لجريدة عمان:
2025-01-30@14:29:56 GMT

أن تكون فلسطينيًّا في خيمة!

تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT

ماذا لو كان العنوان كما هو، باستثناء الجنسية؟ فحيثما أبدلت جنسيتك؛ اختلف المراد والوصف، وسينتج عنه معنى آخر، وحال آخر، وشكل متجسد آخر.

الخيمة في حكاية أي شعب لا تكون إلا لفعل غير معيشي، بمعنى أنها تكون حالة إسناد للترفيه أو التنزه أو حتى النشاط الكشفي، أما أن تقترن الخيمة بالفلسطيني فتلك حكاية أخرى، ليست من قبيل المتع الحياتية.

الخيمة في العُرف الفلسطيني تصنع الحُزن وما يترتب عليه من الحَزن، هي ليست فعلا خالصا، بل استدارة الوطن في خيمة!

أن تعيش في خيمة تجاورها خيمة أخرى، فخيمة، حتى يصبح العنوان كبيرا؛ الخيام، ذلك إيذان بأنك في امتحان مفاده؛ نحن هنا لأننا فلسطينيون، ولأن هذا الاسم أصبح عبارة عن مخيمات لا تتناسب مع تعريفها اللُّغوي والاصطلاحي!

فلا حرية في الكلام، لا خصوصية في الفعل المباح، حتى تكاد تحبس أطرافك كي لا تقع في مخالفة ما، على طريقة العُرف والعادة.

أن تكون في خيمة؛ يعني إلقاءك في بقعة بوطنك دون إذنك، لربما تكون في مكان يسعك بقليل، لكنه لن يكون كبيتك. خارج بيتك تعيش العذابات المتفرقة، فبيتك مؤثث بشكل تحبه، وإن كان بسيطا، خلافا لشكل ما يوجد داخل الخيمة! الخيمة كيان متحرك، لا يأخذ معنى البيت، هو منفى يُطبق على ذاكرتك، يفرغ روحك من امتلائها، ويحشرك في الفراغ، فراغ لا تعرف متى ينتهي، ومتى يمتلئ حتى تغيب الخيمة، ويحضر البيت.

أتساءل وأنا الفلسطيني المقيم في غزة، وأعيش ويلات الحرب، ماذا لو كانت الكهرباء والمياه خدمتان متوفرتان في الخيمة، هل يعني ذلك أننا لسنا منفيين، ولا يوصف حالنا بالمعاناة، لأننا في وطننا، رغم تحوله من بيت إلى خيمة! وإذا كانت الخيمة تعتبر كمنفى، فإن غزة تحوي مئات الآلاف من المنافي! ناهيك على عدم الإحساس بالطمأنينة في هذا المنفى الخيمة!

لا هدوء مطلق في الخيام، وإن صادفك بعضه، فسرعان ما تنتهك الطائرات والقذائف هذا الهدوء المصطنع، فلا أنت متلبس في فعل ممارسة الهدوء، ولا الحال يمنحك تلك الرفاهية!

لا أحد في غزة يختار مكان منفاه، بل الورقة!

تلك الورقة التي تسقط من الطائرات، تعلمك إلى أين تذهب لتختار منفاك.. الخيمة!

الشيء المؤكد الذي يغيب عن تركيبة الخيمة هو أهم شيء لحاجة الإنسان «الحمّام»، لذا فإنه أصبح مقترنا بذاك المنفى!

في الخيمة؛ الليل موحش جدا، هو وقت مكرسٌ لانتظار شروق الشمس، حتى لكأن أشعة الشمس تتحسس أجسادنا باحثة عن اكتمالها دون ثقوب!

إن لم تجد تلك الثقوب، فإنك تتنهد لتحس أنك حي، وتمضي إلى الاطمئنان على عائلتك القريبة والبعيدة، عبر المحمول- الذي لا يتمتع باتصال ثابث- للسؤال والخبر.

لست أدري عدد المرّات التي حملت فيها «الدلو» لتعبئة المياه المالحة، أو «الجالون» لتعبئة المياه العذبة بمقابل مادي، فلا وقت محدد لهذه الأعمال النهارية في غالب الأمر، المزدحمة بالتأكيد، لتزهق في كل يوم عددا من الساعات في الانتظار والتزاحم المقيت!

