزب على شبكة اتصالات منفصلة تمامًا عن الشبكة الوطنية. ولهذا السبب أيضًا دافع حزب الله عن أنشطته السرية في ميناء ومطار بيروت، فقد كان يستورد ويصدر البضائع من خلال تلك المرافق العامة وكذلك عبر حدود لبنان مع سوريا دون أي إشراف أو تدخل من قبل سلطات الدولة اللبنانية.
وللحد من احتمالات التعرض للانكشاف، كان حزب الله يشرف في كثير من الأحيان على العملية برمتها لشراء أو بيع السلع في لبنان، بما في ذلك الأسلحة والأدوية، كما كان يتعامل بسرعة مع اكتشاف أي متسللين بين صفوفه. وتمارس الجماعة مراقبة عالية في مناطق نفوذها في جنوب لبنان، ووادي البقاع وبيروت. وقد نقلت مثل هذه التدابير صورة الجماعة التي تدير دولة أمنية داخل الدولة اللبنانية.
لقد حطمت الهجمات التي شنتها إسرائيل باستخدام أجهزة النداء واللاسلكي هذه الصورة. فقد أظهرت أن حزب الله معرض لخطر اعتراض إسرائيل ليس فقط لشبكة اتصالاته بل وأيضاً لسلسلة إمداداته. ومع هذا المستوى المرتفع من التعرض، فإن الحزب سوف يحسب خطواته التالية ضد إسرائيل بعناية. وسوف يسود أيضاً الخوف بين صفوف الحزب فيما يتصل بما قد تكون إسرائيل قادرة على تخريبه. وهذا بدوره من شأنه أن يخفض الروح المعنوية بين صفوف حزب الله.
إن مستوى الفوضى الذي أحدثه الهجوم على أجهزة النداء يأتي في مقدمة المخاوف القائمة داخل حزب الله بشأن المراقبة الإسرائيلية. فمنذ أكتوبر الماضي، كانت إسرائيل تستهدف بشكل مستمر مئات من ضباط الحزب وقادته في مختلف أنحاء جنوب وشرق لبنان، وحتى في بيروت. وقد قُتل هؤلاء الأفراد بضربات إسرائيلية ليس فقط في ساحة المعركة، بل وأيضاً في المنازل والسيارات. وبعد أن أدرك حزب الله أن إسرائيل قادرة على تتبع تحركاته من خلال الهواتف المحمولة، أصدر تعليماته لعملائه بالتحول إلى أجهزة النداء (البيجر) بدلاً من ذلك، على أساس أن التكنولوجيا الأقل تطوراً تعني اتصالات أكثر أماناً.
تعهد حزب الله مرارا وتكرارا بالانتقام من إسرائيل بسبب هجماتها عليه، ولكن حتى اغتيال إسرائيل لقائدها الأعلى، فؤاد شُكُر، كان بمثابة انتقام. ولم يشعل هجوم شكر أي رد انتقامي جدي. ويرجع هذا جزئياً إلى أن من غير مصلحة حزب الله أن ينخرط في عمل من شأنه أن يؤدي إلى حرب شاملة مع إسرائيل، وجزئياً لأن الضعف الأمني يحد من قدرته على التخطيط للأنشطة العسكرية. وقد أكد هجوم أجهزة النداء أن مستوى هذا الضعف أعظم كثيراً مما توقعه حزب الله. فقد أدى إلى شل ترسانته العسكرية تقريباً. ففي نهاية المطاف، تتطلب أي خطة عسكرية استخدام أدوات الاتصال، وقد ثبت أن أدوات حزب الله معرضة لخطر الاختراق.
يبدو أن إسرائيل لديها الآن الفرصة لاستغلال ضعف حزب الله المتزايد، وشن عملية عسكرية واسعة النطاق ضد الجماعة في جنوب لبنان. ولكن إسرائيل لن تسلك هذا الطريق بالضرورة، لأنه لن يكون مفيداً. فحزب الله معتاد على القتال ضد إسرائيل عسكرياً ويمكنه أن يتحمل قدراً كبيراً من الخسائر في هذا الصدد، فهو قادر في وقت لاحق على إعادة بناء ترسانته، كما فعل بعد حربه الأخيرة مع إسرائيل في عام 2006. ولكن هذه الهجمات تعمل كرادع بدلا من العمل العسكري.
إن نجاح هذه الهجمات سوف يعود بالنفع على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو سياسياً. فقد تعرض نتنياهو لضغوط شعبية كبيرة لتأمين الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان. وبوسعه أن يزعم أن هذه الهجمات تشكل خطوة ملموسة مذهلة نحو تحقيق هذا الهدف. وفي الوقت نفسه، تواصل إسرائيل هجماتها العسكرية على جنوب لبنان بنفس الوتيرة التي كانت عليها قبل السابع عشر من سبتمبر، وهو ما يشير إلى أن هجمات هذا الأسبوع تشكل حادثا بارزا وليس جزءا من تحول أوسع نطاقا في الاستراتيجية.