وأنت تدخل في كل مرة الخيمة تحاول أن تتغافل عن الحال الذي كنت فيه منعما، وما آل إليه الحال المجهول لمكان لا تنتمي له رغم أنه في وطنك!

أعتقد أن حياة الفلسطيني في غزة في ظل الخيمة، معادلة عجيبة، لنتخيل أن: فلسطيني + خيمة= منفى!

واقع محدّث في عام 2023، بعدما اقتصرت المعادلة على خيمة 1948!

الشيء الذي لا يتماشى مع المعادلات الإقليمية والدولية أن الفلسطيني إنسان، ولا سبيل إلى النيل منه، وإن صبّت عليه أصناف من العذاب.

ومن المضحكات المبكيات أن الخيمة قرب البحر! أهو احتماء الفلسطينيين بالبحر كي لا يهجَّروا من ترابهم، فيحول البحر بينهم وبين ذلك!

وما يلبث أن يبتلع البحر الخيمة حين يتمدد، وكأنه يتثاءب، ناسيا أن تثاؤبه هو حالة من إحداث مصيبة، نتيجتها الصراخ والقهر والخسارة المادية والانهيار الداخلي لأشخاص هربوا من موت التُّراب ليفاجئوا بمنغصات البحر اللَّاذعة!

ومصادفة أصبح القرب من البحر معينا على توفر المياه المستخدمة لغير الشرب! أي علاقة عجيبة تنتجها هذه الخيمة والرمزية لها.

الخيمة حواس أشبه بحواسنا، فالشمس تلهبها بلا رحمة في صيف، لو كان هادئا، والشتاء متسللا لداخلها، ناثرا بُردة الصقيع منه، تغلبني في الصيف والشتاء، فطاردة لنا في الصيف ومضيفتنا في الشتاء، هكذا كان الفلسطيني في خيمته.

وفي النسخة الثانية من النكبة الفلسطينية لا يمكن القفز عن إدراك التجاذب الفكري بين الوعي المثقف وبين الواقع الجبري؟!

لماذا علينا أن نخطّ ما نخط من كلمات في زاوية العقل الإنساني المُشتبك مع الآخر الذي يمارس عدوانه بكل شراسة.

لم تعد الكتابة فقط هي الحاضنة للموقف والوعي والإدراك بخطوط التّماس في الفعل الإنساني، بل زيدت عليه الصورة المتحركة التي تلتقط الحدث، وتمنح الفكرة والحقيقة في لحظات، فلا تحتاج الصورة المتحركة لذريعة العرض، فما يعرض؛ يوضح المراد والمشهد، ولذا كانت أسرع تأثيرا على المتلقي.

وهنا يتجه التصويب إلى هدف الكتابة في زمن الحرب، زمن الخيمة، زمن يحتل عقل وإدراك الفلسطيني في غزة.

ربما تكون سيرة الخيمة من سير المعاناة التي لم يتوقع أحد أن تتكرر في العام 2023-2024 وحتى ما بعدهما، لكنها سيرة توثّق للسيرة الكبيرة وهي قضية فلسطين.

هل كان علينا أن ننتزع فلسطين من الخيمة كي لا تتحول لمنفى؟ كان يمكن أن يكون ذلك في مكان آخر ومع عدو آخر، وكان يمكن ألا تكون الخيمة، وتبقى فلسطين دون منفى، لكن حالة الحياة هي فرار لفلسطين وإن صارت خيمة في منفى.

إلا أن ما حدث؛ حدّد مسار الخيمة ومزج تراب فلسطين بمرتبة المنفى، وجعل مما حدث كابوسا يريد الغزيّون انفضاضه عنهم.

صرت أتأمل في كلمة «خيمة» ذات الأربعة حروف، فإذا أردنا جمعها، كانت «خيام»، أربعة حروف أخرى بين خيمة وخيام، أهي مسألة جدلية أم مجرد توظيف للعقل الباطن أم هي مجرد فزلكة عددية!