كما تعمل هذه الهجمات على تقويض المكانة الاستثنائية التي يتمتع بها حزب الله في لبنان باعتباره الكيان المسلح الوحيد في البلاد إلى جانب القوات المسلحة اللبنانية. وقد استخدم حزب الله هذه المكانة لتعزيز مكانته السياسية في البلاد. والشلل العملياتي الذي أحدثته إسرائيل يفتح الباب أمام الخسارة السياسية في نهاية المطاف.
إن كل هذه التحديات تضع حزب الله تحت ضغوط غير مسبوقة، حيث سيرغب في إنقاذ مكانته السياسية في لبنان، والاحتفاظ بمصداقيته في حربه ضد إسرائيل. وفي حين أن الخطوات التالية في الصراع غير مؤكدة، فإن إسرائيل أدمت حزب الله بالفعل بشكل عميق، مما قلص من مساحة المناورة المتاحة للجماعة. ولكن طالما لم يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار لإنهاء الصراع في غزة، فإن احتمال قيام كل من إسرائيل وحزب الله في نهاية المطاف بتوسيع نطاق معاركهما يظل مطروحا على الطاولة.
لينا الخطيب مديرة معهد الشرق الأوسط في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية، وزميلة مشاركة في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز أبحاث تشاتام هاوس.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: أجهزة النداء هذه الهجمات فی لبنان حزب الله
إقرأ أيضاً:
عون: إسرائيل ترفض إخلاء المناطق المحتلة في جنوب لبنان
لبنان – صرح الرئيس اللبناني جوزف عون بأن إسرائيل ترفض إخلاء المناطق المحتلة في جنوب لبنان.
وقال عون خلال استقباله وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك: “استمرار احتلال إسرائيل أراض وتلال في الجنوب يعرقل تنفيذ القرار 1701 ويتناقض مع اتفاق وقف النار الذي تم التوصل إليه في تشرين الثاني الماضي”.
وأكد الرئيس اللبناني أن “الجيش اللبناني الذي انتشر في كل الأماكن التي انسحب منها الاسرائيليون يقوم بواجبه كاملا في بسط الامن ومصادرة السلاح على انواعه”.
وأضاف: “لا تزال المساعي الدبلوماسية والمفاوضات مستمرة من أجل ايجاد حل جذري لهذه المسألة”، مشيرا الى أن “اسرائيل لا تزال تحتفظ بعدد من الأسرى اللبنانيين ولم تسلم سوى 5 منهم، علما أن لبنان مصر على استعادة جميع الأسرى الذين اعتقلتهم إسرائيل مؤخرا”.
وشكر عون ألمانيا على مشاركتها في الأسطول البحري لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان ودعمها للبحرية اللبنانية.
بدورها، أشارت بيربوك إلى أن بلادها “تبدي اهتماما كبيرا بالأحداث في لبنان وتتوقع الموافقة على برنامج الإصلاح الذي تقترحه الحكومة الجديدة”.
ورغم مضي فترة تمديد المهلة، واصلت إسرائيل المماطلة بالإبقاء على وجودها في 5 تلال داخل الأراضي اللبنانية على طول الخط الأزرق، دون أن تعلن حتى الآن موعدا رسميا للانسحاب منها.
وكان من المفترض أن تستكمل إسرائيل انسحابها الكامل من جنوب لبنان بحلول فجر 26 يناير الماضي، وفقا لاتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر 2024، لكنها طلبت تمديد المهلة حتى 18 فبراير 2025.
المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام
Previous الجيش الإسرائيلي يجري مناورة عسكرية في الجولان المحتل Related Posts الجيش الإسرائيلي يجري مناورة عسكرية في الجولان المحتل عربي 20 مارس، 2025 لجنة وزارية عربية إسلامية تدعو لوقف فوري لعدوان إسرائيل على غزة عربي 20 مارس، 2025 أحدث المقالات عون: إسرائيل ترفض إخلاء المناطق المحتلة في جنوب لبنان الجيش الإسرائيلي يجري مناورة عسكرية في الجولان المحتل لجنة وزارية عربية إسلامية تدعو لوقف فوري لعدوان إسرائيل على غزة مصر وقطر تبحثان جهود تثبيت اتفاق غزة وتنفيذ مراحله الثلاث حركة الفصائل الفلسطينية: المحادثات مستمرة مع الوسطاء لوقف العدوان على غزةليبية يومية شاملة
جميع الحقوق محفوظة 2022© الرئيسية محلي فيديو المرصد عربي الشرق الأوسط المغرب العربي الخليج العربي دولي رياضة محليات عربي دولي إقتصاد عربي دولي صحة متابعات محلية صحتك بالدنيا العالم منوعات منوعات ليبية الفن وأهله علوم وتكنولوجيا Type to search or hit ESC to close See all results