المسافة بين الخيمة والبحر هي تلك المسافة الواصلة بين فلسطين التراب والماء، في مكان أقرب للمنفى!

هل كان على العالم أن يصحو، وثمن الصحو دمانا! وثمن الصحو تشرّدنا، وثمن الصحو الخيام، ليصبح هذا المكون الأساسي لمشهد الصحو!

وما بين الوعي والواقع يبرز الوجه التاريخي للقضية، وهو الحرية، حرية الإنسان، حرية المكان، حرية الحياة...

الخيمة رحى تهشم الروح وتطحن الذاكرة، ولا شفاء منها إلا بانتفاء حالة المنفى القسري، والخيمة حالة تمرد على الموت، رغم قربها من حالة إزهاق للروح، وتغيير لحالة معقدة ما بين الحياة وشبه الحياة!

الحكاية الطفلة «ماريا»، ذات الثلاثة أعوام، حين عادت لبيتها بعد شهور من المنفى؛ استيقظت فزعة: ماما، بدي أرجع ع بيتنا (الخيمة)!

الحكاية ليست ذات مشهد أو مشهدين، هي حكاية المرايا المتعددة، ففي كل مرآة تعدد العلاقة بين الزمان والمكان، وبينهما يكون الإيقاع مكرّسا بالتفاصيل وظلالها المعتمة أو تلك الأقل عتمة.

وبين الذكرى الضبابية والتي لم نصل إليها، وبين الذاكرة الحاصلة، سيندغم الكثير مما حدث ويحدث، لا لنقول شيئا مما حدث، بل لنقول كل الذي حدث ويحدث.

بين «كان» وما هو «كائن» وما «سيكون» نقف على مفترق لا طرق معروفة ولا مشاهدة، فقد مسحت تلك الآليات العسكرية ذاكرة عشرات السنين، تحت جنازيرها، لكنه التراب؛ ينعجن ببعضه، ويتحرك، لكنه لن يتناثر أو يتبخر، سيبقى هو نفسه التراب، وستغادر الآليات حتما من حيث أتت.

آمل ألا تتحول الخيمة وتصبح المنفى، ويخفت صوت التراب، ويزهق الإنسان، فتضيع فلسطين، ويبقى المنفى، وتبقى الخيمة، وتضمحل الذاكرة لمجرد خيمة ومنفى!

ستظل تلك المقولة خالدة في ذاكرتنا:

«سيرفع شبل من أشبالنا وزهرة من زهراتنا علم فلسطين فوق أسوار القدس ومآذن القدس وكنائس القدس».

تتزاحم الخرائط لضيف

فقد تأشيرة حياة

أزاح عن كاهله بكاء الانتظار

لخيبة مستعجلة

تستعير الحكاية مراثي القصص الاحتمالية للموت

موت يخرج من قبره هاتفا:

أنا ابن الخيمة!

طلعت قديح كاتب فلسطيني يعيش في غزة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی خیمة فی غزة ما حدث

إقرأ أيضاً:

هل تكون جزيرة غرينلاند شرارة حروب ترامب؟

أثارت مكالمة -الأسبوع الماضي وصفت بالنارية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيسة وزراء الدانمارك ميتي فريدريكسن- الرعب في الأوساط الدانماركية، ونقلت صحيفة فايننشال تايمز عن مصادر أوروبية رفيعة أن ترامب عندما ردت عليه فريدريكسن برفض التنازل عن غرينلاند أطلق وابلا من الشتائم والتهديدات.

فهل ينفذ ترامب تهديده بالسيطرة على الجزيرة ولو بالقوة؟ وهل تكون غرينلاند الشرارة الأولى لحروب ترامب؟

وقبل تناول ما حصلنا عليه من معلومات ودراسات تستجلي جوانب هذه القضية وتستشرف مآلاتها، سنعرج قليلا على تاريخ أميركا في التعامل مع جزر القطب الشمالي وكيف استولت من قبل على جزر مماثلة عبر صفقات مع دول بما فيها الدانمارك نفسها، مع معطيات مختصرة عن جزيرة غرينلاند.

أميركا والاستحواذ على الجزر الدانماركية

يؤكد أستاذ القانون في جامعة هارفارد جاك لاندمان غولد سميث -في دراسة نشرها المعهد الأميركي لدراسات القطب الشمالي منتصف يناير/كانون الثاني الجاري- أن هذه ليست المرة الأولى التي تسعى فيها الولايات المتحدة إلى الاستحواذ على جزيرة من الدانمارك لما تسميه "أغراض الأمن القومي".

ويضيف سميث أن أحد الأسباب التي تجعل ترامب يريد غرينلاند هو منع الدول الأخرى من الهيمنة عليها، فقد صرح متحدثا عن الجزيرة "إنك تنظر منها إلى الخارج -ولا تحتاج حتى إلى منظارـ وترى السفن الصينية في كل مكان، والسفن الروسية في كل مكان، ولن نسمح باستمرار ذلك".

إعلان

وكان قلق مماثل قد دفع الرئيس الأميركي الأسبق أبراهام لينكولن للسعي للاستحواذ على جزر الهند الغربية الدانماركية، حيث اعتبر أنها عُرضة لخطط الاستحواذ عليها من دول أوروبية خصوصا بريطانيا العظمى والنمسا، لكن اغتيال لينكولن 1865 أخر عملية الاستحواذ قبل أن يتجدد الاهتمام الأميركي بالجزر فجر الحرب العالمية الأولى مع افتتاح قناة بنما عام 1914 وخشية استيلاء ألمانيا عليها.

وزير خارجية الولايات المتحدة لانسينغ (الثاني من اليمين) يسلّم الوزير الدانماركي برون مسودة بقيمة 25 مليون دولار لشراء جزر الهند الغربية الدانماركية عام 1917 (غيتي)

وهكذا وبحلول يناير/كانون الثاني 1917 تنازلت الدانمارك عن جزر الهند الغربية المعروفة اليوم بسانت توماس وسانت جون وسانت كروا للولايات المتحدة مقابل 25 مليون دولار.

ويخلص الأستاذ سميث إلى إن أوجه التشابه بين "معركة" الاستحواذ على جزر الهند الغربية الدانماركية ومقامرة ترامب للحصول على غرينلاند ملحوظة، فلدى ترامب مخاوف إستراتيجية بشأن نفوذ الصين وروسيا في المنطقة، ويسعى لإبراز القوة العسكرية والاقتصادية لأميركا تطبيقا لشعاره "أميركا أولا".

وتعد جزيرة غرينلاند التي ينصب عليها اهتمام ترامب حاليا أكبر جزيرة في العالم مع موقع إستراتيجي وثروة غير مستغلة من المعادن والنفط، وهي تابعة للدانمارك لكنها تتمتع بحكم ذاتي وتغطي الثلوج نحو 80% من مساحتها، بينما يسكن المساحة المتبقية 57 ألف نسمة.

رسم يوضح ميناء وأحواض بناء السفن في كريستيانستيد في سانت كروا في جزر الهند الغربية عام 2002 (غيتي) ذعر في الدانمارك

اعتبرت رئيسة الوزراء الدانماركية ميتي فريدريكسن في رسالة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تزامنا مع أداء الرئيس الأميركي الجديد اليمين الدستورية أنه: "من المرجح أن نواجه فترة طويلة وصعبة.. وأتوقع أننا نحن الأوروبيين سوف نضطر إلى التعامل مع واقع جديد".

إعلان

ويؤكد تقرير لمراسلة راديو كندا في كوبنهاغن الصحفية تمارا ألتيريسكو أن رسالة فريدريكسن هذه تكشف صدمتها من محادثة أجراها معها الأسبوع الماضي دونالد ترامب، وكرر خلالها تهديداته بشن حرب تجارية إذا لم تسلم له الدانمارك جزيرة غرينلاند، كما رفض ترامب خلال المحادثة سحب تصريحه الذي أدلى به في 7 يناير/كانون الثاني بعدم استبعاده إمكانية استخدام القوة لضم الجزيرة.

ونقل مراسلو فايننشال تايمز عن مسؤولين أوروبيين كبار قولهم إن المكالمة لم تسر على ما يرام، وإن ترامب كان عدوانيًا تجاه نظيرته الدانماركية، حيث قال أحد المسؤولين "لقد كان الأمر مروعًا"، وقال آخر: "لقد كان حازمًا للغاية.. فقبل المكالمة كان من الصعب أخذ الأمر على محمل الجد، لكنني أعتقد الآن أنه أمر خطير للغاية".

وقال المسؤولون الذين تم إطلاعهم على فحوى المكالمة "إن رئيسة الحكومة الدانماركية عرضت المزيد من التعاون بشأن القواعد العسكرية واستغلال المعادن، لكن ترامب كان مصرًا على أنه يريد الاستحواذ على الإقليم، لقد كانت نيته واضحة للغاية".

وفي السياق ذاته، نشرت صحيفة نيوزويك الأميركية تقريرا لمراسلها السياسي دان غودينغ تحت عنوان "حليف الناتو مذعور تمامًا بعد مكالمة دونالد ترامب"، مؤكدا أن ما دار خلال المكالمة التي جرت قبل 5 أيام من تنصيب ترامب وضع الدانمارك في أزمة.

وأضاف تقرير نيوزويك أن هذه الأزمة تأتي رغم أن الدانمارك حليف مهم لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأرسلت قوات للقتال إلى جانب الولايات المتحدة في حربي العراق وأفغانستان.

فريدريكسن تلقت تهديدات من ترامب بشن حرب تجارية إذا لم تسلم له الدانمارك جزيرة غرينلاند (الأوروبية) عملية ابتزاز

يؤكد تقرير ألتيريسكو وجود حالة استنفار سياسي في العاصمة الدانماركية، فالاجتماعات الطارئة تتزايد هذه الأيام بين الطبقة السياسية ورجال الأعمال، والسؤال الذي يطارد الجميع ويبقى دون إجابة حاسمة: إلى أي مدى سيذهب ترامب في تهديداته للاستيلاء على غرينلاند؟

إعلان

ورغم أن ترامب لم يذكر غرينلاند في خطاب التنصيب لكن بمجرد وصوله إلى المكتب البيضاوي في المساء، أكد للصحفيين اهتمامه بالمنطقة الشمالية، كما كرر من قبل، وقال: "غرينلاند مكان رائع ونحن بحاجة إليه لأسباب أمنية، وأنا مقتنع أن الدانمارك سوف تقبل (التنازل) في نهاية المطاف".

وينقل تقرير إذاعة كندا عن وزير الخارجية الدانماركية اعترافه أن "حكومة بلاده تستعد الآن لأي احتمال، فعملية الابتزاز بدأت للتو"، محذرا من أنه لا يمكن أن يسمح النظام العالمي لدولة ـ بمجرد أن تكون قويةـ أن تتصرف كما تشاء.

ويورد التقرير أيضا أن النائب الجمهوري المقرب من ترامب آندي أوجلز أعلن نيته تقديم مشروع قانون يطلب من الكونغرس دعم المفاوضات بين ترامب والدانمارك بشأن الاستحواذ الفوري على غرينلاند.

من جانبه، أصدر عضو البرلمان الأوروبي الدانماركي أندرس فيستيسن تحذيرا أكثر وضوحا في البرلمان الأوروبي، مما أدى إلى مطالبته بالانضباط والالتزام بالنظام، حيث قال "عزيزي الرئيس ترامب، استمع بعناية شديدة: لقد كانت غرينلاند جزءًا من المملكة الدانماركية لمدة 800 عام فهي جزء لا يتجزأ من بلدنا وليست للبيع، دعني أقولها لك بكلمات يمكنك فهمها: السيد ترامب، اذهب إلى الجحيم!".

View this post on Instagram

A post shared by الجزيرة (@aljazeera)

سيناريوهات محتملة

انطلاقا من رصدنا للتقارير والدراسات التي تناولت الموضوع، نستطيع توقع 4 سيناريوهات يمكن أن تتطور إليها هذه الأزمة الناجمة عن الرغبة الجامحة لترامب في الاستيلاء على غرينلاند:

أولا: اجتياح عسكري أميركي

في تقرير نشرته صحيفة بوليتيكو الأميركية في 10 يناير/كانون الثاني الجاري بعنوان "غزو ترامب لغرينلاند سيكون أقصر حرب في العالم"، اعتبرت الصحيفة أن الرئيس الأميركي الجديد أحدث صدمة في أوروبا عندما رفض استبعاد استخدام القوة العسكرية لضم جزيرة غرينلاند.

إعلان

وتعتبر الصحيفة أن المعطيات لا تترك الشك في تحديد من سيفوز في هذه المعركة، إذا نفذ ترامب تهديده بضم غرينلاند بالقوة، فإن هذه ستكون أقصر حرب في العالم نظرا لفارق القوة العسكرية بين الطرفين، فلا توجد قدرة دفاعية لدى الدانمارك لصد أي هجوم أميركي، وإن كانت بعض سفن خفر السواحل الدانماركية تتردد على جنوب شرق غرينلاند، لكن الصحافة الدانماركية ذكرت أنه حتى البرنامج اللازم لإطلاق النار على الأهداف لم يتم أصلا شراؤه لتثبيته على تلك السفن.

وتضيف الصحيفة أنه بموجب اتفاقية عام 1951 بين الدانمارك والولايات المتحدة تكفلت الأخيرة بالدفاع ضد أي هجوم على جزيرة غرينلاند، نظرا لعدم قدرة الدانمارك على ذلك، وبالتالي، فإذا حاول ترامب الاستيلاء على المنطقة بالقوة، "فالسؤال هو: من سيقاتل الأميركيين، فليس هناك بالفعل إلا الجيش الأميركي؟!!"

وتوضح بوليتيكو أن الولايات المتحدة قلصت بشكل كبير وجودها العسكري على الجزيرة بعد انتهاء الحرب الباردة، ولكن محطة رادار الإنذار المبكر ما تزال قائمة في قاعدة بيتوفيك الفضائية في شمال غرب غرينلاند، وهي من أهم محطات رصد المركبات الفضائية والصواريخ الباليستية، بما في ذلك الرؤوس الحربية النووية المحتملة التي تطلقها موسكو.

ورأت الصحيفة أن الدانمارك قد تطلب المساعدة من الاتحاد الأوروبي، وقد أكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو أن الاتحاد الأوروبي لن يسمح بحدوث الاستيلاء على الأراضي التابعة له، ولكن من غير الواضح ما إذا كان الاتحاد الأوروبي قادرا بالفعل على تقديم المساعدة العسكرية للدانمارك في هذه القضية.

وحسب بوليتيكو فإن الدانمارك تستطيع أيضا الاستعانة بالناتو بناء على المادة الخامسة من ميثاق الحلف التي تكفل الدفاع المتبادل بين أعضائه، وإن كان الأمر معقدا هذه المرة حيث إن مصدر التهديد عضو أيضا في الحلف، وهو ما وصفته المكلفة بالسياسات العامة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أجاثي ديماريس "بالأمر المحير والمجهول التبعات، وعندما تفكر فيه تجد أن لا معنى له على الإطلاق".

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، قال ردا على الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بعد تهديده بالسيطرة على جزيرة غرينلاند، إن الاتحاد الأوروبي لن يسمح لدول أخرى بمهاجمة حدوده
للمزيد: https://t.co/76txX1n44X pic.twitter.com/mm98slWe4l

— Aljazeera.net • الجزيرة نت (@AJArabicnet) January 8, 2025

ثانيا: حرب تجارية وضغوط اقتصادية إعلان

حسب تقرير مشترك لصحفييْ البي بي سي لورا جوزي من كوبنهاغن وروبرت غرينال فإن الحرب التجارية والضغط الاقتصادي يمثلان التهديد الأكبر المحتمل للدانمارك، حيث سيقوم ترامب بزيادة التعريفات الجمركية بشكل كبير على البضائع الدانماركية والأوروبية، مما قد يجبر الدانمارك على التنازل عن غرينلاند.

وقد هدد ترامب بفرض رسوم جمركية عالمية بنسبة 10% على جميع الواردات الأميركية، مما قد يؤدي إلى تعطيل النمو الأوروبي بشكل كبير.

وحسب تقرير البي بي سي فإن من بين الصناعات الدانماركية الرئيسية التي من المرجح أن تتأثر بهذا الإجراء صناعة الأدوية، حيث تحصل الولايات المتحدة من الدانمارك على منتجات مثل أجهزة السمع ومعظم الأنسولين الذي تحتاجه، فضلا عن دواء السكري أوزيمبيك، الذي تنتجه شركة نوفو نورديسك الدانماركية.

ثالثا: أن يصرف ترامب اهتمامه عن الموضوع 

ينقل أستاذ هارفارد غولد سميث في دراسته عن السفير الأميركي السابق في بولندا دانييل فريد أن "تهديدات ترامب ضد غرينلاند قد تكون مجرد استفزاز.. فترامب يستمتع بقول أشياء تجعل الناس يهرعون ويثرثرون ويعبرون عن الغضب".

وحسب تقرير البي بي سي فإن البعض يرى أن الخطوة التي اتخذها ترامب قد تكون مجرد استعراض وتهدف إلى دفع الدانمارك إلى تعزيز أمن غرينلاند في مواجهة التهديدات من روسيا والصين اللتين تسعيان إلى تعزيز نفوذهما في المنطقة.

والشهر الماضي، أعلنت الدانمارك بالفعل عن برنامج عسكري جديد بقيمة 1.5 مليار دولار لمنطقة القطب الشمالي.

وتقول إليزابيث سفين، المراسل السياسي الرئيسي لصحيفة بوليتيكن: "ما كان مهمًا في كلمات ترامب هو أن الدانمارك يجب أن تفي بالتزاماتها في القطب الشمالي أو تترك الولايات المتحدة تفعل ذلك".

رابعا: استقلال غرينلاند وعلاقات أوثق مع أميركا

يؤكد تقرير البي بي سي أن الإجماع منعقد لدى شعب غرينلاند بأن الاستقلال سوف يحدث في نهاية المطاف، وإذا صوت الشعب لصالح الاستقلال فإن الدانمارك سوف تقبله.

إعلان

ونقلت صحيفة "ذا هيل" الأميركية عن الباحث الرئيسي في المعهد الدانماركي للدراسات الدولية أولريك جاد أن رئيس وزراء غرينلاند قد يكون غاضبا من الدانمارك ومتحمسا لإجراء استفتاء لاستقلال الجزيرة لكن عليه أن يبحث عن طريقة لإنقاذ اقتصاد غرينلاند الذي كانت تموله الدانمارك، مضيفا أن إقامة شراكة وتعاون مع الولايات المتحدة قد تكون الحل الأمثل.

ويعتبر الباحث جاد أنه حتى لو تمكنت غرينلاند من التخلص من الدانمارك، فلن تستطيع التخلص من الولايات المتحدة، فمنذ سيطرتهم عليها خلال الحرب العالمية الثانية، لم يغادر الأميركيون الجزيرة قط ويعتبرونها حيوية لأمن الولايات المتحدة الأميركية.

مقالات مشابهة

  • حرقوهم أحياء داخل خيمة.. الإعدام شنقا للصين قتلا 3 أشخاص بالجيزة
  • شاهد | التدمير لا يبرر التهجير.. من خيمة في الجنوب إلى خيمة في الشمال
  • الإعدام شنقا للمتهمين بقتل 3 عمال حرقًا داخل خيمة في منشأة القناطر
  • من طفولته في الإسكندرية إلى المنفى بباريس.. بيرم التونسي شاعر لم يعرف الحب أبدا
  • هل تكون جزيرة غرينلاند شرارة حروب ترامب؟
  • أهالي كفركلا نصبوا خيمة على طريق الخردلي
  • عودة الفلسطينيين إلى شمال غزة محاكاة ليوم تحرير فلسطين العظيم الذي نراه قريبًا
  • هل تكون أفريقيا هي مستقبل العالم؟
  • مسؤولون فلسطينيون: لم يتم توفير سوى 800 خيمة بحجة إجراءات متعلقة بالشحن
  • مسؤول بغزة للجزيرة: غرفة عمليات لمتابعة النازحين ويلزمنا 120 ألف خيمة للإيواء